من فوضى (الربيع العربي) إلى فوضى (السلام الابراهيمي)

كاريكاتير الربيع العربي
كاريكاتير الربيع العربي

تردُد العرب في أخذ زمام المبادرة بعد انكشاف مؤامرة ما يسمى الربيع العربي فتح المجال لتل ابيب وواشنطن للتخطيط لحلف جديد في المنطقة يؤسس لانقسام عربي جديد ومحاور جديدة ستكون فيه دول (السلام الإبراهيمي) في مواجهة ليس فقط مع إيران بل أيضا مع الدول العربية غير المطبِعة وفي مواجهة المقاومة والشعب الفلسطيني.

ما يساعد على أخذ زمام المبادرة من العرب في تقرير مصيرهم السياسي والاقتصادي وعلاقاتهم الخارجية أن المجتمعات العربية لا تعاني فقط من أنظمة غير ديمقراطية ومن غياب ثقافة الديمقراطية عند الشعوب بل أيضا من غياب رؤية واضحة للثورة والنضال الجمعي عند الشعوب وقوى المعارضة وتراجع القوى السياسية التقدمية والديمقراطية وغياب قيادات قومية وازنة، هذا الأمر كان مع السنوات الأولى للاستقلال واستمر مع بعدها وخصوصا في ظل ما يسمى الربيع العربي وما زال مستمرا حتى اليوم. 

ما بعد الاستقلال مباشرة  كانت تجري عملية اختزال أزمات ومشاكل البلاد غالباً بشخص الرئيس/الملك، فتحدث انقلابات عسكرية لتغيير رأس النظام، الرئيس/الملك إلا أن مشاكل وأزمات البلد لا تتغير من بعده، هذاما جرى في الانقلابات التي شهدتها كثير من الدول العربية منذ الاستقلال: مصر، سوريا، العراق ،الجزائر، السودان، اليمن، ليبيا، موريتانيا، أيضاً تم إعدام صدام حسين واسقاط نظامه بتدخل أمريكي مباشر وتواطؤ داخلي بتهمة الدكتاتورية ودعمه للإرهاب وامتلاك سلاح نووي، وما بعد  صدام انهار العراق وزادت أموره سوءا، حتى في زمن ما يسمى ثورات الربيع العربي، تم التخلص من القذافي في ليبيا وعلي صالح في اليمن ومبارك في مصر وبن علي في تونس إلا أن الأمور زادت سوءا في هذه البلدان.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة توقف دعم إيران للفصائل الفلسطينية.. وما تداعياته؟

لسنا في وارد الدفاع عن الرؤساء الذين تمت الإطاحة بهم، ولكن المراد هنا تبيان خطأ اختزال مشاكل البلاد بشخص الرئيس/الملك اعتقادا من الشعب وقوى المعارضة أن المشكلة تكمن في الرئيس وأنه بالتخلص منه ستتغير أحوال البلاد تلقائيا، بينما في حقيقة الأمر المشكلة تكمن في كل المنظومة السياسية من مؤسسات وثقافة سياسية وعلاقات اجتماعية وارتباطات خارجية بالإضافة إلى أسباب موضوعية تاريخية. 

كثير من الثورات والانتفاضات الشعبية في العالم أُجهضت من الداخل ليس لقوة العدو أو لخطأ في مبدأ الثورة والمقاومة، أجهضها أشباه ثوار وأشباه مناضلين من ديماغوجيين وتجار كلام وشعارات وبعض الثورات والانتفاضات كانت وبالا على شعوبها، حيث حل مستبدون وطغاة جُدد بزي ثوري أو جهادي محل الدكتاتوريين القدامى، وكان فساد أنظمة ثورية وإسلامية جهادية أكثر تدميرا من فساد أنظمة رجعية ويمينية.

من المفيد إعادة التذكير بما جرى في المنطقة العربية خلال العقد الماضي حتى نستخلص الدروس والعبر ولا يقع العرب في فوضى جديدة خصوصا أن المخططين والمنفذين لفوضى الربيع العربي ما زالوا فاعلين ويواصلون مؤامرتهم على الأمة العربية والقضية الفلسطينية.

لا نريد العودة مجدداً لتفكيك وتحليل ما يُسمى (الربيع العربي) وهل كان ربيعاً بالفعل، وما هي النتائج المترتبة عليه بعد 12 سنة من الفوضى والخراب؟ ولكن قليلاً من التفكير بعقلانية وهدوء فيما جرى ويجري في سوريا وفي الدول التي ضربتها فوضى (الربيع العربي) تجعلنا نكتشف كم كانت كبيرة وخطيرة المؤامرة على الأمة العربية، وكيف تم استغلال تحركات شبابية تجاوب معها غالبية الشعب تطالب بالحرية والديمقراطية وهي مطالب مشروعة ولا شك، إلى حالة فوضى مُخطط لها مسبقاً من طرف أمريكا وأدواتها المحلية والكيان الصهيوني الرابح الأكبر من هذا (الربيع) المزعوم أما الشعوب العربية فقد خسرت كثيرا دون أي مكاسب. 

ولنأخذ مثلا الحالة السورية، عندما تلتقي على هدف محاربة النظام والدولة السورية كل من: إسرائيل، تركيا، أمريكا والغرب، بعض دول الخليج- خصوصاً قطر والسعودية والامارات، وعشرات جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وداعش والنصرة والقاعدة، فإن السؤال الذي يفرض نفسه ما هي مصلحة هذه الأطراف من إسقاط أو إضعاف الدولة السورية؟ هل لأن النظام دكتاتوري وينتهك حقوق الإنسان وتدخلهم كان دفاعا عن الشعب السوري ومن أجل إقامة نظام ديمقراطي؟ نفس الأمر ينطبق على تونس ومصر وليبيا.

لانقصد من هذه التساؤلات الدفاع عن النظام السوري أو عن أي نظام تعرض لفوضى (الربيع العربي) أو ثار الشعب ضده، فكل الأنظمة العربية كانت وما زالت غير ديمقراطية، والتحركات الشعبية الأولى كانت على حق كما أن قمع الأنظمة لها كان خطأ كبيراً، ولكن لا يُعقل أن تكون الجماعات الإسلاموية المتطرفة تحارب نظام الأسد وحاربت فيله ضد معمر القذافي وفي مصر وتونس الخ لأن هذه الجماعات تؤمن بالديمقراطية وتريد إسقاط أنظمة غير ديمقراطية! ولا يمكن تصديق أن تركيا تدخلت في سوريا حرصاً على مصلحة الشعب السوري ولأنها ضد نظام الأسد الدكتاتوري، كما لا يمكن لعاقل أن يصدق أن أمريكا تدخلت في سوريا وأرسلت قوات وبنت قواعد عسكرية من أجل عيون الشعب السوري ولأنها تريد نشر الديمقراطية، ونفس الأمر بالنسبة لإسرائيل التي تحتل فلسطين وأراضي عربية أخرى وتمارس العنصرية ضد الشعب الفلسطيني باعتراف منظمات حقوقية دولية. أيضا لا يُعقل أن الأنظمة العربية التي موَّلت وساعدت عسكريا وإعلاميا الجماعات المتطرفة التي قاتلت في سوريا لإسقاط نظام الأسد والقذافي ومبارك وبن علي وعلي صالح، قامت بذلك لأن هؤلاء الأخيرين كانوا دكتاتوريين والأنظمة الأولى تؤمن بالديمقراطية وتريدها للشعوب العربية الأخرى! 

ولا ندري بعد كل هذه الحقائق كيف ولماذا انساقت 22 دولة في جامعة الدول العربية وشاركت في معاقبة ومحاصرة سوريا وما زالت تمانع في عودتها للجامعة وللنظام الإقليمي العربي؟ وما مصلحتها في ذلك؟

بالإضافة إلى ما ألحقته فوضى الربيع العربي من خراب ودمار اقتصادي ومجتمعي وتدخل دول أجنبية وإقامة قواعد عسكرية لها وخصوصاً أمريكا وروسيا، فقد فتحت المجال لدول الجوار للتدخل وتصفية حسابات بعضها تاريخية مع الأمة العربية، سواء تعلق بإسرائيل أو تركيا أو إيران.

اقرأ أيضاً: "السلع المزدوجة".. هاجس إسرائيلي يحرم غزة من الانتعاش الاقتصادي

استكمالا لفوضى الربيع العربي وبناء على حالة الضعف العربي بسببه تشكل حلف جديد مع توقيع ما يسمى (الاتفاقات الإبراهيمية) برعاية الرئيس الأمريكي السابق ترامب تم الإعلان عنه في 11 سبتمبر 2020 وبدأ نشاطه الفعلي في لقاء النقب في مارس من العام الماضي حيث تم تشكيل ما يسمى (منتدى النقب) والذي واصل أعماله قبل أيام في دولة الإمارات، هذا الحلف سيقوم بالدور الوظيفي في الفوضى القادمة وسيكون الدور الأمريكي والإسرائيلي أكثر وضوحا ومباشَرة، ولا تغرننا تصريحات هذا التحالف الجديد التي تتحدث عن السلام والأمن والازدهار الاقتصادي خصوصا في ظل حكومة إسرائيلية الأكثر عنصرية وفاشية.

الفوضى القادمة التي نحذر منها ستوظف حالة التراجع الكبير للقوى التقدمية والتحررية وللمجتمع المدني الديمقراطي في العالم العربي والتداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا والمشاكل العالقة بين بعض الدول العربية بالإضافة إلى التهديد الإيراني المزعوم، ستوظف كل ذلك لاستكمال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي سيكون على حساب المشروع القومي العربي وحلم العرب بالوحدة والتحرر من الهيمنة الخارجية وعلى حساب القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وقيام دولته المستقلة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo