القضاء على حماس ليس هو الهدف!

تهجير الفلسطينيين في غزة
تهجير الفلسطينيين في غزة

خلال حرب الإبادة التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة رافعًا شعار القضاء على حماس، فهو في الحقيقة يقوم بالقضاء على كل شيء إلا حماس، لأنها حركة قائمة بالأساس على وجود الاحتلال ذاته ولن تزول إلا بزواله، وإن تم القضاء على قيادتها وجميع عناصرها فسوف تخرج بعد سنوات بثوب واسم جديد وسلاح جديد طالما بقي السبب موجود وهو الاحتلال.

"إسرائيل" كدولة خبيرة بالشأن الفلسطيني وتعرف ما أسلفنا به تمام المعرفة، فقد سبقت حماس الكثير من التنظيمات الفلسطينية التي قاومتها بالسلاح من حركة فتح حتى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها من التنظيمات، وفي كل مرة كان يُرفع نفس الشعار القضاء على حركة كذا، ولم يتم القضاء على أي حركة. إذًا ماذا يريد الاحتلال؟!

خلال حرب الإبادة على قطاع غزة التي تم إعلانها في السابع من أكتوبر، عَمد الاحتلال إلى استحضار جريمته الأولى وهي تهجير الشعب الفلسطيني عام 1948 ما اصطلح على تسميتها "بالنكبة"، استعاد جريمته بكامل أدواتها ليتم تنفيذها على جيل فلسطيني جديد تمامًا ظلّ يتعامل مع النكبة بوصفها طقس احتفالي يتم إحياءه كل عام عبر العديد من الفعاليات التراثية والكرنفالية في الكثير من الأوقات مما ألبس هذه (النكبة) ثوب الرومانسية والتي أفقدتها وقع الجريمة وقسوتها في نفوس الأجيال بعد مرور أكثر من 75 عامًا خاصة مع موت ذلك الجيل الذي كان يعي تمامًا معنى التهجير والمجاز وفقدان البيت لأنه كان جزءًا منها ووقودها، وهنا أراد الاحتلال أن يُعيد جريمته للأذهان بصورة فعلية لتشكل رادعًا ذهنيًا فعمل على تكرارها بقوة هائلة أصابت المدني الفلسطيني بحالة من الذهول لفرط القساوة التي تعامل بها جيش الاحتلال من قصف جوي لا مثيل له في كتب التاريخ وتدمير ونسف المناطق السكنية المأهولة والتي تمثل الذاكرة الجمعية للفلسطينيين في قطاع غزة سواء من أحياء ومخيمات ومركز ثقافية وأماكن أثرية لم يخطر ببال أحد يومًا أن تقوم طائرات الاحتلال بتدميرها مثل حمام السمرة والجامع العمري الكبير ومتحف قصر الباشا ومركز رشاد الشوا الثقافي ومبنى بلدية غزة وكنيسة برفيريوس والمئات من المواقع الأخرى التي لا يتسع المقال لذكرها، كل هذا بالإضافة إلى تعمد ارتكاب المجاز الدموية وإعادة تكوين صورة السكان المدنيين وهم في حالة نزوح وهجرة داخلية أدت في النهاية إلى إعادة خلق المخيم البدائي الأول من جديد حيث تجمع الناس في خيام من النايلون صنعوها بإديهم وبحمامات عمومية جماعية وبمياه يتم تعبئتها عبر جالونات، بدون كهرباء أو وقود وبدون أي من مقومات الحياة الحديثة بعد فصل الاتصالات والتشويش عليها، وبهذا السلوك الانتقامي أعاد الاحتلال النكبة بصورتها ومراحلها السابقة حيث وصفها وزير الزارعة الإسرائيلي آفي دختر بـ "نكبة غزة" وهنا المقصد واضح: استحضار الصورة المؤلمة والشرسة للجندي وآلة الحرب الإسرائيلية لتشكل حالة صدمة ينتج عنها حالة ردع طويلة للفلسطيني الذي تجرأ على الدولة التي أذلت وهجرت وقتلت أجداده في السابع من أكتوبر ليخلق جيل جديد مردوع تمامًا عن أي فعل مقاوم ضد الاحتلال، وهذا سوف يتحقق بالفعل، فالعمل المقاوم سوف يخبوا لسنوات طويلة في القطاع سيما مع هدم ما يزيد عن 80% من مساكن الناس فيه ناهيك عن تدمير كبير في البنية التحتية وعشرات آلاف الضحايا والمبتورين والأيتام بالإضافة إلى الصورة الذهنية التي خلقها الإجرام الإسرائيلي التي سوف يكون لها التأثير الأقوى في اختيار أساليب المقاومة الجديدة التي سوف تنشأ بالضرورة لتلائم الواقع المدمر في قطاع غزة، فالناس هنا لم يعد لديهم أي شيء ليخسروه وهنا لا أتحدث بشعارات بل بحقيقة واقعة أعيشها يومًا بيوم، سوف يهاجر من يستطيع الهجرة، ولكن السواد الأعظم سوف يبقى لأنهم ببساطة لا يعرفون أرضًا غيرها ليعيشوا عليها وفيها، وإن كان أجدادهم احتاجوا لـ سبعة عشر سنة (1948-1965) ليعلنوا قيام ثورتهم والتي سبقها العمل الفدائي بسنوات عديدة، فلا أعتقد أن هذا الجيل سوف ينتظر كل تلك السنوات ليستولد ثورته من ركامه، فالعنقاء هنا ليست شعار، بل هي حقيقة لا يمكن نكرانها وليست بطولة شعاراتية بقدر ما هي حاجة بشرية للانعتاق من نير الاحتلال.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo