ما حقيقة "صواريخ الضفة" وتأثيرها على الاحتلال؟

اطلاق الصواريخ من الضفة الغربية
اطلاق الصواريخ من الضفة الغربية

شككت مصادر إعلامية ومراقبون وخبراء عسكريون، بالرواية الإسرائيلية بشأن إطلاق صاروخ محلي من الضفة الغربية مؤخراً، ومزاعمه السابقة بالعثور على منصات إطلاق صواريخ، واعتقال متورطين بالتصنيع وإحباط محاولات من هذا النوع.

وفي التفاصيل، فقد أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية رسمية، في الخامس والعشرون من مايو الماضي، إطلاق صاروخ من الضفة الغربية تجاه مستوطنة وانفجاره في الهواء دون بلوغ وجهته، ولم تعلن أي من الفصائل الفلسطينية مسؤوليتها عن إطلاقه.

وأثناء العدوان الأخير على غزة، كان رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي "رونين بار" ادعى أن قواته أحبطت خلية لإطلاق الصواريخ من الضفة الغربية. وقال بار في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء حكومته "بنيامين نتنياهو" إن الخلية التي عملت على تصنيع تلك الصواريخ تلقت تمويلاً من طارق عزالدين القيادي في الجهاد الإسلامي، والذي اغتاله الاحتلال في التاسع من مايو الماضي.

وقائع ومؤشرات

وفي ضوء ما سبق وغيرها من أحاديث عبرية، طرح "زوايا" تساؤلات على المراقبين والمختصين، حول الوقائع والمؤشرات الحقيقية لما كشفه الاحتلال عن فشل إطلاق الصاروخ من الضفة، وحديثه عن العثور على منصات إطلاق واعتقال متورطين بالتصنيع وإحباطه محاولات سابقة من هذا النوع في الضفة.

وفي حال نجحت الفصائل في الضفة من امتلاك هذا النوع من السلاح أو تصنيعه، ما مدى التهديد الفعلي على مستوطنات الاحتلال والداخل المحتل، وما التبعات لهذا التطور على المقاومة من ناحية، وعلى رد فعل الاحتلال من ناحية أخرى؟

الفصائل الفلسطينية من جانبها، التزمت الصمت ولم تعقب البتة على الكشف الإسرائيلي بالخصوص، وسط تشكيك من بعض وسائل الإعلام العاملة في الضفة الغربية بالرواية الإسرائيلية، حيث أكدت مصادر إعلامية فلسطينية لـ"زوايا" أنها سمعت "رواية الصاروخ" من وسائل الإعلام العبرية فقط، وحين المتابعة الميدانية، لم تتثبت من مصداقية وجدية هذه الأنباء على أرض الواقع.

فضلاً أنه لم يتوارد -حسب المصادر الإعلامية- أي أنباء عن أسماء الأشخاص الذين ادعى الاحتلال الإسرائيلي اعتقالهم في شمال الضفة، وأعلن حينها أنهم متهمين بالتصنيع لصالح الجهاد الإسلامي.

الكاتبة الصحفية لمى خاطر، من جملة الإعلاميين الذين اعتبروا أن حقيقة ملابسات وظروف الحدث المعلن إسرائيلياً "غير معروفة" للوسط الإعلامي الذي تتبع جدياً وملياً الزمان والمكان المحيط بالحدث دون الوصول لأي دلائل أو مؤشرات تؤكد وقوعه، مشيرة إلى أن ملابسات النشر وطريقة التصوير المنشور فقط من جانب الاحتلال "لا تدلل على حدث جدي"، علماً أن الاحتلال يفحص مثل هذه الأمور من كل جوانبها، حتى لو كانت مؤشرات غير جدية.

اقرأ أيضاً: طلبة الثانوية بفلسطين.. تأثير كارثي للاحتلال وضغوط تحتاج رعاية

وترى خاطر في حديثها لـ"زوايا" أن تطور من هذا النوع من شأنه أن يغير كل المعادلة العسكرية الاستراتيجية في الضفة الغربية بالنسبة للاحتلال، مؤكدة أن "الصواريخ" تُعد هاجساً كبيراً كان يخشاه الاحتلال ويعمل بقوة على منعه في الضفة منذ مدة.

ولفتت إلى أن خشية الاحتلال من "صواريخ الضفة" نابعة من كون المستوطنات ملاصقة للتجمعات الفلسطينية، عدا عن قرب بلدات الداخل من مدن وقرى الضفة، معتبرة أن دخول هذا النوع من السلاح على الخط في الضفة، من شأنه أن يُحدث تغيراً كبيراً في أداء المقاومة ويقلل من الخسائر البشرية في الجانب الفلسطيني، إلى جانب تشكيله تهديدا أمنيا كبيرا على أمن الاحتلال، وبالتالي إحداث تغيرات كثيرة على الأرض.

ولكن خاطر، ذكرت أن معطيات الواقع تقول غير ذلك، حيث أن هذا النوع من السلاح يحتاج إلى بيئة أمنية وسياسية "نظيفة"، وهذا غير متاح في الضفة، معتبرة أن البيئة المذكورة تتعرض لمراقبة وملاحقة أمنية شديدة في الوقت الحالي من سلطتين، في إشارة إلى سلطات الاحتلال والسلطة الفلسطينية.

وأكدت أنه من الصعب توقع أن ينجح إدخال الصواريخ على صعيد المقاومة في الضفة، حيث أن هذا السلاح يحتاج إلى تجهيزات عالية على صعيد إعداد الهياكل "المنصات" والمواد المتفجرة، لافتة إلى أنه حتى الأسمدة والمواد الزراعية، تم مداهمة مخازنها ومصادرتها لدى بعض التجار في مناطق محددة بالضفة، وذلك لمجرد الشك بأنه يمكن أن تُستخدم في صناعة بعض المواد المتفجرة.

وقالت خاطر "تصنيع الصواريخ غير متاح على المدى القريب والمتوسط، إلا إذا تغيرت الظروف السياسية والميدانية، حيث أنه في ظل خضوع الضفة للرقابة المشددة والملاحقة الكبيرة واستنزافها على جبهتي الاحتلال والسلطة، فإنه من المستبعد نجاح مثل هذا الأمر".

وكررت خاطر "في المنظور الواقعي لا يمكننا التعامل بجدية مع هذا الأمر أو توقع تطورات ملموسة على هذا الصعيد، لاسيما أنه جرت محاولات من هذا النوع في ظروف أفضل بكثير من الوقت الحالي وخاصة في انتفاضة الأقصى، ومع ذلك لم تنجح هذه المحاولات وتم محاصرتها والكشف عنها في وقت مبكر، ذلك لأن البيئة في كل متعلقاتها لا تتيح تطور أداء هذا النوع من السلاح في الضفة الغربية".

يذكر أن موقع قناة 12 العبرية، نشر حديثاً، تقريراً مطولاً عن التهديد المتمثل بإمكانية إطلاق صواريخ من الضفة الغربية تجاه المدن الإسرائيلية، ما سيجعله التحدي الأخطر الذي قد يواجه الاحتلال منذ 75 عاماً.

 تضخيم لشن عدوان

ورغم أن المختص في الشأن العسكري والأمني عبد الله العقاد، أكد سعي المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى التطور في الأداء من حيث امتلاك الأدوات والإمكانيات، لكن وفق تقديره فإنه يرى أن الاحتلال يحاول أحياناً إعطاء انطباع مخيف وخطير من أجل تبرير الاقتحامات المتكررة للضفة، دون أن يستعبد أن يكون النشر الإسرائيلي عن إطلاق صاروخ من الضفة يحمل هذا النوع من "التضخيم"، لحشد رأي عام داخلي وخارجي لتبرير الجرائم المستمرة التي يقوم بها في الضفة.

اقرأ أيضاً: السلطة والفصائل في القاهرة.. ماذا يدور في الكواليس؟

ويرى العقاد في حديث مختصر لـ"زوايا" أن الاحتلال يبحث في الضفة عن صورة "الحسم العسكري" في مواجهة تنامي ظاهرة العمل المقاوم في الضفة الغربية، والتي بدون شك مكلفة جداً له، وتستنزف من قدرات جيشه، لافتاً إلى أن الاحتلال يخشى تطور المقاومة في الضفة على كافة الأصعدة، ولذلك لجأ بشكل مقصود لتضخيم "حدث الصاروخ"، لتمرير الإجراءات الإجرامية التي يقوم بها بشكل مستمر.

وحول ما إذا كانت المقاومة جادة في امتلاك صواريخ في الضفة؟، فقد أكد العقاد أن المقاومة جادة في خطو خطوات واضحة لتطوير أدواتها والتصدي للاحتلال بكل الوسائل، وهذا ما نلاحظه في استخدام العبوات الناسفة التي تتصدى بها المقاومة للاجتياحات والاقتحامات في نابلس وجنين وطولكرم والعديد من المدن والقرى التي يستهدفها الاحتلال في الضفة، حسب تعبيره.

تحدي وتهديد للاحتلال

من الناحية التحليلية، فقد رأى الخبير في الشأن العسكري اللواء متقاعد يوسف الشرقاوي، أنه وفقاً للمعطيات المتوفرة "إسرائيلياً" فقد جرت محاولة إطلاق صاروخ من الضفة وفشلت، لكنه اعتبر ذلك ليس جزماً بالحقيقة، حيث لم تتضح أي معلومات من خلال الصورة التي نشرها الاحتلال لمكان العثور على الصاروخ ومن أي منطقة تم إطلاقه.

وعلى فرض جرت محاولة إطلاق صاروخ من الضفة، فقد توقع الشرقاوي أن يكون "اجتهاد فردي لبعض الشباب الثوري في الضفة، وهو نوع من أنواع التحدي للاحتلال"، عاداً أنه ربما يكون صاروخ إعلاني أكثر منه صاروخ فعلي.

وأشار شرقاوي في حديثه لـ"زوايا" إلى أن الاحتلال يركز في الوقت الحالي على ملاحقة "مصنعي العبوات الناسفة محلية الصنع"، والتي تؤرقهم في اقتحاماتهم الضيقة لمدن وقرى الضفة.

ويرى الشرقاوي أنه في حال نجح الفلسطينيون في إطلاق صاروخ واحد من الضفة، فإنهم قد حققوا هدفهم الذي تحدثوا عنه منذ زمن "أنه يمكن أن تنتقل الصواريخ إلى الضفة الغربية، ويمكن تهديد أمن إسرائيل بشكل أكبر".

وأشار إلى أنه حتى صواريخ غزة لم تستطع ضرب أهداف نخبوية، وإنما تضرب أهداف مساحية، منوهاً إلى أن إصابة الصواريخ لأهداف نخبوية يحتاج إلى تدريب عالِ جداً، ويجب أن يكون مُطلقوها ذوو خلفية مدفعية وطبوغرافية وقدرات عسكرية أخرى معقدة.

وقال الشرقاوي: "من المؤكد أن امتلاك المقاومة في الضفة للصواريخ، سيشكل تهديداً حقيقياً جديداً على إسرائيل"، لكنه عاد ليؤكد أنه من الصعب امتلاكها وتصنيعها في الضفة على الأقل في الوقت الحالي الذي تستطيع فيه استخبارات الاحتلال اكتشاف الأمر، بعكس غزة التي لديها قدرات تصنيع وتخفي وإطلاق من منصات أرضية وأنفاق وخلافه، فضلاً عن العمل بحرية بعيداً عن اليد الإسرائيلية المباشرة، حسب تعبيره.

معركة عقول وأدمغة

وكمن سبقه، يرى الخبير في الشؤون العسكرية اللواء متقاعد واصف عريقات، أن الرواية الإسرائيلية حول "صواريخ الضفة" مشكوك فيها، متوقعاً محاولة (إسرائيل) استخدام أي معلومة من هذا النوع، لكي تنسبها لمن يزود الفلسطينيين بالصواريخ أو التدريب على التصنيع من جهة خارجية، في إشارة إلى إيران.

وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل أي فرصة حتى يحقق أغراضه، وفي نفس الوقت هو ليس بحاجة إلى ذرائع حتى يقوم بحملات أمنية في الضفة، وقال "القوي عايب" في إشارة إلى ترسانة (إسرائيل) العسكرية الكبيرة، والتي من خلالها تصنع السيناريوهات وتنفذها.

وقال عريقات: "علمياً كل الشرائع والقوانين، أتاحت مقاومة الاحتلال بالأشكال والوسائل كافة، في مقابل ما تستخدمه إسرائيل من قدرات تدميرية في قتل الفلسطينيين، وبالتالي من حق الفلسطينيين أيضاً استخدام ما لديهم من وسائل".

وأشار عريقات إلى أن هناك معركة عقول وأدمغة دائرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، عاداً أن استخدام الصواريخ له ظروفه وشروطه، غير أن هناك عقبات وقيود على استخدامها، فهو ليس سلاحاً خفيفاً وجزء منه يحتاج إلى معدات.

ففي حالة غزة، اعتبر عريقات أنه رغم الحصار المفروض عليها، لكن فيها عمق طبوغرافي ولديها مصانع ومخازن موجودة أشبه بمدينة أنفاق تحت الأرض، وهذا بعكس الضفة الغربية التي من السهل وصول الاستخبارات الإسرائيلية لأي مكان فيها بسهولة.

ولكن الفلسطينيين في الضفة -حسب عريقات- يفضلون المقاومة بمبدأ "اضرب واهرب"، فضلاً عن أن هناك عقبات كبيرة لاستخدامهم الصواريخ، حيث تحتاج الأخيرة بيئة آمنة بعيدة عن أنظار استخبارات العدو ما أمكن، عاداً التداخل الموجود في الضفة الغربية والمستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية، لا يحقق هذا الهدف.

وقال: "إن استخدام هذا النوع من السلاح يُصعِب عملية المقاومة، حيث أن إطلاق صاروخ أو اثنين ليس له تأثير، إلا إذا كان يجري ذلك في سياق معركة العقول والأدمغة وإرهاق العدو فلا بأس بها".

وأضاف: "الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين حرب شاملة لا تقتصر فقط على السلاح، بل تتخذ أشكالاً متعددة، منها حرب العقول والأدمغة وحرب نفسية ودعائية وحرب معنويات وإرادة(..) الصواريخ تأتي في هذا السياق حتى لو لم تُستخدم، فمجرد البحث عن استخدامها والحصول عليها، هذا يرهق العدو".

وأردف "أما إذا كان الهدف من استخدام الصواريخ للتأثير العسكري، فإن ذلك يحتاج إلى هامش مرونة ومناورة أكبر، حيث أن إطلاق الصاروخ ليس كإطلاق الرصاص، فضلاً عن أن إطلاق الصواريخ يُعطي العدو مبرراً أكبر لشن عدوان أوسع في الضفة، كما يحدث مع غزة بالقصف الجوي استنادا على مزاعمه بالرد على الصواريخ التي تطلق من هناك".

وركز عريقات على أنه حين يتم استخدام أي نوع من السلاح، فإنه يجب حساب رد فعل العدو على نوع هذا السلاح، معتبرا أنه ليس من المنطق إطلاق صاروخ إذا لم يكن مؤثراً وسيأتي بعواقب مدمرة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo