الطريق إلى رفح بين تفجير السلام المصري ومخططات التهجير

محور فيلادلفيا الواصل بين غزة ومصر
محور فيلادلفيا الواصل بين غزة ومصر

مسار المناورة العسكرية الاسرائيلية في غزة مع دخول شهرها الثالث وتضاؤل تحقيق أهدافها المعلنة، بدت تتحول تدريجيا كما يبدو الى مغامرة غير محسوبة النتائج مع الحديث غير الرسمي حتى هذه اللحظة، عن توسيع نطاقها ليشمل ما يسمي "محور فلادلفيا" على الحدود الفلسطينية – المصرية او ما يعرف بمحور صلاح الدين الذى يمتد بطول الشريط الحدودي الفاصل الى 14 كيلو متر من البحر المتوسط شمالا الى معبر كرم أبو سالم جنوبا، وباتت هذه المواقف تشكل تهديدا للامن القومي المصري ولواحدة من اكثر معاهدات الاستقرار في المنطقة منذ عام 1979 "السلام المصري"، الذى زجت إسرائيل بمستقبله منذ 7 أكتوبر الماضي في اتون هذه المعركة بدء من مخططات التهجير القسري الى سيناء وصولا الى الحديث عن الاستعداد لعملية برية في محور فيلادلفيا بين مصر وقطاع غزة وهو ما اثار قلق القاهرة حيال نوايا الاحتلال الذى يسعى الى فرض مخطط التهجير عسكريا بعدما اخفق سياسيا، لكن ثمة من يرى بان هذه العملية ان حدثت فهي تهدف الى انشاء منطقة عازلة .

جس النبض ... القلق المصري المشروع

رغم ان القاهرة نفت ما أورده إلاعلام العبري حول بدء الدبابات الإسرائيلية عملية برية لاحتلال محور فيلادلفيا على حدود قطاع غزة مع مصر لكنها لم تخف قلقها تجاه هذه المخططات التي كان اعلن عنها رئيس وزراء الاحتلال بنامين نتنياهو في اطار "خطته لمستقبل غزة" بعد الحرب، بعدما كشف عن نيته أمام اجتماع مغلق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، سربتها هيئة البث الإسرائيلية عن نية حكومته السيطرة على محور فيلادلفيا.

فما بدى انه مجرد ضجيج اعلامي تمارسه تل ابيب في اطار اختبار المواقف وجس النبض اصبح يتعزز كل يوم على وقع التقارير التي كشفت ان القاهرة رفضت خلال لقاء الوفد الإسرائيلي نشر قوات مشتركة مع "إسرائيل" على محور فيلادلفيا الحدودي وهي التوجهات التى كشفت عنها صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية ، بإن الجيش الإسرائيلي أكد لمصر أنه "لن يكون مسؤولاً عن أمن قواتها"، خلال محاولته السيطرة على منطقة رفح الحدودية. بل ذهبت التقارير الى ابعد من ذلك أن جيش الاحتلال أكد أن العملية العسكرية الإسرائيلية في المنطقة "ستتواصل بغض النظر عن موافقة أو رفض مصر".

في السياق قال موقع "واللا" العبري، في تقرير نشره يوم السبت 23 ديسمبر 2023، إن الجيش قام بإدخال العديد من القوات إلى المنطقة الواقعة بين معبر كرم أبو سالم إلى رفح ومحور فيلادلفيا، وقام بمناورة قصيرة، ونقل الموقع العبري وفقاً لمصادر عسكرية: "تصرف جيش الاحتلال الإسرائيلي بطريقة غير عادية بين معبر كرم أبو سالم إلى رفح ومحور فيلادلفيا".

السلوك الإسرائيلي على طول الحدود اثار استغراب القيادة المصرية ، من أن تكون مثل تلك الخطوة "قد تمت من دون الرجوع إلى مصر والتنسيق بشأنها، خصوصاً أن المسؤولين المصريين، خلال لقاءاتهم بنظرائهم من حكومة الاحتلال الذين توافدوا على القاهرة عدة مرات منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة شددوا على ضرورة خلو تلك المنطقة من العمليات العسكرية، بحكم تأثيرها المباشر على الوضع في سيناء".

اما المواقف التي قيل انها متناقضة وضبابية حيال مرامي اسرائيل لاحتلال هذا المحور اتضحت وقع تصريحات وزير الحرب يوآف غالانت، عندما اكد أن تل أبيب تجري محادثات مع القاهرة لبحث إمكانية إقامة "عائق حدودي متطور يشمل وسائل تكنولوجية" يفصل قطاع غزة عن الأراضي المصرية، في محاولة لإحباط عمليات تهريب أسلحة مزعومة، فيما قال إن إسرائيل لا تعتزم "حاليا" احتلال مدينة رفح ومحور فيلادلفيا.

الى ذلك أوضح الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد مرعي "إسرائيل لا تملك أي حق بمخالفة هذه الترتيبات والتفاهمات الأمنية دون موافقة مصر. كما أن مصر لديها السيادة الكاملة على حدودها، ومحور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين يقع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة".

في السياق اعتبر المفكر الإستراتيجي اللواء سمير فرج ، أن إسرائيل تقول انها تريد الوصول لمحور فيلادلفيا على الحدود المصرية بدعوى هروب قادة حماس من الانفاق، مستدركا أن دخول القوات الإسرائيلية الي محور فيلادلفيا يخالف اتفاقية كامب ديفيد، مضيفا أن مصر دمرت ١٩٤ نفقا في محور فيلادلفيا “صلاح الدين”، وهدفهم من التواجد فيه انها تكون على حدود مصر مباشرة.

رئيس منتدي الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية سمير غطاس رأى ان العودة الإسرائيلية للسيطرة على الجانب الفلسطيني من محور فيلادلفيا وإن كانت مرهونة بانتصارها في الحرب القائمة، إلا أنها تستوجب كذلك تنسيقا أمنيا مع مصر التي تخشى من أن سيطرة إسرائيل على فيلادلفيا "سيطبق أسوار السجن المفتوح" في غزة، وهو ما سيدفع سكان القطاع للهجرة الطوعية خارجه

اشعال المحور الدافئ .. ومستقبل العلاقة مع مصر

في إسرائيل يعتقدون وفق التحليلات ان محور فيلادلفيا يشكل خط احمر مصري لكن يمكن تجاوزه فمن واقع التجربة، استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية في أنحاء القطاع من شماله لجنوبه، ولم يعد الجنوب منطقة آمنة، وداست إسرائيل الخط المصري الأحمر، وأصيب جنود على الطرف المصري بـ"الخطأ" وفقا للرواية الإسرائيلية بالقرب من معبر كرم أبو سالم على الحدود، في واقعة اعتذرت عنها إسرائيل لاحقا"، موضحة أنه "بحسب مسؤولين مصريين، تعرض الجانب الفلسطيني من معبر رفح إلى القصف الإسرائيلي 4 مرات، منذ بدء الحرب على غزة".

فتح إسرائيل هذا الملف شكل بالنسبة للمصريين تعبير عن حالة من التخبط والاضطراب تعاني منها قيادة إسرائيل منذ 7 أكتوبر الماضي وان الاحتلال لا يستطيع تجاوز الاتفاقات حيث اعتبر وزير خارجية مصر الأسبق محمد العرابي أن التصريحات الصادرة عن كيان الاحتلال حول هذا الموضوع متناقضة وجوفاء ولا معنى لها أو مدلول، مضيفا من الناحية السياسية، إسرائيل لا تستطيع خسارة قوة السلام المصري أو التضحية بها، وهي في أضعف حالاتها تلك الأيام رغم كل الدعم الأمريكي والغربي"، معتبرا ان هذه التصريحات هي مجرد قنابل اختبار لكنها في النهاية لا تمثل الواقع.

لكن الصمت الرسمي المصري تجاه ما يعلن من مواقف وتسريبات إسرائيلية حول احتلال محور صلاح الدين اعتبره المدير العام المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية خالد عكاشة أن الإدارة المصرية الحالية ستتحفظ “سياسيا”، بحسب تعبيره، باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، خاصة ان انتقال إدارة الجانب الفلسطيني من هذا الشريط الحدودي إلى " إسرائيل "يعني السيطرة على معبر رفح الذي يُعد حاليا المنفذ الوحيد إلى القطاع الذي يقع خارج سيطرة إسرائيل، بموجب اتفاقية المعابر، وهو ما قد يضيق الخناق على الفلسطينيين.

فيما ذهب اخرون الى تفسير رد الفعل الرسمي المصري إزاء تلك التحركات برغبة القاهرة في عدم التصعيد مع تل أبيب، حيث العلاقات القوية التي تجمع بين نظامي البلدين خلال السنوات الأخيرة وشهدت تناغمًا لم يعرفه تاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ توقيع اتفاقية السلام، فيما يذهب آخرون إلى الحديث عن مساعي مصر لعدم الانجرار نحو الاستفزاز الإسرائيلي وتوسيع دائرة الصراع بما يخدم أهداف الاحتلال لا سيما بنيامين نتنياهو الذي يسعى لإطالة أمد الحرب أطول فترة ممكن بما يؤجل ملاحقته قضائيًا.

وحول الإرادة المصرية في إمكانية التصدي لهذه المخططات قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد ان الخوف من عدم وجود تحفظ على عودة إسرائيل للتنسيق والإشراف والمتابعة لمعبر رفح يظل وارداً، بدليل أنه إذا كنا نتحدث عن المعبر - حيث لا توجد أي صلاحيات لإسرائيل وفقاً لاتفاقية فيلادليفا، والمفترض أن هذا المعبر يربط فقط بين مصر وقطاع غزة، وبالتالي لا توجد ولاية رسمية لإسرائيل - لكننا تابعنا ما تقوم به إسرائيل، وعدم قدرة مصر على فتح المعبر دون استئذان وعدم قدرتها على تمرير أي شيء من أدوية ومساعدات إنسانية لمواطني القطاع".

احتلال محور فيلادلفيا مخاطر اسراتيجية

ممر فيلادلفيا، أو محور صلاح الدين يمتد من البحر المتوسط شمالاً حتى معبر كرم أبو سالم جنوباً بطول الحدود المصرية مع قطاع غزة، والتي تبلغ نحو 14 كيلومتراً، ولا يتجاوز عرضه مئات الأمتار ، حيث كان المحور خاضعاً لإسرائيل قبل انسحابها من قطاع غزة عام 2005.

وبموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، هذا المحور هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة فيما عرف بخطة "فك الارتباط".

تقديرات سياسية رات إن ادعاء إسرائيل الأخير، وحديثها عن مراقبة الحدود بين غزة ومصر، جاء كتلميح إلى ضرورة إعادة احتلال جيشها لمحور فيلادلفيا والسيطرة على الحدود ومعبر رفح البري، لإنشاء منطقة أمنية عازلة ومنع عمليات التهريب أو استخدام الأنفاق من قبل الفصائل الفلسطينية وبالتحديد "حماس" وجناحها العسكري، إلا أنّ مصر، أكدت مرات عدة أنها دمّرت جميع الأنفاق التي كانت تستخدم للتهريب، وأن أي حديث إسرائيلي عن استخدام الخط الحدودي لتنفيذ عمليات وتهريب أسلحة إلى داخل قطاع غزة غير صحيحة

الى ذلك اشارت صحيفة "يسرائيل هيوم" نقلًا عن مصادر سياسية إسرائيلية، لم تكشف هويتها، إلى أن "إسرائيل لا تعتزم احتلال محور فيلادلفيا،إذ تواجه الخطوة رفضًا مصريًّا".

وتابعت الصحيفة أنه "رغم تأكيدات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع غالانت وغيرهما بأنهما ماضيان في تدمير حماس، فإن ثمَّة ورقة لعب مهمة واحدة لا تعتزم إسرائيل الاستيلاء عليها من حماس، وهي محور فيلادلفيا".

من جانبة يرى الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري إن تحرك الجيش الإسرائيلي باتجاه محور فيلادلفيا يهدف إلى فصل قطاع غزة عن صحراء سيناء ومصر، لكنه استبعد أن يتحقق هذا الهدف. فالجيش يسعى بعد خسارته على المستوى الاستراتيجي، لجعل كافة نقاط العبور التي تؤدي إلى قطاع غزة تحت سيطرته المطلقة، ووصف التحرك الإسرائيلي باتجاه محور فيلادلفيا بـ"الأمر الخطير".

بدوره يقول الخبير العسكري ورئيس جهاز الاستطلاع المصري السابق نصر سالم أّن القدرات العسكرية التي أظهرتها "حماس" خلال الحرب الدائرة مع إسرائيل، رسخت قناعة لدى تل أبيب بأّن ثمة أنفاًقا لا تزال قائمة تحت ممر فيلادلفيا تستخدمها عناصر الحركة في إدخال الاسلحة وأدواتها العسكرية، لذلك فهي تسعى إلحكام سيطرتها على هذا المحور المهّم. بعد أن تركته طوًعا مع مصر في عام،2005 مشيرا إلى أّن هذا الامر يجب أن يتّم بالتوافق أولا مع مصر وهو ما يتطلب توقيع بروتوكول ملحق باتفاقية السلام.

في السياق، يؤكد خبير مكافحة الارهاب اللواء رضا يعقوب أّن العمليات العسكرية الاسرائيلية في قطاع غزة، تحمل هدفين أحدهما واضح المعالم أعلنت عنه إسرائيل قبل ذلك، وهو تعّقب عناصر حركة "حماس" والقضاء عليهم، وهدف آخر غير معلن ويتمثل في إفراغ قطاع غزة من ساكنيه والدفع بهم نحو سيناء. وأّن الجانب اإلسرائيلّي يحاول الالتفاف على الرفض المصرّي بتنفيذ مخططات بشكل بطيء ولكن ذات أهداف مستقبلية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo