وادي غزة .. هل يكتمل الحلم؟!

واد غزة
واد غزة

العيش في قطاع غزة مختلف تمامًا عن العيش في مناطق أخرى من العالم، الاختلاف هنا يأتي من الجغرافيا بالتحديد، ومن الحصار الذي بني أساسًا ليتلائم معها، فلن تجد شخصًا في العالم لا يعرف شكل النهر، أو الباخرة، أو القطار، أو تجربة اللعب في الملاهي الكبيرة، أو السير في وادي أو المرور عنه، هنا المانع ليس الفقر، أو قلّة الكيف، فهذه الأمور متوفرة هنا، يوجد الفقر وقلة الكيف أيضًا، أو "كيف" مغشوش حسب ما يقول أصحابه، وهذا التمييز بالضرورة يحتاج إلى أشخاص جربوا الكيف خارج قطاع غزة، فأصبحت لديهم المقدرة على المقارنة، بين الكيف المغشوش والكيف غير المغشوش، وهذا الأمر مرتبط أيضًا بالجغرافيا والقدرة على اختراقها والخروج منها وهو متوفر لخاصة الخاصة، وأهل الكيف على اختلاف أنواعه!

قبل أيام نظم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ضمن أنشطة حملة التوعية بأهمية وادي غزة مسير من مجموعة من الشباب والشابات في وادي غزة، من أجل تسليط الضوء على التغييرات الحاصلة فيه والتي تهدف إلى إعادة تأهيله ليصبح محمية طبيعية حقيقة تُمكن أهل غزة من التعرف على الحياة الطبيعية وكل ما فيها من أسماء ومفردات لطالما سمعوا بها ولم يلمسوها أو يشعروا بها على أرض الواقع مثل كلمة "وادي" تلك الكلمة بحد ذاتها وبما توحيه من تضاريس وأشجار وحيوانات وطيور، وسماء وهواء هي عالم كبير نجهله تمامًا كمواطنين نعيش في قطاع غزة.

WhatsApp Image 2022-01-16 at 11.04.29.jpeg

أذكر أنني أول وادي رأيته قبل 10 سنوات حيث كان عمري حينها 27 عامًا في مدينة اسطنبول، وقتها جلست في حالة ذهول كبيرة، بدأتها من وقت صعودي للطائرة، ونزولي منها، رأيت القطار لأول مرة، والباخرة، والأبراج الشاهقة، والمسارح والناس المختلفة، كل شيء كنا نراه في الصور وعلى التلفاز شاهدته على أرض الواقع، وهناك أشياء رأيتها بالطبع لكنني لن أخبرك عنها!

لقد سرنا في حرم الوادي مسافة 3 كيلو متر، من أصل 9 كيلو هي نصيب قطاع غزة من الوادي البالغ طوله 90كم، والذي يمتد من جبال النقب والخليل حتى مصبه في البحر المتوسط في منطقة الزهراء.

بقي الوادي يتمتع بالتنوع الحيوي حتى أواخر ستينيات القرن الماضي بسبب إحكام دولة الاحتلال على روافده وبناء السدود عليها مثل سد "يروحام" الذي بني بين عامي 1951 و1954 على مسافة قريبة من الحدود الفاصلة بين قطاع غزة ودولة الاحتلال، مما تسبب في منع وصول مياه الأمطار من أودية مثل الشعرية والرشراش والسَّموع والخليل، وتُقدّر كميتها بـ 25 إلى 30 مليون متر مُكعب خلال فصل الشتاء وما بعده، من التدفُّق نحو الوادي وتغذية الخزان الجوفي للقطاع كما ذكر الدكتور أحمد حلس رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية.

سد يروحام

شكل هذا كله عائق كبير في وصول مياه الأمطار لوادي غزة، مما تسبب في جفافه طوال العام وتحوله إلى مصرف للمياه العادمة التي حولت المنطقة كلها إلى مكرهة صحية مؤذية للسكان وللمارين من جانبه، من خلال ضخ ما يقارب 25 ألف متر مكعب من المياه العادمة بداخله، وحيث يُعمل الآن على تكرير تلك المياه وإعادة ضخها في مجرى الوادي مما شكل فارق كبير في بداية عودة الحياة البرية للوادي، وإعادة الأمل بأن شيئًا ما فلسطينيًا ينجح على أرض الواقع، وأتمنى أن يستمر ذلك النجاح وتتحقق المراحل الثلاثة المُعدة ضمن خطة تطوير الوادي.

لقد كانت رحلة ناحية الأمل، فكم سعدت وأنا أستمع للمرشدة التي تحدثت عن الوادي وتاريخه والحضارة التي قامت على جوانيه في العهود القديمة، وإلى سكانه الكرام الذين رحبوا بنا أعظم ترحاب، ومما أسعدني بشكل خاص هو وجود من يبحث عن مستقبل هذه البلاد وأطفالها، فما أحلى أن يتحقق هذا المشروع الكبير ويصبح لدى الناس هنا ما يروح عنهم ويعلم أطفالهم معنى الحياة والطبيعة والمقاومة بالبقاء والتنمية من خلال إنشاء مجلس خدمات مشترك لتخطيط وتطوير وحماية وادي غزة كمحمية طبيعية، تواصلًا مع إدراج الوادي ضمن قائمة اليونسكو الأولية لمواقع التراث العالمي كونه لا يزال يحمل مقومات المحمية الطبيعية، في حال عودة جريان المياه النظيفة من الأمطار فيه.

مصب الوادي في البحر المتوسط

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo