انفوجرافيك زحف نحو الموت.. حكاية المتسللين من غزة

الشريط الحدودي بين غزة ودولة الاحتلال الاسرائيلي
الشريط الحدودي بين غزة ودولة الاحتلال الاسرائيلي

جنود مدججون بالسلاح، وآليات وأبراج عسكرية، وجدران وأسلاك إلكترونية وشائكة، لم تمنع عشرات الفلسطينيين العزل من الزحف عبر الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، فارين من واقعهم المرير جهة الإعدام والإصابة والاعتقال والتنكيل.

تخبئ حكايات "المتسللين" بصدورهم العارية نحو الاحتلال، أسبابا متعددة تدفعهم نحو الإقدام على هذا السيناريو المرعب، في صلبها يقع الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة منذ 14 عاما، وما خلفه من نتائج كارثية، جعلت مواجهة الموت الخطوة الأكثر يأسا لنحو 200 فلسطيني، نفذوا عمليات تسلل إلى الأراضي المحتلة، خلال العام الماضي.

وتظهر بيانات خاصة بموقع "زوايا"، حصل عليها من مصادر أمنية، غطت الفترة منذ بداية كانون أول/ديسمبر 2019 حتى نهاية عام 2020، أن 209 فلسطينيا من قطاع غزة، نفذوا عمليات تسلل نحو الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي، وأحبطت الجهات الأمنية في القطاع محاولة 122 شخصا منهم.

وتوضح البيانات، أن 90 بالمئة من المتسللين، الذين توفرت معلومات حول أعمارهم، كانوا بين 12 و30 عاما، ثلثيهم من الفئة العمرية الأقل من 20 عاما، فيما توزعت نسبة الـ10 بالمئة المتبقية من المتسللين على الفئات العمرية الأكبر من 30 حتى 60 عاما.

وفي تفاصيل البيانات المتوفرة لدى "زوايا"، ويتحفظ الموقع عن كشف الأسماء الواردة فيها، كانت أغرب عمليات التسلل، تلك التي وقعت مطلع حزيران/يونيو الماضي، ونفذتها فتاتان تبلغان من العمر 15 و13 عاما، من سكان شرقي مدينة خانيونس، هربتا من "مشاكل عائلية"، وفقا للأجهزة الأمنية بغزة، التي تمكنت من إحباط تسللهما.

تشير الأحداث إلى أن محاولات التسلل غالبا ما تنتهي بوقائع مأساوية، فحسب البيانات ذاتها، استشهد خلال العام الماضي ثلاثة فلسطينيين، هم: محمد هاني أبو منديل، وسالم زويد نعامي، ومحمود خالد سعيد، عقب تسللهم إلى الحدود من شرق القطاع في 21 كانون ثاني/يناير 2020.

أما في عام 2019 فأعدم الاحتلال حوالي 21 شابا، لدى اجتيازهم الحدود الشرقية للقطاع، بحسب إحصائية نشرها موقع "اندبندنت"، في آذار/مارس الماضي، بالاعتماد على بيانات من وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى.

 

لتحميل ملف الإنفوجرافيك بصيغة PDF اضغط هنا

وطالع موقع "زوايا"، حكايات شبان حاولوا ونجحوا في التسلل إلى الاحتلال، هربا من مشاكلهم الاجتماعية وحالة الفقر والبطالة المخيمة على قطاع غزة، وأملا في العثور على فرصة عمل وحياة كريمة في الداخل المحتل، إلا أن مصيرا مغايرا كان بانتظارهم.

استهداف مباشر

الشاب (أ.ع)، 25 عاما، والذي تسلل إلى الداخل المحتل عبر السياج الحدودي مرتين، وأصيب في إحداها، قال إن حالة الفراغ والملل التي يعيشها، إلى جانب تحمسه بعد حديث بعض أصدقائه الذين شجعوه على التسلل، كان السبب في توجهه إلى الحدود، وأكد أن أغلب الشباب الذين يتسللون يدفعهم لذلك "ضيق العيش، والمشكلات التي يواجهونها".

يروي الشاب (أ.ع) لموقع "زوايا"، تفاصيل المرة الأولى التي تسلل فيها نحو الاحتلال في نيسان/أبريل عام 2015، وزحف خلالها عبر إحدى الأراضي الزراعية، من بعد العشاء إلى قرابة الفجر، بما يعادل 7 ساعات، حتى وصل إلى السلك الأول على الحدود، بعد تعب وجهد كبيرين، كما تحدث.

رادارات مراقبة، وأبراج عسكرية، وثلاثة جيبات تحوم لجنود الاحتلال، شاهدها الشاب، يخترقها صوت نباح الكلاب، جعلته يتردد ويُحَدِثُ نفسه بالعودة والرجوع إلى غزة، إلا أن التفكير في مساءلة أجهزة الأمن في غزة منعته من العودة.

يقول: "قفزت من فوق السلك الأول، ووصلت إلى السلك الثاني، نزلت وقفزت عنه وسط إطلاق النار كان كثيف، زحفت وتقدمت تقريبا 10 أمتار، فاكتشفت حينها من حسن حظي أن إطلاق النار الكثيف وقنابل الإنارة كانت على اثنين آخرين كانا قد اقتربا من السلك أيضا".

للمزيد: إنفوجرافيك فلسطين.. هل تقترب غزة من العطش؟

وأشار إلى أن جنود الاحتلال اكتشفوا من خلال السلك الإلكتروني أن هناك تسللًا من منطقتين، وأضاف: "ألقوا قنابل الإنارة، وأطلقوا الرصاص نحوي مباشرة دون تحذير أو إنذار، فأصبت في قدمي اليسرى، ولم أعلم بإصابتي إلا بعد فترة".

وتابع: "أحاط بي حوالي 30 جنديا، وصوبوا أسلحتهم نحوي، وسألوني هل أصبت؟ وبعدها قدموا لي الإسعافات الأولية، وحملني جنديان من الأرض على الأسفلت، وأثناء حملهم لي صرخت من الألم".

أسبوعان مكثها الشاب العشريني في إحدى المستشفيات التابعة للاحتلال تلقى فيها العلاج، لتعيده قوات الاحتلال في الأسبوع الثالث إلى قطاع غزة عبر حاجز (إيرز/بيت حانون)، ليروي للأجهزة الأمنية في غزة ما حدث معه، ويكرر التسلل بعد ذلك مطلع عام 2018.

صورة توضيحية ملتقطة من مسيرات العودة لشاب فلسطيني يزحف بالقرب من الحدود مع الاحتلال

 

ضرب وتنكيل

لم يكن حال الشاب (س.ش) 20 عامًا مختلفًا عن سابقه، حيث توجه إلى الحدود الشرقية لقطاع غزة في برد كانون الثاني عام 2018، ليتسلل برفقة شابين آخرين، منوها إلى أن حالة الفراغ الكبير واليأس الذي يعيشه كثير من الشبان دون أي عمل وانعدام الفرصة ببناء حياة كريمة، تدفعهم للتسلل عبر الحدود.

زحف الشبان الثلاثة مسافة طويلة من الأراضي الفلسطينية حتى وصلوا إلى أول سلك يضعه الاحتلال على الحدود، شعروا خلاله بالتعب الشديد ما جعلهم يندمون على طريقهم الذي أقدموا عليه، ليقفزوا بعد ذلك عن ثلاثة أسلاك شائكة يضعها الاحتلال، مزقت أياديهم وأجسادهم لصعوبة تسلقها، كما ذكر الشاب (س.ش).

ووصف (س.ش) لموقع "زوايا"، تفاصيل الذي حدث قرابة الساعة الثالثة فجرًا، قائلا: "اكتشف جنود الاحتلال مكاننا بعد إطلاق قنابل الإنارة، فأطلقوا النار بشكل عشوائي، ثم أخذوا ينادون أين النفق أين النفق؟، فأجبناهم: لا يوجد نفق، أمرونا بخلع ملابسنا ثم قيدونا، ونقلوا كل واحد فينا في جيب عسكري إلى موقع عسكري".

وتابع حديثه، عن تعامل الاحتلال معهم، موضحا "في الموقع حققوا معنا، وفي اليوم الثاني أجلسونا قرابة 12 ساعة على كراسي حديد ونحن مقيدون في الجو البارد، حتى تورمت أيادينا من القيود والجلوس كل هذه الفترة على ذات الجلسة، التي أتعبتنا وأرهقتنا".

"استهزاء، كلمات بذيئة، سب للذات الإلهية، ضرب شديد بالأحذية حتى تورمت أقدامنا، إطفاء للسجائر التي يشربونها في رؤوسنا"، هذا ما لاقاه الشبان الثلاثة باستمرار من جنود الاحتلال، وهم مقيدون طوال تلك الفترة على كراسي الحديد في البرد الشديد.

في اليوم التالي، أعاد الاحتلال الشبان الثلاثة إلى قطاع غزة عبر حاجز (إيرز/بيت حانون) شمال القطاع، لتتولى وزارة الداخلية في قطاع غزة التحقيق والتعامل معهم.

صوة توضيحية: قوات الاحتلال تطلق قنابل غازية سامة صوب شاب فلسطيني اقترب من الحدود

 

العقاب في غزة

أبدى الشابان (أ.ع) و(س.ش) خوفهما من الحديث عن تعامل وزارة الداخلية في قطاع غزة معهما وغيرهما من الشبان المتسللين، حيث مكثا أسبوعًا لدى جهاز الأمن الداخلي من التحقيق و"العقاب" النفسي والجسدي، كما أسموه.

قال الشاب المتسلل (أ.ع): "يا عفو الله، في الداخلي تم التعذيب النفسي، وضُربنا حتى نسيت اسمي هناك"، مشيرًا إلى أن كل شخص يتم التعامل معه في العقاب حسب تهمته ووضعه، وكلما يأتي شخص جديد يخف العقاب عليك.

وتابع: "أعتقد أن الأجهزة الأمنية في غزة يريدون أن يُرْهِبوا من يذهب إلى الحدود من خلال العقاب، بالإضافة إلى تخويف من يفكر بهذه الخطوة، ويشددون العقوبة على من يدل غيره"، وأضاف: "كانت تجربة مريرة وصعبة، ودائمًا أنصح غيري بعدم الذهاب والتسلل".

أما الشاب (س.ش) عقب بكلمات قليلة: "لا أنصح من يرى ما سيحصل له في الأمن الداخلي أن يتوجه للمنطقة الشرقية مطلقًا".

ومن جانب آخر، أشار إلى أن هناك متابعة دائمة من قبل جهاز الأمن الداخلي من خلال محاضرات توعوية مستمرة، واتصالات مستمرة لفحص إذا ما تلقوا اتصالات من قبل مخابرات الاحتلال أم لا، بعد الإفراج عنهم.

وتشير الإحصائية الخاصة بموقع "زوايا"، إلى أن الاحتلال أطلق سراح 37 شخصا خلال عام 2020، كانوا قد نجحوا في اجتياز الحدود، وتراوحت مدد اعتقالهم بين ساعات معدودة وعامين.

[caption id="attachment_2204" align="aligncenter" width="1200"]

صورة توضيحية: مجموعة شبان فلسطينيين قرب الحدود أثناء مرور مركبة عسكرية للاحتلال[/caption]

انتحار نفسي

يعتقد الدكتور درداح الشاعر، الأستاذ المساعد في قسم علم النفس بجامعة الأقصى بغزة، أن دافع التسلل هو "ضغط الظروف الاقتصادية القاهرة، مع ضعف الشعور بالانتماء للوطن والدين".

وفي حديثه لموقع "زوايا"، قال الشاعر: "الدافع الأساسي هو البحث عن العمل والمال، ولكن هذا ليس مبررا، لأنه ليس كل إنسان يقع تحت الضغط الاقتصادي يلجأ إلى التسلل، إلا أن يكون هذا الإنسان عنده ضعف في الانتماء لبلده ودينه، لأن هذين عاملين أساسيين في منعه من ذلك، وبلا شك الناس يتفاوتون في مستويات انتمائهم".

وينوه إلى أن إعادة الاحتلال للمتسللين فيها نوع من "المخاطرة"، مشيرا إلى "احتمال أن يكون أحدهم قد ارتبط بالاحتلال فأعادوه".

وفي معرض جوابه على سؤال إن كان يرى هذا التسلل انتحارا؟، قال الأكاديمي الفلسطيني: "لا يمكن أن نسمي هذا انتحارا، لأن المتسلل إذا كان يعلم علم اليقين أنه سيقتل أو يصاب لما ذهب، لكن هناك درجة من الأمان في فعلته، بدليل أن أغلب الحالات لا يطلق عليها جيش الاحتلال النار بشكل مباشر يؤدي إلى القتل".

وأضاف: "أعتقد أنه انتحار نفسي وليس انتحارا فسيولوجيا، لأن المتسلل لم تعد لديه منظومة نفسية تعصمه من التوجه للحدود، لذلك فهو يعيش أزمة نفسية، بفعل الواقع الاقتصادي أو الاجتماعي داخل القطاع".

وظاهرة "المتسللين من قطاع غزة" عبر الحدود إلى الاحتلال، تصاعدت في ظل تردي الظروف المعيشية بالقطاع، حيث وثقت وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى، تسلل 84 حالة للحدود خلال عام 2019، كما جاء في تقرير موقع "اندبندنت".

وبحسب التقرير ذاته، فإن حوالي 19 جثمانا فلسطينيا محتجزاً لدى الاحتلال الإسرائيلي، جلّهم من المتسللين عبر الحدود، ويرفض الإفراج عنهم.

وخلال السنوت الخمس الأخيرة، ازدادت أعداد المتسللين من قطاع غزة، رغم انتشار قوة أمنية على طول الحدود مع الاحتلال، تعرف باسم "قوات الضبط الميداني"، مهمتها ضبط الحدود وإحباط محاولات التسلل.

المصدر : غزة- خاص زوايا
atyaf logo