خرائط الدم والتدمير

الخطة الدموية.. لماذا تريد اسرائيل البقاء في شمال غزة؟

انقاض الركام في شمال قطاع غزة
انقاض الركام في شمال قطاع غزة

ما يجري في شمال قطاع غزة مع اقتراب الحرب من دخول شهرها الخامس باتت تتضح معالمه على الأرض حيث يجري عزل هذا الحيز الجغرافي لأغراض عسكرية وامنية وترتبط بفكرة اليوم التالي.

مخطط تريد منه دولة الاحتلال بعد مخطط تهجير السكان الى الجنوب وتقسيم القطاع الى تكريس المقاربة التى تفضي الى انشاء منطقة عازلة على طول الشريط الفاصل والذى يعني تقليص مساحة القطاع على امتداد طولة البالغ 45 كيلو مترو ويتراوح عرضه بين خمسة كيلومترات و12 كيلومترا هو ما يفسر ضراوة هذه الحرب في شمال غزة على وجه التحديد في مناطق بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا.

الحاجة الإسرائيلية في البقاء شمال القطاع يعود الى غياب ما يعرف عسكريا بالعمق الاسراتيجي لدولة الاحتلال فهذه المناطق المحاذية لما يسمي مستوطنات الغلاف ولا يفصلها عنها سوي بضع كيلو مترات تشكل خطرا اتضح بشكل كبير خلال احداث السابع من أكتوبر فعنصر المفاجأة في هذه المواجهة لم يكن الاندفاع الذي سجله مقاتلوا القسام خلال اجتياح مناطق الغلاف بل يعود الى العنصر الجغرافي والذى منحهم افضلية الهجوم.

لذلك تعتقد الدوائر العسكرية الإسرائيلية ان انشاء منطقة عازلة غير محددة المساحة حتى الان قد يسهم بشكل كبير في درء هذا الخطر في المستقبل رهانات امنية معقدة تباينت حولها المواقف إسرائيليا بينما يراها الكثير انها لن تكون مجدية.

اهداف البقاء في الشمال

مخطط انشاء منطقة عازلة لا يقتصر جغرافيا على الشمال القطاع لكنه يحتل أولوية كما اعلن مستشار رئيس الوزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو للسياسة الخارجية أوفير فولك عندما اكد إن "الخطة تحمل تفاصيل أكثر من ذلك. إنها تقوم على عملية من ثلاثة مستويات لليوم التالي (للقضاء على) حماس". موضحا إن المستويات الثلاثة تشمل تدمير حماس ونزع سلاح غزة والقضاء على التطرف في القطاع. وأضاف أن "المنطقة العازلة قد تكون جزءا من عملية نزع السلاح". فيما اكتفي احد مستشاري نتنياهو وهو مارك ريغيف في رد على سؤال حول المناطق العازلة بعد الحرب، بالقول إنه لن يكون هناك وضع تكون فيه حماس على الحدود مباشرة.

وفي سياق متصل، قالت مصادر اعلامية ان قوات الاحتلال قامت جنوب شرق مدينة غزة قرب معبر كارني (المنطار) تفجير عددا من المباني الفلسطينية القريبة من السياج الأمني في منطقة غلاف غزة حيث يعمد الجيش على تدمير مئات المباني السكنية والمرافق العامة القريبة من السياج الأمني في الأسابيع الأخيرة، ولا سيما شرق مدينة غزة وجباليا شمالا، في إطار خطة لإنشاء منطقة عازلة تمنح البلدات الإسرائيلية في غلاف غزة عمقا أمنيا.

حجيج.jpg

وكشفت وكالة أسوشيتد برس أن إسرائيل تعمل على بناء منطقة عازلة في قطاع غزة، واستندت أسوشيتد برس إلى صور ملتقطة حديثا بالأقمار الاصطناعية قالت فيها إن تلك المنطقة قد تقضِمُ 16% من مساحة القطاع.

امتداد المنطقة العازلة بحسب الخبير العسكري ماجد القيسي الذى اكد إن "إسرائيل تريد ان تنشئ هذه المنطقة ابتداء من بيت لاهيا مع البحر إلى جباليا وبيت حانون وصولا إلى رفح في الجنوب".مضيفا أن "هذه المنطقة العازلة قد تكون بحدود أربع كيلومترات، اثنان منهما سيكونان الحد الفاصل بين السياج الأمني الذكي في غلاف غزة وحدود المناطق المبنية داخل القطاع".

في هذا الإطار قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، جهاد الحزارين، إن ما تسعى إليه إسرائيل يمثل خدعة جديدة يمارسها نتنياهو للعمل على احتلال جزء من غزة، مضيفا أنه يبدو بأن مخطط إسرائيل يذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال تنفيذ ما أعد له مسبقاً من مخطط التهجير والتضييق على الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن ما يتعلق بفكرة المنطقة العازلة تحت ذريعة الأمن، والتي تستهدف عمق القطاع بمسافة تقدر حسب التسريبات بمئات الأمتار وصولاً إلى كيلو متر يعني سلب أكثر من 20% من مساحة القطاع

لكن لماذا شمال قطاع غزة على وجه التحديد -وفق تقارير عبرية- ويعود اختيار إسرائيل لشمال قطاع غزة إلى وجود منطقتين مجاورتين للحدود وهما بيت حانون وبيت لاهيا، وهما منطقتان -من الناحية العسكرية- قريبتان من احتياطيات الجيش الإسرائيلي. والمناطق المستهدفة ، تشمل من بيت لاهيا وجباليا والمناطق المتاخمة للحدود، علاوة على قصف أحياء بشكل متكرر مثل حي الفرقان وحي الشيخ رضوان وحي النصر وحي الكرامة.

النقاش الذى تلى السابع من أكتوبر تمحور إسرائيليا حول معضلة الجغرافيا حيث اثبت هجوم حماس ان هناك ثغرة تتعلق بالمساحات الجغرافية، حيث وصل مقاتلو الحركة إلى نحو 10 كيلومترات من الضفة الغربية. كما مثل ذلك خطورة شديدة على إسرائيل، إذ إن وجود اتصال بري بين الضفة والقطاع يعني عزل وسط إسرائيل وجنوبها عن باقي الأراضي، وإجبار القوات الإسرائيلية على العمل في ظروف صعبة للغاية وجرها لقتالٍ دامٍ داخل المدن المكتظة على الأراضي التي قام عليها كيان الاحتلال في 1948.

مخطط الضم

وصف الاحتلال للمنطقة العازلة بانها مؤقته هو محاولة لذر الرماد في العيون وان المخطط بحسب المتابعين يندرج في سياق الضم والاستيلاء على هذه المساحة من الأرض والذى يعني بقاء الاحتلال في قطاع غزة وهو ما دفع بالقلق الدولي قدما وانعكس ذلك من خلال موافقة مجلس الحرب على طلب الولايات المتحدة القيام بزيارة لشمال قطاع غزة من قبل وفد أممي لمعاينة الوضع هناك

عمليات التجريف والابادة التي تجري على الأرض بحق السكان في شمال القطاع تؤكد الشكوك ان ثمة عملية اكبر من إقامة منطقة عازلة وهو ما تنقله التصريحات الإسرائيلية المتواترة التى جاء بعضها على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين لإذاعة الجيش الإسرائيلي أنه "في نهاية هذه الحرب، لن يتم القضاء على حماس في غزة فحسب، بل سيتم تقليص مساحة غزة أيضا".

ليس المستوي العسكري من يتحدث عن هذا المخطط بل يشاركه المستوي السياسي حيث اكد رئيس كيان الاحتلال إسحق هرتسوغ، إن تل ابيب لا يمكنها ترك فراغ في غزة، وسيتعين عليها الإبقاء على قوة قوية هناك في المستقبل القريب تحت ذريعة منع حركة "حماس" من البزوغ مجددًا في القطاع. كما نقلت شبكة "إن. بى. سى نيوز" الإخبارية الأمريكية، عن مسؤول أمريكي، أن حكومة بنيامين نتنياهو تريد تجريف شمال غزة، وإنشاء منطقة أمنية عازلة، وهو ما يعني ضم أراضٍ فلسطينية

احتلال قطاع غزة او أجزاء منه لم يكن مجرد ترويج اعلامي او دعوة انتقامية ردا على ما جري كما اطلق بعض قادة اليمين المتطرف بل هي خطط يجري نقاشها من قبل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب، ووزراء إسرائيليين وأعضاء كنيست نظّموا في القدس “مؤتمر الاستيطان في غزة”، وصاحبها منشورات بثّتها قنوات جيش الاحتلال الإعلامية، عن إجراءات فعلية يتخذها الجيش لترسيخ التقسيم.

الى ذلك قال المحامي الفلسطيني رجا شحادة، أن استراتيجية إسرائيل تتمثل في إفراغ شمال غزة من سكانها الفلسطينيين، في ظل القصف الهائل الذي ألحق أضرارا بما لا يقل عن 222 ألف وحدة سكنية، ورفض قبول وقف إطلاق النار ومن ثم عدم دخول المساعدات المنقذة للحياة، مضيفا "كل هذا يدل على الضغط الهائل الذي يتعرض له السكان الفلسطينيون للتحرك جنوبا، وبالتالي التطهير العرقي في الشمال"، وعندما يتوقف القتال، لن يكون هناك سوى عدد قليل من المباني في الشمال التي لا تزال قائمة، ليعود إليها الناس لاستعادة منازلهم وسبل عيشهم.

في وثيقة استخباراتية كشف النقاب عنها ان الوزارة تقترح الترويج لحملة مخصصة للفلسطينيين في غزة من شأنها "تحفيزهم على الموافقة على التهجير، وجعلهم يتخلون عن أراضيهم"، بحسب ما نصت عليه التوصيات في الوثيقة بشأن الاحتلال والتهجير.تقول الوثيقة "يجب أن تتمحور الرسائل حول خسارة الارض، أي توضيح أنه لم يعد هناك أمل في العودة إلى الاراضي التي ستحتلها تل أبيب في المستقبل القريب وتزعم الوثيقة أن نموذج الحكم العسكري لتل أبيب والحكم المدني للسلطة الفلسطينية، كما هو موجود في الضفة الغربية، من المتوقع أن يفشل في غزة، "لا توجد وسيلة للحفاظ على احتلال عسكري فعال في غزة إلا على أساس وجود عسكري ومن دون استيطان".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo