سياسة إسرائيل تجاه غزة : التجارب المتكررة والفاشلة !!

قصف الاحتلال في غزة
قصف الاحتلال في غزة

(1) غزة ..عقدة اسرائيل الدائمة

تتراوح سياسة إسرائيل تجاه قطاع غزة بين الشد والرخي !!

وهي سياسة متأرجحة وليست ثابتة, ويشوبها الكثير من التخبط والإرباك, كما أنها ليست محل إجماع بين المستويات السياسية والأمنية في إسرائيل، وينبع هذا التأرجح من فشل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في وضع حل جذري ونهائي لمشكلة قطاع غزة التي تتفاقم بين الفينة والأخرى, والتي تعتبر مصدر تهديد دائم للأمن الاسرائيلي واستنزاف مقدراته.

وبرز ذلك جلياً في التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الإسرائيلي يأئير لابيد وقال فيه " أنه لا توجد لدى إسرائيل إستراتيجية تجاه القطاع، بإستثناء استمرار شن عدوان أو محاولة استخدام وسطاء إقليميين ودوليين".

كما عبر عن ذلك رئيس الشاباك، ناداف ارغمان، والذي يقود الخط المتشدد داخل جهاز الأمن، بقوله "إن الحرب الأخيرة على غزة، في مايو الماضي، انتهت بدون نتائج واضحة", واعتبر أنه كان بإمكان إسرائيل أن توجه لحماس ضربات أشد.

وتعتبر إسرائيل القطاع نقطة تهديد جدية لها ولأمنها, خاصة بعد المواجهات العنيفة التي تمت مع حركة حماس في السنوات الأخيرة, والتي صعدت فيها حركة حماس من استهدافها لمساحات واسعة في إسرائيل بما تشمل المباني والمنشآت الصناعية والإقتصادية والمقرات العسكرية والمطارات.

كما أن الإعلام الإسرائيلي صار يفرد لها مساحات كبيرة على صفحاته بشكل يومي ويوجه إنتقادات لاذعة لأداء الحكومة, واحتلت قضية غزة محور اللقاءات التي درات بين إسرائيل وعدد من الدول , خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الدولي والوسطاء الدوليين

(2) بين الحرب والحصار والتسهيلات

وقد حاولت إسرائيل, ومن خلال وسائل كثيرة ومتعددة, وقف التهديد القادم من غزة, لكن يبدو أن النجاح لم يحالفها على الإطلاق.

وقد تمحورت السياسة الإسرائيلية تجاه غزة حول ثلاثة مفاصل رئيسة وهي العدوان العسكري في شكل حروب واسعة او محدودة, أو فرض الحصار الإقتصادي أو تقديم تسهيلات محدودة تستخدم كورقة ضغط ما بين الحين والأخر ضد حركة حماس التي تحكم قطاع غزة.

وقد باشرت اسرائيل بفرض حصار خانق على الحياة المعيشية والاقتصادية منذ عام 2006,  من خلال إغلاق المعابر وتقييد حركة التجارة ومنع دخول البضائع , فضلاً عن تدمير البنية الإقتصادية في القطاع , من أجل أن تحول قطاع غزة إلى عبء كبير على كاهل حماس, ويضعها في مواجهة الجمهور الفلسطيني، ثم لجأت بعد ذلك إلى الحروب العسكرية, واستخدمت فيها كل انواع الأسلحة الفتاكة ضد القطاع, مما ألحق أضرارا هائلة في الأرواح والممتلكات, وخلفت دماراً كبيراً في البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية , وذلك من أجل أن تشكل حالة ردع لحركة حماس ولجم قوتها ومنعها من تطوير قدراتها العسكرية.

اقرأ أيضاً: وكيل وزارة الخارجية المصرية الأسبق حسن هريدي : قمة السيسي- بنيت الاستثنائية بحثت مفاوضات السلام والهدوء في غزة

وتستخدم إسرائيل كلا الطريقتين-الحرب والحصار- سوياً لإجبار حركة حماس على تغيير توجهاتها السياسية والعسكرية ضد إسرائيل, كما تلجأ الى الوسطاء المصريين والدوليين من أجل إقناع حماس بعدم تصعيد الأوضاع على حدود قطاع غزة.

وفي الكثير من الأحيان ترسل إسرائيل إشارات لغزة وللمجتمع الدولي بأنها غير معنية بالتصعيد أو شن حرب واسعة على قطاع غزة ، لذلك تعلن من وقت لأخر أنها بصدد تقديم تسهيلات واسعة للسكان الغزيين, غير أن المتتبع لهذه السياسية يجد أن إسرائيل تقدم هذه التسهيلات حتى يكون لديها ما تأخذه في حالة التصعيد وتستخدمه سيفاً مسلطاً على حركة حماس للضغط عليها باعتبار أن هذه التسهيلات المعيشية ذو تأثير واسع وسط المواطنين الذين يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة.

(3) حماس..الضغط دائما

في المقابل, فإن حركة حماس قد أيقنت أن سياسة إسرائيل باقية كما هي ولم تتغير منذ سنوات, وإن كل الوعود التي تتحدث عنها حول تسهيل الحياة في قطاع غزة إنما هي ذر للرماد في العيون, لذا فإن حماس تلجأ إلى ممارسة الضغط على الاحتلال بمختلف الوسائل وبشكل دائم أو متقطع, مابين التصعيد والمواجهة العسكرية أو تسخين الأوضاع على الحدود.

وتهدف حماس إلى إنهاك “إسرائيل” واستنزافها ,بل وحتى التسبب بتآكلها من خلال جولات مستمرة من المضايقات المستمرة والمتنوعة , والتي تتأرجح ما بين الخيار العسكري والشعبي,  وتركز بشكل أكبر على الاحتكاكات مع قوات الاحتلال على حدود قطاع غزة ، والتحريض على المواجهات في القدس، وتشجيع المقاومة في الضفة الغربية ، وذلك بناءً على تقديرات الأجهزة الأمنية لدى حماس  بأن “إسرائيل” لا تنوي التورط في صراع عسكري واسع النطاق.

غير أن حماس تحاول ان تستند الى حسابات وتوازنات دقيقة, فهي تدرك ان “إسرائيل” تسعى لتجنب المواجهات العسكرية الواسعة , لكن في نفس الوقت فإنها أيضاً لا ترغب في إرهاق قطاع غزة والمواطنين في حروب متتالية تجعل حياة الغزيين أكثر صعوبة، وهذا ما يدفع حماس إلى الضغط على دولة الاحتلال بقوة ولكن بحدود معينة  لكنها تؤدي الى إحداث إرباك داخل إسرائيل وإعادة النقاش في كل مرة  حول في كيفية معالجة هذا التحدي ومواجهة الخطر القادم من القطاع.

وقد نجحت حماس إلى حد كبير في دفع إسرائيل إلى التراجع عن سياساتها ضد قطاع غزة, وأرغمتها على القبول بكثير من الشروط التي طرحتها على الوسطاء مثل فتح المعابر ورفع القيود عن حركة التجارة وتوسيع مساحة الصيد البحري والسماح بدخول المنحة القطرية.

غير ان هذا الواقع القائم يتكرر كثيرا بسبب عدم استقرار الحالة السياسية في قطاع غزة وبسبب استراتيجية اسرائيل في ابقاء قطاع غزة تحت الضغط المستمر والحاجة الى تسهيلات الجانب الاسرائيلي. وهذا التكرار لم يتوقف منذ سنوات وادخل الطرفين في حالة استنزاف مستمرة وتولد عنها غلبة حالة الشد والتوتر وغياب أي افق لتهدئة طويلة الامد.

لدى “إسرائيل” مشكلة كبيرة في فهم وتوقع سلوك حماس في قطاع غزة مما يدفع القادة الإسرائيليين إلى العمل على تغيير قواعد اللعبة ، والتوقف عن التنبؤ الخاطئ, كما يقولون ، واتباع سياسات استباقية وعدوانية ، تضع الحركة امام خيارات ضيقة. ويعتقد هؤلاء أنه  إذا لم تكن هناك رغبة في “إسرائيل” في تغيير قواعد اللعبة بسبب المخاطرة ، فسيستمر الصراع بينها وبين حماس وفقًا للاوراق التي تتمتع بها الحركة.

(4) خلافات عميقة داخل اسرائيل

رغم أن عددا من القيادات السياسية والأمنية في إسرائيل تقر أنها لم تفلح في تحقيق أي من أهدافها في قطاع غزة, إلا أنها تعود إلى انتهاج نفس السياسة الفاشلة وتصر على أنه يمكن ردع حركة حماس وفصائل المقاومة وتجريدها من سلاحها, وتدعو إلى استخدام حد اقصى للقوة العسكرية ضد حماس أو غزو قطاع غزة برياً أو قطع العلاقة بشكل كامل معه واعتباره كياناً معادياً, أو تشديد الحصار بقوة أكبر ودفع السكان إلى الثورة على حكم حماس.

غير أنه تعالت أصوات أخرى تنادي بوقف هذه السياسة الفاشلة وانتهاج طريقة اخرى مثل التواصل مع حركة حماس واقامة تهدئة واعتبار حماس كيانا قويا وقادرا على حكم قطاع غزة وفرض الهدوء.

هذا الخلاف الواضح بين المستويات السياسية والأمنية خلق حالة من الإرباك, وفي كثير من الأحيان حالة من التخبط, في كيفية ادارة ملف قطاع غزة على طاولة الحكومة الاسرائيلية , الى أن خرج وزير الخارجية يائير لابيد برؤية جديدة تقوم على أسس اقتصادية محضة تهدف إلى تحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة.

وقال لابيد في مؤتمر جامعة هرتسليا أنه: “يجب أن نذهب في خطوة متعددة السنوات في غزة “الاقتصاد مقابل الأمن”– خطة أمن “إسرائيل أولاً”-، الهدف من هذه الخطوة هو خلق الاستقرار على جانبي الحدود، هذا ليس مقترح مفاوضات مع حمـاس لأن “إسرائيل” لن تمنح جوائز لمنظمة “إرهابية” وتضعف السلطة التي تعمل معنا بانتظام – المرحلة الأولى من الخطة هي إعادة الإعمار الإنساني لغزة، مقابل مكافحة تعاظم قوة حماس- على صعيد السلطة الفلسطينية ستتولى الإدارة الاقتصادية والمدنية لقطاع غزة”.

هذه الرؤية سبق أن طرحت من قبل عدد من كبار القيادات في إسرائيل لكنها ووجهت بواقع صعب وظروف سياسية معقدة لا تسمح للحل الإقتصادي أن يأخذ مجراه في ظل جمود سياسي .

هذه النتيجة توصلت إليها الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن والتي اعتقدت أنه من الصعب جداً إحداث أي اختراق في حالة الجمود السياسي, وأنه لا بد من التعويل على تحسين الأوضاع الإقتصادية كمخرج لحالة الصراع المأزومة.

المحللون في إسرائيل يقولون أنها في حيرة في أمرها, فهي اذا شددت الحصار على قطاع غزة فان هذا يجعل القطاع على فوهة بركان ويجر الأوضاع كلها إلى مواجهة لا ترغب بها دولة الاحتلال كثيراَ نظراَ لتكلفتها الباهظة ونتائجها المحدودة.

وفي المقابل , إذا أدخلت التحسينات على قطاع غزة فإنها تخشى أن تستغل حماس ذلك لتعزيز قوتها وقدراتها العسكرية ورفع شعبيتها بين الجمهور الفلسطيني.

في كل الأحوال فان حالة المواجهة هذه, واجواء الضغط والتوتر ستظل قائمة ما لم يوجد حل سياسي يقضي بانهاء الاحتلال, ومنح الفلسطينيين حقوقهم الشرعية في التحرر والاستقلال. حينها يمكن القول ان قطاع غزة- وكذا باقي الاراضي الفلسطينية- يمكن ان تنعم بهدوء واستقرار لا ينغصه شيء.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo