معركة النفوذ الجديدة

كازاخستان تفتح آسيا الوسطى أمام إسرائيل: مزاحمة تركيا وتحدي روسيا والصين

معركة النفوذ الجديدة
معركة النفوذ الجديدة

في 7 نوفمبر 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انضمام كازاخستان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، لتصبح الدولة الخامسة بعد الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، والأولى من فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي. جاء هذا الإعلان بعد مكالمة هاتفية ثلاثية بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الكازاخستاني قاسم توكاييف، خلال تواجد الأخير في واشنطن لحضور قمة مجموعة 5+1 التي تضم الولايات المتحدة وخمس دول من آسيا الوسطى.

السياق:علاقات قائمة بالفعل

يُعد انضمام كازاخستان خطوة رمزية أكثر منها تحولاً جوهرياً، نظراً لوجود علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل منذ 1992. فالبلدان يتمتعان بتعاون واسع في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والطاقة والزراعة والصحة، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية عام 2023 حوالي 450 مليون دولار، وتمد كازاخستان إسرائيل بنحو 25-30% من احتياجاتها النفطية السنوية.

ضد طوفان الأقصى

تبنت كازاخستان موقفاً متماهياً مع إسرائيل عقب عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، حيث أصبح الرئيس توكاييف أول رئيس من آسيا الوسطى يدين العملية ويصفها بـ"التكتيكات الإرهابية"، كما دعت أستانا للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين وواصلت علاقاتها الطبيعية مع إسرائيل.

إطلاق الاتفاقيات الإبراهيمية (النسخة 2)

أدى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى تجميد مسار توسيع الاتفاقيات وتعطيل مساعي إدماج السعودية، لذا يسعى ترامب إلى إحياء زخم التطبيع. جاء اختيار كازاخستان لتدشين النسخة الثانية نتيجة توفر عدة مقومات:

  • دولة ذات أغلبية مسلمة (70% من السكان) مما يخدم توسيع قاعدة التطبيع داخل العالم الإسلامي
  • علاقات إيجابية ومستقرة مع إسرائيل منذ عقود
  • غياب تاريخ صراعي أو موروثات أيديولوجية معادية
  • وصفها بأنها "دولة خالية من معاداة السامية" وفق السفير الإسرائيلي السابق

خدمة الأهداف الجيوسياسية في آسيا الوسطى

تسعى واشنطن إلى تحقيق الترابط بين مصالحها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من خلال:

  • بناء تحالف من الدول الإسلامية المؤيدة للولايات المتحدة والمستعدة للتواصل مع إسرائيل
  • توسيع النطاق الجيوسياسي للاتفاقيات ليشمل منطقة هيمنت عليها تقليدياً الصين وروسيا
  • محاصرة الحضور الإيراني في منطقة تمثل مجالاً حيوياً لطهران
  • استغلال التوسع الاقتصادي الخليجي في آسيا الوسطى لخدمة الأهداف الأمريكية

ترميم صورة إسرائيل

تحاول واشنطن وتل أبيب إزالة الشوائب العالقة بصورة إسرائيل عقب جرائم الحرب في غزة، من خلال إظهار وجود كتلة إسلامية "معتدلة" تتفهم متطلبات الأمن القومي الإسرائيلي. الاتجاه إلى دول آسيا الوسطى ذات الأغلبية المسلمة وليس لها تاريخ صراعي مع إسرائيل يخدم هذا الهدف.

توسيع الاتفاقيات خارج النطاق العربي

تسعى واشنطن وتل أبيب لجعل الاتفاقيات إطاراً دبلوماسياً أوسع يتجاوز الدول العربية الخاضعة لتأثيرات أيديولوجية مرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي، إلى دول مسلمة أكثر مرونة في إدارة علاقات براجماتية مع إسرائيل، سواء كانت أوراسية أو آسيوية أو أفريقية.

الأهمية الاستراتيجية لكازاخستان

تمتلك كازاخستان أهمية استثنائية في الاستراتيجية الأمريكية نظراً لثرواتها الطبيعية:

المعادن الأرضية النادرة:

  • شهدت زيادة قدرها 4.6 أضعاف في صادراتها منذ 2020
  • رغم تصدير 100% من إنتاجها للصين حالياً، تسعى واشنطن لتنويع سلاسل التوريد
  • أهمية متزايدة بعد فرض بكين ضوابط تصديرية على سبعة عناصر نادرة في أبريل 2025

معادن أساسية أخرى:

  • المرتبة السابعة عالمياً في احتياطي الزنك (5% من السوق العالمية)
  • المرتبة الحادية عشرة في النحاس (4% من السوق)
  • المرتبة الثامنة في الرصاص (3% من السوق)
  • ثالث أكبر احتياطيات الفضة عالمياً (2.7% من السوق)
  • أكبر منتج لليورانيوم في العالم

الموقع الجغرافي الاستراتيجي

تتمتع كازاخستان بموقع استراتيجي على طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين (الممر الأوسط)، الذي يربط آسيا الوسطى بأوروبا. يُنظر لهذا المسار باعتباره بديلاً جيوسياسياً للمسارات التقليدية عبر روسيا أو الصين أو إيران. يتكامل هذا مع مشروع ممر ترامب للسلام والازدهار، لبلورة شبكة نقل إقليمي ممتدة من بحر قزوين شرقاً إلى المتوسط غرباً، خاضعة للهيمنة الغربية.

مكاسب كازاخستان:

دعم السياسة الخارجية متعددة المحاور

يمثل الانضمام مغازلة لترامب ورسالة بأن أستانا منفتحة على المبادرات الغربية، في إطار إعادة التوازن بين علاقاتها مع روسيا والصين والدول الغربية.

تنويع الاقتصاد

يتيح الانضمام الوصول إلى أسواق جديدة وتعاون متقدم في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة والتكنولوجيا والأمن السيبراني. شهدت زيارة توكاييف لواشنطن توقيع اتفاقيات اقتصادية بقيمة:

  • 1.1 مليار دولار لتطوير رواسب المعادن بما فيها التنجستن
  • 17.2 مليار دولار في قطاعات الموارد المعدنية والتقنيات الرقمية والطيران

التنافس الإقليمي

تحمل الخطوة طابعاً تنافسياً ضمنياً تجاه أوزبكستان التي أبرمت مؤخراً صفقات كبيرة مع الشركات الأمريكية، بما فيها صفقة طائرات بوينغ بقيمة 8 مليارات دولار ولقاء مباشر بين رئيسها وترامب.

التداعيات الإقليمية

مزاحمة النفوذ التركي

يقيد التمدد الأمريكي-الإسرائيلي قدرة تركيا على الانفراد بتشكيل موازين القوة في آسيا الوسطى والقوقاز، حيث تسعى أنقرة لترسيخ موقعها كزعيمة للعالم التركي عبر منظمة الدول التركية والممر الأوسط. يأخذ هذا التنافس بعداً أمنياً أيضاً، حيث يُدخل انضمام كازاخستان إسرائيل على خط العلاقات الدفاعية ويهدد بتقليص الحصة السوقية التركية في سوق الدفاع الكازاخستاني.

التحدي للنفوذ الروسي والصيني

يوجه الانضمام رسالة واضحة بأن آسيا الوسطى لم تعد منطقة نفوذ حصرية لموسكو وبكين، ويعزز الوجود المؤسسي الأمريكي-الإسرائيلي في المنطقة.

المنافسة الإيرانية

يساهم ضم كازاخستان إلى المحور الأمريكي-الإسرائيلي في محاصرة الحضور الإيراني في منطقة حيوية لطهران.

الآفاق المستقبلية

دول مرشحة للانضمام

تم تداول أسماء عدة دول كمرشحات محتملة:

  • أوزبكستان وأذربيجان (أبدتا اهتماماً بالانضمام)
  • إندونيسيا
  • باكستان (استثنيت من القائمة)

التحديات المتبقية

يبقى ضم المزيد من الدول العربية وفي مقدمتها السعودية وسوريا الهدف الأهم بالنسبة لترامب وإسرائيل، لكنه لا يزال يواجه تحديات مرتبطة بتطورات القضية الفلسطينية والخطاب الشعبي الرافض للتطبيع.

الخلاصة

انضمام كازاخستان للاتفاقيات الإبراهيمية ليس تحولاً دبلوماسياً بقدر كونه خطوة جيوسياسية استراتيجية تخدم أهدافاً متعددة المستويات. بالنسبة لواشنطن، تمثل تنشيط الاتفاقيات وإطلاق نسختها الثانية، وتوجيه رسالة لروسيا والصين، وتعزيز النفوذ الأمريكي في منطقة حيوية غنية بالموارد الاستراتيجية. بالنسبة لإسرائيل، تؤكد استمرار مساعي التطبيع مع الدول الإسلامية بما يتجاوز المنطقة العربية ومحاولة ترميم صورتها عقب حرب غزة. أما كازاخستان، فتسعى لتحقيق توازن استراتيجي وتنويع اقتصادي ومكاسب سياسية إقليمية.

يشكل هذا التطور نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من التنافس الجيوسياسي في آسيا الوسطى، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى والإقليمية في منطقة تشهد إعادة تشكيل لموازين النفوذ والتحالفات.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo