بلغ في غزة 71%.. الاكتئاب سيد الموقف

الاكتئاب
الاكتئاب

جميعنا في حاجة ماسة للتكيف لأن البيئة المُعاشة تطلب تلك المرونة التي تجعله قادر على العيش، ولكن يجب علينا أن نعي تمامًا الفرق بين التكيف والاستسلام المرضي، وإلى أي درجة يجب أن يكون تكيفنا ومتى نتخذ القرار قبل أن نستنزف قوتنا في ابتداع طرق التكيف التي بدروها تقودنا إلى حالة الاستسلام المرضي.

التكيف هو حيلة نفسية وعملية اجبارية يقوم بها الفرد ليحافظ على بقاءه، حيث يمر الفرد خلال عملية التكيف بتغييرات نفسية شديدة القسوة، ينعكس أثرها على شخصيته وصحته ومحيطه العام، وهذه مرحلة مرضية الشفاء منها يكون صعبًا/ حيث تعرف منظمة الصحة العالمية الاكتئاب بأنه اضطراب يصيب مزاج وعقل وسلوك الإنسان، وهو أحد أشكال الأمراض النفسية، وغالباً ما يكون رد فعل موقت طبيعي لأحداث الحياة، وعادة ما يصاب به الفرد نتيجة الحزن والظروف السيئة التي يمر فيها، ومعظم المكتئبين ينتابهم أفكار بالانتحار.

وهنا تزداد حساسية الأمر من باب تطور الحالة المرضية في لمرضة غزة النفسيين فهم عرضة لتتطور حالتهم المرضية لتصبح أمراض نفسية مزمنة مما يزيد من حالات الانتحار، وهو ما ببتنا نلمسه في موجات الانتحار في كل عام.

وهذا ما جرى في غزة طيلة خمس عشر سنة خلت، لقد عاش الفرد فيها ظروف صعبة على الصعيد النفسي والجسدي والاجتماعي، وهو شيء فشيء يتكيف ليصل إلى درجة اللاقدرة على التكيف، أي مرحلة الموت الفعلي فمنهم من انتحر ومنهم، ومنهم من هاجر وهرب وسلم نفسه للاحتلال الاسرائيلي (وهذا فعل انتحار) فقد يتعرض للقتل من جانب الجيش الاسرائيلي وسبق وأن حدث ذلك في حالات عديدة.

اقرأ أيضاً: تباين حول تراجع حدة تصريحات المقاومة من أحداث القدس

أما الفئة الكبيرة فهي تدخل مرحلة المرض النفسي حيث بلغت نسبة الاكتئاب في غزة وفقاً لمؤشر الرفاهة لمنظمة الصحة العالمية WHO-5))) إلى 71% الاكتئاب هنا لا يعني حالة مزاجية مؤقتة، بل هو مرض نفسي كامل، يذهب فيه المصاب إلى الانحراف والقتل والسرقة وفعل الجريمة، ويكفي أي شخص أن يطلع على محاضر وملفات الأمن والشرطة ومراكز العلاج النفسي وسيصاب بصدمة كبيرة من القضايا الموجودة هناك، لقد ظهرت جرائم وانحرافات سلوكية وجنسية غريبة جدًا لم يعدها قطاع غزة على مدار عمره الزمني، بالإضافة إلى ذلك يعاني قطاع غزة من نقص حاد في علاج ومتابعة الأمراض النفسية حيث أن يعتمد القطاع على مستشفى واحد للأمراض النفسية بطاقة استعابية 50 سرير فقط مما يفاقم الحالة المرضية بشكل أكبر.

حتى أنت الذي تقرأ وتعتقد في نفسك أنك سليم ولديك القدرة على التكيف أكثر من غيرك، معك حق، التكيف يخضع لمبدأ الفروق الفردية، لكن عليك أن تعي جيدًا، أن تكيفك هذا يأتي على حساب مخزون القدرات لديك، ولكلٍ منّا مخزونه الذي سينضب في النهاية، لذا وجب علينا كأفراد أن نكف عن التكيف المرضي وأن نقوم بخطوات حقيقية سواء أفراد أو جماعات ومؤسسات بالتوجه إلى النظام الحاكم بالأسئلة التشكيكية في طريقة إدارته للحكم، ومدى نجاحه في تحقيق رفاهية الفرد لأن رفاهية الفرد هي جوهر العمل السياسي في تعريفه الحقيقي وليس تحقيق رفاهية الحاكم.

أكتب هنا من باب الأمانة، ومن باب تبصير الناس بجريمة التكيف التي نرتكبها بحق أنفسنا وبحق أجيال سوف نربيها ونسقط عليها كل ما علق بنا من أمراض وتشوهات نفسية تشربناها ونحن نسير في متاهة الشعارات الوطنية حتى وصلنا إلى طريق التكيف الملعون الذي سوف يودي بنا جميعًا إلى نهايات غير محمودة، أكتب لكي أقول: يجب أن نلحق بأنفسنا قبل الانهيار النفس صحي والاجتماعي والأخلاقي الذي سوف يودي بالإنسان الذي يُشكل عماد أي مسيرة تحررية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo