بفعل الحرب في غزة.. نزوح جماعي مأساوي وتضامن اجتماعي مشرف

النزوح إلى المدارس في غزة بفعل العدوان
النزوح إلى المدارس في غزة بفعل العدوان

في ضوء التهجير الكبير غير المسبوق للمواطنين من المناطق المنكوبة، بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، يلتجئ الكثير من النازحين إلى ذويهم وأقاربهم أو معارفهم في مناطق أخرى يعتقدون أنها أكثر أماناً.

فلم تعد مراكز الإيواء التابعة للأونروا تستوعب هذا الكم الكبير من النازحين، وحتى إعداد التقرير في اليوم السابع لمعركة "طوفان الأقصى"، زاد عدد النازحين في فلسطين، بعد القصف الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، ووصل عددهم نحو 400 ألف شخص.

وأوضحت تقارير منظمة الأونروا التابعة لـ منظمة الأمم المتحدة أنه من المتوقع ارتفاع أعداد النازحين في فلسطين، لأن الوضع أصبح سيئاً، بعد زيادة النزوح الجماعي لـ المواطنين.

وباقتضاب ذكر لـ"زوايا" المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في قطاع غزة عدنان أبو حسنة، إن ما لا يقل عن 400 ألف مواطن نزحوا للاحتماء في أكثر من 50 مدرسة تابعة للأونروا في مختلف مناطق قطاع غزة، متوقعاً زيادة كبيرة في أعداد النازحين، وزيادة في أعداد مدارس الإيواء، وبالتالي ربما عدم القدرة على استيعاب أعداداً أكبر، نظراً لاستمرار التصعيد والقصف الإسرائيلي على القطاع.

نزوج جماعي

واقع القصف الإسرائيلي المُركز والمُكثف على المدن والأحياء السكنية على قطاع غزة، اضطر مئات وأحياناً آلاف العائلات إلى النزوح الجماعي، فمنهم من خرجوا على عجل للنجاة بحياتهم دون أن يحملوا شيئاً من امتعتهم، ومنهم من خرجوا يحملون حقائب وأكياساً وضعوا فيها ملابس وأغراضاً شخصية، أو حتى فرشات اسفنجية وأغطية يُمكن استخدامها للنوم، إذا ما وجدوا مكاناً لاستقبالهم.

ومن جملة هؤلاء، عائلة المواطن أبو علاء الوحيدي التي تسكن في عمارة مؤلفة من خمسة طوابق وتضم بين جدارنها نحو 50 فرداً من مختلف الأعمار، فقد نزحوا جميعاً تحت وطأة القصف الحربي العنيف الذي استهدف منطقتهم في حي الرمال الجنوبي لمدينة غزة، حيث لجأوا إلى بيت أحد أقاربهم في منطقة أخرى ومازالوا ضيوفاً هناك حتى اللحظة.

وهذا المواطن رمزي شنار من جنوب مدينة غزة، يقول إن عائلة كاملة من أقاربه تضم نحو 30 شخصاً ذكوراً وإناثاً، التجأوا إليه هرباً من القصف الإسرائيلي الذي استهدف منازلهم في حي الرمال وسط المدينة، حيث قام باستقبالهم وإيواءهم في الطابق السفلي من منزله.

وأضاف أنه وزوجته وأبناءه لم يترددوا وهم يتناوبون على خدمة ضيوفهم دون الشعور بأي حرج أو امتعاض بأي شكل من الأشكال، عاداً أن ذلك واجب ديني ووطني واجتماعي مع أبناء الشعب الواحد، فما بالنا بالواجب مع الأقارب.

اقرأ أيضاً:  خبير مصري يحذر من سيناريو تهجير الفلسطينيين لسيناء

ويردف "الشنار" أن جيرانه في العمارة الملاصقة لبيته، قد حذوا حذوه بعد أن التجأ إليهم أُسر عديدة نازحة من منطقة الكرامة شمال القطاع، مشيراً إلى أن جيرانه قاموا بالمساهمة في إعانة النازحين عبر تقديم المعونة والمؤن لهم، في حين أن جيران آخرين تعاونوا فيما بينهم لإيصال المياه والكهرباء لبعضهم البعض.

الأقربون أولى بالمعروف

وفي مثل هذه الظروف، كثير من الأسر تلجأ إلى أقاربها من الدرجة الأولى، وخاصة البنات المتزوجات يلتحق ببيت والدهن، على اعتبار أنه الأكثر راحة واستئناس في كل الأوقات.

فالمواطن جبر قرموط "55عاماً" من سكان المنطقة الوسطى، آثر أن يأوي ابنته وزوجها وأسرتهما في بيته، خوفاً عليهم من الأوضاع الميدانية المشتعلة في منطقتهم شمال القطاع، حيث يقول "صحيح أنه ليس في قطاع غزة منطقة آمنة بفعل القصف، ولكن قلبي لا يحتمل أن تنزح ابنتي وزوجها وأولادهم في مدارس الوكالة (..) صحيح أن الأقربون أولى بالمعروف، ولكني على استعداد لاستقبال الغريب قبل القريب في بيتي، وإذا ما شالتهم الأرض بتشيلهم عيوني".

ويضيف " أنه سبق له استقبال أسر كاملة خلال التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2021، حيث سمح له حاله الميسور من تأمين الطعام والشراب والفراش لأكثر من أسبوع"، وتابع "هذا ليس مِنة، وإنما واجب التضامن والتكافل الاجتماعي الذي يتحلى به شعبنا الفلسطيني دائماً".

وهناك شكل آخر من أشكال هذا التكافل، عبر عنه عز الدين الأسطل من مدينة خان يونس، حين كتب على حسابه الشخصي "فيسبوك" قائلاً " إلى أهالي القرارة من مفترق المطاحن وخان يونس حتى الكتيبة، أي شخص يريد سيارة ليأتي بأكل لبيته أولديه مريض ويريد أن يذهب به للمشفى، أنا جاهز بسيارتي لوجه الله تعالى"، حيث أرفق رقم هاتفه المحمول في هذا المنشور.

WhatsApp Image 2023-10-12 at 1.30.12 PM.jpeg

ونظراً لصعوبة تقديم الخدمات المحلية وتضاؤل فرص توفرها وإمكانية استمرار الأزمة لمدة طويلة، فإنه عادة ما تصدر عن الجهات الحكومية والهيئات المحلية وقت الحروب والأزمات، دعوات وتوجيهات متكررة للمواطنين بضرورة التكافل والتضامن الاجتماعي فيما بينهم للتخفيف من الأزمة.

وعلى سبيل المثال، أهابت بلدية غزة بالمواطنين الذين يمتلكون أبار مياه خاصة بضرورة التكافل مع أهالي منطقتهم وتزويدهم بالمياه لمواجهة النقص في مصادر المياه بسبب توقف خط مياه "ماكروت" من الداخل ومحطة تحلية مياه البحر في شمال المدينة بسبب الأوضاع الراهنة، داعية المواطنين لترشيد استهلاك المياه واقتصارها على الاستخدامات الضرورية لتتمكن البلدية من توفير المياه لمختلف مناطق المدينة.

0.jpg

فِطرة الفلسطيني

وحول كل ما سبق، يرى أستاذ علم النفس د. درداح الشاعر، أنها فطرة مجبول عليها الشعب الفلسطيني في التكافل والتضامن ومؤازرة بعضه البعض، وخاصة وقت الحروب والأزمات التي تعاقبت عليه ويكتوي بنارها سكان قطاع غزة من حين لآخر.

وذكر أن النزوح الحاصل للعائلات الفلسطينية وتهجيرها بهذا الشكل العنيف من قبل الاحتلال، يمثل كارثة إنسانية بكل المقاييس وعلى كل الأصعدة، فضلاً عن المشكلات النفسية والصحية المترتبة على ذلك، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، مبيناً أن الاحتلال يتعمد من وراء كل ذلك مضاعفة معاناة الغزيين ضمن "الحرب النفسية".

اقرأ أيضاً: فشل مدوي للاحتلال.. هكذا باغتت المقاومة غلاف غزة

وأشار الشاعر في حديث لـ"زوايا" إلى أن النزوح في كنف الأقارب والمعارف أقل ضرراً من النزوح في مراكز الإيواء الجماعية والمدارس، حيث أن تواجد النازحين ولمدة طويلة في المراكز الجماعية، يسبب أثاراً نفسية وعدوى صحية وعدم الشعور بالراحة بالمطلق.

ونوه إلى أن البرامج النفسية التي تنفذها بعض الجهات والمؤسسات عقب كل حرب أو تصعيد "غير كافية لأن تضمد جراج المكلومين والنازحين"، لافتاً إلى أن التكافل الاجتماعي بين المواطنين في وقت الحروب والأزمات يحقق نتائج أفضل بالنسبة للنازحين.

وأكد الشاعر أن الواجب الديني والوطني يُحتم على الجميع التعاضد والمساندة وتعزيز مقومات الصمود وتخطي الظروف المأساوية والإنسانية التي يخلفها العدوان الحالي على غزة، ذلك من خلال الإيواء والإعانة وتوفير كل يلزم للنازحين سواء من الجهات الرسمية والأهلية والأممية، أو عبر التكافل الشعبي والعائلي، متوقعاً أن هذا العدوان ربما يطول هذه المرة ويمتد لأسابيع وربما لأشهر.

وفي هذا المضمار، يرى الشاعر أن استشعار سكان قطاع غزة بالمسؤولية الوطنية، لا يقل عن الدور الذي يقوم به المقاومون الذين يخوضون معركة الدفاع عن الأرض والعرض، ولا عن دور الطواقم الصحية والدفاع المدني والصحفيين وغيرهم في الميدان، عاداً أن تضامن وتكافل المواطنين فيما بينهم هو إسناد لكل من سبقوا، حسب تعبيره.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo