ما حقيقة توقف دعم إيران للفصائل الفلسطينية.. وما تداعياته؟

سرايا القدس
سرايا القدس

تحدثت تقارير إعلامية مختلفة "فلسطينية وعربية وإسرائيلية" عن أزمة مالية للفصائل الفلسطينية خلال الفترة الحالية، على خلفية توقف التمويل الإيراني المنتظم منذ 3 أشهر، وأرجعت هذه التقارير بعض الأسباب إلى أزمة الاحتجاجات الجارية في إيران.

ومن ضمن هذه التقارير، فقد كشفت "القدس" دوت كوم، عن أزمة مالية تعصف بالفصائل الفلسطينية التي تعتمد بشكل أساسي على التمويل الذي يصل من إيران، ويستخدم في صرف رواتب قياداتها وأعضائها والموازنات المالية التشغيلية لمختلف الأنشطة.

وبينما لم تصدر تصريحات رسمية سواء من طهران أو من مسؤولي الفصائل حول هذه التقارير، إلا أن حركتي حماس والجهاد تعترفان بالدعم الإيراني علانية، حيث سبق لقياداتها الوازنة التصريح –أكثر من مرة-بذلك، في حين لم تُصرح فصائل أخرى مثل الجبهة الشعبية بهذا الدعم.

وفي ضوء هذه التقارير المختلفة كان لـ "زوايا" لقاءات خاصة مع ساسة ومحللين، للتعرف على حقيقة هذا التوقف والأسباب المذكورة أو غيرها، وإلى أي مدى يمكن أن يؤثر هذا التوقف على الفصائل المعنية مثل حماس والجهاد، واستقراء مدى هذا التوقف والخيارات والبدائل لدى هذه الفصائل للمحافظة على ديمومة هذا الدعم للمضي في أنشطتها وخاصة العسكرية، فضلاً عما يوفره هذا التوقف من فرص للاحتلال الإسرائيلي ضد فصائل المقاومة؟.

توقف مؤقت

وفي التفاصيل الحصرية، فقد أقر مصدر مقرب من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، بوجود أزمة مالية لدى الحركة، معتبراً أنها ليست الأزمة الأولى ويمكن أن لا تكون الأخيرة التي تواجههم، حيث أحال جزء من أسباب هذه الأزمة إلى ما وصفه "التوقف المؤقت" للدعم الإيراني عن فصائل المقاومة في قطاع غزة.

وتوقع المصدر في حديث خاص لـ"زوايا" أن تكون الأزمة مرتبطة أساساً بتحديات تواجهها إيران على أكثر من صعيد، منها الوضع الداخلي الذي شهد بعض الاحتجاجات والاضطرابات، وهذا تطلب من الحكومة الإيرانية مزيدا من توجيه الدعم نحو الداخل، للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية، التي تعصف بإيران نتيجة الحصار المستمر منذ الثورة الإسلامية عام 1979م.

كما توقع أن يكون تعدد وتوسع الجبهات التي تدعمها إيران ماليا، قد أدى إلى زيادة العبء المالي بدرجة كبيرة على إيران، ما يتطلب بين الحين والآخر تخفيف أو تقليص هذا الدعم عن ساحات معينة، وليس الساحة الفلسطينية فقط .

وبالمقابل، أشار المصدر إلى وجود انفراجه جزئية للأزمة في الوقت الحالي، حيث وصل جزء من الدعم للفصائل وإن كان ليس بالشكل المطلوب، ولكنه خفف من تداعيات تلك الأزمة ولو بالحد الأدنى.

وحول تداعيات تقليص أو توقف الدعم الإيراني عن فصائل المقاومة ولو مؤقتاً، فقد اعتبرها المصدر "كبيرة ومؤثرة في معظم الأحيان خصوصا إذا طالت المدة"، ولا سيما على الفصائل التي لا تملك مصادر دعم أخرى كحركة الجهاد الإسلامي على سبيل المثال.

وقال المصدر "هذا الأمر يؤثر دون أدنى شك على جزء مهم من منظومة عمل المقاومة، خصوصا المشاريع التي تحتاج لإنفاق مالي مستمر ومتواصل كتصنيع الوسائل القتالية أو حفر الأنفاق وغيرها".

وأضاف "لكن في المجمل يتم تدارك كثير من تلك الإشكالات في أوقات قصيرة نسبياً، ويتم العمل في غالب الأحيان على ترميم العجز الذي يحدث في هذا المجال أو ذاك".

وأكد المصدر أن "هناك تأكيدات إيرانية بأنها لن تتخلى عن القضية الفلسطينية، ولا عن دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، وأن هذه الأزمات لن تؤثر على استمرار العلاقة بين الجانبين وتعزيزها وتطويرها"، على حد تعبيره.

الوكلاء الإقليمين

من جهته، أكد طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أنه ليس بالضرورة الوثوق في إعلان المصادر الإعلامية التي ربما تكون "مجهلة" حول توقف الدعم الإيراني عن الفصائل الفلسطينية، منبهاً إلى أن هذا الأمر غير معلوم حتى الآن ولا توجد تصريحات رسمية تؤكد ذلك.

ولكن فهمي عبر لـ"زوايا" عن اعتقاده بأن إيران ما زالت تمول الفصائل الفلسطينية لا سيما حركتي حماس والجهاد، وبالتالي فإن الحديث عن وقف التمويل يحتاج إلى مراجعات، مؤكداً أن إيران تتبع الشأن المصلحي وتُوظف كل ما يجري في الإقليم لصالحها، حيث لها وكلاء يؤدون هذا الدور، ولا تستطيع التخلي عنهم باعتبارهم يشكلون تحالفات هيكلية مفصلية.

وحول الأسباب والمبررات المذكورة في الإعلام لتوقف هذا الدعم، فقد أوضح فهمي أن ذلك يأتي في إطار الاحتجاجات الإيرانية الحالية، ولا تأتي في إطار الحراك الدولي.

واستبعد تأثير هذه الأحداث على دعم إيران لمن وصفهم بـ"الوكلاء الإقليميين" سواء حزب الله اللبناني أو الفصائل الفلسطينية أو الحشد الشعبي أو الحوثيين.

وحول فرض صحة توقف الدعم الإيراني عن الفصائل الفلسطينية، فقد أرجع فهمي ذلك إلى أسباب منها: أن إيران تريد أن تستجدي حضورها في الإقليم، حيث برزت هذه التحولات المهمة من خلال حضورها قمة بغداد الأخيرة، كما كان لوزير الخارجية الإيراني دعوة للانفتاح على مصر وإلغاء المفاوضات عبر الوسيط العراقي.

وفيما يتعلق بأي مدى يمكن أن يؤثر هذا التوقف على الفصائل المعنية مثل حماس والجهاد والشعبية، فقد اعتبر أنه في حال حدث هذا التوقف بالفعل، فإن ذلك سوف يؤثر بصورة كبيرة وخطيرة للغاية على الفصائل المذكورة، باستثناء "الشعبية" التي أفاد بأنها لا تمولها إيران في الوقت الحالي.

وأشار إلى أن توقف مصادر الضخ المالي عن حركتي حماس والجهاد من إيران وتركيا ودول إسلامية عديدة، سيكون له تأثير كبير جداً، منوهاً إلى أن إيران ربما خفضت نسبة دعمها لهذه الفصائل، نتيجة لتردي الوضع الاقتصادي الداخلي لديها، علماً أن ذلك حصل في مراحل معينة، حيث سبق لإيران أن قللت دعمها لغزة قبل حرب غزة الثانية، ولكن بالمحصلة ما زالت الحركتان (حماس والجهاد الإسلامي) تعتمدان في موازناتها على الدعم الإيراني.

وحول الخيارات والبدائل لدى هذه الفصائل للمحافظة على ديمومة هذا الدعم للمضي في أنشطتها وخاصة العسكرية، فقد ذكر أن من الفصائل الفلسطينية من لديها بدائل وخيارات، حيث في مراحل معينة قامت بدورها بصرف النظر عن توجهاتها، موضحاً أن حماس تُعيد تقديم نفسها للإقليم، فهي لم تشارك في تصعيد الثلاثة أيام خلال أغسطس الماضي.

"أما الجهاد الإسلامي فلا يستطيع أن يستغني عن مصادر الضخ المالي" وفق فهمي الذي يرى أن بعض الفصائل سالفة الذكر، ربما تلجأ في خياراتها إلى مصادر تمويل بديلة أخرى من خلال العملة المشفرة والسوق السوداء، فضلاً عن أن حزب الله اللبناني له اقتصاده وتسويقه الخارجي الذي يعتمد عليه في التمويل.

ولفت إلى أن بعض الفصائل كانت تتلقى تدريبات في دول مثل إيران وتركيا، ولكنها الآن تتحرك في دوائر عديدة في جنوب آسيا والجزائر وروسيا وماليزيا والسودان، ومن خلال ذلك تحصل على مصادر تمويل بديلة، بالإضافة إلى الأساليب في الأسواق الخارجية المختلفة، وبالتالي الاحتلال الإسرائيلي يراقب وينقب فيما يجري، ولكن في النهاية أعتقد أن الفصائل لها بدائها وخياراتها.

قناعات إيرانية أخرى

من ناحيته، يرى إبراهيم أبراش الكاتب والمحلل السياسي، أن هناك عدة أسباب غير الأزمة الداخلية الإيرانية التي من المؤكد أنها تلعب دورا كبيرا، حيث أن الوضع الاقتصادي بعد فرض العقوبات على إيران كان له أثر بالغ، وكان جزءا من المظاهرات التي خرجت ضد النظام وتتهمه بأنه ينفق الأموال على الجماعات الخارجية على حساب الاقتصاد الإيراني.

وذكر أبراش في حديث لـ"زوايا" أن ما سبق هو جزء من الأسباب التي قد تدفع إيران إلى أن تعيد النظر في دعمها لفصائل المقاومة، حيث أن الملف النووي الإيراني معقد وهناك مطالبات دائمة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لإيران بوقف تدخلها في شؤون دول المنطقة، وأن تتوقف عن دعم ما يسمونه "الجماعات الإرهابية".

وأشار أبراش إلى سبب آخر خاص بالجانب الفلسطيني، وهو أن حركة حماس وقعت ما أسماها "هدنة" مع الاحتلال الإسرائيلي وأوقفت عمليات المقاومة من غزة، وأصبح هناك نوع من التنسيق غير المباشر حول العمال والمعابر، منوهاً إلى أن حماس لم تشارك في حرب الثلاثة أيام الأخيرة، حيث أن ذلك ولد لدى الإيرانيين شيء من القناعة بأنه لم تعد فصائل المقاومة أداةً في يدها تحركها كما تشاء.

وحول رأيه في تأثير هذا التوقف المالي الإيراني عن الفصائل ومداه الزمني، فقد أكد أنه لا يمكن أن يستمر هذا التوقف إلى ما لا نهاية، كما أن الفصائل تعلم أنه لن يستمر الدعم الإيراني ما دون الجانب العسكري، لافتاً أن هذا الدعم يتركز في الدعم العسكري، حيث اعترفت قيادة المقاومة وخاصة حماس أن إيران هي من كانت وراء تطوير الصواريخ.

وذكر أبراش أنه بما يخص الدعم المالي، فإن لدى حماس البدائل مثل قطر التي أصبحت تغطي جزء كبيرا، زاعماً أن الاحتلال الإسرائيلي أيضاً صار يغطي جزء كبيرا من الأموال من خلال السماح لقرابة 20 ألف عامل بالمرور للداخل المحتل، حيث أن ذلك يشكل دخلاً لقطاع غزة أكثر مما كانت تدفعه إيران، بالإضافة إلى الضرائب التي تجبيها حركة حماس في القطاع.

وأشار إبراش إلى "زوايا" إلى وجود جهات سواء الاحتلال الإسرائيلي أو أمريكا والغرب، معنيون باستمرار الهدوء على جبهة غزة، ولأجل هذا الهدف يجب أن يوفروا حدا أدنى من مستوى المعيشة إلى سكان القطاع، لافتاً إلى أنه من الملاحظ دخول أموال كثيرة إلى غزة وهناك نوع من الانتعاش في القطاع، وذلك ضمن مخطط يندرج في سياق المعادلة الإسرائيلية "الأمن مقابل الاقتصاد".

وحول فرص الاحتلال الإسرائيلي في استغلال توقف الدعم الإيراني لتحقيق مصالحه، فقد اعتبر أبراش أن الاحتلال قد يكون مستريحا من حالة وقف فصائل المقاومة للصواريخ، حيث يروق له أن تتحول هذه الفصائل إلى أحزاب عادية.

واعتبر ما يجري مع حركة حماس وتحولها إلى سلطة تتلقى مساعدات خارجية وتجبي الضرائب هو ذاته الذي جرى مع حركة فتح في الضفة الغربية، فأكثر ما يهم الاحتلال الإسرائيلي هو الأمن واستتبابه على حدود غزة، ولا يهمه صراع الفصائل على من يحكم غزة، وفق تعبير أبراش.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo