اتفاق غزة.. هدنة محاصرة بالتحديات الجوهرية المؤجلة

اتفاق غزة
اتفاق غزة

يمثل إعلان "انتهاء الحرب" على غزة لحظة فارقة بعد عامين من الصراع المدمر الذي أسفر عن مقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني وتدمير 80% من مباني القطاع. لكن هذا الإعلان يخفي وراءه واقعاً معقداً يجمع بين إنجاز دبلوماسي جزئي وتحديات جوهرية مؤجلة قد تهدد استدامة الاتفاق.

النجاح التكتيكي والمخاطر الاستراتيجية

اعتمد الوسطاء (مصر وقطر وتركيا) والإدارة الأميركية نهجاً تفاوضياً غير تقليدي يقوم على التنفيذ المرحلي دون التوافق المسبق على القضايا الجوهرية. هذا النهج حقق نجاحاً تكتيكياً بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لكنه يحمل مخاطر استراتيجية كبيرة:

الإيجابيات:

  • تجنب انهيار المفاوضات بسبب القضايا الشائكة
  • إنقاذ حياة المدنيين فوراً ووقف النزيف الإنساني
  • السماح بدخول المساعدات الإنسانية العاجلة
  • بناء زخم سياسي حول فكرة "السلام"

المخاطر:

  • تأجيل القضايا الحاسمة (نزع سلاح حماس، مستقبل الحكم، الانسحاب الإسرائيلي) يعني أن الانفجار محتمل في أي لحظة
  • غياب اتفاق شامل يمنح كل طرف مساحة لتفسير الاتفاق وفق مصالحه
  • احتمال عودة الصراع عند الانتقال للمراحل التالية

التناقضات في الاتفاق

أولاً: روايات النصر المتضادة

يدّعي كل طرف الانتصار، مما يعكس غياب تسوية حقيقية. حماس تتحدث عن "فرض الإرادة على العدو"، بينما ترى إسرائيل أن الاتفاق "يجبر حماس على الاستسلام". هذا التناقض ليس خلافاً لفظياً، بل يعكس فجوة عميقة في الأهداف والتوقعات ستظهر جلياً عند التفاوض على المراحل المقبلة.

ثانياً: الموقف الإسرائيلي المتناقض

تشير المؤشرات إلى أن إسرائيل لا تنوي الالتزام بالانسحاب الكامل:

  • تصريحات صحافيين مقربين من نتنياهو عن عدم التخلي عن 53% من غزة
  • السوابق اللبنانية والسورية تؤكد نمط عدم الالتزام بالانسحاب
  • هذا يتناقض جذرياً مع الخطة الأميركية للانسحاب الكامل

إقرأ أيضا في زوايا

https://zawayanet.com/p/6337

ثالثاً: معضلة السلاح والأمن

إصرار إسرائيل على نزع سلاح حماس مقابل "انفتاح" حماس على "عدم تشكيل تهديد" يمثل فجوة لغوية كبيرة. الأول يعني تفكيك القدرة العسكرية، والثاني مجرد تطمينات أمنية. هذه الفجوة قد تكون قنبلة موقوتة.

القضايا الخلافية المؤجلة

في الأجل القصير:

  • أسماء الأسرى الفلسطينيين (خاصة "الستة الكبار")
  • تسليم رفات المحتجزين الإسرائيليين
  • دخول 600 شاحنة مساعدات يومياً (تواجهه عقبات بيروقراطية إسرائيلية)

في الأجل المتوسط والطويل:

  • من يحكم غزة؟
  • نزع سلاح حماس وآلياته
  • الانسحاب الإسرائيلي الكامل
  • الترتيبات الأمنية النهائية

معضلة القوات الدولية

خطة نشر قوات دولية تواجه تحديات عملية خطيرة:

التعقيد اللوجستي:

  • تدريب 5000 فلسطيني يحتاج 18 شهراً على الأقل (أطول من الجدول الزمني للاتفاق)
  • 4 قوى عسكرية مختلفة في مساحة صغيرة (حماس، السلطة الفلسطينية، قوات دولية، الجيش الإسرائيلي)
  • غياب ولاية واضحة من مجلس الأمن حتى الآن

التناقضات السياسية:

  • ترمب يوافق مؤقتاً على "شرطة حماس" لحفظ الأمن
  • إسرائيل تطالب بنزع سلاح حماس
  • كيف تُنزع سلاح جهة مسؤولة عن الأمن مؤقتاً؟

دوافع الأطراف ومصالحهم

الولايات المتحدة:

  • ترمب يسعى لـ"إنجاز تاريخي" يعزز إرثه السياسي
  • استثمار سياسي في "صفقة القرن" الجديدة
  • رهان على استدامة الاتفاق دون التزام عسكري أميركي مباشر

إسرائيل:

  • تحقيق مكاسب ميدانية (السيطرة على أجزاء من غزة)
  • تفكيك قدرات حماس العسكرية تدريجياً
  • كسب وقت لفرض واقع جديد على الأرض

حماس:

  • البقاء سياسياً وتنظيمياً
  • تجنب الاستسلام الكامل
  • الحفاظ على دور في الحكم ولو مؤقتاً

الوسطاء العرب:

  • مصر وقطر: تعزيز الدور الإقليمي
  • تركيا: استعادة النفوذ في القضية الفلسطينية
  • جميعهم: تجنب كارثة إنسانية أكبر

إقرأ أيضا في زوايا

https://zawayanet.com/p/6341

السيناريوهات المحتملة

السيناريو الأول: الهشاشة المستدامة

استمرار وقف إطلاق النار مع توترات متقطعة، دون حل جذري للقضايا الكبرى. غزة تبقى في حالة "لا حرب ولا سلام" مع سيطرة إسرائيلية جزئية ودور محدود لحماس.

السيناريو الثاني: الانهيار المرحلي

فشل المفاوضات على المراحل التالية بسبب القضايا الجوهرية (السلاح، الانسحاب، الحكم)، وعودة تصعيد عسكري محدود أو شامل.

السيناريو الثالث: التطبيع التدريجي

نجاح بناء قوة فلسطينية فعالة، وقبول إسرائيل بالانسحاب التدريجي، وتحول حماس لجهة سياسية منزوعة السلاح. يتطلب هذا ضغطاً دولياً هائلاً وتنازلات كبيرة من الطرفين.

إقرأ أيضا في زوايا

https://zawayanet.com/p/6330

الخلاصة والتوقعات

اتفاق غزة يمثل إنجازاً إنسانياً ودبلوماسياً مهماً في وقف نزيف الدماء، لكنه ليس حلاً نهائياً. النهج التفاوضي القائم على "تأجيل المعقد" قد يكسب وقتاً، لكنه لا يحل التناقضات البنيوية.

العوامل الحاسمة لاستدامة الاتفاق:

  • مدى جدية إسرائيل في الانسحاب (المؤشرات سلبية)
  • قدرة حماس على إعادة تعريف دورها (غير واضحة)
  • فعالية الضغط الأميركي على الطرفين (تعتمد على إرادة ترمب السياسية)
  • سرعة بناء بديل أمني فلسطيني موثوق (بطيئة جداً)

التقدير النهائي: الاتفاق الحالي هو هدنة قابلة للتمديد، وليس سلاماً دائماً. النجاح الحقيقي سيُقاس بقدرة الأطراف على تحويل هذه الهدنة إلى تسوية سياسية شاملة خلال الأشهر القادمة، وهو أمر يتطلب معجزة دبلوماسية أو ضغوطاً دولية غير مسبوقة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo