فشل مدوي للاحتلال.. هكذا باغتت المقاومة غلاف غزة

اقتحام المقاومة لغلاف غزة
اقتحام المقاومة لغلاف غزة

بعد مرور أكثر من 48 ساعة على دخول مقاتلي حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، إلى نحو 30 كيلومترا من حدود غزة، بدأت تتضح الإخفاقات التي وقع فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي في المستويات الثلاث الأمنية والعسكرية والاستخبارتية.

وأثار الفشل الاستخباراتي للاحتلال الإسرائيلي تساؤلات كثيرة في تل أبيب ودول أخرى حليفة لها، وأكد نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، تشاك فريليتش أنهم فشلوا من حيث الاستخبارات والعمليات، وأنهم لم يكونوا مستعدين على الإطلاق لهذا الأمر، إذ جرى احتلال مقر الفرقة المسؤولة عن غزة، وهي في حالة من الفوضى، واعتبر أن ما حدث كارثي يصيب بالذهول.

وأيضاً تساءلت المخابرات الأميركية عن سبب فشل استخبارات حليفتها (إسرائيل)، وألقى ضابطاً فيها اللوم على الطرفين الإسرائيلي والأمريكي إذ اعتبر أن الولايات المتحدة هي الأخرى لم تلتقط أي مؤشرات حول ما جرى، مظهراً أن هناك أسئلة حول كيف يبدو أن المخابرات الإسرائيلية لم تكن على علم بالهجمات.

فشل متعدد المستويات

وبينما يقر الاحتلال الإسرائيلي بفشله في أكثر من مستوى، وتتساءل الولايات المتحدة عن سبب ذلك، تستعرض "زوايا" في هذا التقرير جوانب الفشل التي مني به الاحتلال على المستويات العسكرية والأمنية والاستخبارية، وتعرض أيضاً تطور قدرات الفصائل الفلسطينية في هذه الجوانب.

من جانبه، يقول أستاذ العلوم الاستراتيجية إبراهيم حبيب: "في الجانب الاستخباراتي فإن إسرائيل فشلت بشكل ذريع، وفي أكثر من جانب، حيث لم تتمكن من تتبع المقاومة وإجراءاتها وخطتها في تنفيذ هكذا عملية، وهذا ما يعني في العلوم الاستراتيجية بأن العقل الاستخباراتي أصابته الشيخوخة، لأن كل شيء متوفر له لكنه لا يجيد العمل".

وفي حديث مع "زوايا" حول شكل الفشل الإسرائيلي، يشرح حبيب "لدى مجتمع الاستخبارات الإسرائيلية ثلاث أجهزة، وهي: شعبة الاستخبارات العسكرية، والموساد، والشاباك، وجميعهم يعتمدون في جمع المعلومات بخصوص قطاع غزة على ثلاث ركائز أساسية، وهي: طائرات الاستطلاع التي نسميها زنانة، والعنصر البشري أي العملاء، والتعاون مع المخابرات الإقليمية، وجميع هذه العناصر لم تستطع التنبؤ بالهجوم الكبير".

فشل طائرات الاستطلاع

ويضيف الأستاذ الجامعي: "على مدار الأسبوع الماضي كثفت إسرائيل من نشر طائرات الاستطلاع، وباتت تصور كل شبر في غزة، لكن رغم ذلك لم تستطع هذه المسيرات من تنبيه المخابرات حول ما يجري، وفي هذا الإطار إنجاز يوصف بالرهيب".

اقرأ أيضاً: خبير عسكري يوضح تفاصيل الخداع الاستراتيجي في "طوفان الأقصى"

ويتابع: "رغم وجود الزنانة في السماء، نجح مقاتلو الفصائل في الوصول إلى الحدود وتفجيرها واختراقها بآليات ومركبات ودراجات نارية، كما تمكنوا من الإقلاع بواسطة البراشوتات، ولم تلتقط طائرة الاستطلاع إرسال إشارات إلى غرفة التحكم بها".

ويكمل: "هنا لا يمكن أن نقول أنه جرى تضليلها، لكن يمكن الاعتقاد بأن الكوادر البشرية في غرفة التحكم لم يكونوا على أجهزتهم، إذ أيضا لا يمكن الاعتقاد بأنهم لم يلتقطوا الإشارة في حدث ضخم مثل تفجير حدود واقتحام بواسطة جيبات دفع رباعي".

ويشير إلى عدم انتباه غرفة التحكم بالطائرات المسيرة يوحي بأن إسرائيل كانت في سبات عميق، وأن فرقها البشرية لا تعمل وفق ما هو مطلوب منها، مؤكداً أن ذلك يعود لأسباب تضليل اتبعتها المقاومة أثناء تنفيذ ذلك.

فشل في الكادر البشري وتحليل المعلومات

وفي إطار الكادر البشري المتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، يوضح حبيب أن "أجهزة أمن إسرائيل تعاني كثيراً في هذا الجانب، وتفتقد أو تعاني من محدودية العنصر البشري في التعاون معها، وهذا يعود لحملات الكبح التي قامت بها الأجهزة الأمنية في غزة، لتردع العملاء".

وفي نفس الجانب، يلفت حبيب إلى أن سرية العملية وعدم تسريب الخطة حتى لعناصر الفصائل الفلسطينية "ساهم في تحجيم دور العنصر البشري المتعاون مع إسرائيل، وبالتالي لم تنتقل المعلومات إلى الاستخبارات".

نجاحات الفصائل

ويظهر حبيب أن الفصائل نجحت في تضليل المخابرات الأجنبية التي تراقبها، إذ بدت حماس على سبيل المثال أنها تعيش أزمة حقيقية وهذا ما دفعها إلى الاحتكاك على الشريط الحدودي قبل أيام، وأشعرت وكالات المخابرات بأنها تعاني من أزمة مالية في دفع رواتب الموظفين، وأنها في الحكم تريد الأموال فقط، وبالتالي بنت الأجهزة الأمنية صورة أنها مردوعة ولن تقوم بعمل عسكري.

اقرأ أيضاً: أجندة نتنياهو غير الشرعية جلبت لنا فشل 23

وبحسب حبيب، فإن فشل المخابرات الإسرائيلية أكبر من ذلك ووصل إلى عجز في تحليل المعلومات ودراستها، ويوضح ذلك بمثال "نفذت الفصائل مناورة الركن الشديد التي تخللها تدريبات على اقتحام مدن إسرائيلية، وصورتها ونشرتها بشكل علني، لكن قادة الأمن في إسرائيل لم يحللوا هذه المعلومات ولم يستخلصوا الدروس منها".

ومن جوانب نجاح الفصائل الفلسطينية في النواحي الاستخباراتية التي نوه إليها حبيب أن "المقاومة مارست عملية إخفاء وتمويه منقطعة النظير، إذ بفضل الطائرات المسيرة التابعة لها تمكنت من الحصول على معلومات استخبارية ومنها تصوير مستوطنات غلاف غزة، ورسمها بشكل كروكي وتدريسها لعناصرها، ثم تدريبهم عليها".

ويردف "من الواضح أن الفصائل لديها معلومات استخباراتية، إذ نجحت في اكتشاف نقاط الضعف في السياج الحدودي الذكي، كما تمكنت بفضل عمق الدراسات المخابراتية من فهم طبيعة عمل الزنانة، وتدرك مدى التصوير والرصد الذي توفره، وضللتها بشكل ذكي من خلال اعتماد أماكن بها ظل في إطلاق البرشوتات، والتمويه بالزي العسكري الإسرائيلي".

عسكرياً فشلت… الأهداف لن تعجب الإسرائيليين

ومن جانب عسكري، يقول الباحث العسكري اللواء المتقاعد سعيد فنونة "إسرائيل تعيش حالة تخبط في اتخاذ قرار العملية العسكرية، وعندما وضعته بيد نتنياهو فإن هذا يعني أن هناك عشوائية كادت أن تحصل وتم السيطرة عليها".

ويضيف فنونة في حواره مع "زوايا": "فشلت إسرائيل عسكريا في ثلاث محاور، الأول فيما يتعلق بأهدافها في غزة المتمثلة في الأبراج والمباني، وهذا المستوى لن يعجب الإسرائيليين، والثاني فيما يخص استعادة السيطرة على الحدود، إذ دفعت جنودها من دون خطة واضحة وهذا فشل وعدم جهوزية، والثالث كان أثناء اقتحام عناصر الفصائل لم يستخدم الجنود القوة التي يملكونها".

ويرى فنونة أن الفصائل نجحت عسكرياً، ويستطرد "دخل المقاتلون بأسلحة خفيفة وجعب عسكرية، وتوجهوا مباشرة إلى مناطق محددة كأنهم يعرفونها جيداً، وسيطروا عليها باستخدام كلاشنيكوف فقط، ثم نجحت حماس عندما أعلنت أنها أرسلت مقاتلين جدد، وجاء هذا رغم إفصاح إسرائيل أنها قطعت التواصل عبر الحدود"

إخفاق في ضبط الحالة الأمنية

ومن الناحية الأمنية، يقول الباحث في هذا المجال الأمني ناجي البطة، إن "إسرائيل فشلت في ضبط الحالة الأمنية لدى جمهورها، خاصة في المناطق التي يوجد بها قتال، وهذا يعني أنه لا يوجد خطط لديهم، وهذا الإخفاق جاء رغم محاولات نتنياهو بنفسه تهدئة الجمهور عن طريق تهديد غزة".

ويضيف البطة في حديث لزوايا "في حين أن الفصائل نجحت في الحفاظ على الحالة الأمنية عن طريق إنجازاتها الضخمة، التي ثبتت المواطنين في غزة، وأشعرتهم بنشوة الانتصار".

ولا يزال الاحتلال الإسرائيلي يعيش حالة الصدمة من مباغتة فصائل المقاومة لمستوطنات غلاف غزة، وسط إيقاع أعداد كبيرة من القتلى والجرحى والأسرى في صفوف الاحتلال، فيما تستمر المواجهات بين المقاومين وقوات الاحتلال داخل المستوطنات، ما يعطي المعركة بعدا استراتيجيا كبيرا في قابل الأيام.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo