دعم إسرائيل يفجر اليمين الأميركي: هل ينتهي عهد الدعم المطلق؟

دعم إسرائيل يفجر اليمين الأميركي
دعم إسرائيل يفجر اليمين الأميركي

"إسرائيل أولاً أم أميركا أولاً؟" سؤال واحد حوّل المؤتمر السنوي الأول لمنظمة Turning Point USA بعد اغتيال مؤسسها تشارلي كيرك إلى ساحة معركة مفتوحة بين أقطاب اليمين المحافظ الأميركي في قلب مركز مؤتمرات فينيكس، حيث تزين صور كيرك الجدران، لم تكن الخلافات حول نظريات المؤامرة أو الاتهامات الشخصية سوى قشرة لصراع أعمق: من يحدد السياسة الخارجية الأميركية؟

خط الصدع: إسرائيل

"كان هناك انقسام حتى قبل أن نفقد تشارلي، ويتمحور حول إسرائيل"، قالتها ميجان كيلي، المذيعة السابقة في فوكس نيوز، بوضوح تام. هذه الجملة البسيطة تختصر أزمة تمزق الحركة المحافظة منذ أشهر، وظهرت إلى العلن بعنف في مؤتمر كان من المفترض أن يوحد اليمين الأميركي.

الانقسام ليس جديداً، لكنه كان مخفياً تحت سطح الولاء الموحد لدونالد ترمب. مع اقتراب نهاية عهده وعدم قدرته على الترشح لفترة ثالثة، انفجرت الخلافات الكامنة. والقضية المحورية؟ السياسة الأميركية تجاه إسرائيل.

بداية الانشقاق

قبل اغتياله في سبتمبر الماضي، بدأ تشارلي كيرك، الذي كان يوماً من أقوى المدافعين عن السياسة المحافظة التقليدية، في طرح أسئلة غير مريحة. في يونيو الماضي، سأل متابعيه عما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة "التدخل في حرب إسرائيل ضد إيران".

كان السؤال بمثابة قنبلة. مؤسس واحدة من أكبر المنظمات المحافظة الشبابية في أميركا يشكك علناً في الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل. ردود الفعل كانت متباينة: البعض رأى فيه شجاعة لطرح ما يفكر فيه كثيرون بصمت، والبعض الآخر اعتبره انحرافاً خطيراً.

"كان معارضاً لمفهوم إسرائيل الكبرى وإسرائيل أولاً"، قالها ستيف بانون من على المنصة، مستخدماً إرث كيرك كسلاح في معركته ضد بن شابيرو. هذا الإرث أصبح الآن محل نزاع بين فريقين: من يريدون الاستمرار في الدعم المطلق لإسرائيل، ومن يطالبون بإعطاء الأولوية للمصالح الأميركية.

بن شابيرو: الدفاع عن الخط التقليدي

صعد بن شابيرو إلى المنصة يوم الجمعة حاملاً راية الدفاع التقليدي عن إسرائيل. هجومه اللاذع على تاكر كارلسون، ستيف بانون، كانديس أوينز، وميجان كيلي لم يكن مجرد رد على نظريات مؤامرة حول اغتيال كيرك. كان رسالة واضحة: الموقف من إسرائيل خط أحمر.

"الحركة المحافظة في خطر من الدجالين الذين يتاجرون بنظريات المؤامرة"، قال شابيرو، لكن الرسالة الحقيقية كانت أعمق. عندما أدان كارلسون لاستضافته نيك فوينتيس "المدافع عن هتلر"، وعندما انتقد بانون لاتهامه المخالفين بـ"الولاء لدولة أجنبية"، كان يحارب على جبهة واضحة: الدفاع عن إسرائيل كقضية غير قابلة للنقاش في الحركة المحافظة.

موقف شابيرو يمثل التيار التقليدي في اليمين الأميركي: الدعم المطلق لإسرائيل جزء من الهوية المحافظة، وأي تشكيك فيه يفتح الباب للمعاداة للسامية. هذا الخط كان سائداً لعقود، لكنه الآن تحت الضغط.

التيار القومي: أميركا أولاً

على المنصة ذاتها، مساء الجمعة، قدم ستيف بانون الرواية المضادة. رده كان صاعقاً: "بن شابيرو كالسرطان، وهذا السرطان ينتشر".

الاتهام الجوهري؟ "السعي لتفضيل مصالح إسرائيل على مصالح الولايات المتحدة". بانون، المستشار السابق لترمب والمهندس الفكري لشعار "أميركا أولاً"، يمثل تياراً قومياً متزايداً في اليمين الأميركي يرى أن الولاء المطلق لإسرائيل يضر بالمصالح الأميركية.

هذا التيار يطرح أسئلة صعبة: لماذا تدفع أميركا مليارات الدولارات سنوياً لإسرائيل؟ لماذا تتورط في حروب الشرق الأوسط؟ هل يجب على الولايات المتحدة التدخل تلقائياً في أي صراع تخوضه إسرائيل؟

"هذا بمثابة تصعيد لانتخابات 2028"، أضاف بانون، كاشفاً أن المعركة ليست حول الماضي، بل حول من سيقود اليمين الأميركي في المستقبل. ومن سيحدد موقفه من إسرائيل.

كارلسون: الصوت الناقد

رد تاكر كارلسون كان أكثر هدوءاً لكن لا يقل حدة. "هل يعقل أن نسمع دعوات لحظري من المنصة في فعالية لتشارلي كيرك؟" تساءل، مشيراً إلى أن شابيرو يحاول فرض رقابة على من يخالفونه.

كارلسون، المعروف بانتقاداته للسياسة الخارجية الأميركية التقليدية، يمثل جيلاً جديداً من المحافظين الذين يرفضون الدعم الأعمى لإسرائيل. استضافته لنيك فوينتيس، رغم تطرف الأخير، كانت رسالة: لن نسكت عن النقاش حول إسرائيل خوفاً من اتهامات بمعاداة السامية.

"أنا لست معادياً للسامية"، كرر كارلسون، لكنه رفض التراجع عن موقفه النقدي. الرسالة واضحة: يمكن انتقاد السياسة الإسرائيلية دون أن يكون المرء معادياً لليهود.

حرب بالوكالة

بين أكثر من 30 ألف حاضر في المؤتمر، كان الانقسام واضحاً. سكوت وايتلي من أوريجون قال بحذر: "إسرائيل، مثل الولايات المتحدة، لديها مشاكلها. أميركا بحاجة للدعاء لأرض إسرائيل وشعبها"، محاولاً الموازنة بين الموقفين.

لكن تايلور وينستون كان أكثر صراحة: "هذا جزء من حرب بالوكالة على إسرائيل". وعن رسالة شابيرو قال: "أعتقد أنها تعمّق الانقسام. الكثيرون يحاولون الانحياز لأحد الطرفين".

قاعدة حركة MAGA، التي كانت موحدة خلف ترمب، تجد نفسها الآن أمام خيار صعب: هل تتبع الخط التقليدي للدعم المطلق لإسرائيل، أم تتبنى الخط القومي الذي يضع أميركا أولاً حقاً؟

من يملك القرار؟

تقف إيريكا كيرك، أرملة تشارلي والرئيس التنفيذي الجديد للمنظمة، في قلب العاصفة. المنظمة التي تركها زوجها تضم الآن أكثر من مليون عضو في 4 آلاف فرع، وتلقت 140 ألف طلب انضمام منذ وفاته. هذه القوة تجعل من Turning Point USA لاعباً رئيسياً في تحديد مستقبل اليمين الأميركي.

إعلانها دعم نائب الرئيس جي دي فانس لانتخابات 2028 كان اختياراً استراتيجياً. فانس، الذي سيختتم المؤتمر الأحد، يمثل جسراً بين التيارين: محافظ تقليدي لكنه أكثر انفتاحاً على النقاش حول السياسة الخارجية.

لكن السؤال الأكبر: ما هو موقف المنظمة نفسها من إسرائيل؟ هل ستتبع خط كيرك الأخير في طرح الأسئلة الصعبة، أم ستعود للخط التقليدي؟

ما وراء الجدل

الصراع حول إسرائيل ليس مجرد خلاف على سياسة خارجية إنه معركة على هوية اليمين الأميركي نفسه. هل الحركة المحافظة ستظل مرتبطة بالنموذج القديم: دعم مطلق لإسرائيل، تدخل في الشرق الأوسط، تحالفات تقليدية؟ أم ستتبنى نموذجاً قومياً جديداً يركز على المصالح الأميركية المباشرة فقط؟

"أميركا إن كان هناك ما يجب أن تفعله، فهي بحاجة للدعاء لإسرائيل"، قال أحد الحضور. لكن كثيرين يسألون: هل الدعاء كافٍ، أم يجب أن يشمل مليارات الدولارات وتورطاً عسكرياً؟

الانتخابات على الأبواب

بينما يستعد جي دي فانس لإلقاء كلمته الختامية الأحد، يبقى السؤال الأكبر معلقاً: هل يمكن لليمين الأميركي أن يحتوي هذين التيارين المتناقضين، أم أن الانشقاق حتمي؟

الإجابة ستحدد ليس فقط من سيقود الحركة المحافظة في 2028، بل أيضاً شكل السياسة الخارجية الأميركية للعقد القادم ما حدث في فينيكس لم يكن مجرد مشاحنات بين شخصيات مؤثرة، بل كان إعلان حرب على تعريف ما يعنيه أن تكون محافظاً أميركياً في القرن الواحد والعشرين.

وفي قلب هذه المعركة، تقف إسرائيل - ليست كدولة أجنبية فقط، بل كرمز لخيار استراتيجي: هل أميركا قوة إمبراطورية عالمية، أم دولة قومية تضع مصالحها أولاً؟

السؤال الذي طرحه تشارلي كيرك قبل اغتياله لم يمت معه. بل أصبح الآن السؤال الأكثر إلحاحاً في اليمين الأميركي: "هل يجب على الولايات المتحدة التدخل في حرب إسرائيل؟" الإجابة ستشكل مستقبل الحركة المحافظة بأكملها.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo