هل من إستراتيجية واضحة للسلطة تجاه غزة؟

محمود عباس
محمود عباس

يدور جدل فلسطيني دائم، منذ أحداث الإنقسام التي وقعت في يونيو/حزيران عام 2007، حول طبيعة العلاقة الناظمة بين السلطة الفلسطينية وقطاع غزة، بالرغم من عدم خضوع الأخير لسيطرة السلطة وإنما حركة "حماس".

ولطالما تردّ السلطة بالأرقام حول "القليل" الذي تجنيه من بعض ضرائب غزة مقابل "الكثير" الذي تنفقه شهرياً على القطاع، على حد قولها.

لكن، هل من إستراتيجية واضحة تنتهجها السلطة تجاه غزة؟..وما طبيعتها؟

السلطة: "مسؤوليتنا تجاه غزة دون أي مردود"

بدت العديد من الجهات الحكومية وحتى الفتحاوية مترددة بالحديث لموقع "زوايا" حول طبيعة الإستراتيجية التي تنتهجها السلطة تجاه غزة، عبر قولهم "لا داعي لتكرار ما يُقال..فالرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة قد تحدثا عن ذلك مراراً، وخاصة ما يتعلق بما تقدمه السلطة لغزة شهرياً دونما أي مقابل".

وقال رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة فتح منير الجاغوب لموقع "زوايا"، إن حركته تُقيّم علاقة السلطة بغزة، بإعتبار أن "فتح" هي الحزب الحاكم والفصيل الأكبر في منظمة "التحرير"، إنّ الحكومة الفلسطينية تواظب على دفع فاتورة الكهرباء الخاصة بغزة دون أي مردود مالي، بل يذهب الأخير لجيب حركة "حماس". وأضاف أن السلطة الفلسطينية تقوم كذلك بدورها من الناحية الصحية لسكان غزة، علاوة على مشاريع البنية التحتية من خلال وزارة الحكم المحلي، على حدّ تعبيره.

اقرأ أيضاً: صمت فلسطيني رسمي تجاه الوفاء الأمريكي بجزء من "وعد القنصلية"

وأشار الجاغوب إلى أنّ منطلق السلطة في عدم تراجعها عن التزاماتها تجاه غزة رغم الإنقسام وسيطرة حماس على القطاع، هو أن ذلك "واجب وطني، وحتى لا تكون هناك أي ذريعة لفصل غزة عن الضفة، خاصة أنه لا دولة فلسطينية دون غزة، ولا دولة في غزة بلا الضفة".

الواقع، أن هناك دافعاً آخر لعدم قطع السلطة علاقتها مع غزة، وهو ما نُسب إلى رئيس الوزراء محمد شتية في حديث داخلي، بعيداً عن الإعلام، قبل أربعة أشهر، ويتمثل بمصلحة "فتح" بالحفاظ على مخزون إنتخابي في غزة، حينما تحين الفرصة لحصول الإنتخابات في أي وقت، وفق ما أفادت به مصادرلـ "زوايا" .

أكثر من إستراتيجية حكمت علاقة السلطة بغزة خلال الإنقسام

بيدَ أنّ أستاذ العلوم السياسية د.غسان الخطيب، رأى أن طريقة تعامل السلطة الفلسطينية والجهات الرسمية مع أزمة قطاع غزة قد مرّت بأكثر من مرحلة؛ ففي المرحلة الأولى حاولت السلطة أن تعتمد على إستراتيجية تحميل مسؤولية الواقع الصعب للجهة المسيطرة على غزة وهي حركة "حماس"، علّها تكون وسيلة لممارسة نوع من الضغوط على "حماس" التي استولت على الوضع في غزة.

لكن الخطيب يعتقد، في حديثه لـ "زوايا" ، أنه تبين للسلطة، مع مرور الوقت، بأن هذه الإستراتيجية لم تؤدِ الهدف المرجو منها، بل على العكس من ذلك، فقد أدت إلى نتائج معاكسة؛ لأنها أدت إلى تحامل الجزء المحسوب على السلطة الفلسطينية في القطاع وخاصة أواسط حركة "فتح"، ما يعني أنها غضبت من السلطة بسبب سياساتها التي أضرت بها.

وفيما بعد، قامت السلطة بتغيير إستراتيجيتها الأولى التي اتبعتها فور وقوع الإنقسام، إلى أخرى، حاولت من خلالها أن تتعامل بمسؤولية أكبر تجاه القطاعات المختلفة بغزة، خصوصا في المراحل التي حصلت فيها حروب إسرائيلية، وذلك عبر عمليات إعادة الإعمار والعمل على توفير مشاريع بغزة؛ لإشعار الجمهور بأنّ السلطة تتعامل بمسؤولية أكبر مع سكان القطاع، وفق غسان الخطيب.

غير أنه حتى في ظل هذه الإستراتيجية أيضاً، أكد الخطيب أنه لم تكن هناك نتائج إيجابية مرجوة، وأحد الأسباب الرئيسية، وفق رأيه، هو عدم وجود قاعدة تنظيمية قوية ومتينة في غزة تعمل لصالح السلطة الفلسطينية، وتحديدا حركة فتح التي لا تعمل بشكل متماسك وتنظيمي في غزة، وهو ما يحول دون وجود قاعدة لجني ثمار أي إستراتيجيات تعتمدها السلطة نحو القطاع.

ما هي الإستراتيجية الأفضل؟

يرى غسان الخطيب أنّ الإستراتيجية الأفضل الواجب اتباعها من قبل السلطة تجاه غزة، يجب أن تُبنى على أمرين؛ الأول منهجية العمل بشكل مسؤول نحو قطاع غزة واجتذاب أكبر قدر من الدعم بكل الطرق الممكنة. وأما الثاني، فهو أن يوازي هذه الإستراتيجية حضور تنظيمي سياسي قوي بالقطاع؛ كي يكون هناك تكامل بين جهد سياسي تنظيمي من ناحية وبين العمل بمسؤولية لتحسين الأوضاع بقطاع غزة، قدر الإمكان، من ناحية أخرى.

تيسير الزّبري: السلطة تتخبط في سياستها نحو غزة

من ناحيته، عبر عضو المجلس الوطني الفلسطيني تيسير الزِّبري عن انتقاده للسياسة التي تنتهجها السلطة نحو غزة، مضيفاً لموقع "زوايا"، "أنه بالنظر إلى نتائج هذه السياسة، فإن غزة لم تعد في سُلم أولويات السلطة واهتماماتها".

ويعتقد تيسير الزبري أنّ ما تقوم به السلطة هو تسهيل أمور الناس الحياتية في الضفة بدون قطع الخيط مع غزة، بموازاة انعدام أي إستراتيجية واضحة نحو القطاع، وإنما عبارة عن تخبط لسياساتها نحوه. وتابع: "نذكر إجراءها التقاعد الإجباري لموظفيها في غزة، وقضية موظفي 2005..هي عبارة عن شد أعصاب دائم بين السلطة وموظفيها في غزة".

ولفت إلى أنّ هناك أفراداً من السلطة الفلسطينية يتعاملون مع غزة وكأنها "عبء" وأن الوطن فقط هو رام الله، مؤكداً أنه لا يعلم إن كان ذلك يعكس تخبطاً أو يندرج في سياق خطة لا سيما وأن "هناك عناصر مؤثرة بالسلطة لا تريد غزة، لكن السلطة لا تجرؤ عن الإعلان عن ذلك"، حسب الزبري.

وشدد عضو المجلس الوطني على أن الأمل كان بإجراء الانتخابات العامة، علّها تحل المشكلة فيما يخص علاقة السلطة بغزة، عبر إفراز مجلس تشريعي واحد وتشكيل حكومة وحدة وطنية. لكنّ إلغاء الإنتخابات، حسب تيسير الزبري، زاد من الفجوة بين السلطة وغزة، وهو ما يجعل المشروع الوطني مهدداً.

"حماس والإحتلال والسلطة..مسؤولون عن خلل العلاقة بغزة"

من جانبه، اتفق الخبير بالتنمية السياسية محسن أبو رمضان مع الرأي القائل إنه "لا توجد استراتيجية واضحة من قبل السلطة نحو غزة منذ أحداث الإنقسام وتداعياته"؛ ذلك أن هناك حالة من الخلل الواضح والملموس فيما يخص علاقة السلطة بغزة، وتم إظهار الخلل ابتداءً عبر إرغام الموظفين العموميين في غزة على الجلوس في البيت والإستنكاف عن العمل، وهو ما أعطى المبرر لحركة "حماس" لملئ الفراغ في الوظيفة العمومية، كما منحها المبرر لشَغل المواقع العامة الأخرى كجهاز القضاء والوزارات والأجهزة المختلفة، حسب أبو رمضان.

وقال محسن أبو رمضان لـ "زوايا" إنه جرى تحول جديد في عام 2017، عندما أقدمت السلطة من على الخصم من رواتب موظفيها في غزة بنسبة وصلت إلى خمسين بالمئة وأحيانا ثلاثين بالمئة، إلى جانب سياسة الإجبار على التقاعد المبكر. وبيّن أبو رمضان أن كل هذا قد أدى لخلق فجوة بين سياسات السلطة من جهة وحالة قطاع غزة من جهة ثانية.

لكنّ أبو رمضان أوضح أن هناك عوامل أخرى أدت لتقييد علاقة السلطة بغزة، لا تقتصر فقط على سياسات السلطة، وتتمثل بأن القوة المسيطرة على غزة، أي حماس، تدفع بإتجاه إزاحة السلطة عن ملفات غزة الرئيسية من قبيل ملف إعادة الإعمار وأيضاً مفاوضات التهدئة وغيرها. فضلاً عن أن إسرائيل تتعامل مع حماس وغزة ككيان منفصل عن السلطة، وهو ما جعل الإنقسام الفلسطيني خدمة إستراتيجية لمصالح إسرائيل؛ بغية تمرير مشروع السلام الإقتصادي في الضفة وفق سيطرة محدودة من السلطة على الأراضي.

لذا، يرى محسن أبو رمضان أن إسرائيل استغلت الإنقسام، بموازاة عدم تقدم السلطة بإتجاه احتضان غزة وعدم دفعه لخياره الذاتي، كما دفع الإنقسام حماس للتمسك ببناء كينونة خاصة بها، بمعزل عن التنسيق مع السلطة التي لا تتعامل بإيجابية مع الحالة الإنسانية والحقوقية في غزة عموماً

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo