ماذا تجني حكومة غزة من ملف تصاريح العمال؟

عمال غزة في معبر بيت حانون
عمال غزة في معبر بيت حانون

مع تزايد اهتمام وزارة العمل في ملف عمال غزة، الذين يمتهنون حرفاً في الداخل المحتل، وإشرافها المباشر على ملف إصدار التصاريح لهم، برزت تساؤلات عن مدى استفادة حكومة غزة من هذا الملف.

في هذا التقرير تستعرض "زوايا" بعضا من النواحي الاقتصادية، محاولة الإجابة عن تساؤلات كم يدخل أموال إلى قطاع غزة من العمال؟، وما هي آليات استفادة لجنة متابعة العمل الحكومي مالياً منهم؟، وما هو النفع الاقتصادي الذي يعود عليها من وراء شركات المشغل؟، وما هو رأي وزارة العمل حول أحقية استفادة الجهات الحكومية ماليا من العامل مباشرة.

1.4 مليون دولار يومياً يدخل غزة من عمال (إسرائيل)

ولدراسة الدخل العائد إلى قطاع غزة جراء عمل العمال في الداخل المحتل، فإنه يجب معرفة عدد الأشخاص الحاصلين على تصاريح، وبحسب حديث وكيل وزارة العمل في غزة إيهاب الغصين، فإن عدد العمال الذين لديهم تصاريح سارية المفعول بلغ نحو 18500، وتنقسم هذه التصاريح إلى شؤون اقتصادية وعددها 15500، وأخرى تصاريح مشغل وصل عددها 3000.

ويقول الغصين في حديث لـ"زوايا" إنه "من المفروض أن التصاريح سارية المفعول يعمل أصحابها في حرف داخل إسرائيل، ويتلقون أجوراً مختلفة، ومتوسط دخل العامل والحرفي يتراوح ما بين 250 إلى 500 شيكل في اليوم، ويزيد أجر المحترفين والمختصين عن ذلك ويصل إلى 700 شيكل في اليوم".

اقرأ/ي أيضاً: ما مدى تطور وفاعلية "مُسيرات المقاومة" في معاركها مع الاحتلال؟

ويضيف الغصين "لكن نحن في وزارة العمل لم نجر أي دراسة حول كم يدخل إلى قطاع غزة من أموال بواسطة العمال، وهذا ليس تخصصنا، ولم أسمع عن إجراء في أي وزارة أخرى لتقييم أو وضع توقعات للقيم المالية التي يحصلها العمال".

ويشير الغصين إلى أن عدد العمال الذين يعملون في الداخل المحتل قليل جداً، ولا يؤثر بشكل قوي على اقتصاد قطاع غزة، ويتبين ذلك عند مقارنته مع عدد العاطلين عن العمل ومؤشرات البطالة خلال العامين الماضيين ومعدلات الفقر، وأيضاً مع عدد المسجلين الراغبين بالعمل في الداخل المحتل.

ويلفت الغصين إلى أنه "لا يمكن إنكار أن العاملين في إسرائيل أثروا بشكل إيجابي محدود على اقتصاد غزة، وهناك تحسن طفيف لوحظ في هذا الإطار خاصة في القوة الشرائية وقت المناسبات الاجتماعية، لكن يبقى دون المعدل المتوقع وهذا يرجع إلى محدودية عدد العمال الذين حصلوا على تصاريح وليس ضعف الأجور، بالإضافة إلى أن أغلبهم لديهم تعهدات والتزامات مالية يجب عليهم الوفاء بها".

وفي ظل عدم وجود نسب عند وزارة العمل عن إيرادات العمال لغزة، سألت "زوايا" رئيس اتحاد نقابات العمال سامي العمصي عن ذلك، فوجدت اختلافا في أعداد العمال عن تلك البيانات التي أفادتنا بها وزارة العمل، وكذلك فوارق في تأثيرهم على اقتصاد قطاع غزة.

يقول العمصي إن "عدد العمال في إسرائيل يزيد عن 20 ألف، منهم 18 ألف عامل لديهم تصريح شؤون احتياجات اقتصادية، و2700 آخرين يملكون تصاريح مشغل، لكن لا نستطيع أن نقول إن جميعهم لديهم فرص عمل موفرة بشكل يومي في إسرائيل، جزء منهم يخرج ليبحث عن عمل، وعدد بينهم يعملون حسب الطلب أو توفر الفرص".

ويضيف العمصي لـ"زوايا": "متوسط يومية العامل الفلسطيني في إسرائيل لا تقل عن 250 شيكل، وإذا أخذنا هذا الأجر ثابت على جميع العاملين، فإنه يدخل غزة يومياً نحو 1.4 مليون دولار، وهذه إيرادات جيدة ولها تأثير اقتصادي لكن في علوم المال يجب حساب الإيرادات بشكل شهري، وعلى اعتبار أن العامل يعمل لمدة 25 يوماً، فإن الإيرادات تصل إلى نحو 32 مليون دولار".

وبحسب العمصي، فإن مدخولات العمال على اقتصاد غزة أفضل بكثير من قيمة المنحة القطرية، ويتابع "على سبيل المثال تبلغ قيمة المنحة القطرية 10 مليون دولار، ونلاحظ أن السكان ينتظروها على أحر من الجمر، وتحدث فارقاً اقتصادياً في غزة، لكن إيرادات العمال في الشهر ثلاثة أضعافها وتحدث انتعاشاً اقتصادياً".

ويشير العمصي إلى أن مدخولات العمال لها أثر اقتصادي جيد على غزة، وبسبب التصاريح خرج 20 ألف شخص من البطالة، ولاحظنا فرق في مؤشرات الاقتصاد وتحسن في مؤشرات البطالة، لكن بنسب بسيطة.

ويلفت العمصي إلى أن عدد العمال الذين خرجوا إلى إسرائيل قليل، وحتى يحدث فجوة اقتصادية جيدة ويؤثر بشكل كبير في مؤشرات الاقتصاد والبطالة يجب أن يكون عدد العمال نحو 100 ألف، لأن في غزة ربع مليون عاطل عن العمل.

آليات استفادة حكومة غزة مالياً من تصاريح العمال

وفي ظل تزايد عدد تصاريح المشغل، والتي عادة ما تكون عن طريق سماسرة، وافقت لجنة متابعة العمل الحكومي في غزة على ترخيص شركات التشغيل، وأثير في هذا الإطار حديث عن نية الحكومة الاستفادة من العمال مالياً، ولمعرفة ذلك سألنا وزارة العمل عن شروط الحصول على تصريح بواسطة شركات التشغيل.

أجاب وكيل وزارة العمل إيهاب الغصين "يجب أن يكون العامل مسجل لدى وزارة العمل، وحاصل على اللون الأخضر، وبعد ذلك يحصل على إجازة مهنية وهذه تستوجب شهادة حسن سير وسلوك، ثم يجهز ملفه ويتقدم إلى شركات التشغيل، وهي بدورها تبحث له عن عمل وتوفر له تصريح".

وتحتاج عملية الحصول على تصريح مشغل، بحسب الغصين إلى 40 دينار رسوم إجازة المهنة، و30 شيكل رسوم شهادة حسن سير وسلوك، ثم يدفع العامل كل شهر 600 شيكل من أجره إلى شركات التشغيل.

يوضح الغصين أن هذه الآلية أفضل من سماسرة التصاريح، التي يدفع فيها العامل 1200 دولار لسمسار عند حصوله على تصريح، وشهرياً يدفع 700 دولار، حتى لو لم يحصل على عمل، لافتاً إلى أن شركات التشغيل ليس دورها جلب تصاريح بل إيجاد فرص عمل.

وعن هذه الأموال، ينبه الغصين إلى أن رسوم شركات التشغيل تدفع كل شهر على مدار مدة عمل العامل، وإذا توقف لأي سبب يتوقف الدفع تلقائياً، وأن مبلغ 600 شيكل أعلى سقف للدفع، ويمكن أن تطرح شركات التشغيل أسعارا أقل.

لكن الغصين يجزم أن حكومة غزة لا تستفيد بأي شيكل واحد من العامل ولا من شركات التشغيل، ويشير إلى أن هذا الملف عبء على وزارة العمل، لكن الحكومة تقوم على متابعته من باب مسؤوليتها في حماية العمال.

في المقابل، لدى العمصي رأي مختلف في هذا الإطار أيضا، ويقول: "في تصريح المشغل تستفيد حكومة غزة عن طريق الشركات إذ تفرض رسوم شهادة إجازة المهنة وتدخل هذه الأموال في حسابات وزارة العمل، ورسوم شهادة حسن سير وسلوك وتدخل هذه النقود في حسابات وزارة الداخلية، كما أن الجهات الحكومية تحصل ضرائب أو نسب مالية من شركات التشغيل على كل عامل".

وينبه العمصي إلى أن شركات التشغيل قد تجد عراقيل في عملها، إذا عارضت (إسرائيل) فكرتها ورفضت التعامل معها، مبيناً أنه حسب توجهات (إسرائيل) فإنها ترغب في أن يكون تصريح المشغل عن طريق التواصل المباشر بين العامل ورب العمل دون تدخل جهات حكومية أو شركات.

نفع حكومة غزة من شركات المشغل

وعن النفع الاقتصادي الذي يعود على حكومة غزة من وراء تصاريح العمال، يجزم الغصين أنهم لا يستفيدوا بشكل مباشر من إيرادات العمال، وأن ما يعود على غزة هو مجرد قوة شرائية، وبعد ذلك تحصل الحكومة من التجار ما يعرف بالجباية الداخلية.

ويؤكد الغصين أنهم رفضوا مقترحات لفرض ضرائب دخل على العمال، كما لم يتعاونوا مع أفكار أخرى طرحت في لقاءات لجنة متابعة العمل الحكومي بينها فرض إلزامية دفع الكهرباء وفواتير البلديات، وبحسب وكيل وزارة العمل فإنه رفض هذه الخطوة، وطلب من كل جهة حكومية العمل لوحدها في متابعة ملفاتها دون تدخل من وزارته.

في هذا الحديث نفى الغصين استفادة حكومة غزة المباشرة من عمال إسرائيل، لكن طريق الاستفادة يعود لكل جهة حكومية، مشيرا إلى أن كل جهة تعمل لوحدها في تحصيل فواتير أو ضرائب أو ديون متراكمة على العامل.

وفي هذا الإطار، يقول أستاذ الاقتصاد أيمن أبو عيشة إن أوجه نفع حكومة غزة من العمال كثيرة، وزادت عند ترخيص شركات التشغيل، وأبرز هذه الأوجه المعروفة، هي رسوم شهادة إجازة المهنة، ورسوم شهادة حسن سير وسلوك، والتي ارتفعت ستة أضعاف ثمنها الطبيعي.

ويضيف في حديث مع "زوايا": "بعملية رياضية بسيطة فإنه في حال حاول 140 ألف عامل الحصول على إجازة المهنة فإنه يدخل حسابات وزارة العمل نحو 5.6 مليون دينار أردني، وفي حال حصل نفس العدد على شهادة حسن سير وسلوك فإن داخلية غزة تحصل 4.2 مليون شيكل".

وبحسب معلومات أبو عيشة، التي أفصح عنها لـ"زوايا"، فإن لحكومة غزة حصة من رسوم التصريح الشهرية التي يدفعها العامل بقيمة 600 شيكل، ويبلغ نصيب وزارة المالية في غزة 200 شيكل فقط، وبالتالي فإنه يدخل على الجهات المختصة شهرياً نحو 4 مليون شيكل.

ويوضح أن من أوجه الاستفادة الأخرى، فرض شركة توزيع الكهرباء على العمال تسديد جميع تراكمات الديون على العمال، ودفع ضرائب بلدية غزة ورسوم استهلاك الماء، والأملاك وغيرها.

ويشير أبو عيشة إلى أن مبلغ 30 مليون دولار يضخ العمال في الاقتصاد المحلي، وعلى اعتبار أن متوسط الجباية من التجار تصل إلى نسبة 14.5% فإن حصة الحكومة تبلغ شهريا نحو 5 مليون دولار أميركي.

اقرأ/ي أيضاً: الفقر يعرقل التحاق بعض طلبة الثانوية العامة بجامعات غزة

وبالمجمل يدخل إلى حكومة غزة من العمال ما يقدر بقيمة 15 مليون دولار، وفقاً لمتابعة أستاذ الاقتصاد أبو عيشة، الذي يؤكد أن هذه المبالغ تحسن مستوى إيرادات لجنة متابعة العمل الحكومي، والتي من المفروض أن تظهر على نسبة صرف رواتب الموظفين التابعين لها.

رأي وزارة العمل برام الله

وفي ظل تزايد إيرادات لجنة متابعة العمل الحكومي في غزة من العمال، رفضت وزارة العمل التابعة للسلطة الفلسطينية آليات الاستفادة من العمال، وقال وزير العمل نصر أبو جيش إن ما يحصل في غزة جريمة وانتهاك واضح للقانون الفلسطيني، ونعتبره مشاركة للعمال في دخلهم.

ويضيف أبو جيش في حديث لـ"زوايا": "يدرس الرئيس محمود عباس إجراءات لوقف هذه المهزلة، ونعمل على إقرار قانون يجرم تجارة التصاريح، ما تفعله حكومة غزة هو نفسه ما يقوم به سماسرة وتجار التصاريح".

وذكر أن شركات التشغيل كذبة ونصب واحتيال على سكان غزة، وهذا إجراء لم تتجرأ أي حكومة فلسطينية على الموافقة عليه، ومحاولة من حكومة غزة لشرعنة عمل السماسرة.

ويوضح أن القانون الإسرائيلي يمنع من حيث المبدأ عمل شركات التشغيل ويجرمها ويلاحقها قانونياً، وبناء على ذلك تمنع إسرائيل السماح لأي شركة بالعمل في الداخل، أو نظير لها في الضفة والقطاع.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo