في وقت حرج من مفاوضات غزة، تطرح حركة حماس رؤية: هدنة طويلة الأمد، تخزين للسلاح، واستعداد للعمل مع المجتمع الدولي. لكن خلف هذا الخطاب المرن تكمن خطوط حمراء: رفض قاطع لنزع السلاح، عدم اعتراف بإسرائيل، ورفض أي سلطة أجنبية داخل غزة.
نقدم تحليل للمطالب الحقيقية للحركة مرتبة حسب أولوياتها، ونفند العقبات الجوهرية التي تواجه تحقيقها، ويكشف التناقضات الصارخة بين ما تقوله حماس وما تطلبه فعلياً. السؤال المحوري: هل تقدم الحركة فرصة حقيقية للسلام، أم مناورة سياسية تحفظ لها السلاح والشرعية في آن واحد
المطالب الأساسية المباشرة
1- رفض نزع السلاح القسري تضع الحركة على رأس أولوياتها رفض أي محاولة لنزع سلاحها بالقوة، معتبرة أن هذا "خط أحمر" سيؤدي إلى صدامات ومواجهات. وتقدم بدلاً من ذلك مقترحاً بـ"تخزين الأسلحة" دون استخدامها أو الاستعراض بها، كضمان للهدنة.
2- هدنة طويلة الأمد (5-10 سنوات) تقترح حماس اتفاق وقف إطلاق نار ممتد لفترة تتراوح بين خمسة وعشرة أعوام، مع التزامها بوقف جميع العمليات العسكرية ضد إسرائيل، مستندة إلى "سجلها" في الالتزام بالهدنات السابقة.
3- رفض أي سلطة غير فلسطينية في غزة تشدد الحركة على رفض أي وجود لسلطة أجنبية داخل القطاع، معتبرة ذلك شكلاً من أشكال الاحتلال، لكنها تقبل بقوة دولية على الحدود كقوات فصل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي فقط.
المطالب السياسية طويلة المدى
4- إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 تقبل حماس بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 بما فيها القدس، لكن دون الاعتراف الرسمي بإسرائيل، مع احترام "الإرادة الفلسطينية" في هذا الشأن مستقبلاً.
5- علاقات مباشرة مع الولايات المتحدة تسعى الحركة للتفاوض المباشر مع واشنطن وبناء "علاقات ودية وثنائية"، بدلاً من العزلة والتعامل عبر وسطاء.
6- إعادة إعمار غزة وإجراء انتخابات تبدي استعدادها للعمل مع المجتمع الدولي لخلق استقرار أمني يمكّن من إعادة الإعمار وإجراء انتخابات ديمقراطية.
ثانياً: العقبات الرئيسية أمام تحقيق مطالب حماس
عقبات سياسية وقانونية
1- التصنيف الدولي كمنظمة إرهابية تواجه حماس عزلة دولية بسبب تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدة دول، مما يجعل التفاوض المباشر معها محظوراً قانونياً في كثير من الدول.
2-رفض إسرائيل القاطع ترفض إسرائيل بقيادة نتنياهو أي تسوية تترك حماس مسلحة أو تمنحها شرعية سياسية، وتصر على "القضاء على حماس" كهدف معلن، مما يتعارض كلياً مع مقترح الحركة.
3- غياب الاعتراف بإسرائيل رفض حماس الاعتراف بشرعية إسرائيل يشكل عقبة أساسية أمام أي تسوية دائمة، حيث تشترط إسرائيل والمجتمع الدولي هذا الاعتراف كأساس لحل الدولتين.
عقبات عملية وأمنية
4- مسألة السلاح والأمن: يشكل سلاح المقاومة العقدة المركزية في المفاوضات. فبينما تقترح حماس "تخزينه" دون نزعه، يرفض الطرف الإسرائيلي والدولي أي حل لا يتضمن نزع السلاح الكامل، معتبرين أن بقاء السلاح يعني تهديداً مستمراً.
5- الانتهاكات المتبادلة لوقف إطلاق النار: استمرار العمليات العسكرية من الجانبين (مثل اغتيال رائد سعد) يقوض الثقة ويعقد الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، رغم الانتقادات الأميركية لإسرائيل.
6-تعقيدات تشكيل "قوة الاستقرار": بينما تطالب حماس بقوة دولية على الحدود فقط، تسعى إسرائيل وحلفاؤها لنشرها داخل غزة لضمان نزع السلاح، مما يخلق تناقضاً جوهرياً في الرؤى
عقبات إقليمية ودولية
7- الانقسام الفلسطيني الداخلي: غياب التوافق الكامل بين حماس والسلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى يضعف الموقف التفاوضي الفلسطيني ويعقد أي ترتيبات مستقبلية للحكم في غزة.
8-تضارب المصالح الإقليمية والدولية تتباين مواقف الدول الوسيطة (مصر، قطر، تركيا) والقوى الدولية حول شكل الحل النهائي، مما يصعب التوصل لضمانات موحدة.
ثالثاً: التناقضات في الموقف المعلن لحماس
تناقضات جوهرية
1- بين "السلام" و"المقاومة المسلحة" تقدم الحركة نفسها كطرف مستعد للسلام والهدنة طويلة الأمد، لكنها ترفض في الوقت نفسه نزع السلاح أو الاعتراف بإسرائيل، مما يجعل التزامها بالسلام الدائم موضع شك.
2- بين "عدم الاعتراف" و"قبول دولة 1967" قبول الحركة بدولة على حدود 1967 مع رفض الاعتراف بإسرائيل يخلق معادلة غامضة: كيف يمكن التوصل لحل الدولتين دون اعتراف متبادل؟
3- بين "تخزين السلاح" و"حق المقاومة" بينما تعرض الحركة تخزين أسلحتها كضمان، تؤكد في الوقت نفسه على "حق المقاومة" الذي كفلته القوانين الدولية، مما يترك الباب مفتوحاً لإعادة استخدام السلاح مستقبلاً.
نقاط ضعف في الطرح
4- الاعتماد على "حسن النية" دون آليات ملزمة تستند الحركة إلى "سجلها في الالتزام" دون تقديم آليات تحقق دولية ملزمة، بينما يطالب المجتمع الدولي بضمانات أمنية صارمة وقابلة للتنفيذ.
5-غموض حول "الإرادة الفلسطينية" تشير الحركة إلى احترامها للإرادة الفلسطينية في مسألة الاعتراف بإسرائيل، دون توضيح آلية قياس هذه الإرادة أو التزامها بنتائجها إن كانت مغايرة لموقفها.
6- إلقاء المسؤولية على الآخرين تحمّل الحركة المسؤولية الكاملة للولايات المتحدة وإسرائيل في ضمان التزام الاتفاقات، بينما تقدم التزامات فضفاضة من جانبها، مما يخل بمبدأ المسؤولية المشتركة.
رابعاً: تقييم المطالب
مطالب قابلة للتحقق جزئياً
- الهدنة طويلة الأمد: ممكنة إذا توفرت ضمانات دولية قوية وآليات مراقبة صارمة
- قوة دولية على الحدود: مقبولة كخطوة أولى، لكن غير كافية لطمأنة الجانب الإسرائيلي
- إعادة الإعمار والانتخابات: قابلة للتحقيق ضمن سياق سياسي أوسع
مطالب تواجه صعوبات جوهرية
- رفض نزع السلاح: يتعارض مع الحد الأدنى المطلوب دولياً وإسرائيلياً
- علاقات مباشرة مع واشنطن: تتطلب تغييراً جذرياً في السياسة الأميركية والقانون الداخلي
- دولة 1967 دون اعتراف: صيغة غير مقبولة للمجتمع الدولي
الخلاصة
يعكس موقف حماس محاولة للموازنة بين ضغوط الواقع ومبادئها الأيديولوجية، لكن هذه الموازنة تنتج تناقضات تعيق التوصل لتسوية دائمة. فالحركة تقدم مقترحات قد تبدو معتدلة ظاهرياً (هدنة طويلة، تخزين سلاح)، لكنها تحتفظ بخطوط حمراء (رفض نزع السلاح، عدم الاعتراف بإسرائيل) تجعل هذه المقترحات غير كافية لبناء سلام مستدام من منظور دولي.
العقبة الأكبر ليست في المطالب نفسها، بل في غياب الثقة المتبادلة والآليات الضامنة، وفي استمرار الحركة في التمسك بخيار "المقاومة المسلحة" كحق غير قابل للتفاوض، مما يجعل أي تسوية مؤقتة وقابلة للانهيار عند أول أزمة.
