تقرير بالضربة القاضية.. كورونا تفتك بعمال غزة والمساعدات شعارات

عمال غزة
عمال غزة

كان العامل الفلسطيني يوسف حميدة 45 عاما يعيش حياة هادئة ومستقرة بفعل انتظام عمله في القطاع السياحي في قطاع غزة، وفجأة وجد نفسه بلا مصدر دخل، جراء تسريحه من العمل، نتيجة الإجراءات الوقائية التي اتخذتها اللجنة الإدارية لقطاع غزة، التابعة لحركة حماس، للحد من تفشي وباء كورونا، عبر سياستي الإغلاق الشامل والجزئي.

وحولت اللجنة الإدارية العديد من الفنادق إلى مراكز "حجر صحي" منذ ظهور كورونا في شهر آذار/مارس الماضي، خاصة للقادمين إلى القطاع عبر معبري بيت حانون/(إيرز) شمالا، ومعبر رفح البري جنوبا، ما أدى إلى استغناء الشركات الخاصة والفنادق عن العمال.

ومع تفشي الفيروس داخل قطاع غزة في أواخر شهر آب/أغسطس الماضي، زادت الإجراءات التي اتخذتها اللجنة الإدارية في القطاع، ونتج عن ذلك تضرر العمال بشكل أكبر وأوسع، وباتوا بلا عمل ودون مصدر دخل.

تساؤل عن المساعدات

يقول العامل حميدة، لموقع "زوايا"، "حياتي تحولت لجحيم، بعد أن فقدت مصدر رزقي، وعدم تقديم مساعدة لي ولأسرتي من قبل اللجنة الإدارية في غزة، ولا من الحكومة الفلسطينية في رام الله".

ويضيف، تم تسريحي ونحو 15 عاملاً من العمل في شركة "Evmt"، التي تقدم الخدمات السياحية في منطقة الشاليهات على شاطئ بحر غزة، نظراً لطول فترة الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا، وتكبد الشركة خسائر فادحة" منذ شهر آذار/مارس.

ويعيل العامل حميدة أسرة مكونة من خمسة أفراد، وكان يتقاضى راتبا يتراوح ما بين 1500-2200 شيكل شهريا (430-630 دولار أمريكي)، حصيلة عمله بنظام المياومة في الشركة، وفجأة تبخر هذا المبلغ الذي كان يسد فيه رمق أسرته.
للمزيد: سوء تغذية أطفال غزة.. ارتفاع الأعداد ومخاطر الإصابة بكورونا

وأصبح العامل حميدة بدون دخل، ووفقا له، فإنه لا يتلقى أي مساعدة من أي جهة، متسائلا بغضب في ظل الظرف الذي يمر به، عن "سبب عدم إدراج اسمه في كشوفات وزارة التنمية الاجتماعية بقطاع غزة، والتي توزع 100 دولار شهريا على نحو 100 ألف أسرة، تحت ما يعرف بـ"المنحة القطرية".

ويصرف جزء مخصص من المنحة القطرية للمساعدات الإنسانية، ضمن معايير حددتها وزارة التنمية الاجتماعية وهي: أن يكون المتقدم ذكرًا، متزوجًا، لا يعمل ولا دخل له، لا يتلقى مساعدة شؤون، لم يستفد من المنح القطرية السابقة ومنح الجرحى وغيرها، ليس من ضمن الأسماء التي ستستفيد من التشغيل المؤقت، أنثى أرملة أو مطلقة.

ويتعثر أحيانا وصول المنحة القطرية إلى قطاع غزة، وفقا لموافقة الاحتلال وسياسته الأمنية، تجاه القطاع، خاصة في الأوقات التي يصاحبها تصعيد عسكري.

وحال العامل حميدة يلخص حال شريحة العمال، الذين تم تسريحهم جراء جائحة كورونا، وانتهى بهم المطاف في الشارع دون أي مصدر رزق، الأمر الذي رفع نسبة البطالة في قطاع غزة إلى مستويات غير مسبوقة.

لا أحد يلتفت للعمال

الخبير في الشأن الاقتصادي ومدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة، د. ماهر الطباع، أكد لموقع "زوايا"، أن شريحة العمال في القطاع السياحي هي أكبر الشرائح المتضررة من كورونا، حيث وصل نسبة تضررهم 95 بالمئة عن باقي القطاعات الأخرى، المتضررة، والتي يعمل بها نحو 8000 عامل. لافتاً إلى أن إجمالي المتعطلين عن العمل من جميع القطاعات في غزة، وصل إلى 45 ألف عامل من عمال المياومة.

وقال الطباع: "رغم ظروفهم الصعبة إلا أنه للأسف لا أحد يلتف إليهم سواء من المنحة القطرية أو صندوق وقفة عز، أو أي جهة مساعدات أخرى".

وصندوق وقفة عز، هو صندوق وطني تم تأسيسه في شهر نيسان/أبريل الماضي، بقرار من رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، يهدف إلى مواجهة تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا في فلسطين وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

وينحصر تبرع الصندوق في توجيه الدعم للعائلات المعوزة والمتضررة جراء الأزمة من خلال وزارة التنمية الاجتماعية، وتقديم الدعم لتلبية احتياج القطاع الصحي عن طريق وزارة الصحة الفلسطينية، وفق ما هو منشور على الموقع الإلكتروني للصندوق.

لكن الخبير الاقتصادي، يقول إن الصندوق "لم يلتفت إلى قطاع غزة، كما يجب، فجميع أعضائه الـ30 من الضفة الغربية، وقدم مرتين مساعدات للقطاع"، لكنها لم تكن "وفق المستوى والمعايير المطلوبة"، وفقا لوصفه.
للمزيد: غزة المُهملة.. الشتاء يكشف عورة الطرقات وهشاشة المنازل

وتحدث الطباع عن الأوضاع الكارثية التي يعيشها القطاع والحاجة إلى المساعدة، حيث أن نسبة البطالة ارتفعت إلى 50 بالمئة تقريبا، ومعدلات الفقر زادت إلى 53 بالمئة، بينما وصلت نسبة الفقر المدقع إلى نحو 38 بالمئة تقريبا. ويتوقع تقرير للبنك الدولي ارتفاع نسبة البطالة في القطاع إلى 64 بالمئة، جراء جائحة كورونا.

غياب الشفافية والرقابة

في ذات السياق، أوضح أسامة نوفل، الخبير في الشأن الاقتصادي، لـموقع "زوايا"، أن المساعدات التي تقدم من صندوق "وقفة عز" للعمال يصاحبها إشكاليات متعددة، مرجعا ذلك إلى عدم التنسيق بين حكومتي غزة والضفة، بسبب الانقسام، من أجل الوقوف على الشرائح الأكثر تضررا من الجائحة.

وأشار إلى أن رئيس الوزراء محمد اشتية أوضح أن الأسماء التي ستستفيد من صندوق وقفة عز في قطاع غزة جاءت باستشارة القطاعات ذات العلاقة.

ووفقا للخبير الاقتصادي نوفل، فإن مشروع المنحة القطرية، الذي تديره حكومة غزة، وكذلك مشروع صندوق وقفة عز، "لا يتمتعان بالشفافية، ولا يخضعان للرقابة، لذلك نجد العشوائية ونسبة الاعتراض عليهما كبيرة".

ورأى الخبير الاقتصادي نوفل، أن المساعدات كي تصل إلى مستحقيها، لابد من اعتماد برنامج موحد بين الحكومتين في غزة والضفة الغربية، ولو عبر طرف مستقل (قطاع خاص)، من أجل عدم تكرار الأسماء المستفيدة من برامج المساعدات، كما هو معمول في برنامج التحويلات النقدية التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية.

وشدد على ضرورة إدراج بند في الموازنة العامة لحكومة اشتية، وكذلك حكومة غزة، يُعنى بدعم العمال والفقراء، جراء جائحة كورونا، وزيادة المبالغ المقدمة لهذه الشريحة شهريا، حتى تستطيع الصمود.

وفي ظل استمرار الواقع الفلسطيني على ما هو عليه من انقسام وتحميل كل طرف من أقطابه في غزة ورام الله المسؤولية للطرف الآخر عن مساعدة هذه الشريحة، يزداد حال العمال المتضررين من جائحة كورونا سوءا، ويبقى العامل بحاجة ماسة إلى من يسد رمقه، لضمان العيش بكرامة.

المصدر : زوايا - خاص - عبد الهادي عوض
atyaf logo