تقرير رغم الاهمال.. مزارعو غزة يشقون طريق الاكتفاء الذاتي

مزارع فلسطيني
مزارع فلسطيني

في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 15 عاما، تمكن القطاع من شق طريق الاكتفاء الذاتي الزراعي، كما توضح الأرقام والإحصاءات الخاصة التي حصل عليها موقع "زوايا".

وكخلية نحل يعمل المزارعون والمربون في قطاعات الإنتاج النباتي والحيواني والصيد البحري والاستزراع السمكي والصناعات التحويلية، على تحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي في منتجاتهم لقطاع غزة.

ومن جملة من تحدثوا لـ"زوايا" عن الواقع الزراعي والاكتفاء الذاتي، كان المزارع وليد ارحيم من مدينة غزة، والذي عبر عن اعتزازه بمنتجه المحلي من الخضروات.

وأكد على أنه وبقية المزارعين باستطاعتهم تنمية عملهم وإنتاج المزيد من الفواكه والخضروات للاستهلاك المحلي والتصدير للخارج،وتفادي استيراد مثيلاتها من الخارج.

ويتمنى المزارع ارحيم أن يتم توفير الحماية للعاملين في القطاع الزراعي، والعمل على دعمهم وتعويضهم عن أضرارهم في الحروب والكوارث الطبيعية، لضمان استمرارهم في العملية الإنتاجية.

وشدد على أن المزارعين والمربين هم "الوحيدون الذين أثبتوا قدرتهم على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من المنتجات الزراعية".

 


 

 

الاكتفاء الذاتي بأهم المحاصيل

ووفقاً لتقارير وإحصاءات وزارة الزراعة بغزة، فقد بلغت المساحة المحصولية المزروعة خلال العام 2020م ما يقارب 200 ألف دونم، وتبلغ مساهمة الإنتاج النباتي ما نسبته 55% من إجمالي الإنتاج الزراعي في قطاع غزة

كما وبلغ عدد الحيازات النباتية 79176 حيازة في الأراضي الفلسطينية، وشكلت 71% من إجمالي الحيازات الزراعية.

 في حين بلغ إجمالي عدد الحيازات الحيوانية 14241 حيازة، وشكلت ما نسبته 13% من إجمالي هذه الحيازات.

أما عدد الحيازات المختلطة (النباتية والحيوانية) 17893 حيازة، وشكلت ما نسبته 16% من إجمالي الحيازات الزراعية.

وشكل قطاع الإنتاج النباتي الجزء الأهم من هيكل القطاع الزراعي، ولا سيما إنتاج الخضروات، حيث استحوذت على النصيب الأكبر من إجمالي الإنتاج النباتي، فقد بلغت نسبة مساهمته 56% من إجمالي الإنتاج النباتي في قطاع غزة. كما بلغت نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي 5.6%.
اقرأ أيضا: موظفو حكومة غزة يكسرون صمتهم ويطالبون بحقوقهم المتراكمة

ويوضح م. وائل ثابت، مدير عام الإدارة العامة للسياسات والتخطيط بوزارة الزراعة لـ"زوايا"، أن وزارته نجحت بتحقيق اكتفاء ذاتي كامل في أهم المحاصيل الزراعية، مثل البصل والبندورة والباذنجان والبطاطس، فضلاً عن الاكتفاء النسبي في محاصيل أخرى.

 وعلى سبيل المثال "شهد عام 2020 إنتاجاً وفيراً وبجودة عالية، بمحصول البصل تقدر بـ 3200 دونم، بواقع إنتاج 16 ألف طن، ما يعني تحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة 100%"، كما ذكر ثابت.

وبشكل عام، حقق قطاع غزة اكتفاء ذاتياً بنسبة 112% من الخضار بكمية إنتاج تقارب 305245 طن.

وتشير الإحصائيات الصادرة عن الزراعة بغزة، أن المساحة المزروعة من الفواكه لهذا العام تقدر بحوالي (83976 دونم)، حيث أكد ثابت أن الفاكهة حققت نسبة اكتفاء ذاتي قدرها 65% بإنتاج ما يقارب 61258 طن، مستدلاً على أن نسبة انتاج الحمضيات تبلغ سنوياً بمتوسط 40ألف طن.

وعلى صعيد الإنتاج الحيواني، هناك اكتفاء ذاتي بنسبة 22% من اللحوم الحمراء، بينما اللحوم البيضاء 80%، أما بيض المائدة فهناك اكتفاء ذاتي بنسبة 112%، كما أوضخ ثابت.

يشار إلى أن أراضي المحررات القريبة من ساحل البحر، تُمثل ما مساحته 40% من قطاع غزة، وتضم 22 محررة، مُقامة على 25 ألف دونم، منها 7 ألاف دونم مُستغلة في قطاعي الإنتاج النباتي والحيواني، وترفد السلة الغذائية بما يزيد عن 10 آلاف طن، بقيمة 8 مليون دولار سنوياً".

ويوضح الحدول التالي قيمة الإنتاج النباتي والحيواني ونسبة الاكتفاء الذاتي للعام 2020م في قطاع غزة.

قيمة الإنتاج ونسبة الاكتفاء الذاتي للعام 2020

الصنف قيمة الإنتاج (مليون دولار) كمية الإنتاج طن كمية الاستهلاك طن الفائض/العجز الاكتفاء الذاتي%
الخضار 136.5 308,312 287,760 20,552 112%
الفاكهة 52.1 65,126 70,620 -5,494 65%
اللحوم البيضاء 128.2 42200 55000 -12,800 85%
اللحوم الحمراء 48.2 8724 15,400 -6,676 22%
بيض المائدة (مليون بيضة) 27.5 2,103,704 1,600,000 503,704 112%

 

أما على صعيد التسويق والتجارة الخارجية، فقد بلغت قيمة صادرات القطاع الزراعي من قطاع غزة إلى جميع الجهات 65 مليون دولار، حيث يتم تصدير نحو 50 ألف طن من المحاصيل في العام الواحد.

ووفقاً لإحصاءات وزارة الزراعة بغزة، فإن هناك فائضا في بعض أنواع الخضروات كالبندورة، والبطاطس والبطاطا والفلفل الحلو والخيار والتوابل المختلفة، وغيرها من المحاصيل التصديرية، التي هي في حاجة إلى فتح المعابر وتسويقها عربيا وعالميا بشكل أكبر.




 

مطالب بدعم المزارع

لكن هذا الإنجاز لا يخلو من المنغصات، حيث تساءل المزارع ارحيم حول سياسة أسعار المنتجات الزراعية في القطاع، وقال: "لماذا يأكل المواطن على حساب المزارع؟".

وشكى من إهمال الحكومة للمزارع وقت خسارته، وعندما يأتي الوقت لتعويض جزء من هذه الخسارة "تقوم الدنيا وتقعد لمنع التصدير وتخفيض الأسعار".

 ويأمل ارحيم من الجهات المختصة عدم تحميل المزارع أكثر من طاقته، تحت مبررات توفير المنتج للمستهلك بأسعار منخفضة، رافضاً سياسة إغلاق التصدير أو تقنينه في أوقات معينة.

ويسيطر الاحتلال الإسرائيلي على معظم المنافذ إلى قطاع غزة، بما يجعل عملية التصدير رهن السياسات الإسرائيلية الجائرة بحق القطاع.

قيمة الصادرات للعام 2020 (بالألف دولار)

السنة أراضي 48 للدول العربية للضفة للخارج المجموع
2020 2703 5411 57326 17 65457

 

 

 

الثروة السمكية

أما في قطاع الثروة السمكية والصيد البحري، فقد تطورت بيئة الاستثمار في البنية التحتية للقطاع الخاص في مجال الصيد البحري والاستزراع السمكي بمختلف أشكاله، علماً أن الاكتفاء الذاتي من بروتين الأسماك مازال صعب المنال في قطاع غزة، رغم تمتعه بحياة البحر الجميلة والغنية بالأسماك.

ونظراً لمحدودية الصيد البحري بسبب مضايقات الاحتلال الإسرائيلي للصيادين وتحديد مسافة الصيد البحري، فقد بلغت كمية الصيد 4500 طنا فقط خلال عام 2020.

ومن أجل تعزيز بيئة الاستثمار في الاستزراع السمكي داخل وخارج البحر، أوضح ثابت أنه تم ادخال أنواع جديدة من أسماك المياه العذبة والمالحة، وتطوير طرق استزراع حديثة وتطوير مفرخات الأسماك المحلية.

اقرأ أيضا: “المبيدات بغزة”.. صحة المواطن مرهونة لرقابة “الزراعة” وضمير المزارع

واستعرض ثابت ما سبق بالأرقام، فقد تم إنشاء وتطوير 3 مزارع استزراع سمكي لأسماك الدنيس والقروص، حيث تم في عام 2020 إنتاج ما يزيد عن 600 طن من هذه الأصناف، وهذه الكمية تحقق الاكتفاء الذاتي من صنف سمك الدنيس والقروص في غزة، والباقي يصدر إلى المحافظات الشمالية.

وخلال عام 2020 تم تصدير 35% من الإنتاج المحلي من الثروة السمكية للضفة الغربية بواقع 175 طن.

وذكر ثابت أنه تم البدء بتنفيذ مشروع الأقفاص البحرية لتربية أسماك الدنيس في البحر (الاستزراع السمكي داخل البحر).

ومن المتوقع أن ينتج هذا المشروع 150 طن سنوياً، فضلاً عن تطوير مختبر (مفرخات أسماك الدنيس) لإنتاج 3 مليون بذرة دنيس سنوياً.

ورغم ذلك، يشتكي معاذ الشاعر صاحب مزرعة "فش فرش" لاستزراع الأسماك جنوب قطاع غزة، من ضعف الاقبال والقدرة الشرائية للمواطنين في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وفي جائحة كورونا، مشيراً إلى أن الأخيرة أثرت أيضاً على تصدير الأسماك للضفة الغربية.

وأعرب الشاعر لـ"زوايا" عن استعدادهم في القطاع الخاص إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل في استزراع بعض أنواع الأسماك، للاستعاضة عن النقص الحاصل من الصيد البحري.

ودعا القائمين على الحكومة إلى فتح آفاق الاستثمار في هذا القطاع الحيوي والهام.

الصناعات التحويلية والتحديات

ولا يمكن للعملية الاقتصادية الزراعية أن تكتمل بدون العملية الإنتاجية الزراعية والصناعات القائمة عليها، من خلال تعزيز الصناعات التحويلية المحلية في منتجات (العجوة، المخللات، الألبان، الأجبان البلدية، أجبان الحلويات، مربى الفواكه، المعجنات، العصائر، وغيرها).

وهذا جمال أبو جميزة صاحب منشأة وحدة تصنيع منتجات البلح، ذكر لـ"زوايا" أنه ينتج نحو 150-200 طن من البلح، ويقوم بتصدير 70% منها، والباقي يتم تصنيعه عجوة بنسبة تتراوح سنوياً بين30-40%.

وعدد أهم أنواع صناعات العجوة التي ينتجها من "الدبس، المختوم، والمربى"، لافتاً إلى أن الإقبال الأكبر يكون على العجوة من المخابز والمواطنين لتصنيع الكعك وأنواع كثيرة من المعجنات.

ونوه إلى أنه يتم إدخال "نوى البلح" في تصنيع أعلاف المواشي، لما يشكله من بروتين عالي.

غير أن أبو جميزة، اشتكى من سماح الحكومة باستيراد التمور في موسم البلح، والتي يتم استخدامها لأغراض تصنيع العجوة، ما يؤثر على تسويق منتجهم.

وذات الشكوى كررها عماد غزال مدير الجمعية التعاونية لمربي النحل في قطاع غزة، بأنه يتم إدخال كميات كبيرة من العسل بطرق شرعية وغير شرعيه للقطاع تؤثر على تسويق منتجهم المحلي، مؤكداً أن هذه الأصناف المختلفة من العسل لا تضاهي منتجهم بالمطلق.

وذكر غزال لـ"زوايا" أنه يوجد في قطاع غزة نحو 18 ألف خلية نحل تنتج معدل 180-200 طن من العسل خلال موسم الربيع، أما في موسم الصيف فتنتج نحو 80-100 طن أي نصف كمية الربيع.

ونبه غزال إلى ضرورة الاهتمام بقطاع النحل وزيادة المراعي الخاصة به، لأن ذلك من شأنه أن يساعد على الزيادة الإنتاجية في محاصيل الفواكه والخضروات لدى المزارعين، مفسراً أن ما نسبته 30% من التلقيح لأزهار الأشجار يتم بواسطة النحل.

أما المهندسة الزراعية هدى أبو ندى، فيتركز عملها مع الجمعيات والمؤسسات، في التدريب على تصنيع المنتجات الزراعية سواء النباتية أو الحيوانية، حيث ذكرت لـ"زوايا" أنها نفذت دورات كثيرة حول الصناعات التحويلية من المنتجات الزراعية.

وأكدت أن إقبال السيدات الفلسطينيات على تلقي مثل هذه الدورات يكون كبيراً، وذلك استشعاراً بقيمة تعلم الصناعات القائمة على المنتجات الزراعية وتمنيتها، وخاصة في مساعدة أسرهن على توفير احتياجاتهن، فضلاً عن توفير مصدر دخل يعينهن في حياتهن على تربية أولادهن.

 

التطوير عبر المشاريع التنموية

 

ومن حيث انتهت أبو ندى ومن سبقوها، أكد الخبير الزراعي م.نزار الوحيدي، أن الحالة الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة، دفعت الكثيرين وخاصة المرأة الفلسطينية للبحث عن مصادر دخل لأسرها، مشيراً إلى نسبة من السيدات وجدن ضالتهن في الصناعات التحويلية من المنتجات الزراعية ليمارسن هذه المهنة.

وتطرق الوحيدي في حديثه لـ"زوايا" إلى أن الاستغلال الأمثل لموارد القطاع الزراعي من شأنه أن يحدث نقلة نوعية في الاقتصاد الفلسطيني وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من المنتجات الزراعية، مؤيداً وزارة الزراعة في سياساتها الرامية لضبط وتحسين جودة الإنتاج الزراعي، ولكنه ينتقدها في سياسيات أخرى يتم تجاهلها.

ومن أهم ما يؤيده، هو ضبط جودة مدخلات الإنتاج الزراعي الواردة لقطاع غزة عبر المعابر، لما لذلك انعكاس واضح على زيادة وتحسن الإنتاج في القطاعين النباتي والحيواني، أما أهم ما ينتقده "عدم التركيز على استغلال العنصر البشري والكفاءات ودعمهم في تصنيع هذه المدخلات محلياً وإعادة التدوير".

وشدد على أهمية توجيه المساعدات والمنح للمزارعين والمربين والمختصين في الصناعات التحويلية، لتنفيذ مشاريع تنموية تعود بالنفع عليهم وعلى الاقتصاد الفلسطيني، منبها أن نسبة ليست بالقليلة من هذه المساعدات والمنح تُصرف على مشاريع "ديكورية" بمعنى مفقودة وروتينية وغير واقعية، فهي تلبي مصلحة الجهة المانحة ولا تلبي المصلحة الحقيقية للمجتمع والاقتصاد الفلسطيني، على حد وصفه.

وركز الوحيدي على أن الكثير من المنتجات الغذائية المستوردة يمكن تصنيعها محلياً وتحقيق اكتفاء ذاتي منها ولو جزئياً، وهذا يتطلب تقليل استيرادها تدريجياً، بالتوازي مع تشجيع وفتح باب الاستثمار للطامحين في هذا المجال وحماية منتجاتهم المحلية وتنميتها.

المصدر : غزة- خاص زوايا
atyaf logo