لماذا لم تتحرك حماس الضفة لنصرة غزة؟

حركة حماس في الضفة الغربية
حركة حماس في الضفة الغربية

لوقت قريب كان يشدد المجموع السياسي الفلسطيني ان ما تفعلة تل ابيب في غزة تقرأ تداعايته السياسية والأمنية في إطار معركة حسم مستقبل الضفة المحتلة والتي تشكل المغزي الاستراتيجي الأهم لإسرائيل، حيث ظلت يهودا والسامرة بحسب الوصف العبري هي الساحة التي يجب الا تنفجر انتفاضة او حتي تتحول الى خطر يرشحها الى مكانة الجبهة الثالثة، فابقتها تحت ضغط الدم والعقاب الجماعي وتمكنت تل ابيب من الهيمنة على الوعي خلال هذه الحرب بأدواتها العسكرية والقمعية.

ورغم الاهتمام الفلسطيني الذي ابداه الجميع في كل مراحل المواجهة باهمية ساحة الضفة على صعيد مستقبل الصراع الا ان سؤال الغياب ظل يقفز عند كل معركة او مواجهة مع الاحتلال، حيث لم تستثمر القوي والفصائل بنيويا وتنظيميا بحسب العديد من المراقبين في تجييش وتثوير الضفة بشكل فاعل الى الدرجة الذي يمكن ان تتحول فيه الى تحدي، كلما افترضت الظروف النضالية وليست الميدانية.

حماس أبقت الضفة طيلة السنوات الماضية مكان للصراع مع السلطة اكثر من الاحتلال وكانت مكاسبها هناك تتمحور في اضعاف النظام السياسي فحسب، ناهيك عن فقدان الجماهير الثقة بالتجربة النضالية وهو ما يفسر حالة الحياد والاستجابة الراهنة لاحداث السابع من أكتوبر.

الجبهة الثالثة

لم يكن بمقدور حماس في الضفة تهيئة وتجييش الواقع الأمني هناك ليتحول الى تحدي حقيقي يمكن استثمارة في معركة طوفان الاقصي نتيجة عوامل متعددة يراها البعض مرتبطة بالسياق الجيوسياسي من حيث تعقيدات الظرف والمكان الذي تتقاسم فيه السيطرة السلطة وقوات الاحتلال فيما يرى اخرون ان القبضة الأمنية للسلطة لم تسمح للحركة بالتنامي بالإضافة الى ازمة حضورها في ساحة الضفة.

تصريحات قادة حركة حماس حول اشتعال الضفة وامتداد طوفان الاقصى اليها وتعدد الجبهات كان يشير الى تحضيرات تتزامن وما جرى يوم السابع من أكتوبر تحول معها هذه الجبهة الى ضاغط وتحدى كبير في وجه الاحتلال كما قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إن عملية "طوفان الأقصى" بدأت من غزة وسوف "تمتد إلى الضفة والخارج لكن هذه التصريحات سرعان ما انكفاءات على وقع تصريحات اخري لعضو المكتب السياسي موسي أبو مرزوق والتى عبر فيها عن خيبة امله من عدم تحرك ساحة الضفة.

ورغم محاولات حماس تفجير جبهة الضفة ودفعها الى التحرك قبل احداث السابع من أكتوبر عبر سلسلة من الاحداث الا ان ذلك لم يتهيأ لها لأسباب يراها رئيس المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله خليل الشقاقي، تتعلق بان الحركة "لم تحسن العمل في تنظيم نفسها خلال العقد الماضي في الضفة الغربية"، مضيفا ان الإسرائيليون اعتقلوا الكثير من أعضاء الحركة. وان حماس عاجزة الآن في الضفة الغربية عن تعبئة وتنظيم مقاومة يمكن أن تستمر". بيد أن الانتفاضات السابقة لم تعتمد على حماس، فالانتفاضة الثانية، التي اندلعت في عام 2000، قادها أعضاء في حركة فتح الحاكمة في الضفة الغربية.

سؤال حضور وغياب الحركة في ساحة الضفة هو يسبق فعليا تاريخ السابع من أكتوبر وهو غياب كان كما يبدو استراتيجية مارستها الحركة في اطار صدامها السياسي مع السلطة الفلسطينية حيث راهنت الحركة على ضعف السلطة اكثر ما سعت الى مواجهة إسرائيل وحاولت الاستثمار في الحالة السياسية والشعبوية بما يعزز من مكانتها في مقابل حالة السخط من أداء مواقف السلطة كما رات العديد من التقديرات انه بدل المواجهة، تركت حماس الأمور في الضفة الغربية لمجراها، وهي متيقنة أن الأمور تسير بالنهاية في مصلحتها .

حتى موعد انطلاق معركة طوفان الأقصى حافظت الضفة على حالة عدم الاستجابة رغم الدعوات الى اطلقتها الحركة على لسان مسئوليها للتحرك والاشتباك مع الاحتلال كما يقول الكاتب ماجد الكيالي إن دعوة قائد "كتائب القسام" (محمد الضيف) فلسطينيي الضفة والقدس واراضي الـ48 للانتفاض، أو للانخراط في المعركة، بأية طريقة، لم تلق الحد الأدنى من الاستجابة، بسبب تشديد إسرائيل قبضتها الأمنية، وموقف السلطة الفلسطينية، التي اعتبر رئيسها بأن "حماس" لا تمثل الشعب الفلسطيني، وبحكم غياب كيانات سياسية فاعلة وجدية، إذ إن معظم الفصائل الفلسطينية انحسرت مكانتها التمثيلية في أوساط الفلسطينيين، كما تراجع دورها في العملية الكفاحية ضد إسرائيل، وباتت تفتقد لهويتها السياسية والفكرية، وتعيش على هامش محوري الحركتين/السلطتين، أي: "فتح"، و"حماس".

هناك من يرى أسباب اخرى هي من حيدت جبهة الضفة وقدرة حماس كما يقول استاذ العلوم السياسية والقيادي في حركة الشباب في فتح رائد الدبعي، ان حالة التردد والاحجام في المشاركة عندما تدعو حماس إلى المظاهرات، يعود الى ان هناك ثمنا أمنيا واضحا يجب دفعه في حالة مواجهة رد إسرائيلي"، مضيفا بيد أنهم لا يشاركون -ويقصد عناصر حماس- أيضا عندما تدعوهم حركة فتح للتظاهر، مضيفا "الناس فقدوا الأمل في الأحزاب السياسية"

فيما يذهب المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري الى ذات الموف إن “السلطة تقمع المسيرات لمنع حدوث تداعيات، لأن المظاهرات التي تخرج بالآلاف حالياً ممكن أن تتحول إلى مظاهرات بعشرات الآلاف… هدف السلطة الحفاظ على الهدوء كما ان هناك في السلطة منظومة لديها مصالح شخصية تريد الحفاظ عليها”.موضحا أنه إذا اهتزت قبضة عباس فإن الوضع قد يتدهور.

حماس وإخراج الضفة من الحياد

الضفة الغربية كانت دوما وفق التحليلات مرشحة للانفجار في أي وقت ويبدو ان السلوك الإسرائيلي وقرار "خلع القفازات" عبر التصعيد غير المسبوق بالتزامن مع ما يجري في غزة قد يدفع نحو هذا الخيار وفق التحذيرات التي تطلقها الدوائر الامنية في تل ابيب ناهيك عن السردية التى تروج لها حماس ان هذه الحرب كانت دفاعا عن الضفة والقدس فالحركة لم تفقد الرهان على تحرك هذه الجبهة فيما تحاول إسرائيل نزع الفكرة هناك بمزيد من السفك.

قد يتحول الارتياح الإسرائيلي في الضفة الى كابوس مفاجئ في ظل محاولات التثوير التي تمارسها حماس وفق وجهة النظر الأمنية الإسرائيلية والتي ترى انه في الوقت الذي تركز فيه القوات العسكرية الإسرائيلية على شن حرب ضد "حماس" في الجنوب وردع "حزب الله" في شمالها، تشعر إسرائيل بالارتياح لأن الضفة الغربية لم تتطور إلى ساحة معركة واسعة النطاق. ولأسباب متعددة، لم تلقَ دعوات "حماس" لفتح جبهة فلسطينية ثانية آذاناً صاغية إلى حد كبير حتى الآن. لكن القوات الإسرائيلية لا تزال منخرطة في عمليات يومية لقمع العنف في الضفة الغربية، في حين يستمر عدد القتلى الفلسطينيين في الارتفاع، مما يخلق وضعاً هشاً .

العديد من التحليلات رصدت غياب ساحة الضفة عن ما يجري في غزة او انها لم تتطور الى الحد المأمول حمساويا منه حيث تشير هذه التحليلات الى ان صعود وهبوط العمل المقاوم يعود الى غياب الجسم التنظيمي الذي عرفته التجربة النضالية الفلسطينية السابقة، فالنمط الفردي الذي غلب على العمل المقاوم في الضفة والقدس المحتلتين في السنوات الأخيرة -خاصة منذ "هبّة القدس" التي اندلعت عام 2015- يجعل الأجهزة الأمنية والعسكرية لدى الاحتلال دائمة التأهب وتشكل إلهاما لشبان آخرين كما حصل في عمليات أخرى، خاصة مع وجود مجهودات لفصائل المقاومة لتثوير الضفة.

بنية مضروبة وضعيفة

في السياق يقول الباحث السياسي أحمد أبو الهيجا ان "هناك حالة شعبية متعاطفة جدا وتعطش لبناء حالة مقاومة، لكن الإشكالية أن بنية المقاومة ضعيفة ومضروبة ومنهكة من قبل الاحتلال أصلا من خلال العمل الموضعي الاستباقي باستهداف بنية حماس، واصفا جبهة الضفة بأنها "مترددة وحذرة ومترقبة وفرص اشتعالها تكون أكبر إذا دخلت جبهة الشمال (لبنان) في الحرب

تقول الرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في "وكالة الأمن الإسرائيلية" نعومي نيومان انه من الضروري التأكيد على أن الجهة الفاعلة الرئيسية هنا هي الشعب الفلسطيني الذي يعيش في الضفة الغربية والذي لطالما بقي على الحياد، ورفض المشاركة في ما اسمتها أعمال عنف واسعة النطاق، على غرار انتفاضة جديدة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم اقتناعه بأنها ستكون مفيدة أو فعالة. وتُشكل وجهة النظر هذه على ما يبدو، والتي أصبحت شائعة منذ نهاية الانتفاضة الثانية، سبباً قوياً لعدم استجابة السكان المحليين عموماً لدعوة محمد الضيف إلى توحيد الجهود مع سكان غزة وتنظيم احتجاجات عنيفة ضد إسرائيل.

يدوره يرى الباحث في التحولات السياسية الدكتور إبراهيم ربايعة أن الاحتلال يريد اخراج الضفة من المعادلة عبر الإغلاق والعزل أولا، وعبر أداة الردع ثانيا وذلك يتم عبر حملات الاعتقال والتي تعتبر الأوسع، وحالة من استخدام القوة بشكل غير مسبوق، والإغلاق وإبقاء الفلسطينيين معزولين في مناطق سكنهم.

لكن هناك من يرى ان الواقع المعقد قد يفجر خباياه في ظل عدم الاستقرار الواقع في الضفة كما تقول الباحثة في "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" التابع لمعهد واشنطن كميل جابلونسكي، على الرغم من تزايد الهجمات والاحتجاجات في الضفة الغربية، لم يرقَ ما اسمته العنف إلى المستوى الذي تريده "حماس"، الأمر الذي دفع بعض قادتها إلى التعبير عن استيائهم من "التقاعس" كما صرح المسؤول الكبير موسى أبو مرزوق أن أعضاء "حماس" يتوقعون الكثير من "إخوانهم" في الضفة الغربية، ووصف موقف السلطة من الصراع بأنه "مخز". وبغض النظر عن خيبة أمل "حماس"، فإن الوضع الأمني في المنطقة لا يزال متقلباً

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo