باتت خيارات الطعام في قطاع غزة محدودة، في ظل ظروف الحرب الإسرائيلية الحالية وارتفاع أسعار الطعام بشكل جنوني، ما دفع كثير من المواطنين لمحاولة التأقلم مع الوضع الجديد وتغيير عاداتهم الغذائية، إلا أن الكارثة الصحية الخطيرة الناجمة عن سوء التغذية تؤثر بشكل كبير ومباشر على أصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة، وكذلك فئة النساء الحوامل.
مرضى السرطان
المواطن "محمد جرغون" أحد مرضى السرطان في غزة يقول لـ"زوايا" إنه ووفقًا لتوجيهات الطبيب المعالج الذي كان يتابع حالته الصحية قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، فإنه ممنوع من تناول الوجبات السريعة، وكذلك المعلبات التي تحتوي على مواد حافظة، وهو بحاجة إلى تناول الخضروات بشكل كبير، لما تحتويه من فيتامينات ومواد مضادة للأكسدة.
ويضيف:" للأسف ما أتناوله اليوم عكس ما أوصاني به الطبيب، فلا أجد في الأسواق سوى المعلبات والأكل السيء والفاسد، وعندما تتوفر الخضروات واللحوم والفواكه، فأسعارها خيالية، لا يستطيع المواطن شرائها، هذا بالإضافة إلى فقدان الرعاية الصحية والمتابعة والعلاج.
وتابع: عانيت في الفترة الأخيرة من فقر الدم، وانخفاض في الوزن بشكل ملحوظ، كما أعاني من آلام في العظام، وهزال وتعتب شديدين عند القيام بأي مجهود، وأنا أعلم أن الطعام الصحي والمكملات الغذائية مهمة جدا لتحسن حالتي الصحية، بالإضافة إلى تناول الدواء والعلاج.
وجبة واحدة
وأشار إلى أنه يتناول وجبة واحدة يومياً، أحياناً تكون طبق أرز، ليس هذا فحسب، بل لجأ بعض سكان غزة إلى البحث عن بقايا الطعام التي تفيض من جيش الاحتلال بعد انسحابه من بعض المناطق التي يتوغل فيها وقد يجد بقايا من معلبات التونة أو قطعة خبز.
هذا وتسبب تناول المعلبات على مدار الشهور السابقة، في إصابة أعداد كبيرة من الأطفال بسوء التغذية.
ويقول والد الطفلة "فرح غباين" من سكان وسط قطاع غزة لـ"زوايا"، أنه مع مرور الأسابيع والشهور على حرب الإبادة، تفاجأت كثيراً من نقص وزن ابنتي، كانت تزن 20 كيلوغراماً وفجأة نقص وزنها إلى 13 كيلوات، فتوجهنا بها إلى المستشفى، لافتًا إلى أن الطبيب أخبره أن طفلته تعاني من سوء تغذية من الدرجة الحمراء، والتهاب في الصدر والدم بسبب الظروف التي نعيش فيها من حرب إبادة وإغلاق للمعابر، والتي أدت إلى عدم توفر الغذاء الصحي.
فقدان الأكل السليم
ويشير الطبيب "شريف مطر"، وهو اختصاصي أطفال في مستشفى "شهداء الأقصى"، في حديث لـ"زوايا" إلى أن هناك أنواعاً ودرجات لسوء التغذية، فجميع الحالات التي توفيت وصلت إلى درجة شديدة من عدم توافر غذاء سليم وكافٍ وصحي، وبالتالي يدخل الجسم في حالة تكسير مستمر، ولا يصنّع أجساماً مضادة بشكل كافٍ.
وأضاف أن أي التهاب بكتيري يصاب به الجسم يمكن أن يعالج بمضاد حيوي بسيط، لكن بسبب سوء التغذية، يصبح الجسد ضعيفاً ولا يمتلك المناعة الكافية لمواجهة البكتيريا، لذلك تحدث له مضاعفات شديدة وتصبح الحالة معقدة، والحالة التي تحتاج إلى مضاد حيوي بسيط ستحتاج إلى مضادات حيوية قوية".
ولفت "مطر" إلى أن الحرب هي المسبب الرئيسي لسوء التغذية، فالفكرة ليست أن الولد أكل وشبع، بل ماذا أكل؟ تقريباً هناك طعام واحد يتمثل في الخبز وحبة بطاطا، فلا يوجد أكل سليم، ولا أكل متنوع، والجسم يحتاج إلى طعام متكامل يحتوي على المعادن والبروتينات والفيتامينات، وهذا لا يوجد في غزة، مضيفاً أن «كل الغزيين يعانون سوء التغذية، لكن التداعيات تظهر بشكل أكبر عند الأطفال، لعدم امتلاكهم مخزوناً كافياً من الفيتامينات والبروتينات والمعادن.
كما ضاعفت الحرب الإسرائيلية من معاناة النساء الحوامل في غزة، وتصف السيدة "أسماء أحمد" مصنفة ضمن الحمل الخطر، حالتها الصحية "لزوايا"، حيث تعاني من ضعف شديد، وبات جنينها مهدد بالهلاك، بسبب سوء التغذية وغياب الرعاية الصحية، خاصة تلك التي كانت تتلقاها من قبل عيادات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
وتضيف أنها اضطرت في كثير من الأحيان لتلقي وجبة طعام واحدة طوال اليوم، وهو ما يؤثر بشكل كبير على حالتها، وحالة جنينها الصحية.
ولم تخف السيدة أسماء مخاوفها من قرب مخاض الولادة، وذلك في ظل تدهور الخدمات الصحية داخل مستشفيات قطاع غزة، وتعرض العديد منها للإغلاق وخروج مستشفيات أخرى عن العمل.
ووفقاً لمنظمة كير الدولية، يتعرض النساء الحوامل في غزة بعد تسعة أشهر من الحرب إلى مخاطر الإجهاض والوفاة أثناء الولادة بنسبة ثلاثة أضعاف، ويوجد حالياً أكثر من 50,000 امرأة حامل في غزة، مع توقع ولادة حوالي 180 امرأة يومياً.
ويؤكد خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن المجاعة انتشرت في جميع أنحاء قطاع غزة، وذلك وسط توقف شبه كامل لدخول المساعدات.
وكانت الأمم المتحدة ومنظمات دولية عدة حذرت من انتشار المجاعة بين السكان المحاصرين في غزة، وأكد برنامج الأغذية العالمي مؤخرًا أن نصف مليون شخص في القطاع يواجهون مستويات كارثية من الجوع.