أردوا غزة مذلولة وكان لها رأي آخر!

صورة كاريكاتيرية لاقتحام المقاومة غلاف غزة
صورة كاريكاتيرية لاقتحام المقاومة غلاف غزة

في أعقاب حرب 1948 أُعلن في غزة عن قيام حكومة عموم فلسطين على كامل حدود فلسطين الانتدابية وبهذا الإعلان تم الحفاظ على اسم فلسطين من الاندثار، كانت الولاية الفعلية لتلك الحكومة تقتصر على قطاع غزة الذي أصبح تحت الإدارة المصرية، ولولا هذا الإعلان لتفتت الحالة الفلسطينية وتوزعت الأرض تحت ولايات خاضعة لدول الإقليم، لكن غزة طلت برأسها وأخذت زمام المبادرة وأعلنت أن اسم فلسطين باقي وها هي غزة حتى اليوم ترفع الاسم عاليًا رافضة رفض العناد المُر أن تفرط ولو وضعت على المذبح.

حوصرت غزة عام 2007 حصارًا قاسيًا مُنع خلاله عن الناس الماء والكهرباء والطعام، عاش الناس وفعلوا كل ما يمكن للمستحيل أن يكون حتى أنهم اخترقوا الحدود مع مصر دون أي مشاكل، ثم فحروا الأنفاق وقتلوا في حروب عديدة شنت عليهم إلا أنهم لم يرفعوا الراية البيضاء أبدًا.

مرت السنوات واشتد الحصار والقتل، وبالمقابل كانت المقاومة فيها تعد العدة وتحاول بكل طاقتها أن تكون جاهزة للموت في سبيل الحياة الكريمة أو الموت العزيز، وبالمقابل اشتد الحصار وأمعنت اسرائيل في الاعتداءات المتكررة على المقدسات بشكل مستفز للمشاعر والكرامة، وصار وزرائها المتطرفون يتعمدون إهانة المواطنين وأصبح جيشهم يتعمد قتل الناس في الشوارع بدم بارد تحت حجج واهية، حتى صار الجنازات اليومية أمر اعتيادي لا يستدعي حتى إدانة الإقليم، إضافة إلى الاعتداءات المتكررة على الأسرى والضغط عليهم بشكل غير مسبوق وتعمد إهانتهم، كانت غزة المكلومة المحاصرة ترفض ذلك وتعلي الصوت وتحاول مرة بالصواريخ ومرة بالمظاهرات كانت تعرف الثمن جيدًا لكنها كانت تدفعه كاملًا من دم أهلها رافضة أن يتحول التاريخ العتيد إلى ذكريات يسردها الأجداد في سهراتهم الليلة.

اقرأ أيضاً: خبير في الشأن الإسرائيلي: تل أبيب تعيش صدمة أمنية وإهانة استراتيجية

على الجانب الأخر باع تجار العرب ما تبقى من كرامتهم على أعتاب أمريكا وصار التهجم على الفلسطيني ونضاله عمل يتقربون به إلى إسرائيل، فطبع بعضهم، وتبرع البعض الأخر بترويض غزة كي يأخذوها معهم إلى الحظيرة فقد عز عليهم أن تبقى غزة عزيزة فتذكرهم بذلتهم، كان بمقدور إسرائيل أن تدمر غزة عن بكرة أبيها، لكنها آثرت أن تذل غزة قبل تدميرها كي تفقدها بريق القدوة والعناد وتمسح من ذاكرة الناس النموذج الحي الوحيد وسط حالة مذلة من التطبيع والاستكانة واليأس فعمدوا جميعًا عدو ومطبعين إلى وضع خطة الإذلال لغزة من خلال مقايضة الهدوء بالمال، والامتناع عن التدخل فيما يحدث في الضفة الغربية والقدس من اعتداءات متكررة بحق الناس والمقدسات، ظن الجميع أن الخطة قد نجحت وسوف يظهر في غزة من يكتب "خطاب الاستسلام" سيما بعد وقوع غزة فريسة للبطالة والانتحار والأمراض ونقص في كل مقومات الحياة خاصة موضوع الكهرباء والماء والعلاج فهذا وضع جيد لتطبيق خطة الإذلال التي بدأت بحجب المنحة القطرية وفرض شروط مذلة لصرفها ناهيك عن أمور أخرى تخص المعابر والامور الحياتية اليومية للسكان وكانت غزة تحذر وتغضب وتصمت ووصل الأمر إلى تشكيك الناس بجدوى الفعل المقاوم نفسه، حتى وصل الأمر إلى معركة سيف القدس عام 2022 عندما هددت غزة بعدم السكوت على هدم منازل حي الشيخ جراح واقتحامات المسجد الأقصى والخطة التي تهدف إلى تقسيمه زمانًا ومكانًا لأن الوضع الفلسطيني والعربي أصبح في حالة يرثى لها وليس أمامه إلى الرفض الكلامي، فلم يصدق أحد تهديد غزة التي قصف بصواريخها البسيطة القدس وتل أبيب ومختلف مدن فلسطين المحتلة، وبالمقابل قُصفت غزة بالطائرات والدبابات ونزف دمها، ثم دخلت في مرحلة عقاب جديدة تقلص فيها كل شيء حتى ضاقت البلاد على أهلها الذين هاجروا منها بالآلاف المؤلفة، وانتحر منهم عدد لا بأس به، ودخلت البلاد في مرحلة الفناء أو الرضوخ التام لشروط الإقليم بالصمت وأخذ ما يقرره العم سام وأعوانه من كعكة التفريط أو انتظار الضربة القاضية، وكانت فعلًا هي القاضية عندما اقتحم المتطرفون الأقصى في أسبوع أعياد عيد العرش، ونفخوا البوق أمام بوابات الأقصى واقتحموا باحاته بأعداد كبيرة لم تحدث في السابق هذا كله حذرت منه غزة لكن الجميع استخفوا بتحذيرات الأسد الجريح وظنوا أنه يتحدث من "حلاوة روح" ولن يستطيع فعل شيء بل أنهم هددوا غزة بالدمار الشامل عقاب لها على اشتداد العمل المقاوم بالضفة الغربية وقالوا لها انتظري، لكن غزة انتظرت بما فيه الكفاية وانفجرت غزة وأغارت على العدو داخل البلاد المحتلة مسجلة ملحمة نضالية ستشكل درسًا مُلهما للأجيال القادمة، لم يتركوا مجال لغزة إلا أن تتفجر وها هي قد انفجرت ووضعوها بين خيارين التسليم أو الإبادة فأخذت غزة القلم وكتبت الخيار الثالث .. كرامة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo