جرحى غزة.. إصابات لم تندمل وحقوق ضائعة

الجرحي في غزة
الجرحي في غزة

مر يوم الجريح الفلسطيني في الثالث عشر من آذار/مارس الماضي، كغيره من الأيام والمناسبات الوطنية، والتي عادةً ما يُحتفى بها سنوياً بالبيانات والشعارات الرنانة، دون تلمس معاناة ومشكلات المُحتفى بهم وتلبية مطالبهم.

فذكرى يوم الجريح تمر على أصحابها، في وقت تغيب القوانين التي تحمي حقوقهم وتضمن لهم العلاج والتأهيل والحياة الكريمة، وذلك في ظل التجاذبات السياسية، حيث يحاول كل طرف من أطراف الانقسام الفلسطيني التنصل من مسؤولياته وإلقائها على الآخر.

موقع "زوايا" تلمس جزءاً من معاناة الجرحى الفلسطينيين في قطاع غزة، ووقف على بعض مشكلاتهم وأهم مطالبهم.

وفي هذا الإطار، يستعرض الموقع الإحصاءات حول عدد الجرحى الفلسطينيين في الأعوام والأحداث السابقة.

إحصاءات رسمية

فوفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، فقد بلغ عدد الجرحى الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو 2021 نحو 1500 مصابا في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس.

كما بلغ عدد الجرحى الفلسطينيين في الحرب على قطاع غزة عام 2008م نحو 5450 جريحا، وفي حرب عام 2012 بلغ عددهم نحو 1526 جريحاً، وخلال حرب عام 2014 بلغ حوالي 11 ألف جريح.

فيما بلغ عدد الجرحى في قطاع غزة 9520 جريحاً منذ انطلاق مسيرات العودة يوم 30 مارس 2018 في ذكرى "يوم الأرض" وحتى أواخر يوليو 2018.

بينما بلغ عدد الجرحى في هبة إغلاق بوابات المسجد الأقصى نحو 1400 جريح.

وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ عدد الجرحى خلال عام 2017 نحو 8300 جريح، منهم 5400 عقب الإعلان الصادر عن الرئيس الأمريكي ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في 6 ديسمبر 2017. 

أما عدد جرحى الانتفاضة الأولى "الحجارة" خلال الفترة (1987- 1993) فبلغ نحو 130,000 فلسطيني.

في حين بلغ عدد جرحى هبة النفق التي استمرت ثلاثة أيام (25-26-27) من شهر سبتمبر عام 1996 نحو 1600 جريح.

كما بلغ عدد جرحى الانتفاضة الثانية "الأقصى" 29 سبتمبر 2000 - 31 ديسمبر 2008 نحو 35,099 جريحاً.

وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات أصدر مرسوماً رئاسياً بتاريخ 13/3/1968م يقضي بتحديد يوم الثالث عشر من آذار من كل عام يوماً للجريح الفلسطيني، حيث جاء المرسوم الرئاسي لاحقاً لإنشاء "مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى" عام 1965 كإحدى مؤسسات منظمة التحرير، التي ترعى أسر الشهداء وتتابع شؤون الجرحى، تقديراً لدورهم الرائد في مسيرة الثورة الفلسطينية.

 مآسي داخلية

ويعيش الجرحى الفلسطينيون، مآسي داخيلة من بني جلدتهم تتعلق بحقوقهم ومطالبهم الحياتية، إلى جانب أنهم الشهود الأحياء على بشاعة الاحتلال وانتهاكاته لكل الشرائع والقوانين الدولية باستخدامه القوة المفرطة والأسلحة المحرمة في إصابتهم.

فأمام مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى في غزة، يجلس مجموعة من الشباب الجرحى، ينتظرون أي خبرٍ عن مخصصاتهم المالية، في صورة تلخص ما يعانيه الآلاف من أقرانهم في القطاع، والذي أضحوا فريسةً للفقر والبطالة.

الجريح محمد رائد، كاد أن يفقد قدمه برصاصةٍ عام 2017، يعاني اليوم قسوة الفقر فوق آلام الإصابة، فيقول إنه أصيب بقدمه بتاريخ 11-12-2017، حيث تم تركيب له بلاتين خارجي ولكنه لم يتعافى، الأمر الذي اضطر الأطباء لتركيب بلاتين خارجي (..) تسبب بفقده للإحساس، مشيراً إلى أن حاله حال الكثير من الجرحى الذي يعانون تبعات الإصابة.

أما الجريح "أسعد رضوان" فقد اعتبر أنهم كجرحى فلسطينيين لهم حقوق وواجبات على شعبهم وحكومتهم والعالم، حيث يتعرضون للظلم والأذى من خلال المنع من السفر والعلاج بسبب الاحتلال والحصار، فضلاً عن التهميش الفلسطيني على الصعيد الرسمي والمؤسساتي لقضية الجرحى.

وكمن سبقوه، أصيب الجريح محمد أبو القمبز في قدميه بالرصاص المتفجر خلال مشاركته في مسيرات العودة على حدود قطاع غزة، ويقول لــ "زويا": "أنا الآن أعاني من وضع صعب لا أستطيع تحريك قدمي اليسرى وأعاني من قصر في القدم اليمنى". ويضيف: "طالبت بالسفر للخارج ولم أستطع بسبب منعي من الخروج".

وأردف أبو القمبز "أهم ما أحتاجه هو توفير راتب جيد، حتى أستطيع من خلاله أن أؤمن حياة كريمة لأطفالي، حيث أنني الآن معطل عن العمل ولا أستطيع القيام بأي شيء (..) للأسف الـ١٠٠ دولار لا تكفيني لشراء بعض العلاجات التي تطرأ وهي غير متوفرة بالمستشفيات".

وأكمل "هناك جرحى في غزة كحالتي بأمس الحاجة لعمليات جراحية خارج القطاع، فلماذا لا تتوفر لنا العلاج هنا دون الحاجة للسفر؟"، مطالباً "الفصائل والحكومة والرئيس وكل مسؤول في البلد بإعطاء أولوية لهم، من خلال توفير راتب ثابت يضمن مستقبل أبنائهم ويمنعهم من التسول بالشوارع"، حسب تعبيره.

أين المسؤولون؟

ومن المآسي الموجودة في غزة أيضاً، الجريحان الشقيقان محمود ومحمد البحري، حيث فقد الأول عينه في 27-7-2014، وما زال يعاني منها، كما يشكو من ألم كبير في أسنانه المُرقعة بالبلاتين، فضلاً عن أن أحد فكيه مكسور، مما يسبب له حالة نفسية، مشيراً إلى أنه دق أبواب المسؤولين.

اقرأ أيضاً: هل تؤثر حرب أوكرانيا على المساعدات الدولية للفلسطينيين؟

أما الأخ الثاني محمد فمصاب في أطرافه اليمنى من جسمه ويعاني من ضيق في الصدر، وقال إنه وشقيقه يعانيان الأمرين منذ سبع سنين، مناشداً المسؤولين في غزة وخارجها، بالاهتمام في علاجهما، واعتمادهما من الجرحى الذين يتلقون راتباً شهرياً.

في حين أن الجريح محمد الكحلوت، قد تسببت له إصابته البالغة بالجلوس على كرسي متحرك طوال حياته القادمة، ويعبر بمرارة "لم أكن أتصور أن ما يسمى بالانقسام السياسي، سوف يؤثر على الجرحى المقعدين أو مبتوري الأطراف".

أما الجريح "م.ح"، رفض ذكر اسمه كاملا، فقد اشتكى من التمييز الفصائلي في علاج الجرحى، مشيراً إلى أن كل فصيل يتبنى أفراده المنتمين له، حيث يوفر لهم العلاج والراتب الشهري، وإذا تطلب الأمر يتم تسفيره للعلاج في الخارج، متسائلاً "ألسنا أبناء وطن واحد وأصبنا لأجل الوطن الواحد؟!".

وحول هذا الوضع، يُعقب لـ"زوايا" سمير زقوت، نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، فيقول: "لا يجوز التفرقة بين الجرحى في العلاج والحقوق، حيث يكفل القانون لجميع المرضى الحصول على العلاج سواء من الجهات الحكومية أو المؤسسات المختصة والمعنية".

 وأشار زقوت إلى دورهم في تسهيل عمليات إخراج الجرحى الذين يمنع الاحتلال الإسرائيلي دخولهم عبر المعابر المختلفة، لافتاً إلى أن الاحتلال يجب أن تتحمل مسؤولياته، وأن يتم محاسبته على جرائمه، حيث أنه المتسبب الرئيسي في إصابات آلاف الفلسطينيين وإعاقتهم.

وتؤكد مؤسسات حقوقية أخرى، أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد إلحاق الضرر البالغ بالفلسطينيين عبر قوة النار لإحداث إعاقةٍ مستدامةٍ لديهم، فهي سياسة عدوانية تتطلب محاسبة الأخيرة وملاحقتها في المحاكم الدولية.

 محاولة للتغلب على الإعاقة

ومن صور تحدي الجرحى للمعاناة ومثابرتهم في صناعة الحياة، تلك التي يرسمها الجريح محمد طوطح، الذي بُترت ساقه جراء صاروخٍ إسرائيلي عام 2008، حيث وجد نفسه في مواجهة قسوة البحث عن لقمة العيش، وتعثر في سبيل ذلك مرات كثيرةٍ، لكنه بإصرار يحاول تجاوز العقبات ليصل إلى مبتغاه الصعب أصلاً.

ويقول طوطح: "إسرائيل حاولت أن تبتر هذا الجيل، وتعدم أطرافه، بحيث أنها تعدم هؤلاء الشباب (..) معاناتي كبرت وزادت، وخصوصاً مع زيادة عُمري"، مطالباً المجتمع الدولي بمحاكمة الاحتلال على جرائمه بحق شعبنا وجرحاه.

طوطح ليس وحيداً في معاناته، فآلاف الجرحى بينهم المئات أصيبوا ببتورٍ في أقدامهم بفعل الاحتلال، وحتى اليوم يكابدون من أجل الحصول على أطرافٍ اصطناعية تساعدهم على إكمال حياتهم، إلا أن واقع الحصار وقلة الإمكانيات يحول في كثيرٍ من الأحيان دون ذلك.

وفي السياق، يؤكد لطفي موسى رئيس مركز الأطراف الصناعية في غزة لـ"زوايا" أن الاحتلال يمنع إدخال مواد أساسية جداً تلزمهم في صناعة الأطراف، كالمواد البلاستيكية بحجة أن لها استخدامات أخرى.

ولفت إلى أن الاحتلال يمنع كذلك إدخال "أقدام صناعية وكل المواد الرئيسية التي تدخل في صناعة الأطراف، مضيفاً "الاحتلال يعلم أن هذه المواد لا تستخدم إلا في إعادة تأهيل الجرحى المبتورين".

قانون يكفل الحقوق

ما يعانيه جرحى غزة من إهمالٍ وتجاهلٍ لحقوقهم، تناوله بعضهم خلال لقاءٍ جمعهم بنواب المجلس التشريعي في غزة قبل أيام، حيث طالبوا خلاله بقانون يكفل لهم الحياة الكريمة.

ولاحقاً، أعلن رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني بالإنابة أحمد بحر عن البدء في إقرار قانون الصندوق الوطني لدعم ورعاية أسر الشهداء والأسرى والجرحى.

وقال ظريف الغُرة المتحدث باسم جرحى قطاع غزة لـ"زوايا" أن الجرحى في المجتمع الفلسطيني في أمس الحاجة لأن يُشرع لهم مثل هذا القانون، وخاصة أن عددهم يزيد عن 330 ألف جريح، ومازال هذا العدد في زيادة بفعل الاحتلال ومواصلته الاعتداءات على شعبنا في غزة والضفة والقدس.

وانتقد الغُرة "عدم وجود جهة حكومية مختصة ترعى الجرحى بشكل مباشر، حيث تلقى المسؤولية عن الجرحى على كاهل الجمعيات الخيرية، وهذا ما لا يليق بالجريح الفلسطيني"، عاداً أن قضية الجرحى يجب أن تكون على سلم أولويات الكل الفلسطيني وعلى رأسهم الحكومة والفصائل الوطنية.

الغُرة الذي يعاني من شلل نصفي في الأطراف السفلية، ويمثل قطاعا كبيرا من الجرحى الذين قدموا أغلى ما يملكون لأجل الوطن، يقول: "دورنا هو الدعم والاسناد والرعاية والاحتضان والتقدير للجرحى كقيمة وطنية نضالية كبيرة، تستحق منا الكثير الكثير"، مشيراً إلى أهمية تسليط الضوء على مختلف القضايا التي تخصهم والعمل على معالجتها مع جهات الاختصاص وصناع القرار، لضمان حياة كريمة تليق بتضحياتهم.

وحول شكوى الجرحى من التهميش الحكومي الرسمي ومن المؤسسات المختصة المعنية، فذكر الغُرة أن معاناة الجرحى الفلسطينيين تتعدد أسبابها، أولها: سياسات الاحتلال الصهيوني الغاشم الذي يستهدف جميع أشكال الحياة من بشر وشجر وحجر، ويواصل استهداف الجرحى حتى بعد إصابتهم، فيصيبهم إصابات ثانية وثالثة ويقتلهم في أحيان أخرى.

وأشار إلى شكل آخر من أشكال معاناة الجرحى ويتمثل في "قطع المخصصات المالية من قبل حكومة رام الله وعدم اعتماد عدد كبير من جرحى جراء سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، وهو ما زاد أضعافاً مضاعفة من معاناة الجريح الفلسطيني على الصعيد الصحي والنفسي والمعيشي، وكذلك الوطني في أنه لم يعد هنالك خطوط حمر أو قيم ورموز وطنية".

ولفت الغُرة إلى أن الحصار الإسرائيلي، أثر بشكل مباشر على الخدمات المقدمة للجرحى كماً ونوعاً، حيث حال الحصار دون توفر العديد من الأجهزة الطبية العلاجية للجرحى، كذلك حدّ من كمية الأدوية والمهام الطبية التي يحصل عليها الجريح بشكل شهري، على حد تعبيره

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo