ضحيتها الأجيال.. أزمات تعصف بالتعليم في غزة ولا حلول بالأفق

المدارس في غزة
المدارس في غزة

لم يكن بدء العام الدراسي الجديد في غزة سهلاً على الطلاب أو المعلمين على حد سواء، فكلا الطرفين يعانون من قضايا معقدة من الصعب على وزارة التربية والتعليم حلها، ومنذ اليوم الأول للعودة إلى المدارس برزت المشاكل في النظام التعليمي.

وتتمثل أبرز مشاكل العام الدراسي الجديد التي رصدتها "زوايا" ويعاني منها المعلمون في أربعة محاور: الأول نقص شديد في عدد الأستاذة، والثاني ضغط العمل في جدول الحصص الأسبوعية، والثالث تحميل المعلم مواد دراسية ليست في مجال تخصصه، والرابع قيام المعلم في تعليم طلاب خارج مدرسته التي يعمل بها.

وبحسب معلمين استمعت "زوايا" لشكواهم، فإنهم لاحظوا نقصا شديدا في عدد الأساتذة داخل المدارس، ويرجعون السبب إلى سفر جزء منهم للالتحاق بوزاتي تعليم قطر وتركيا لتعليم الطلاب هناك، بالإضافة إلى تقاعد جزء آخر، ويؤكد المعلمون أن أعدادهم لا تتناسب مع عدد الطلاب الملتحقين في المدارس هذا العام.

في فترة سابقة، طلبت قطر والكويت توظيف معلمين من غزة في وزارات التعليم التابعة لها،على أن يسافر الأساتذة إلى هذه الدول، وبالفعل بدأت الإجراءات الإدارية في هذا الملف، ويستعد المعلمون إلى التعاقد مع هذه الدول والانتقال إليها.

وتسبب العجز في الكادر البشري الذي يعمل في السلك الحكومي التابع للجنة متابعة العمل الحكومي في غزة على بند معلم، في عبء كبير على الأساتذة بالمدارس، يتمثل في ضغطهم في جداول حصص فوق طاقتهم، ويؤكد المعلمون الذين استمعت "زوايا" لهم أنهم "طلبوا من وزارة التربية والتعليم تغطية هذا العجز عن طريق فتح باب التوظيف، واستجابت لهم الجهة الحكومية، لكن عدد المعلمين الجدد لم يكن كاف لسد العجز".

تفاصيل شكوى المعلمون

وحول تفاصيل مشاكل الأساتذة، يقول المعلم تيسير الشرافي "عند عودتنا للمدارس وفي إطار التحضير لاستقبال الطلاب وتسلم الجداول، لاحظنا تغيب عدد كبير من المدرسين وعندما سألنا عن الأسباب، أبلغونا أنهم سافروا إلى قطر أو الكويت لتعليم الطلاب هناك، وهذا أثار غضب المعلمين لأسباب كثيرة".

وعن أسباب هذا الغضب، يوضح الشرافي في حديثه مع "زوايا" أن وزارة التربية والتعليم رفضت تعيين عدد كاف من الموظفين الجدد بدل أولئك المعلمين الذين غادروا البلاد، وحملت الأساتذة الموجودين في غزة جداولهم، وهنا بات يتوجب علينا القيام بمهمات إضافية.

ويضيف الشرافي "في مدرستنا 30 معلم، لكن هذا العام الدراسي لدينا 18 فقط، هذا النقص يتوجب على بقية المعلمين تغطيته، وليتضح الحديث، فإنه يتوجب على المدرس تغطية 30 حصة في الأسبوع، بدلاً من 23 حصة، هذه الزيادة سببها نقص المعلمين، كما أن المدرس الذي يعلم صف الثامن بات يغطي حصص للصف التاسع والعاشر".

ويبين الشرافي أنه كان يتوجب على إدارة التعليم اقتراح الخريجين الجامعيين للعمل في الدول التي تطلب معلمين لأنهم في صفوف البطالة، ونظراً لأن المعلمين الذين خرجوا للعمل في الخارج أصحاب خبرة ويجب عدم التفريط بهم، لأن التلميذ الفلسطيني يجب أن يحصل على مهارات معلمه وأن يتم بناؤه بطريقة قوية، بالإضافة إلى أن التعليم بحاجة إلى هؤلاء المعلمين.

ويتابع الشرافي الذي يدرس مادة اللغة العربية "إلى جانب تخصصي، قامت الإدارة بتكليفي بتعليم مادة التربية الإسلامية، وأنا لا أجيد هذا المساق بشكل محترف، خاصة أنني أعلم طلاب الصف الثامن، ومن المؤكد أن منهجهم يحتاج إلى تخصص ليس كما المرحلة الابتدائية".

وبحسب الشرافي فإنه يؤدي 30 حصة في الأسبوع، منها 23 حصة في مدرسته، والبقية يقوم بتعليمها خارج مدرسته، ويكمل حديثه "فرضت عليا الإدارة هذا الجدول، وسبع حصص تعليمية في الفترة الصباحية علي تأديتها في مدرسة مختلفة عن تلك التي عينت فيها، وهذا يثقل كاهل المعلم ويرهقه ويجعله ينفر ولا يؤدي مهامه على أكمل وجه".

13 ألف معلم و625 ألف طالب لهذا العام

وباختصار، فإن مشكلة المعلمين تتمثل في تغطية 30 حصة في الأسبوع، وتعليم مناهج إضافية خارج تخصصهم، والقيام بتعليم تلاميذ في مدارس خارج أماكن تعيينهم، والسبب وراء ذلك وجود نقص شديد في عدد الأساتذة التابعين لوزارة التربية والتعليم في غزة.

ولمعرفة إذا كان هناك نقص في عدد المعلمين، سألت "زوايا" وزارة التربية والتعليم عن عدد المعلمين لديها، وعدد الطلاب الملتحقين في مدارسها، لمقارنة إذا ما كان الكادر البشري لديها مناسب، ومدى حاجة المدارس لموظفين جدد أم أن العدد مناسب.

اقرأ أيضاً: النّفورُ المدرسي.. أسبابٌ عديدةٌ وتداعياتٌ تعليميةٌ خطيرة

وبحسب بيانات وزارة التربية والتعليم في غزة التي حصلت عليها "زوايا"، من مدير عام الشؤون الإدارية في الوزارة رائد صالحية، فإن الوزارة لديها 17,330 موظفاً، بينهم 13 ألف على بند معلم، ويعملون على تعليم أكثر من 625,400 طالب وطالبة هذا العام، وهذا يعني أن الأستاذ الواحد يعلم قرابة 50 تلميذا.

وفي الحقيقة، فإنه من بين 13 ألف معلم، هناك نحو 6 آلاف معلم يتبعون لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية التي تشرف على إدارتها حكومة رئيس الوزراء محمد اشتية، ويتلقون رواتبهم من وزارة المالية في الضفة الغربية. وذلك حسب إفادة صالحية في حديثه مع "زوايا".

وجزء من هؤلاء المعلمين بقي على رأس عمله بعد أحداث الانقسام الفلسطيني، وعدد آخر عاد إلى عمله بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني عام 2014، والتي ترأسها رامي الحمد الله بعد اتفاقية المصالحة الفلسطينية التي جرت آنذاك برعاية مصرية، وعلى إثرها عملت الحكومة على إعادة جزء من موظفين السلطة الفلسطينية إلى أماكن عملهم ضمن خطة دمج الموظفين في إطار مهامها لمعالجة مشكلة الانقسام وملفاته.

وهذا يعني أنه يتبع لديوان الموظفين في غزة، والتي تديره لجنة متابعة العمل الحكومي، 7 آلاف معلم فقط، وهؤلاء يتلقون مخصصاتهم المالية من وزارة المالية التابعة لغزة.

ديوان الموظفين في غزة يرفض تعيين معلمين جدد

ولم ينفي مدير عام الشؤون الإدارية في وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة رائد صالحية أن عدد المعلمين في المدارس الحكومية غير كاف، لكنه في نفس الوقت يؤكد أن هناك خطأ في فهم الموضوع لدى الأساتذة، ويقول "المعلمون يعتقدون أن المشكلة في العدد الذي التحق في تعليم قطر والكويت، لكن الحقيقة أن هناك احتياج طبيعي لزيادة عدد المعلمين، وثمة فرق كبير بين الموضوعين".

ويوضح صالحية أن المعلمين الذين يسافرون يأخذون إجازة من دون راتب، وفي إطار التعويض عنهم نستقبل معلمين بنظام المياومة ويعملون في الوزارة لمدة سنة كاملة بدلاً عن الذين غادروا البلاد، لكن بند المياومة يشغله موظف غير رسمي ونستغني عنه بعد عام، كما أنه لا يمكن الاعتماد عليه بشكل رئيسي في مهام العملية التعليمية.

ويضيف صالحية "مشكلة نقص المعلمين تتمثل في الاحتياج الطبيعي لهم، وهي مبنية على ثلاث محاور: الأول هناك زيادة في عدد الطلاب وهذا يستوجب رفع عدد الأساتذة، والثاني بناء مدارس جديدة وهي بحاجة إلى كادر جديد، والثالث التقاعد السنوي وهذا يستدعي أيضاً تعويض الشواغر".

ويوضح صالحية أنه في كل عام دراسي تعمل الوزارة على دراسة الاحتياجات لعدد المعلمين وتقدمها إلى وزارة المالية وديوان الموظفين في غزة ضمن الموازنة المخصصة للتربية والتعليم، لكن المشكلة أنه يحدث تقليص لعدد المعلمين المطلوبين والموازنة أيضاً، نظراً للوضع المالي لحكومة غزة.

ويتابع صالحية "قدمنا هذا العام حاجتنا إلى 1000 معلم، لكن ديوان الموظفين ووزارة المالية رفض تعيين هذا العدد، وقلصه لنحو 500 فقط، وطلبوا منا تدبر الأمور وتقليص قضية الاحتياج، وتحميل المعلم كامل الأحمال، وعدم منح المرضى إعفاء أو إجازة كاملة، وهذه ظروف ضاغطة للميدان، وتضغط الوزارة والمعلمين بشكل كبير، وهذا ما يجعلنا نعمل بالإجبار فوق طاقتنا".

ومؤخراً، فتحت وزارة التربية والتعليم استقبال موظفين على بند معلم، وبدأت في إجراءات إعلان نتائج المقبولين، ويؤكد صالحية أنهم استقبلوا حتى الآن أول دفعة 272 معلم، وبعد ذلك 140 معلم، ومن المتوقع أن يصل عدد إجمالي المعلمين الجدد إلى 500 معلم، حسب ما هو مسموح لهم.

ضغط المعلم الحل الوحيد لنقص أعدادهم

ويشير صالحية إلى أنهم يعالجون نقص المعلمين عن طريق إعطاء المعلم جدول ممتلئ، فالأستاذ المدرسي من المفترض أن يؤدي 25 حصة في الأسبوع، لكن حسب النظام المعتمد في السنوات السابقة يمنح 22 حصة فقط، ليعمل براحة من دون ضغط.

ويكمل صالحية "في هذا العام تم منح المعلمين جداول كاملة، وجزء منهم بات يعلم مادة ثانية، أو يتم الطلب منه الذهاب إلى مدرسة أخرى بعد تأدية حصصه، من أجل تغطية حصص إضافية، فنحن لدينا زيادة الطلاب بشكل كبير جداً، في المتوسط نستقبل 13 ألف طالب، لكن هذا العام استقبلنا 20 ألف طالبا في الصف الأول الابتدائي، بالإضافة إلى أننا قمنا في بناء 6 مدارس وهي بحاجة إلى المزيد من المعلمين ولذلك طلبنا منهم تغطية هذه المدارس".

ومن ضمن القضايا التي تسبب عجزا في عدد المعلمين، خروج نحو 250 منهم إلى التقاعد بشكل سنوي، وفقاً لما وضحه صالحية، بالإضافة إلى انتقال الطلاب من مدارس الأونروا إلى الحكومة، ومن المدارس الخاصة إلى الحكومة، وبحسب صالحية فإن "هذه العوامل ترفع عدد الطلاب والكثافة الصفية، ونحن نصبح بحاجة إلى المزيد من المعلمين وغرف صفية ومباني جديدة".

ويؤكد صالحية أنه بسبب هذه العوامل قلصت الوزارة قبول الطلاب، وفرضت شروطاً قاسية لانتقال الطلاب من الأونروا إلى الحكومة، لأسباب ضمنها عدم تفريغ مدارس الوكالة التي يتوجب عليها تحمل مسؤولية اللاجئين ولا يمكن إعفائها من مسؤوليتها، ويجب عليها بناء مدارس واستيعاب الطلاب.

الأونروا "عدد المعلمين لدينا مناسب لكن نقص في المدارس"

ومن جهة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فإنها تعاني من أزمة بسيطة في عدد المعلمين، لكن مدير التعليم فيها فريد أبو عاذرة يوضح لـ"زوايا" أنهم يراوغون هذه المشكلة عن طريق تعيين أستاذ مدرسي بنظام المياومة.

وبحسب أبو عاذرة، فإنهم يديرون 238 مدرسة في قطاع غزة، يتلقى فيها 215 ألف طالب مناهجهم التعليمية، ويقوم بهذه المهمة 7,333 معلم، بمتوسط معلم واحد لكل 28 طالب في غرفة الفصل الدراسي الواحد.

اقرأ أيضاً: كتَاب: التعليم في فلسطين يعتمد الحفظ وخارج دائرة الذكاء والإبداع

ويؤكد أبو عاذرة أن أوضاع التعليم وعدد المعلمين مناسب حسب نظامهم الداخلي، لكن المشكلة لديهم في عدد المدارس، إذ يعانون من نقص في التمويل لتشييد مباني جديدة.

وللمفارقة بينما يعمل في وزارة التربية والتعليم في غزة 13 ألف معلم، منهم 6 آلاف يتبعون للسلطة الفلسطينية، و7 آلاف لحكومة غزة، ويشرفون على تعليم 625 ألف تلميذ، فإن الأونروا لوحدها لديها عدد أكبر من المعلمين وأقل من ناحية الطلاب.

ونتيجة لانخفاض عدد المعلمين، ظهرت مشكلة ثانية عند التلاميذ تتمثل في الاكتظاظ داخل غرفة الفصل الدراسي الواحد، إذ وصل عدد الطلاب في الصفوف نحو 45 طالباً، وفي بعض المدارس يجلس ثلاثة تلاميذ في المقعد الواحد.

اكتظاظ طلابي… فيتو إسرائيلي على بناء المدارس

ويتناقض اكتظاظ الطلاب داخل الفصل الدراسي ونقص عدد المعلمين مع نصوص القانون الفلسطيني رقم (8) لسنة 2017 بشأن التربية والتعليم العام، إذ جاء في المادة رقم 3 أنه يتوجب على الوزارة توفير بيئة تعليمية آمنة ومحفزة، تعزز من عملية التعليم وتحافظ على صحة الطلبة والمدرسين، كما ذكرت الفقرة الثامنة من المادة 4 أنه على وزارة التربية والتعليم "توفير الأبنية المطابقة للمواصفات، والصالحة للمؤسسات التعليمية وفق معايير تتناسب والمرحلة العمرية".

لكن مدير عام العلاقات العامة والتعاون الدولي في وزارة التربية والتعليم في غزة أحمد النجار ينفي في حديثه مع "زوايا" وجود علاقة بين أزمة عدد المعلمين وتكدس الطلاب في الفصل الدراسي، ويرجع الاكتظاظ الصفي إلى قلة عدد المدارس.

ويقول النجار "لدى وزارة التربية والتعليم 280 مبنى مدرسة، 70% منهم يتعامل بنظام الفترتين، وبهذا يصبح لدينا 484 مدرسة، وهذا عدد قليل جداً عند مقارنته مع عدد الطلاب، لذلك نحن بحاجة لبناء 15 مدرسة كل عام لمدة 10 سنوات لنتغلب على الكثافة في الفصول".

ويضيف النجار "نعمل على بناء 6 مباني مدارس، وحاولنا تشييد المزيد لكن الاحتلال الإسرائيلي رفض ذلك، ومانع بناء المدارس على أراضي معينة كان آخرها في شمال قطاع غزة بذريعة دواعي أمنية".

ويبين النجار أن وزارة التربية والتعليم تواجه مشكلة في الحصول على أراضي مطابقة للمواصفات لبناء مدارس عليها، والتي يجب أن تكون مساحتها 5 دونمات وتكون في مناطق مناسبة لوصول الطلاب.

ويرجع المسؤول كثافة غرف الفصل الدراسي إلى الخصوبة العالية في غزة التي تسجل 6 آلاف مولود في الشهر، وبمتوسط 55 ألف نسمة في العام، وهؤلاء يلتحقون مرة واحدة في المدارس عند بلوغهم 7 سنوات، لافتاً إلى أن الاكتظاظ الطلابي غير موجود في جميع مناطق قطاع غزة.

هذه الأزمات التي يعاني منها التعليم بغزة مستعصية دون أفق للحل، نتيجة الأزمة المالية التي تمر بها حكومة غزة إلى جانب ما تعانيه الأونروا من نقص في التمويل، ما يجعل هذا القطاع الهام عرضة لمشكلات تتراكم عبر الزمن، ويكون ضحيته أجيال كثيرة لا تتلق الخدمة التعليمية على النحو الأفضل.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo