تقرير نفايات غزة.. ثروة متعددة المنافع بحاجة لاستغلال أمثل

مكبات النفايات بغزة
مكبات النفايات بغزة

يُعد سوء إدارة النفايات الصلبة، أحد العوامل الرئيسية التي تسهم بشكل كبير في التدهور البيئي في قطاع غزة، حيث إن قدرات البلديات ضعيفة للغاية إلى حد لا يمكنها تقديم الخدمات الأساسية اللازمة، بما في ذلك الجمع الأساسي ونقل النفايات الصلبة المتراكمة إلى خارج المناطق السكنية ومواقع دفن النفايات الصحية.

ويتلقى مجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة - حالياً- طلبات ونداءات من البلديات في قطاع غزة، لدعمها على الفور في نقل النفايات الصلبة المتراكمة من المناطق السكنية للحيلولة دون حدوث مخاطر بيئية وصحية عامة، وتفشي الأمراض، وانتشار القوارض والحشرات، إضافة إلى تلوث المياه الجوفية والتربة الزراعية.

4 مليون طن نفايات

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد تجاوزت كميات النفايات الصلبة المتكدسة في محافظتي غزة والشمال الـ (4 مليون) طن، حيث ساهمت الحروب الأخيرة على القطاع والحصار المستمر منذ العام 2008 إلى ظهور مكبات عشوائية مؤقتة في محافظة شمال غزة، لتتوسع رقعة مساحة الأراضي التي تشغرها مكبات النفايات الصلبة في المحافظتين وتتجاوز الـ (500) دونم حتى نهاية العام 2021.

فيما تنتج محطة معالجة مياه الصرف الصحي في محافظة شمال غزة وبشكل سنوي (24,000) طن من الحمأة والتي تحتاج الى تخلص آمن.

ولذلك كان الاقتراح في "مشروع الاستفادة من النفايات العضوية المتحللة في انتاج كمبوست عالِ الجودة"، وذلك بتكلفة تقديرية تزيد عن (11,000,000) دولار أمريكي، حيث من المتوقع تنفيذ المشروع خلال فترة (5) أعوام.

ويستهدف المشروع سكان وبلديات محافظتي غزة وشمال غزة والبالغ التعداد السكاني فيها أكثر من (1,500,000) نسمة ويخدم (500) دونم من الأراضي الزراعية.

اقرأ أيضاً: مكبات النفايات "تزكم" أنوف الفلسطينيين.. نحو 3 آلاف طن نفايات يومياً

ويهدف المشروع إلى تحسين إدارة وخدمة جمع وترحيل النفايات الصلبة، حيث سيتم تنخيل وفرز النفايات الصلبة من المكبات العشوائية والمؤقتة في مدن محافظتي غزة و شمال غزة للاستفادة منها في إنتاج كمبوست عالي الجودة يخدم "مدينة غزة، جباليا النزلة، بيت لاهيا، بيت حانون، أم النصر".

مبررات وشركاء ومواصفات

وبشكل مركز حول مبررات المشروع، فقد لخصها لـ"زوايا" م. عبد الرحيم أبو القمبز المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة بمحافظتي غزة والشمال، حيث أوضح أن المشكلة تكمن في أنه منذ عام 2014، تراكمت كميات ضخمة من النفايات الصلبة داخل المنطقة السكنية في محطات نقل مؤقتة وكذلك في مواقع مكبات عشوائية تشكل مخاطر كبيرة على الصحة العامة لسكان شمال قطاع غزة والبيئة والتي تقدر بـ (600,000 طن) من النفايات الصلبة المتراكمة في مدينة بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا.

وذكر أبو القمبز أن هذه الكميات تراكمت بسبب أن المجلس المشترك والبلديات غير قادرة على نقل هذه الكميات الى المكب الصحي في جحر الديك، حيث يضاف إليها قرابة (3,500,000 طن) من النفايات الصلبة المتراكمة في مكب جحر الديك.

وقال أبو القمبز: "إن الإجراء التقليدي لمعالجة هذه النفايات من خلال إنشاء خلية لجمع النفايات الصلبة ونقل الكميات الموجودة في المكبات العشوائية وإغلاق المكان بشكل صحي وآمن يحتاج إلى ما يزيد عن (15,000,000$) من الكلفة المالية لدفنها في مكان واحد ومن ثم البحث عن مكان جديد وتمويل جديد لكميات النفايات الصلبة المستقبلية، ولتلافي مشاكل بيئية مستقبلية"، عاداً أن هذا موضوع صعب وغير متاح وقد أثبتت السنوات الماضية والتي تزيد عن (13) عام صعوبته وعدم إمكانية تحقيقه.

ويرى أبو القمبز أن الجهات الحكومية ذات العلاقة بالمشروع هي وزارة الزراعة بشكل أساسي وكذلك وزارة الصحة وسلطة جودة البيئة، مشيراً إلى أن مجلس الخدمات المشترك لإد ارة النفايات الصلبة على تواصل مع وزارة الزراعة.

وأوضح أن "الزراعة" تشجع التوجه للاستفادة من التراكمات القديمة من النفايات الصلبة، حيث تم عرض الموضوع على جهات داعمة وهي تدرس الفكرة ولم تتبنى الدعم حتى الآن، ولكن يوجد وعود، على أمل أن تكتمل المساعي بالنجاح وأن يرى المشروع النور قريباً.

وأكد أبو القمبز أنه على مستوى قطاع غزة، تم عمل مشروع تجريبي مشابه سنة 2005 بمكب دير البلح، حيث كانت المخرجات مشجعة ولكنه لم يسوق كمشروع متكامل وبالتنسيق مع شركاء ذوو عالقة في حينه، منوهاً إلى أنه على المستوى العالمي يوجد العديد من التجارب الناجحة في تنخيل النفايات والاستفادة من الناتج في أعمال التغطية.

وحول المواصفات والعناصر المطلوبة لضمان جودة المنتج من السماد والحمأة، فقد ذكر أبو القمبز أن المخرجات الناتجة من الغربلة تكون متغيرة بالمحتوى الغذائي، حيث أن تراكمات النفايات مضى عليها سنوات عديدة، ولكن يمكن التغلب على ذلك بإضافة مواد عضوية ذات محتوى غذائي عالي مثل مادة الحمأة المعالجة، مبيناً أن المواصفات المطلوبة سوف يتم تحديدها حسب ما تحدده وزارة الزراعة وسلطة جودة البيئة، كما يمكن تعزيز هذا المحتوى من خلال الاستفادة من النفايات العضوية المنتجة حديثاً ودمجها في خط انتاج الكمبوست.

أما عن فرص الحماية للأرض والإنسان على صعيد الصحة والبيئة والتربة والمياه، فقد أكد أبو القمبز أنه سيتم مراعاة أن يكون المنتج حسب المواصفات التي تضمن حماية الصحة العامة والإنسان والبيئة وكذلك التربة والمياه، حيث أن هذا يأتي عن طريق تحاليل الجودة التي ستتم بمختبرات وزارة الزارعة والصحة والجامعات المحلية، مؤكداً أنه لن يتم التعامل معها في أي اتجاه إلا بعد الاطمئنان التام على كونها آمنة للاستخدام بكافة أشكاله.

اقرأ أيضاً: المياه العادمة.. سموم المستوطنات التي تفتك بأراضي الضفة الزراعية

وحصلت "زوايا" على ملخص النتائج المتوقعة من المشروع والاستراتيجية المقترحة والسيناريوهات المقترحة والتي سيتم العمل عليها للاستفادة من هذا المشروع وهي كالتالي:

النتائج المتوقعة

  • التخلص من المكبات العشوائية، و استرداد ما يزيد عن (500) دونم من الأراضي المشغولة والتي تزيد قيمتها السوقية عن ( 10,000,000) دولار.
  • إقامة مشاريع تنموية واقتصادية ومحطات فرز وتدوير وإنتاج كمبوست ومحطات ترحيل على هذه المساحات المشغولة، وإرجاع الأراضي المنتزعة من المزارعين، فضلاً عن تحسين المنظر البيئي والبصري للأماكن المستهدفة، وخلق فرص عمل واستثمار طويل الأمد.
  • إيجاد دخل ومردود مالي يمكن الاستفادة منه في تطوير إدارة النفايات الصلبة في محافظتي غزة والشمال، وإمكانية الاستفادة والتخلص من الحمأة الناتجة عن اعمال معالجة مياه الصرف الصحي وادخالها في انتاج الكمبوست.
  • خلق منتج زراعي (الكمبوست) ينافس المنتجات المستوردة، وإمكانية الاستفادة من مخرجات التنخيل وإيجاد فرص ومشاريع استثمارية جديدة ونوعية، فضلاً عن التشجيع على عمل الأبحاث العلمية وتطويرها للاستفادة من منتجات المشروع.

 سيناريوهات

وحول السيناريوهات التي سيتم العمل عليها للاستفادة من هذا المخرج مع ملاحظة أن جميع السيناريوهات يتم التعامل معها بعد اجراء الفحوصات المخبرية اللازمة.

السيناريو الأول: في حال اعتبار ناتج التنخيل مادة صالحة للطمم فقط ويتم استخدامه في ردم الأماكن المنخفضة والمتآكلة من شاطئ البحر وخلافه، وبيع البلاستيك والمعادن الى القطاع الخاص للاستفادة منه، إضافة إلى ترحيل المواد المختلفة الغير مستفاد منها الى مكب جحر الديك.

السيناريو الثاني: اعتماداً على نتائج الفحص يتم اعتبار ناتج التنخيل مادة صالحة للاستخدام الزراعي المباشر وتحسين التربة الزراعية بشكل عام دون إجراء أي تحسينات للمنتج، وبيع البلاستيك والمعادن الى القطاع الخاص للاستفادة منه، إضافة لترحيل المواد المختلفة الغير مستفاد منها الى مكب جحر الديك.

السيناريو الثالث: تحسين منتج الكمبوست ومعالجته بإضافة العناصر اللازمة وفي مقدمتها الحمأة الناتجة عن محطة معالجة مياه الصرف الصحي، ويكون سعر الطن من الكمبوست في الأسواق المحلية (250$).

وحسب رأي الخبراء فإن تكلفة تحسين الكمبوست تتجاوز الـ (50$) للطن في أسوأ الأحوال، وعليه يمكن وضع سعر منافس ومغري للمزارعين بتكلفة (150$) للطن، حيث يضاف إلى إجمالي التكلفة التشغيلية مبلغ تحسين الكمبوست، وبيع البلاستيك والمعادن إلى القطاع الخاص للاستفادة منه، إضافة لترحيل المواد المختلفة الغير مستفاد منها الى مكب جحر الديك.

هل تغتنم الفرصة؟

وبدأت وزارة الزراعة في غزة، في دراسة المقترح المقدم لها من مجلس النفايات الصلبة، بخصوص "مشروع الاستفادة من النفايات العضوية المتحللة في انتاج كمبوست عالِ الجودة"، حيث سيُعرض ذلك على هيئة الوزارة لدراسته بشكل مهني وفني، فهل تغتنم الفرصة؟.

وعقب باختصار لـ"زوايا" معيد الأغا مدير عام التربة والمياه بوزارة الزراعة، أن وزارته ترحب بهكذا مشاريع اقتصادية وتنموية وخاصة أنها تخدم قطاع الزراعة بشكل مباشر، فضلاً عن الفائدة على الصحة والبيئة، عاداً أن مثل هذه المشاريع تقلل استخدام الأسمدة والمبيدات الكيميائية في العمليات الزراعية المختلفة.

وبحسب الأغا، فإن وزارته تعقد دورات تدريبة وتنفذ جولات إرشادية تستهدف المزارعين بشكل رئيسي، وذلك لتدريبهم على كيفية تصنيع السماد العضوي "الكومبست" في مزارعهم ومحاولة استغلال مخلفات الزراعة لهذا الغرض، حيث يتم إعداده من خلال العملية البيولوجية والتي تعتمد على البكتيريا في عملية التخمير الهوائي للمواد العضوية.

وأشار إلى أن الكمبوست يوفر على المزارع أعباء التكاليف وزيادة الأرباح والحفاظ على البيئة، فضلاً عن أنه يحافظ على صحة الإنسان من الأمراض الناتجة عن المواد الكيمائية، مشدداً على ضرورة نشر ثقافة الزراعة العضوية لدى المزارعين والمستهلكين، وذلك من أجل خلق فرص عمل من خلال تشغيل الأيدي العاملة، عوضاً عن التخلص من استخدام مخلفات الأسواق في عملية التصنيع، حسب الأغا.

الحمأة

وتعتبر "الحمأة" من النفايات التي قد تلحق الأضرار بالبيئة في حال استخدامها مباشرة دون معالجة، ولكن إذا ما أُعيد تصنيعها، فإنها تتحول مورداً هاماً من موارد صناعة السماد العضوي في الزراعة.

وأوضح م. نزار الوحيدي الخبير في شئون التربة والمياه والبيئة لـ"زوايا" أن محطات المعالجة في غزة تُخرج ما يزيد عن (4 مليون طن) سنوياً، يمكنها أن تنتج ما يزيد على (مليون طن) سنوياً من المادة السمادية الغنية بالعناصر دون إضافتها إلى أي مادة عضوية أخرى.

وأشار إلى أن هذه الكمية تكفي لتسميد (1000 دونم) سنوياً، وفي حال استخدامها كمصدر لإثراء الكمبوست أو كمصدر أساسي للنيتروجين، فإنها ستنتج أضعاف الرقم السابق، وبالتالي إنتاج كميات سماد تكفي لكل الأراضي الزراعية في قطاع غزة وتوفر ملايين الدولارات سنوياً، وتزيد هامش الربح للمزارع وتخفض الأسعار للمستهلك.

وذكر الوحيدي، أنه بالنظر إلى تكلفة الكمبوست في قطاع غزة والتي قد تزيد على 800 شيكل للطن، فإن المنافسة محسومة لمنتج الاحتلال، ولكن لو اعتمدنا على الحمأة سينخفض الثمن إلى أقل من 400 شيكل للطن، بالإضافة إلى أنه سيكون منتجا آمنا مراقباً بصورة دائمة من وزارات الزراعة والصحة وسلطتي البيئة والمياه.

وضرب الوحيدي مثالاً لتعاون البلديات في قطاع غزة مع جمعية رفح للبيئة وشركة "أكنان" في إنتاج أسمدة عضوية وكمبوست من المخلفات العضوية للمنازل والمسالخ ومحلات بيع الأسماك ونفايات المزارع، مؤكداً أن هذه التجربة عكست نجاحاً يمكن استثماره في إنتاج سماد الحمأة.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo