لماذا سمحت حكومة غزة بـ"تصاريح المشغل" للعمل في (إسرائيل)؟

عمال غزة
عمال غزة

سبق لوزارة العمل في حكومة غزة، أن رفضت تصاريح "المشغل الإسرائيلي"، وعللت الرفض حينها بحرصها على المواطن بالدرجة الأولى. فقد كانت الوزارة تعتبر هذه التصاريح نوعا من "الابتزاز المالي" للمواطنين عبر الوسطاء "السماسرة" بمبالغ طائلة، فضلاً عن أنها بوابة "ابتزاز أمني" قد يتعرض له بعض المواطنين، لتحقيق مصالحهم في الحصول على التصريح.

فما الذي تغير حتى تسمح حكومة غزة بمنح تراخيص لشركات خاصة لاستصدار تصاريح المشغل، وذلك بعد فترة وجيزة من الرفض المطلق؟ وما دور هذه الشركات، والخدمات التي ستقدمها للعمال؟ علماً أن تصاريح "احتياجات اقتصادية" ما زالت سارية المفعول والتي تُسلمها وزارة العمل بغزة للعمال، بعد صدورها من زارة الشؤون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية.

يذكر أنه وفقاً لإحصاءات وزارة العمل بغزة، هناك 15 ألف تصاريح "احتياجات اقتصادية" لم يتوقف العمل بها ومازالت سارية المفعول. وهناك 120 ألف مواطن مسجل لدى كشوفات الوزارة من أجل الحصول على عمل في الداخل المحتل.

 مواقف وتباينات

تقليدياً قبل الولوج في التفاصيل الجديدة، كانت الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية، تشرف بنفسها على إصدار التصاريح ومتابعتها، حتى شهر مارس/ آذار عام 2022، حيث شُكلت لجنة مشتركة بين الهيئة، ووزارة العمل في غزة.

ونتج عن هذه التفاهمات، صدور رابط تسجيل للعمال في القطاع، تَقدم للتسجيل به قرابة 92 ألف عامل في غزة. وسبق هذا التسجيل، إعلان عمل من الغرف التجارية في القطاع، سجل فيه قرابة 71 ألف عامل.

اقرأ/ي أيضاً: سلوك البلديات بغزة.. كيف أضر بشعبية حماس وخدمات المواطنين؟

وتباينت حصة غزة من العمال، فكانت في البداية تصدر التصاريح باسم "التجار والاحتياجات الاقتصادية"، وكان عددها لا يتجاوز 14 ألف تصريح، ثم ارتفع العدد لـ20 ألف تصريح بعدما سمح الاحتلال في شهر أغسطس الماضي، بصدور تصاريح لأول مرة تحت اسم "تصاريح العمال لغزة"، بعد انقطاع استمر لعقود، وقد توقف إصدار التصاريح خلال سنوات انتفاضة الأقصى الثانية التي اندلعت عام 2000.

على ضوء سماح وزارة العمل بـ"تصاريح المشغل"، رصد "زوايا" آراء عينة من النشطاء المؤيدين والمعارضين، كما استطلع آراء المتقدمين للعمل في الداخل المحتل، وخاصة ممن هم على قائمة الانتظار و"الألوان" منذ أشهر، حيث يتخوف الكثير منهم بأن "تصاريح المشغل" ربما تفقدهم دورهم وفرصهم في الحصول على هذه التصاريح.

يقول خميس أبو حصيرة 51عاماً، أن تصنيفه في الألوان بالأصفر، ما يعني أن موعد تصريحه سيكون في الدفعة القادمة، لكنه يخشى أن يعرقل النظام الجديد (تصريح المشغل) فرصته في الحصول على التصريح الذي طال انتظاره.

في حين أن المواطن أبو علي الصعيدي قال إنه "استخرج تصريح مشغل أكثر من مرة، حيث لم يكلفه ذلك نصف المبلغ الذي يتم تداوله 4000-6000 شيكل للتصريح الواحد لمدة ستة أشهر"، مفضلاً أن يتعامل مع "المشغل السمسار" مباشرة وليس عبر الشركات الخاصة.

أما العامل "ع. س" فقد علق على تصاريح المشغل متسائلاً "أين الهيئة العامة للشؤون المدنية من اتفاق حكومة غزة مع الشركات الخاصة؟ (..) أشك أن حكومة غزة وحكومة الضفة اتفقوا على تصاريح المشغل".

ولم يصدر نفي أو تأكيد رسمي من هيئة الشؤون المدنية حول الأمر، لكن الناشط على مواقع التواصل حازم أبو حميد نشر على صفحته الشخصية تصريحاً خاصاً مفاده أن "إياد نصر مسؤول الهيئة العامة للشؤون المدنية في قطاع غزة، ينفى أن يكون لهيئته أي علاقة باتفاق الشركات الخاصة مع حكومة غزة حول تصاريح العمال".

حازم ابو حميد.jpg

العايدي.jpg

ابوشعر.jpg

وسارعت بعض الشركات الخاصة للإعلان عن نفسها وعن استعدادها لتقديم خدماتها في استصدار "تصاريح المشغل"، ومن بين هذه الشركات "مرسال"، لكن عمل هذه الشركات مرتبط بالحصول على التراخيص والتوجيه من وزارة العمل للبدء في استقبال الطلبات "قريباً" دون مواعيد محددة.

IMG-20230815-WA0003.jpg

وقال رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين بغزة السابق، أسامة كحيل: إن الشركات المنوي الترخيص لها هدفها الأساسي الحفاظ على حقوق العمال باستلام رواتبهم كاملة، والحفاظ عليهم في حال تعرضوا للإصابة أو الموت وفي تحصيل مكافأة نهاية الخدمة لهم.

وأوضح كحيل في تصريح صحفي، أن هذه الشركات ليست بديلاً عن الشؤون المدنية ووزارة العمل، وليس مهمتها إصدار تصاريح مشغل.

في حين أن شاهر سعد، الأمين العام لاتحاد العمال في فلسطين، أعلن عن تحفظه على موضوع الشركات لأكثر من جهة، أولها تحكم هذه الشركات في العمال، عوضاً عن السمسار (الإسرائيلي).

وزارة العمل توضح

وللاستيضاح أكثر حول طبيعة عمل الشركات الخاصة بتشغيل العمال في الداخل المحتل، فقد تحدث وكيل وزارة العمل في غزة إيهاب الغصين، أن 15 شركة تقدمت للوزارة للحصول على التراخيص اللازمة، متوقعا أن تبدأ 8 شركات عملها في هذا المجال مطلع الأسبوع المقبل، بعدما حصلت على موافقة الوزارة عقب استيفائها كافة الشروط "غير المعلنة حتى اللحظة".

وأشار إلى أنه من بداية سبتمبر القادم 2023 سيتم التعامل فقط مع الشركات الحاصلة على تراخيص موافقات للعمل في غزة، بحيث لن يتم قبول تصريح "المشغل" في غزة أو من أسماهم "سماسرة التصاريح".

وذكر الغصين في تصريحات خاصة بـ"زوايا" أن وزارته ستتولى متابعة آلية تنفيذ الشركات لاستخراج تصاريح المشغل للعمال، مبيناً أن الوزارة هي من سترشح للشركات أسماء العمال حسب أدوارهم وألوانهم المعمول بها بالوزارة، وذلك حتى تقوم الشركات بالتواصل مع العمال، لمعرفة طبيعة عملهم ومن يناسبهم.

ولفت إلى أن الوزارة ستقوم بترشيح أسماء بناءً على طلب الشركات، وفي حال كان هناك طلبات لعمال مهنيين، فستكون الأولوية لمن يملك الإجازة المهنية أو شهادة مهنية إن وجدت، ولن يكون هذا الشرط إلزاميا، منوهاً أن من يتم ترشيح اسمه من قبل وزارة العمل إلى هذه الشركات سيبقى مرشحاً لديها حتى الحصول على عمل وتصريح لدى المشغل.

وطالب وكيل وزارة العمل العمال الذين يملكون تصريح مشغل أو احتياجات اقتصادية حالياً، بتصويب أوضاعهم حتى التاريخ المعلن، وبأسرع وقت.

وحول ما إذا كانت الشركات ستتقاضى مبالغ من العمال مقابل الحصول على مشغل وتصريح، أوضح الغصين أنه تم الاتفاق على إلزام الشركات بعدم أخذ أي مبلغ من العامل سوى في حالة واحدة، مشيراً إلى أن النقاش حالياً لا زال جارياً حول قيمة هذا المبلغ الذي لم يتم تحديده بعد. ونبه إلى أن العامل سيقوم بدفع مبلغ محدد لمرة واحدة فقط للشركة خلال تصريح العمل الصادر ومدته ستة أشهر.

تامر عليان.jpg

وفي السياق، تطرق الغصين إلى أن وزارته ستستمر في سياستها بمنع الموظفين أو من يملك دخل ثابت وعالِ من الترشح والحصول على تصريح، لترك المجال أمام العمال وباقي فئات المتجمع التي لا تملك قوت يومها، منوهاً أنهم سيسعون مع الشركات إلى محاولة ترشيح "المرفوضين أمنياً"، موضحا أن هيئة الشؤون المدنية أبلغتهم سابقا أنه لا يتم إعادة ترشيح أي اسم عليه رفض أمني إلا بعد عام.

عبء إداري إضافي

ومن الناحية التحليلية، قال محمد نصار، الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي، أن "تصاريح المشغل" أكثر ضمانة لحقوق العمال من "تصاريح الاحتياجات الخاصة"، لكنه يرى بالمقابل أن تصاريح المشغل تضيف عبئا إداريا إضافيا على العمال الذين يرغبون في استصدار تصاريح، بمعنى أنهم سيمرون على إجراءات إدارية إضافية لها علاقة بالتسجيل والترشيحات والألوان والموافقات وغيرها عبر أكثر من جهة هي وزارة العمل بغزة والشؤون المدنية التابعة للسلطة، ثم حديثاً الشركات الخاصة بالعمال.

وأوضح نصار لـ"زوايا" أن العبء المقصود نراه ماثلاً في ظل أعداد العمال الثابتة، حيث تتراوح ما بين 18-20 ألف عامل فقط هم الذين يحصلون على التصاريح، في حين أن قطاع غزة يحتاج بشكل مبدئي إلى 50 ألف تصريح، بسبب ارتفاع معدلات البطالة في القطاع التي تتجاوز أكثر من 50% بواقع 340 ألف عاطل عن العمل، منهم 140 ألف من العمال المسجلين للحصول على تصاريح عمل.

وذكر أن الوضع الاقتصادي في غزة صعب للغاية، وبالتالي نحن بحاجة إلى هذه التصاريح، لأن متوسط أجر العامل في الداخل المحتل حسب المهنة تقريباً يبدأ من 250 شيكل فأكثر في اليوم الواحد، وهو ما لا يحصل عليه العامل بالمطلق في غزة خلال أسبوع أو أسبوعين وربما أكثر، علماً أن الحد الأدنى من الأجور الشهري في غزة هو حوالي 200$.

اقرأ أيضاً: عمال غزة بين فكي القلة وسماسرة التصاريح

ويرى نصار أن أي تسهيلات أو زيادة في عدد العمال وفق ما يجري الحديث عنه مؤخراً في الإعلام الإسرائيلي هي "زيادة مهمة جداً للاقتصاد الغزاوي المنهار، الذي يعتمد على المساعدات بشكل أكبر من اعتماده على أي شيء آخر"، مضيفاً أن الاقتصاد الفلسطيني فيه الكثير من المشكلات أهمها مشكلة البطالة، ولو زاد عدد العمال 10-20 ألف في القطاع، فهذا مهم جداً لدعم اقتصاد غزة المنهار أصلاً.

ونوه إلى أن التقارير الدولية تحدثت عن دخول حوالي 400 مليون دولار عام 2022 بواقع نحو 30 مليون دولار شهرياً إلى قطاع غزة، وذلك من خلال عمال الداخل المحتل، عاداً أن هذا المبلغ كبير جداً قياساً بالأعوام السابقة، وبالتالي أي زيادة سوف تُضاعف هذا المبلغ وستعمل على تحريك العجلة الاقتصادية في القطاع.

 امتيازات جيدة

وكمن سبقه، فقد اعتبر المحلل والخبير الاقتصادي محمد أبو جياب، أنه منذ أشهر طويلة كان من الداعمين لخيار "تصاريح المشغل" عبر شركات رسمية تعمل بموجب القانون والمراقبة من جهات الاختصاص، على اعتبار أنها ضامنة لحقوق العمال وأكثر جدوى من التصاريح المسماة "احتياجات اقتصادية" أو المستخرجة من خلال "السماسرة" والتي لا تضمن حقوق العمال.

ويرى أبو جياب في مداخلته لـ"زوايا" أن الشركات العاملة في هذا المجال "عملها مهم وسيظهر ذلك خلال فترة قريبة بشكل أكبر، حيث أن امتيازاتها جيدة بالنسبة للحقوق العمالية والتعويضات ونهاية الخدمة وخلافه، فضلاً عن أن يتم تشغيل العامل بشكل رسمي للعمل في الداخل المحتل".

وأشار إلى أن تأخير إصدار التصاريح عبر الشركات الخاصة كان لأبعاد كثيرة مثل التخوفات الأمنية، عاداً أن هذه الأبعاد انتهت اليوم واعتمدت الحكومة بغزة العمل عبرها، متوقعاً أنه مع مطلع الأسبوع القادم سيكون بداية لإعلان الشركات عن نفسها وبداية العمل وفق الآليات والمعايير التي اتفقت عليها مع وزارة العمل بغزة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo