يمر اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بمنعطف حرج بعد مرور أكثر من سبعة أسابيع على توقيعه، في مواجهة عقبات متزايدة تحول دون الانتقال إلى المرحلة الثانية المعنية بالترتيبات الأمنية والإدارية.
وتتصاعد المخاوف من احتمالية انهيار الاتفاق في ظل التعقيدات الميدانية والسياسية المتشابكة، بينما تواصل الأطراف الإقليمية جهودها لإنقاذ الاتفاق وضمان استمراريته.
العقبات الرئيسية أمام التنفيذ
أولاً: تعثر نشر قوات الاستقرار الدولية
تواجه خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لنشر قوة دولية في قطاع غزة صعوبات جوهرية على مستوى التنفيذ، رغم تبني مجلس الأمن لها في نوفمبر الماضي. وتتمثل أبرز هذه التحديات في صعوبة تأمين مساهمات عسكرية من الدول المعنية، إضافة إلى المخاوف المتزايدة من احتمالية انخراط هذه القوات في صدامات مع السكان الفلسطينيين.
وبحسب المسؤولين الأميركيين، قد يستغرق الدعم اللوجيستي والتدريب عدة أسابيع بعد تأكيد الدول المشاركة، فيما تأمل واشنطن في بدء النشر مع مطلع عام 2026. لكن قائمة الدول المحتملة لا تزال غير مستقرة، ولا توجد التزامات مؤكدة حتى الآن، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول جدوى هذا المسار.
ثانياً: استمرار الخروقات الإسرائيلية
يمثل استمرار إسرائيل في شن الغارات الجوية رغم اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 10 أكتوبر الماضي عقبة أساسية أمام تطبيق الاتفاق. كما تشير التقارير الإسرائيلية إلى وجود خطط لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية شرق الخط الأصفر، مع تفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة حماس من المدنيين بالكامل.
ويدرس الجيش الإسرائيلي بدائل متعددة لتفكيك حماس، بينها احتلال كامل لقطاع غزة، في ظل غياب خطة أميركية واضحة لنزع سلاح الحركة. هذه الخطوات الإسرائيلية تشير إلى نية إطالة أمد السيطرة على القطاع وعرقلة تنفيذ بنود الاتفاق الخاصة بالانسحاب.
ثالثاً: الموقف الأميركي الغامض
يظهر وجود انسجام أميركي مع الخطوات الإسرائيلية وخروقاتها للاتفاق، حيث لم تواجه المخططات الإسرائيلية فيتو أميركي واضح. وهذا الموقف يعزز من قدرة إسرائيل على المضي قدماً في عرقلة الاتفاق دون مواجهة ضغوط دولية حقيقية، مما يضع واشنطن في موقف المتفرج رغم كونها طرفاً ضامناً للاتفاق.
التحركات الإقليمية لإنقاذ الاتفاق
الدور المصري المحوري
تقود القاهرة جهوداً مكثفة لإنقاذ الاتفاق من خلال عدة مسارات متوازية. فقد استقبلت مصر رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) دافيد زيني، حيث بحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية حسن رشاد ملف غزة ومحادثات المرحلة الثانية من الاتفاق.
كما بحث وفد من حركة حماس في القاهرة تطورات اتفاق وقف إطلاق النار والأوضاع العامة في غزة، بما في ذلك المرحلة الثانية من الاتفاق. وتوجه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى ألمانيا، التي تجمعها علاقات جيدة مع إسرائيل، لبحث التطورات الإقليمية والدولية.
تهدف هذه التحركات المصرية إلى بلورة أفكار ومقترحات لتجاوز العقبات، مع الاعتماد على الضغوط المتواصلة لإنهاء الخروقات الإسرائيلية.
الموقف القطري الحازم
أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أن قطر لا تعتقد أنه ينبغي السماح لإسرائيل بعرقلة تنفيذ الاتفاق بسبب جثتي الرهينتين اللتين يعمل الجانب الفلسطيني على استعادتهما. وأشار إلى أن المسعى الحالي لقطر وشركائها في المنطقة هو الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية من الخطة، وبالتالي تحقيق سلام مستدام ينهي حالة الحرب في قطاع غزة بشكل شامل.
السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول: تجاوز العقبات والانتقال للمرحلة الثانية
يرى بعض الخبراء، أن إسرائيل مجبرة بعد تسليم آخر الجثث الإسرائيلية على الانتقال للمرحلة الثانية المعنية بترتيبات أمنية وإدارية. ويؤكد هذا الرأي أن جميع الأطراف ملزمة بالاتفاق، وأن الضغوط المتواصلة كفيلة بإنهاء الخروقات الإسرائيلية.
ويستند هذا السيناريو إلى أن التحركات المصرية والقطرية الحثيثة، مع الضغوط الدولية المحتملة، قد تنجح في دفع الأطراف نحو تنفيذ الاتفاق والانتقال إلى المرحلة التالية.
السيناريو الثاني: استمرار التعثر دون انهيار كامل
الاتفاق لن ينهار كما تريد واشنطن حتى لا تبدو في موقف صعب أمام العالم، خاصة أنها ضامنة لاستمراره. لكنها قد تقبل بأن يبقى مهملاً لإعطاء إسرائيل أريحية في تنفيذ مخططاتها.
وفق هذا السيناريو، ستواصل مصر وقطر مساعيهما لدفع واشنطن للضغط على إسرائيل على أمل إحداث تغيير قريب، بينما تستمر إسرائيل في هندسة الصراع داخل القطاع وتقسيم المرحلة الثانية لمراحل لإبعاد خطوة انسحابها لأطول فترة ممكنة.
السيناريو الثالث: الانهيار الكامل للاتفاق
يبقى احتمال الانهيار الكامل للاتفاق وارداً في ظل تصاعد الخروقات الإسرائيلية واستمرار غياب الضغط الأميركي الفعال. وقد يتحقق هذا السيناريو إذا استمرت إسرائيل في تنفيذ خططها لإعادة احتلال غزة بالكامل أو تقسيم القطاع، مع فشل الوساطة الإقليمية في ردعها.
الخلاصة
يقف اتفاق وقف إطلاق النار في غزة عند مفترق طرق حرج، حيث تتزايد العقبات أمام تنفيذه بينما تواصل الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها مصر وقطر، جهودها لإنقاذه. وتشير المعطيات الحالية إلى أن السيناريو الأكثر احتمالاً هو استمرار التعثر دون انهيار كامل، مع بقاء الاتفاق في حالة تعليق جزئي.
ويعتمد مستقبل الاتفاق بشكل كبير على مدى قدرة الوسطاء الإقليميين على إقناع واشنطن بممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل، وكذلك على مدى استعداد المجتمع الدولي للتدخل الفعال لضمان تطبيق بنود الاتفاق. وفي غياب ذلك، قد يتحول الاتفاق إلى مجرد هدنة مؤقتة لا تحقق الأهداف المرجوة من السلام المستدام في قطاع غزة.
