هذا ما يحصل مع عمال غزة في المعبر وداخل إسرائيل

عمال غزة
عمال غزة

كانت الساعة تشير إلى السادسة والخمس دقائق من مساء يوم الجمعة عندما وصلت رسالة إلى المواطن آدم، تفيد بأنه يمكنه التوجه يوم الأحد إلى معبر إيرز، لم يصدق الرجل عينيه، وقرأ الرسالة عدة مرات، قبل أن يقفز فرحاً ويهلهل ويغني.

آدم أحد العمال الذين يسافرون إلى إسرائيل من أجل العمل، له قصة صعبة في حصوله على تصريح، يقول "قدمت ملفي إلى هيئة الشؤون المدنية ولم أحصل على تصريح، وبعدها سجلت اسمي في وزارة العمل ولكن قوائم الانتظار طويلة جداً".

بحسب بيانات وزارة العمل، فإن هناك أكثر من 130 ألف مواطن تنطبق عليهم شروط العمل في إسرائيل تقدموا بطلبات للحصول على تصريح عامل تحت مسمى "شؤون اقتصادية".

الحصول على تصريح

انتظر آدم نحو تسعة شهور، بعد تسجيل اسمه في وزارة العمل، لكنه لم يحصل على تصريح، وهذا ما دفعه إلى التواصل مع "المنسق الإسرائيلي" للاستفسار عن حالته الأمنية، يضيف في حديث لـ "زوايا": "أبلغتني موظفة تعمل في دائرة التنسيق داخل إسرائيل أنه لا يوجد أي منع على اسمي".

طول فترة الانتظار دفعت آدم إلى التواصل مع مشغل إسرائيلي، يتابع "تحدثت مع المشغل وطلبت منه تقديم اسمي للحصول على تصريح لكنه رفض في البداية، حينها ترجيته وتوددت له واستعطفته حتى الذل، وفي النهاية وافق وقدم الملف، بعد أيام حصلت على التصريح".

اقرأ أيضاً: السلطة والفصائل في القاهرة.. ماذا يدور في الكواليس؟

بعد أن وصلت الرسالة لآدم، انتظر حتى الثانية بعد منتصف ليل يوم السبت، وجهز نفسه وانطلق إلى معبر إيرز، وقف بين طوابير العمال مصدوم، كل فرد منهم يمسك بيده ورقة التصريح إلا هو، حينها أيقن أنه سيواجه مصاعب كثيرة.

تصريح مشغل

بحلول الساعة الخامسة من صباح يوم الأحد، بدأ موظفو حكومة غزة في العمل داخل معبر إيرز وبالتحديد في نقطة 4.4، وتباعاً دخل العمال لتسجيل بياناتهم وتقديم الأوراق الثبوتية وهي الهوية الشخصية وبطاقة التصريح ، وما أن وصل الدور لآدم، دار نقاش طويل بينه وبين ضابط الشرطة المناوب.

يوضح آدم، أن الضابط تواصل مع جهات أخرى، وبعدها اصطحبه إلى غرفة تحقيق، من أجل معرفة آلية حصوله على تصريح مشغل، لافتاً إلى أنه توقع عدم السماح له بالمرور إلى النقطة الثانية من المعبر.

وبحسب آدم استمر التحقيق معه نحو ثلاث ساعات وسط أجواء رعب نفسي، وبعدها سمح له الضابط بمواصلة الطريق، بسيارة أجرة صفراء اللون، تنقله إلى نقطة 5.5 من معبر إيرز، وقدم الهوية الشخصية وبعد عشر دقائق سمع أحدا ينادي على اسمه، ومن شباك صغير تسلم بطاقة التصريح، التي تحمل عنوان "تصريح مشغل".

في الجانب الإسرائيلي، لم يواجه آدم أي معوقات، إذ جرى تفتيشه والأغراض التي بحوزته حسب الطريقة المعتادة، قبل أن يسمح له بالمرور إلى إسرائيل، والذهاب إلى المشغل لبدء عمله في مجال الدهان.

أنواع تصاريح أخرى

بحسب حديث رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال سامي العمصي مع "زوايا"، فإن هناك ثلاثة أنواع لتصاريح العمل في إسرائيل، الأول يسمى تصريح تاجر وهذا أقدم الطرق التي اتبعها العمال من أجل الوصول إلى إسرائيل، والثاني شؤون اقتصادية وبالعادة يصدر عن وزارة العمل والشؤون المدنية، أما الثالث فهو تصريح المشغل.

في الواقع، رفضت وزارة العمل في غزة التعامل مع تصريح المشغل، وعزت الأسباب إلى أن ذلك يأتي في سياق الحفاظ على أحقية المسجلين الآخرين بالحصول على تصاريح للعمل بالإضافة إلى إمكانية أن المواطن يتعرض إلى ابتزاز مالي، مشيرة إلى أنها في نفس الوقت لن تمنع خروج البعض عن طريق تصريح المشغل حفاظاً عليهم.

يعد آدم، واحداً من بين 500 عاملاً فقط تمكنوا من الحصول على تصريح المشغل، وهم جزء من أصل 14 ألف عامل لديهم تصريح يمكنهم من السفر إلى إسرائيل لأجل العمل، وذلك وفقاً لما أوضحه العمصي.

ذل قبل الحصول على تصريح

ليس آدم وحده الذي عاش معاناة الحصول على تصريح عمل داخل إسرائيل، بل يجزم جميع العمال أنهم واجهوا أقسى أيام حياتهم وتعرضوا لذل وابتزاز من أجل الحصول على فرصة للعمل خارج غزة، ومن بينهم حسن، يقول "سجلت اسمي عبر رابط وزارة العمل، وعندما حصلت على اللون الأخضر، تواصلت مع أصدقاء في الشؤون المدنية من أجل تقديم اسمي".

بحسب حديث حسن لـ "زوايا"، فإنه قدم دعوة غذاء لعدد من الأفراد النافذين في ملف التصاريح، وكان يتم اللقاء في مطاعم مختلفة، وأرسل لهم هدايا من بيها عطور وعلب سجائر.

أرسل بالفعل ملف حسن إلى الجانب الإسرائيلي، وتجاوز آليات الغربلة واستلم تصريحه، يضيف "اتصل بي نفس الأشخاص وتعرضت لمعايرة وذل وطلبوا مني عدداً من الهدايا من إسرائيل".

ثلاثة معابر

في أي حال، سافر حسن وآدم من غزة إلى إسرائيل نحو ثلاث مرات خلال شهر مارس من أجل العمل، وكانوا من 51,153 شخصاً سمحت لهم السلطات الإسرائيلية مغادرة غزة، من بينهم 88% لأغراض العمل، بحسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا".

لكن كانت رحلة السفر من معبر إيرز فيها الكثير من التفاصيل، إذ يمر العامل بغض النظر عن نوع تصريحه إذا كان شؤون اقتصادية أو تاجر أو مشغل، في ثلاث معابر داخل معبر إيرز وحده قبل أن يصل إلى الجانب الإسرائيلي.

وينقسم معبر إيرز إلى ثلاثة معابر، من اتجاه غزة، يصادف العامل نقطة 4.4، وهي تتبع لدائرة المعابر والحدود في وزارة الداخلية التابعة لحكومة غزة، وبعدها نقطة 5.5 وهي خاضعة للسلطة الفلسطينية، ثم معبر إيرز الخاضع للسيطرة الإسرائيلية.

السفر من غزة

يقول يسري وهو أحد العمال، إنه يستغرق وقتاً طويلاً في المعبر لمحاولة السفر، ويخرج من منزله فجر السبت ليأخذ دور بسبب زحمة العمال، وحتى لا يضيع عليه يوم عمل ويتمكن من الدخول إلى معبر إيرز صباح يوم الأحد.

ويضيف لزوايا "عند مغادرة غزة ندخل إلى نقطة 4.4، وعادة ما يكون ذلك عند الساعة الخامسة، ونقوم بتسجيل البيانات ونبرز بطاقة التصريح، وبعد ذلك نضع جميع ما بحوزتنا على عجلة للتفتيش، وتكون الإجراءات سهلة، ولا يجري التحقيق معنا خلال ذلك، ثم نركب سيارة ونتجه إلى نقطة 5.5 وعادة ما يكون ذلك عند السادسة، ونسجل البيانات دون أي تفتيش، وبعدها ننطلق إلى الجانب الإسرائيلي الذي يفتح عند الساعة السابعة".

عند الجانب الإسرائيلي، يضع العمال جميع ما بحوزتهم على عجلة تفتيش، ويدخلون من بوابات حديدية يسموها "حلابات"، وبعدها يدخلون في أجهزة الكترونية للتفتيش تشبه الصندوق، يتابع يسري "هذه أسوأ نقطة إذ يجري التفتيش أكثر من مرة ويمكن أن يكون هناك تفتيش يدوي".

بحسب يسري يستغرق هذا أكثر من ثلاث ساعات، وخلالها قد يتعرض العامل للتحقيق من أجهزة الأمن الإسرائيلية، وقد يضغط عليه كثيراً في التحقيق، وعادة ما يكون للمحقق صلاحيات منع العامل من مواصلة رحلة العمل وإعادته إلى غزة.

يشير يسري إلى أن العامل يصطحب بطاقة التصريح والهوية والجوال والقليل من الأموال أثناء مغادرة غزة، ويمنع في بعض الأحيان حتى من اصطحاب الملابس أثناء مغادرة غزة، وفي حال ضبط لديه أجهزة كهربائية تمنعه الجهات التابعة لحكومة غزة من السفر وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإسرائيليين.

دخول إسرائيل والبحث عن عمل

بعد أن يجتاز العمال معبر إيرز ينقسموا إلى نوعين، الأول لديه مهنة ومشغل، والثاني يبحث عن فرصة، يقول العامل فهد في حديث لزوايا إن البحث عن فرصة عمل في إسرائيل ليست سهلة، حتى وإن كان لدى الشخص مهنة يحترفها.

بعد أن يصل فهد إلى الجانب الإسرائيلي، ينتظر فهد في ساحة مخصصة للعمال وصول المقاولين لنقله إلى ميدان العمل في مجال البلاط ويعمل مقابل أجرة 500 شيكل في اليوم، وعندما ينتهي يغادر إلى بيت تأجره بقرابة 10 آلاف شيكل يتقاسمهم مع عدد من العمال.

اقرأ أيضاً: هل هجمات "السايبر" وراء خلل "القبة الحديدية" لدى الاحتلال؟

يعمل فهد لمدة 8 ساعات في اليوم، لكنه يشير إلى أن عمال آخرين يعملون أكثر من 12 ساعة، مؤكداً وجود حالات مماطلة في دفع الأجور خاصة إذا كان المشغل فلسطيني وليس إسرائيلي.

شروط وقوانين

ويضيف فهد "طبيعة العمل والحياة في إسرائيل معقدة، وفيها الكثير من الشروط والقوانين، ومن بينها أنه يمنع على العامل الخروج من البيت بعد الساعة 9 مساء، وكذلك هناك أماكن يمنع زيارتها، بالإضافة إلى أنه ممنوع التصوير بالهاتف النقال كما يحظر التحدث بألفاظ معينة منها الكلام البذيئ أو عن الفصائل الفلسطينية"

ومن القوانين أيضاً، بحسب فهد أنه يمنع العمال من النوم في منطقة العمل إلا في حال كان المشغل قام بإبلاغ الجهات المعنية بوجود مكان للمبيت مع العمال، لافتاً إلى أن تجاوز أي قانون من هؤلاء يدفع السلطات الإسرائيلية إلى سحب التصريح من العامل مباشرة دون إنذار.

لا تعويض

أثناء استخدام فهد لآلة قص البلاط فقد أحد أصابعه، لكنه لم يحصل على تعويض، يؤكد العامل أنه يتم رفض دفع تعويضات عن حوادث العمل أو أيام المرض، ويتعرض معظم العمال للظلم والاستغلال ويعملون تحت أشعة الشمس لساعات طويلة.

حول ذلك، يقول وكيل وزارة العمل في غزة إيهاب الغصين إنهم سجلوا تعرض أكثر من 93 عامل لإصابات عمل، وهناك 7 توفوا نتيجة حوادث العمل المختلفة والناتجة عن تغاضي السلطات الإسرائيلية وإهمالها لإجراءات السلامة والحماية داخل ورش العمل.

ويضيف الغصين لـ "زوايا": "تقصير إسرائيل بحق العمال مستمر ويأتي على شكل غياب الرقابة الحقيقية على المشغلين الإسرائيليين، وحرمان آلاف العمال من حقهم في التأمين الصحي، وفي حال تعرضهم للإصابة لا يتحمل المشغلين الإسرائيليين أي من تكاليف العلاج، وهناك سياسات تمييزية من بينها الفجوة الكبيرة في الأجور ما بين العمال الإسرائيليين والفلسطينيين، وصعوبة وصولهم لأماكن عملهم في إسرائيل".

ويشير الغصين إلى أن وزارته أطلعت المؤسسات الدولية المعنية بحقوق العمال على انتهاكات إسرائيل المخالفة مع معايير حقوق الإنسان والمتنافية مع معايير منظمة العمل الدولية.

العودة إلى غزة

بعد رحلة العمل المحفوفة بالكثير من المخاطر، يعود أغلب العمال إلى غزة يوم الخميس لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، وأيضاً أثناء عودتهم يواجهون صعوبات خاصة في معبر إيرز، حول ذلك يقول العامل عاصم "عند العودة إلى غزة ندخل في المعبر الإسرائيلي وهناك يتم التفتيش بسهولة ولا يوجد أي نوع من التضييق أو التحقيق".

ويضيف في حديث لـ "زوايا": "تعد نقطة 4.4 التابعة لحكومة غزة أسوأ نقطة عند العودة إلى غزة، وفيها يتم التفتيش بشكل مبالغ فيه ويكون تفتيش جسدي بالإضافة إلى الحقائب التي نحملها، ونمنع من إدخال أي أدوات كهربائية".

ويتابع "أغلب العمال يدخلون إلى غرف التحقيق وقد يمتد التحقيق معهم إلى يومين دون المغادرة إلى منازلهم خاصة أولئك الذين لديهم تصريح مشغل، كما أن دائرة المعابر التابعة لحكومة غزة باتت تسحب تصاريح الأشخاص الذين فوق عمر 60، بادعاء أنهم يوفرون فرصة عمل للشباب، ويكون سحب التصريح عن طريق منعنا من العودة للسفر".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo