على مدار 15 شهرا كانت غزة محور الأحداث ومحط أنظار العالم، بعدما صعدت إسرائيل من عدوانها بشكل غاشم على القطاع الفلسطيني المحاصر، وتصاعد الصراع بين إسرائيل والمقاومة وفي مقدمتها حركة حماس، ما كبد الغزيين الكثير والكثير، وبلغت الخسائر البشرية ما يقرب من 160 ألف شهيد ومصاب، وتدمير شبه كامل لكل القطاع، وفي النهاية جرى توقيع اتفاق وقف إطلاق نار ينفذ على عدة مراحل.
في هذا التقرير نستعرض وجهات نظر ثلاثة كتاب تناولوا الأزمة من زوايا مختلفة، حيث نلقي الضوء على تحليلاتهم حول مستقبل غزة، ودور الأطراف الإقليمية والدولية، وإمكانية تحقيق تسوية دائمة للقضية الفلسطينية.
الدخان الرمادي في غزة
في مقاله المعنون "الدخان الرمادي في غزة"، يقدم أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة الكويت الدكتور محمد الرميحي، تحليلاً متشائماً لمستقبل غزة في أعقاب الحرب الأخيرة.
يرى الرميحي أن الصراع يقترب من نهاية مرحلة، لكن هذه النهاية تحمل في طياتها خسائر فادحة للفلسطينيين، مشيرا إلى أن الاتفاق الموقع بين الحركة وإسرائيل والمفاوضات الحالية تدور حول خطة تهدف إلى إخراج "حماس" من غزة، مع ضمان أمن شخصي لقياداتها، وإدارة القطاع بقوة محايدة، مع بقاء وجود عسكري إسرائيلي في القطاع.
ويلفت الرميحي إلى أن هذه الخطة كانت مطروحة منذ أشهر، لكنها لم تُنفذ بسبب تردد القيادة الحماسية وتفويت الفرص، مؤكدا أن الصراع تسبب في دمار هائل لغزة، مع تزايد عدد الضحايا وتدمير البنية التحتية بشكل غير مسبوق.
"الرميحي" انتقد القيادة الحماسية لعدم قدرتها على قراءة الواقع الإقليمي والعالمي بشكل صحيح، مما أدى إلى خسائر كبيرة دون تحقيق مكاسب سياسية ملموسة.
ويخلص الرميحي إلى أن غزة ستخرج من هذه الحرب منهكة، مع استمرار السيطرة الإسرائيلية وغياب أي أفق واضح لإقامة دولة فلسطينية.
ويشير الكاتب إلى أن الدخان الرمادي الذي يلوح في الأفق ليس دخاناً أبيض يدل على السلام، بل هو دخان ملوث يعكس خسائر مؤكدة وتضحيات هائلة لم تنتج إلا الحسرة.
صراع أبعد من غزة
في مقاله "أبعد من غزة: حرب التحولات الكبيرة"، يتناول الكاتب والمحلل السياسي رفيق خوري الصراع من منظور أوسع، حيث يرى أن الحرب في غزة ليست مجرد صراع محلي، بل هي جزء من تحولات إقليمية ودولية كبرى.
يشير خوري إلى أن إسرائيل، رغم قوتها العسكرية الهائلة، تواجه ضغوطاً عربية ودولية متزايدة للقبول بحل الدولتين، وهو ما يعتبره تطوراً إيجابياً.
ويرى أن "حماس" نجحت في الصمود أمام القوة العسكرية الإسرائيلية، لكنها واجهت تحديات كبيرة بسبب التحالفات الإقليمية التي لم تكن في صالحها، مثل تراجع دور إيران و"حزب الله" في لبنان. كما ينتقد خوري الخطط الإسرائيلية لإعادة احتلال غزة أو تقسيمها، مؤكداً أن أي حل دائم يجب أن يشمل إصلاح السلطة الفلسطينية وإعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويشير إلى أن الوساطات الدولية، خاصة من مصر وقطر والولايات المتحدة، ستستمر في لعب دور محوري في تحقيق وقف إطلاق النار الدائم والدعوة إلى تسوية سياسية.
ويؤكد أن إعادة إعمار غزة وإيجاد حل سياسي عادل هما المفتاح لإنهاء الصراع، مشددا على أن الضغوط الدولية على إسرائيل قد تدفع نحو اعتراف أوسع بدولة فلسطينية، لكنه يحذر من أن الطريق إلى ذلك لا يزال طويلاً وشائكاً.
وقف إطلاق النار الهش
في مقاله "بين أجندة حماس ونتنياهو: وقف لإطلاق النار يحمل بذور فشله"، يقدم المحلل السياسي سام كيلي، تحليلاً دقيقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الأخير في غزة، معتبراً أنه هش ومليء بالثغرات.
يشير كيلي إلى أن الاتفاق يعكس أجندات متعارضة بين "حماس" وإسرائيل، حيث تستخدم "حماس" الحرب لدفع القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية، بينما يستغل نتنياهو الصراع لتعزيز موقفه الداخلي وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية.
ويلفت كيلي إلى أن الاتفاق الحالي لا يحمل ضمانات لاستمرار الهدوء، حيث يعتقد كلا الطرفين أنه قادر على تحقيق مكاسب من استمرار العنف. كما ينتقد الخطط الإسرائيلية لضم أراضي الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين من غزة، معتبراً أن هذه السياسات تعيق أي فرصة لتحقيق السلام.
ويشير إلى أن "حماس" وإسرائيل يتفقان على رفض أو عدم الرغبة في حل الدولتين، مما يجعل أي اتفاق مستقبلي صعب التحقيق. ويخلص كيلي إلى أن وقف إطلاق النار الحالي قد يوفر استراحة قصيرة، لكنه يحمل بذور فشله بسبب تعنت إسرائيل وحركة حماس، كما يحذر من أن استمرار العنف قد يؤدي إلى نزوح جماعي من غزة، مما يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية والسياسية، وقد يؤدي إلى تصاعد التوترات بين الفلسطينيين أنفسهم، خاصة بين "حماس" و"فتح"، مما يعقد أي جهود مستقبلية لتوحيد الصف الفلسطيني.
مستقبل غامض في انتظار غزة
تتفق وجهات النظر الثلاث على أن الصراع في غزة وصل إلى مرحلة حرجة، حيث تسبب في دمار هائل وخسائر بشرية كبيرة، فبينما يرى "الرميحي" أن القيادة الحماسية فوتت فرصاً لتحقيق تسوية، يؤكد "خوري" على أهمية الضغوط الدولية لإجبار إسرائيل على قبول حل الدولتين، فيما يحذر "كيلي" من أن وقف إطلاق النار الحالي هش وغير مستقر، ويعكس أجندات متعارضة تعيق تحقيق سلام دائم.
في النهاية، تشير التحليلات إلى أن مستقبل غزة يبقى غامضاً في ظل التعنت وغياب رؤية سياسية واضحة لإنهاء الصراع. ومع ذلك، تبقى هناك إمكانية لتحقيق تسوية سياسية إذا ما توافرت الإرادة الدولية والإقليمية لفرض حل عادل ودائم.