هل تسجل غزة أول توقف لامتحان الثانوية العامة فيها هذا العام؟!

النازحين مدارس الإيواء
النازحين مدارس الإيواء

يعتبر التعليم هو حائط الدفاع الأول للفلسطينيين في وجه التغييب المبرمج الذي يهدف إلى تذويب الهوية الفلسطينية وتمييع حضورها في الذاكرة والتي تعتبر هي المغذية الأساسية لاستمرار حضور السردية الفلسطينية والبناء عليها لأجيال قادمة. لهذا كان التعليم وسيبقى هو حجر الأساس والمعجزة التي تنبعث منها الأجيال الفلسطينية كل مرة لتؤكد على استمرار السعي من أجل الوصول إلى الأهداف الوطنية بغض النظر عن حالة العبث التي تسيطر على المشهد السياسي الفلسطيني بكل تفاصيله، هذا العبث الناتج عن سوء التقدير وعدم وجود الخطط الاستراتيجية للتعامل مع أي طارئ قد يحدث في بيئة تعيش الصراعات اليومية مع الاحتلال.

يعاني قطاع غزة من انهيار وتدمير طال كل مناحي الحياة الصحية والتشغيلية والسكانية والتعليمية، مما هدد ما يقارب 625 ألف طالب وطالبات في جميع المراحل الدراسية، حيث جرى تدمير مئات المدارس الحكومية والتابعة لوكالة الغوث، مما أفقد العملية التعليمة أحد أهم أركانها .. هذه الشهور السبعة من حرب الإبادة على قطاع غزة جعلت من المستحيل إنقاذ العملية التعليمية في هذا العالم الدراسي، إذ لم يمضي على افتتاح العام الدراسي شهر ونصف حتى وقع العدوان الذي راح ضحيته الآلاف من الطلاب والمدرسين.

يبقى أخطر ما في الأمر هو ضياع العام الدراسي على طلبة مرحلة الثانوية العامة الذي بقي على موعده أقل من شهرين، ولا توجد أي خطط حقيقية للتعامل مع هذه الأزمة غير المعهودة في تاريخ الصراع الوطني مع المحتل الإسرائيلي، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتماد آلية الترفيع الآلي للطلاب كما هو متوقع في المراحل الدراسية الأساسية مع تعويض ما يمكن تعويضه فيما بعد.

هذه المعضلة لم تحدث في أخطر مراحل التاريخ الفلسطيني، حتى في عام 1967 واحتلال اسرائيل لقطاع غزة والضفة الغربية، لم يحدث وأن توقف اختبار الثانوية العامة، حيث جرى ترتيب عقد امتحان الثانوية لعام 1967 بعد احتلال الاسرائيلي لقطاع غزة من قبل الإدارة العسكرية الإسرائيلية، حيث كانت تتولى الأمر فيما سبق الإدارة المصرية قبل ذلك وتوقفت بسبب الاحتلال حتى أعيد ترتيب الأمر مع الحكومة المصرية عام 1969 لعودة الإدارة المصرية لعقد اختبار الثانوية العامة بإشراف بعثة من اليونسكو، أما اليوم فنحن أمام معضلة كبيرة وهي عدم عقد امتحان الثانوية العامة لعام 2024 في قطاع غزة.

لقد فعلت السفارات الفلسطينية بعض الحلول لاستمرار عملية التعليم تحت بند إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال استغلال التعليم عن بعد بانتداب معلمين من الضفة الغربية لمتابعة تقديم الحصص التعليمية للطلاب في مختلف المراحل الدراسية الأساسية عبر تطبيقات إلكترونية، خاصة في جمهورية مصر العربية فهي الدولة صاحبة الحصة الأكبر من التواجد الفلسطيني النازح على أراضيها، لقد كان حلًا مثاليًا للطلاب النازحين، لكن هذه الفئة لا تشكل أي نسبة في تعداد الطلاب داخل قطاع غزة والذي فقدوا حقهم في تلقي الدروس، ناهيك عن الإعلان عن عقد اختبار الثانوية العالمة للطلاب الذين استطاعوا الخروج من قطاع غزة والمتواجدين في جمهورية مصر العربية.

هذه حلول عاجلة وفورية، لم يكن مخطط لها على المستوى الاستراتيجي، وأظن أن أسبوع واحد من الحرب كان كافيًا للخبراء الفلسطينيين ليعطيهم الرؤية المستقبلية للشكل الذي ستصير عليه الأمور خاصة فيما يخص بقاء واستمرار المسيرة التعليمية بأي شكل من الأشكال تحقيقًا لما قال الأستاذ المربي الكبير تعقيبًا على اللغط الذي حصل إبان احتلال إسرائيل لقطاع غزة عام 1967:" إنني لست من يعطل مسيرة التعليم؛ بسبب الاحتلال وبنادقه، بل علينا أن نتعلم كي نواجه هذه البنادق، ونكسرها بالعلم على الأقل، إن لم نستطع كسرها بمثلها"

هذه الروح الوطنية التي تعرف قيمة التعليم يجب أن تنبعث من جديد وأن توضع المشكلة كأول ملف على طاولة الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور محمد مصطفى من أجل العمل على إنقاذ مستقبلنا المتمثل في استمرار عملية التعليم تحت أي ظرف وفي أي مكان.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo