ما بعد الحرب على غزة.. السؤال المغلق

أثار القصف على غزة
أثار القصف على غزة

ما بعد الحرب على غزة.. هو السؤال الذي سيبقي مفتوحا كما يبدو على العديد من الاحتمالات حتى تتضح معالم المواجهة البرية التي قالت إسرائيل ان من بين أهدافها خلق واقع أمني وسياسي جديد في قطاع غزة بعد القضاء على حماس ومؤسسات الحكم التابعة لها دون ان تحدد طبيعة هذا الواقع، مما ترك الباب مفتوحا للتكهنات حول طبيعة المواجهة المنتظرة ومآلاتاها السياسية والعسكرية على غزة والمنطقة.

رغم الحديث المتزايد عن عدم مساعي تل ابيب الى اعادة احتلال قطاع غزة والعودة اليه مجددا وهو السيناريو الأكثر كلفة ولا تفضله تل ابيب ومعها القوي الداعمة لها أمريكيا وغربيا ويستبعده الجميع، لكنه يبقي حاضرا كما ان تنفيذ عملية برية، دون ان تنتهي بالسيطرة على غزة هو الاخر سيناريو لا يقل سوء عن سابقاته بالنسبة لإسرائيل، ولهذا حذر الرئيس الأميركي جو بايدن "إعادة الاحتلال سيكون خطأ كبيراً".

لكن ما هي السيناريوهات المتبقية أمام تل ابيب التي رفعت سقف العملية البرية على نحو يفضي الى خلق واقع لا حماس فيه كما يراه الإسرائيليين أنفسهم مستحيلا من حيث تدمير القدرة مع بقاء الفكرة.

احتلال غزة ... السيناريو الاسواء

الخروج الإسرائيلي من غزة عام 2005 شكل بداية الفصل مع القطاع، لكنه أبقى على أطراف الحرب مع حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى عبر مواجهات متكررة في أعوام 2008 و2014 و2021، وكان واضحا أن خيارات إسرائيل العسكرية وقتها تبتعد كثيرا عن فكرة الحسم أو تغيير الواقع رغم ما يمثله قطاع غزة من تهديد أمني وعسكري مستدام، لكن ما جرى في طوفان الأقصى قلب الحسابات ويبدو انه لم يترك امام فاتورة المواجهة التي افقدت تل أبيب ردعها سوى خيارات يصفها الكثير بالمعقدة.

الجنرال ديفيد بتريوس، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) السابق، قال ان اهداف الحرب التي حددها الاسرائيليون لا يمكن تحقيقها دون عملية برية على قطاع غزة مع عدم رغبة إسرائيل في احتلال القطاع، محذرا من حالة الفراغ التي سوف تنشأ بعد القضاء على حركة حماس وطبيعة الكيان الذى سيتحمل مسؤليه إدارة شئون القطاع بعد انتهاء الهجوم البري، مشككا من وجود حل او خطة واضحة في اليوم التالي.

الشكوك حيال قدرة تل ابيب على اجتياح قطاع غزة وتدمير حركة حماس على اعتبار ان هذا الخيار لم يتهيأ لأمريكا في أفغانستان، استحوذت على العديد من المتابعات والتحليلات لمجريات الصراع، الذي يعتقد البعض ان إسرائيل لن تستطيع تحمل كلفته وخسائره البشرية والتي قد تخلق واقع مناوئ داخل إسرائيل نفسها يقلب الرأي العام تجاه قياداته ناهيك عن الانقسامات السياسية التي سيخلقها قرار العودة الى غزة.

المدير التنفيذي للشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية توم بيكيت، قال أنه لا توجد خيارات جيدة لشن هجوم بري إسرائيلي على غزة، لأنه بغض النظر عن مدى نجاح العملية في هزيمة "حماس" فإن دعم السكان للمقاومة سيستمر، سواء أعادت إسرائيل احتلال غزة أو من خلال الانسحاب بعد الهجوم والتنازل عن الأرض لآخرين قد تمثل المقاومة خياراً بالنسبة إليهم.

من بين سيناريوهات احتلال القطاع فكرة أخرى لا نصيب لها من التطبيق تقوم على تمديد وجود إسرائيل العسكري من الضفة الغربية إلى غزة، وهي مهمة خطرة يراها الكثير من المحللين حيث تتطلب بقاء أعداد كبيرة من القوات داخل القطاع وتقسيم غزة إلى أجزاء، لكن هذه الفكرة استبعدها الرئيس الاسرائيلي إسحاق هرتسوغ عندما قال ليس لدينا أي رغبة في احتلال غزة أو إعادة احتلالها.. ليس لدينا رغبة في السيطرة على حياة أكثر من مليوني فلسطيني.

عودة السلطة لإدارة القطاع

قد يبدو هذا السيناريو الأكثر ترجيحا واغواء للساسة في تل ابيب وهو تسليم حكم غزة إلى السلطة الفلسطينية بعد الاجتياح البري، لكن فرصه ضئيلة للغاية فرئيس السلطة محمود عباس أوضح أنه يعارض الغزو الإسرائيلي لغزة كما انه لا يمكن القبول بالعودة الى حكم القطاع لأسباب اجتماعية داخلية فالعودة الى حكم غزة على ظهر دبابة إسرائيلية لن يقبله الجميع.

إسرائيل نفسها لم تبدي اهتماما بهذا الخيار، حيث أفادت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بأن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أصدر بيانا جاء فيه: "كل الحديث عن قرارات تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية أو أي جهة أخرى هو كذب"، كما يرى مسؤولون ومحللون اسرائيليون بأن السلطة اليوم بالكاد تبسط سيطرتها على الضفة الغربية، وغير مرحب بها في جنين ومناطق أخرى وبالتأكيد ليس في غزة.

اقرأ أيضاً: طوفان الاقصي يهز الاقتصاد الإسرائيلي

موقع "ستراتفور" (Strator) الأمريكي في تقرير له حول افاق المواجهة الراهنة بين حركة "حماس والجيش الإسرائيلي اعتبر انه في حال عدم وجود طرف يستلم أعباء القطاع في إشارة للسلطة الفلسطينية فسينتهي الأمر بغزة مرة أخرى تحت الاحتلال مما يجبر إسرائيل على الانخراط في احتلال طويل الأمد، وسيتعين على الحكومة الإسرائيلية مواجهة المهمة الصعبة المتمثلة في إعادة إعمار الأراضي التي مزقتها الحرب وتحمل أعباء القطاع وأزماته.

لكن ما اذا سيتعين على إسرائيل في حال رفضت السلطة حكم القطاع سوف تضطر بحسب المحللين ان تبحث الحكومة الإسرائيلية عن شركاء فلسطينيين بدلاء لحكم القطاع على المدى الطوي، وهذا ما قد يعرض الجيش الإسرائيلي لاشتباكات مستمرة مع الفلسطينيين وتمرد طويل الأمد، لكنه سيمنع عودة حماس بصفتها سلطة حاكمة ويحد من تهديد الصواريخ .

يونفيل عربي او اممي

خيار "قوات دولية أو عربية" من وجهة النظر السياسية غير واقعي كما انه غير قابل للتطبيق، لأن الدول العربية التي يحتمل أن تشارك في مثل هذه القوة، مثل مصر والأردن وغيرهما، وهما من أعلنتا في البداية رفضهما لاي مخطط يهدف الى تصفية القضية الفلسطينية او تمرير مخطط للتهجير القسري او تغيير الواقع على نحو لا يضمن الحقوق الفلسطينية.

ويرى الخبير الروسي فلاديمير فورسوبين، ان تنفيذ عملية برية، تنتهي دون السيطرة على غزة. وتقوم الدول العربية بتولي مسؤولية إعادة إعمار غزة ومستقبلها.. دون ان تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة المتمثلة في تدمير حماس وبنية غزة تحت الأرضية، احتمال منخفض. فالرأي العام الإسرائيلي سيعد ذلك خيانة ولن يصدق اختفاء حماس من غزة.

الخبير العسكري والإستراتيجي إلياس حنا قال ان الحديث في الغرف المغلقة حول هذا الخيار يبدو متجها بحسب صحيفة نيويورك تايمز" التي اطلعت على ورقة خيارات سرية قدمت إلى الصحيفة، ان الحل الأفضل لإسرائيل هو السماح لقوات الأمم المتحدة بالسيطرة على حدود غزة بينما يتم حل ما اسمته الميليشيات الفلسطينية ونزع سلاحها ورفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع تدريجاً.

وبالاستناد الى التجربة فهناك من يري في تل ابيب ان إقامة منطقة عازلة بين غزة والمستوطنات الإسرائيلية على حدودها، تنتشر فيها قوة دولية على غرار لبنان لا ينطوي على أهمية كبري فهذه القوات لا يمكنها لعب دور مؤثر، فهي لن تحمي امن تل ابيب ولن تمنع الهجمات إذا انطلقت مجددا من القطاع.

مغادرة غزة.. سيناريو الفشل والفراغ

في حال حققت إسرائيل أهدافها في القضاء على حماس وفق المراحل المعلنة للعملية فان مغادرة غزة وتركها للفراغ دون خلق منظومة أمنية وسياسية لا تكون إسرائيل مسؤولة فيها عن أمن غزة ولا حتى عن النواحي الاقتصادية والاجتماعية فيها هو الخطر الاخر.

فإذا تمكنت القوات الإسرائيلية من إحكام السيطرة على القطاع، والتخلص من "حماس" بحسب محللين إسرائيليين من المؤكد أن مثل هذا النصر سيكون قصير المدى. وإذا قررت إسرائيل المغادرة وترك القطاع، فقد يعمل المستوى المنخفض في "حماس" على إعادة تشكيل المجموعة، وربما تقوم جماعة أخرى بملء الفراغ.

اما الفشل هو السيناريو الأكثر رعباً لإسرائيل في حال تعثر الغزو البري مع ارتفاع عدد القتلى العسكريين والمدنيين بعد ان تغرق في وحل غزة دون اتضاح الأفق الزمني للعملية الذي قد يمتد لأشهر سيؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف داخل إسرائيل وخارجها، يضطر معه نتنياهو إلى الخضوع للضغوط للحد من نطاق الهجوم البري، أو إلغائه، ثم الالتزام الكامل بمفاوضات الرهائن.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo