ورود غزة.. الاحتلال يحجب "سفير فلسطين" عن العالم

مشتل زهور في غزة
مشتل زهور في غزة

بعد أن كانت "زهور غزة" تُسمى "سفير فلسطين" إلى العالم، لم يعُد يُصدِر القطاع منها زهرة واحدة منذ نحو ثمانية أعوام، حيث تلقت زراعته ضربة قاسية مع منع الاحتلال الإسرائيلي تصدير الزهور إلى خارج القطاع منذ عام 2012.

ومما زاد الطين بلة، أن الأسواق المحلية ما عادت تستوعب أي زيادة في زراعة الزهور، وهو ما كشفه الاحتفال برأس السنة العام الحالي 2022 في القطاع، حيث كانت القدرة الشرائية ضعيفة جداً، حسب أصحاب المزارع ومتاجر الورود.

محل لبيع الزهور في غزة

إحصاءات تتحدث

وتدريجياً، تراجعت زراعة الزهور مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وتدنت لآخر مستوى بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وإغلاق المعابر أمام عمليات التصدير أو تعقيدها، بالإضافة إلى عمليات تجريف وقصف الأراضي الزراعية.

وعلى أثر ذلك، مُني المزارع الفلسطيني بخسائر فادحة، أدت إلى تحوله عن زراعة الزهور، لتتقلص المساحة المزروعة من 1200 دونم إلى 180 دونماً -وفقاً للتاريخ السابق- أي ما نسبته 6,5 % من حجمها الكلي، معظمها انحصر في محافظة رفح جنوب القطاع وبيت لاهيا شمالا.

وبحسب معطيات وزارة الزراعة، فإن مزارعي غزة، كانوا يصدرون نحو 60 مليون زهرة سنوياً إلى أوروبا، غير أنهم صدروا 5 ملايين زهرة فقط آخر مرة عام 2012، قبل أن يتوقف التصدير كلياً بعد الحرب الثالثة على غزة عام 2014.

اقرأ أيضاً: ما مدى تطبيق مقاييس ومواصفات الجودة على الواردات لغزة؟

وذكرت م. سمر أبو صفية رئيس قسم الزهور في وزارة الزراعة، أن المساحة المزروعة من الزهور في القطاع، كانت 50 دونماً حين يزيد الطلب عليها في مواسم الأعياد والأفراح، ولكنها انخفضت إلى مساحة 30 دونم وأقل، وذلك لظروف الإغلاقات التي صاحبت جائحة كورونا في عام 2020، وما لحق بها من إغلاق صالات الأفراح ومنع الاحتفالات.

مشتل في غزة

وأوضحت أبو صفية لـ "زوايا"، أن عدد مزارعي الزهور في القطاع بات يقتصر في الوقت الراهن على خمسة مزارعين فقط، عازية ذلك إلى التكلفة العالية لزراعة دونم الزهور الواحد، وخاصة في ظل التوقف التام عن تصدير المنتج للخارج، فضلاً عن ضعف التسويق داخلياً.

كما أفصحت أبو صفية عن إحصاءات رسمية، بأن مساحة الزهور المزروعة حالياً في قطاع غزة تراوحت في عامي 2021-2022 من 30 إلى 40 دونم، موزعة على المحافظات حسب مساحة الدونم والصنف كالتالي:  

المحافظة

العدد

الأصناف

الشمال

4

لوندا – لمنيوم – جوري -ستوما- جبسفيلا

غزة

0

-

الوسطى

0

-

خانيونس

5

لوندا – لمنيوم – جوري -ستوما- جبسفيلا

رفح

27

السفندر- لوندا – لمنيوم – جوري -ستوما- جبسفيلا

الإجمالي / دونم

36

-

مسؤولية حكومية وأهلية

ويقع على عاتق وزارة الزراعة والمؤسسات الزراعية الأهلية، مسؤولية كبيرة تجاه مزارعي الورود تحديداً، إذا ما أُريد لهذه الزراعة أن تستمر في غزة، وذلك عبر إعفاء المزارعين من رسوم مستلزمات الإنتاج، ودعمهم بالمشاريع التطويرية والتسويقية.

ودليل ذلك، أن "المشروع الهولندي" الذي بدأ عام 2006 ساهم في دعم زراعة الزهور في قطاع غزة، حيث شكل المشروع نقطة تحول إيجابية لأصحاب المزارع الذين دُعموا بمبلغ ثلاثة آلاف دولار لكل دونم آنذاك.

ولكن المشروع المذكور توقف في بداية عام 2012، لأن الأسواق الهولندية لم تعد قادرة على تحمل ما يفرضه الاحتلال الإسرائيلي عليها من إغلاق أمام رغبتها في الحصول على ورود غزة، وقد جعل الاحتلال الإسرائيلي التُجار يعجزون عن الإيفاء بالتزاماتهم، لتبحث هولندا عن أسواق جديدة.

وبدت الحسرة على وجنتي مزارع الزهور لُباد حجازي، وهو يستذكر أيام كانت الأسواق الأوروبية مفتوحة أمام الزهور الغزية، حيث كان يمتد موسم تصدير الزهور خلال الفترة ما بين منتصف نوفمبر إلى منتصف أبريل، ليصل إنتاج القطاع من الزهور إلى دول غرب أوروبا، وبالتحديد هولندا، ومن ثم إلى الأسواق الأوروبية الأخرى.

تجهيز الزهور للبيع في غزة

وأشار حجازي في حديث لـ "زوايا" أنه رغم التكلفة والجهد والوقت الذي تستغرقه زراعة الزهور، إلا أن كل ذلك يهون ويزول عندما يحين موعد القطاف والإنتاج والتجهيز للتصدير، حيث كانت تستغرق هذه العملية العام كله تقريباً، ولكنها كانت مجدية جداً، وذلك بعكس الوضع الحالي "بالكاد زراعتنا تغطي الرأس بالطاقية"، على حد وصفه.

وقال: "لم يعد إنتاجنا يغطي أجرة العمال وسداد ديون تجار المستلزمات، وعند البيع ما حد راحمنا"، لافتاً إلى أنه استبشر خيراً في موسم رأس السنة الحالي، ولكنه تفاجاً بأن الطلب كان ضعيفا جداً".

وأضاف: "العام الماضي داهمتنا كورونا، واضطررنا لخلع زهورنا من شروشها وإطعامها للمواشي"، منوهاً إلى أنه لم تلتفت له ولأشقائه الثلاثة الذين يعملون في نفس المهنة، أي جهة لتعويض خسائرهم سواء كانت حكومية أو غير حكومية.

وبنفس الحال والمنوال، عبر حسن حجازي شقيق من سبقه، عن أسفه لعدم تعويضه هو وأشقائه عن خسائرهم التي فاقت الخمسون ألف دولار، مبيناً أن تكلفة زراعة الدونم الواحد من الزهور تزيد عن تسعة آلاف دولار ما بين أشتال وأسمدة وأدوية وعمال، عدا عن توفير الدفيئة وتجهيزها بشكل جيد لهذا الغرض.

ويطالب "حسن" وزارة الزراعة والمؤسسات المحلية والدولية العاملة في القطاع الزراعي، بإعادة الاعتبار لزهور غزة، وذلك من خلال دعم مزارعيها بالمشاريع التطويرية وبفتح آفاق تسويقية لتصدير منتجهم إلى الدول العربية والخارج، مؤكدا أن "لدى مزارعي الزهور في غزة القدرة على تغطية كل أوروبا بالورود"، على حد تعبيره.

الأسعار حسب "الجيب"

أما ماهر محمد أبو دقة، فقد دخل على خط زراعة الزهور حديثاً بعد أن فقد الأمل في الوظيفة بعد تخرجه من الجامعة، فيقول: "أنه يقوم بزراعة الزهور وتسويقها في متجره الخاص وتوزيع كميات أخرى على المتاجر الأخرى في القطاع".

اقرأ أيضاً: هرولة عمال غزة لطلب العمل بـ"إسرائيل".. واقع مرير ومحاذير

وأشار إلى أنه مزرعته البالغة خمسة دونمات، تعرضت في فترات سابقة خلال كورونا والحروب لأضرار كبيرة، ولكنه في الوقت الحالي يُنتج كميات محدودة جداً من الزهور لا تتعدى العشرة أطنان من جميع الألوان والأصناف تقريباً، في حين أن لديه القدرة على إنتاج المزيد وتسويقها إلى الضفة الغربية وأوروبا، وذلك إذا ما أتيحت الفرصة للتصدير عبر المعابر.

ولفت أبو دقة إلى أن ما يؤثر على المشتريات هو تدني الوضع الاقتصادي في القطاع فقط، حيث أن سكان القطاع بطبعهم يحبون الزهور ويطلبونها بكثرة خاصة في الأفراح والأعياد، منوهاً إلى أن أسعار باقة الورد تتراوح من 10-100 شيكل، حيث يتم تجهيزها للزبائن كلٌ حسب طلبه وامكانياته المادية.

قطف الورود في غزة


ويؤيد من سبقه، رامي المخللاتي صاحب متجر أزهار اللوتس في مدينة غزة، حيث أكد أن أذواق المواطنين وإمكانياتهم، لا تسمح لهم بفرض أسعار باقة الورود على الزبائن، الأمر الذي يضطرهم إلى تجهيزها حسب الطلب والإمكانية.

وأكد المخللاتي، أن الطلب يزيد فقط في المناسبات والأعياد، وما دون ذلك يعتبرها الكثيرون كماليات و"ترفيات" غير لازمة ومرهقة لجيوبهم في ظل الأوضاع المادية المتردية للقطاع، لافتاً إلى أنه حتى الطلب على تجهيز وتزيين قاعات المناسبات والأفراح بالورود "قل بشكل لافت، إذ يكتفي البعض بالورود الصناعية".

وأمام هذه الانتكاسة الكبيرة التي أصابت قطاع زراعة الزهور في غزة، وبعد أكثر من 20 عاماً من ازدهار زراعتها وتصديرها إلى معظم الدول الأوروبية، فإن المختصين والمهتمين بالقطاع الزراعي، يضعون جزءاً من المسؤولية على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.

وأوصى المختصون والمهتمين-في أكثر من لقاء ومناسبة- بإعادة الحيوية لـ"زهور غزة"، وذلك عبر دعم مزارعيها بالمستلزمات والمشاريع، والضغط عربياً ودولياً لفتح آفاق جديدة لتسويق وتصدير منتجهم داخلياً وخارجياً.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo