"السلع المزدوجة".. هاجس إسرائيلي يحرم غزة من الانتعاش الاقتصادي

معبر كرم أبو سالم
معبر كرم أبو سالم

استبشر صيادو قطاع غزة، بالسماح الإسرائيلي بإدخال بعض المعدات والمواد الخام الخاصة بصيانة القوارب المتعطلة منذ سنوات، وذلك بعد منعها منذ العام 2007، بزعم استخدامها في أغراض عسكرية، وهي من جملة المواد التي يصنفها الاحتلال بالسلع ذات "الاستخدام المزدوج".

وعبر إشراف مؤسسة دولية ورقابة إسرائيلية، وصلت إلى القطاع مادة "الفيبرجلاس" اللازمة لإصلاح القوارب، حيث تم في ديسمبر الماضي إدخال كمية 500 كيلوجرام من هذه المادة التي تكفي فقط لإصلاح نحو 50 حسكة (قارب صيد صغير) من أصل 300 تحتاج إلى صيانة، وذلك وفق حديث نقيب الصيادين نزار عياش لـ"زوايا".

غيض من فيض

وتعد مادة "الفيبرجلاس" سلعة واحدة من جملة سلع حيوية يمنع الاحتلال دخولها إلى القطاع عبر المعابر، تشكل هاجساً أمنيا لديه من استخدامها لأغراض عسكرية. وحصل موقع "زوايا" على القائمة الممنوعة لهذه السلع التي يعممها "الجانب الإسرائيلي" على تجار القطاع الخاص لعدم استيرادها.

وفي السياق، يذكر رجل الأعمال الفلسطيني محمد المنسي رئيس اتحاد الصناعات المعدنية والهندسية سابقاً، بأن أكثر القطاعات تضرراً من جراء المنع الإسرائيلي للمواد التي يزعم أنها للاستخدام المزدوج هي "الصناعات المعدنية، الكيميائية، الخشبية، البلاستيكية".

اقرأ أيضاً: دراسة: قطار التطبيع سيتوقف بعد تنصيب حكومة نتنياهو المتطرفة

وأكد المنسي لـ"زوايا" أن هذا المنع يؤدي إلى عدم القدرة على استكمال العملية الانتاجية في كثير من الصناعات، منوهاً إلى دخول بعضها في الفترة الأخيرة بكميات قليلة وبأسعار باهظة، موضحا أن بعض المصانع التي تعتمد على هذه المواد اضطرت إلى الإغلاق التام، وبالتالي تسريح عدد كبير من العمال، وزيادة نسبة البطالة.

وأشار إلى أنه تم مخاطبة المؤسسات الدولية بالسماح لهذه المواد بالدخول، حتى تتوفر احتياجات العملية الإنتاجية وضمان استمرارها، وقامت مؤسسات وشركات القطاع الخاص بهذا الدور، فضلاً عن أنها عقدت عدة اجتماعات مع "الجانب الإسرائيلي"، لإقناعه بأن هذه المواد إنسانية ويقتصر استخدامها على الصناعات الإنشائية.

أما بالنسبة للجهود الحكومية، فقد اعتبرها المنسي "محدودة جدا"، نظراً لأنها تمتلك اتصالات دولية، ولكنها قامت عبر الوسيط القطري بإيصال رسائلها للجهات المعنية بالخصوص، وذلك بمساندة مؤسسات دولية وأممية.

وذكر المنسي أنه الجهود السابقة نجحت في الحصول على موافقة الاحتلال على إدخال بعض الأصناف المحدودة، والتي كان آخرها المواد المستخدمة في مهنة صيانة مراكب الصيد، وبالتالي أنعش ذلك المهنة والعاملين فيها والصيادين المستفيدين من المشاريع القائمة عليها، ولو بشكل نسبي.

تراجع الناتج المحلي

من ناحيته، ذكر أسامة نوفل مدير عام السياسات والتخطط بوزارة الاقتصاد بغزة، بأن هناك العشرات من السلع والمواد الخام التي كان الاحتلال يمنع إدخالها إلى قطاع غزة تصل إلى قرابة ٥٠٠ مجموعة سلعية، معتبرا أن مبرر "الاستخدام المزدوج" أكذوبة إسرائيلية بدأ تطبيقها منذ فرض الحصار على القطاع عام ٢٠٠٧.

وأشار نوفل في حديث لـ"زوايا" إلى أنه تم السماح بإدخال جزء من هذه المجموعة السلعية في الفترات الأخيرة بعد عام ٢٠١٨ وفقاً لتفاهمات ووساطات خارجية، إلا أن الجزء الأكبر لا زال ممنوعا من الدخول للقطاع، مبيناً أن كل القطاعات الإنتاجية تعاني من هذا المنع الإسرائيلي، ولكن أكثر القطاعات تأثراً هو القطاع الصناعي.

ونبه نوفل إلى أن الاحتلال الإسرائيلي حاول أن يُسوق للمجتمع الدولي مبرر استخدام هذه السلع لأسباب غير مدنية، لكن ثبت عملياً العكس وهو أن الاحتلال يهدف إلى تضييق الحصار على غزة.

وأفاد بأن الكثير من المصانع أغلقت أبوابها خاصة تلك التي تقوم مدخلات إنتاجها على الصناعات الكيميائية، مؤكداً أن خسائر كبيرة لحقت بأصحاب المصانع، وانعكس ذلك بالسلب على أغلب الصناعات التي تعتمد موادها الخام على السلع الممنوعة.

وأشار إلى انعكاسات سلبية على معدل النمو الاقتصادي ظهرت نتيجة هذا المنع، خاصة على القطاع الصناعي الذي يشهد حالة تراجع كبيرة جداً، فمساهمته في الناتج المحلي حاليا لا تتعدى ٦% بعدما كان ١٤% في السابق.

وحول جهودهم الحكومية لتجاوز هذه المعيق الإسرائيلي، فقد ذكر نوفل أن وزارته عقدت لقاءات كثيرة مع المؤسسات الدولية والمانحة ومع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهم من أجل الضغط على الاحتلال لإدخال المجموعات السلعية الممنوعة، لكن الاحتلال لا يتجاوب بحجج أمنية واهية، مشيراً إلى لقائهم الأخير مع مدير اليونسكو في فلسطين، وشرح تداعيات استمرار المنع الإسرائيلي للسلع على القطاع الصناعي والعاملين فيه.

ولفت إلى أن بعض هذه الجهود أثمرت، حيث سمح الاحتلال في الفترة الأخيرة عبر ضغوطات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بإخال كميات محدودة، ولكن هذا كله لم يُحسن من حال القطاع الصناعي إلا بشكل محدود.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة توقف دعم إيران للفصائل الفلسطينية.. وما تداعياته؟

وذكر نوفل أنه في العام 2018 حاول الاحتلال أن يُمرر بعض التفاهمات على طاولة المفاوضات عبر الوسطاء، بأن يسمح بإدخال بعض هذه السلع من خلال آليات تعجيزية، مشدداً على أن ذلك قوبل برفض فلسطيني على اعتبار أن ذلك يتضمن تعقيدات كبيرة جداً.

وعبر نوفل عن اعتقاده بضرورة عمل ضغوطات أكبر من المجتمع الدولي على الاحتلال، عاداً أن دخول هذه السلع والمواد سيكون له تأثير إيجابي كبير على الصناعة والزراعة وعلى كافة القطاعات الأخرى التي تساهم في عملية التصدير للخارج.

إعاقة للنمو الاقتصادي

ومن الناحية التحليلية، فقد ذكر رائد حلس الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي، أن معظم السلع والأصناف التي يمنع الاحتلال إدخالها إلى قطاع غزة هي مستلزمات رئيسيه للإنتاج والتكنولوجيا الحديثة، والتي تـستخدم في الغالب فـي الزراعة والإنشاءات والصناعة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية المختلفة.

واعتبر حلس في حديثه لـ"زوايا" أن القطاع الزراعي والصناعي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أكثر القطاعات الاقتصادية تأثراً، جراء القيود المفروضة على السلع والأصناف المصنفة إسرائيلياً ذات "الاستخدام المزدوج".

وشدد على أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في منع دخول هذه الأصناف يعيق ويعرقل تطور هذه القطاعات الحيوية بشكل خاص، ويكبح جماح النمو الاقتصادي بشكل عام، ولا سيما القطاعات الإنتاجية القائدة لهذا النمو.

وأشار إلى تقرير البنك الدولي القاضي بتخفيف القيود المفروضة على السلع ذات الاستخدام المزدوج من شأنه أن يضيف 11% إلى حجم الاقتصاد في قطاع غزة في حلول عام 2025 مقارنة مع السيناريو المتوقع إذا استمرت القيود.

وتطرق حلس إلى أهمية تظافر جهود الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية، من أجل دحض مبررات الاحتلال لهذا المنع، وبيان آثاره السلبية على الاقتصاد الفلسطيني، مشيدا بالجهود التي تؤدي إلى تقليص عدد الأصناف التي كانت مدرجة بالمئات ضمن الاستخدام المزدوج.

وشدد حلس على ضرورة مواصلة هذه الجهود من خلال المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المؤثرة للضغط على الاحتلال الإسرائيلي، لتخفيف الحصار والسماح بدخول جميع الأصناف إلى قطاع غزة، وذلك لمنع التدهور الشديد في النشاط الاقتصادي، حيث أن تخفيف القيود المفروضة على السلع ذات الاستخدام المزدوج من شأنه أن يدفع عجلة النمو والتنمية الاقتصادية إلى الأمام، حسب تعبيره.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo