طلبة الثانوية بفلسطين.. تأثير كارثي للاحتلال وضغوط تحتاج رعاية

طلبة الثانوية العامة
طلبة الثانوية العامة

حروبٌ واعتداءاتٌ واعتقالاتٌ إسرائيليةٌ متواصلةٌ يعيشُ تحت وطأتها الطلبة الفلسطينيون في الضفةِ وغزة، لا سيما طلبة الثانوية العامّة، الذين يخوضون مرحلةً مفصليةً في حياتِهم، تخللها تعرضهم لضغوطاتٍ نفسيةٍ عديدةٍ، أثرت على حياتِهم العلميةِ.

وفي أحد زقاقِ مخيم جباليا القابع في شمالِ قطاع غزة، يقولُ طالبُ الثانوية العامة "شعبان الكريري" إن طلبة "التوجيهي" لهذا العام واجهُوا ظروفًا صعبةً ليست جديدةً، حيث شهدَ حروبًا مدّمرة منذ 2008 حيث كان عمري آنذاك 3 سنواتٍ ومن ثم حرب 2012، 2014، 2021، 2023 وغيرها من الكثير من المواجهات الأخرى.

لقد تربّى الطلبةُ على الحروبِ وباتت واقعًا لديهم، وأثرت على حياتهِم الدراسية بشكلٍ سلبي، متسائلًا "كيف من الممكنِ أن تكون حياتنا الدراسية طبيعيةً وسط كل هذا الدمّارِ من هدمٍ وشهداءٍ وقصفٍ.." "بحسب الكريري"..

ويقول "محمد الكريري" والد الطالب "شعبان الكريري" "لقد حاولنا جاهدين أن نخفف من آثار الحروبِ النفسية بجانبٍ من الترفيــه والتشجيع على الدارسةِ وتبيان أهمية هذه المرحلة لمستقبله الحياتي بأكمله.

اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة الذكاء الاصطناعي يزيد التفجيرات على غزة

ولا يكادَ يمرُّ يومٌ على مدينةِ نابلس إلا وتشهدُ اجتياحات متكررة وإطلاق صوت رصاص ويسمعُ أهلها أصواتَ الانفجارات، فلقد عامٌ صعب على نفسيةِ الأهالي والطلبة وخاصة طلبة الثانوية العامة الذي تحتاجُ تركيزًا ودراسة متواصلة.. "هكذا تبدأ طالبة الثانوية العامة أمل خويرة حديثها".

"لقد شهدنا هدمَ البيوتِ ورأينا دماءً تُسال هُنا وهناك وحجم المجازر الإسرائيلية والدمّار الهائلِ في المدينةِ، لقد توقفنا عن الدراسة أيامًا عديدة نتيجة الإضراباتِ عقب المجازر، وصدمنا كثيرًا كطلبة ثانوية عامة.. إلا أن ذلك لن يثنينا عن مواصلة مسيرتنا التعليمية".

وتقول والدة "أمل" إن العائلة حاولت الالتفاف حولَها وتقديم الدعم النفسي لها طيلة أيام العام، ومساعدتها في تنظيمِ وقتِها وتعويض الفاقد التعليمي جراء الاعتداءات الإسرائيلية والإضرابات التعليمية بدروسٍ خاصةٍ لإزالة الرهبة والخوف لديها.

أمّا "أماني الكحلوت" وهي والدة طالب الثانوية العامة "محمد الكحلوت" فتقولُ بشيءٍ من الأسفِ "لقد واجهَ طلابُنا ظروفًا صعبةً للغايةِ تعرضُوا لمشاهدَ قاسية وأحداث صعبـة، وباتت الضغوط النفسية جزءًا من حياتِهم جراء الحروب والاعتداءات إضافةً إلى الفقرِ والظروف الإنسانية المأساوية"

وتضيفُ "الكحلوتُ" "لقد اصطحبتُ ابني في امتحان اللغة العربية في أول أيام امتحانات الثانوية العامة إلى أحد مدارس الشيخ رضوان بغزة، محاولةً تشجيعه بعباراتٍ تحفيزية ورفع معنوياته والوقوف بجانبه لأنه عاشَ كبقيةِ الطلبة ظروفًا نفسيةً وضغوطًا حياتية كثيرة".

وتوجّه أكثرُ من 87 ألف طالبٍ وطالبةٍ الأربعاء 07-05-2023 لتقديم امتحانات الثانوية العامة، حسب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، من بينهم 4 شهداء و29 طالبًا في سجون الاحتلال، بحسبِ الناطق باسم وزارة التربية والتعليم صادق الخضور

الضغوطُ النفسية تلازم الطلبة

وقال الباحثُ في التربية والتعليم مخلص سمارة إنّ الأحداثَ التي يعيشُها الطالبُ الفلسطيني من حروبٍ واعتقالاتٍ واقتحاماتٍ متكررةٍ لجيش الاحتلال هي جزء أصيل من حياة الفلسطينيين، وتلقي بظلالِها الكارثيةِ على مستوى الطلبةِ وساعات دراستهم ونفسيّتهم.

ويعيشُ الطلبةُ الفلسطينيون حروبًا مدمرةً في غزة واعتداءاتٍ متواصلةً في الضفةِ، في حين هناك عدد من الطلبة تعرّضُوا شخصيًا لهذه الأحداثِ من اعتقالٍ واستشهادِ، كما يبين "سمارة" في حديثـه لـ "زوايا".

وأشارَ إلى أنّ الاحتلالَ الإسرائيلي يحاربُ الفلسطينيين ويشتاطُ غضبًا من مستوياتِ دراستهم العاليةِ، مؤكدًا أنه الرّابحُ الأكبر من فشل الطلبةِ الفلسطينيين، والخاسر الأكبر من نجاحِهم وتفوقِهم.

ولا تقتصر مواجهة الاحتلال على المقاومةِ المسلحةِ أو الشعبية، بل يعدُّ العلمُ سلاحًا فعالًا في هذه المواجهة، حيث يساهم في فضح جرائم الاحتلال من خلال العديد من التخصصاتِ العلميةٍ كالتخصصات القضائية والصحفية وغيرها، كما يقول "سمارة".

دور الأهل في تخفيف الضغوطِ النفسية

وحولَ دورِ الأهلِ إزاء طلبة الثانوية العامة، فقد ناشدَهم "سمارة" بضرورة دعم أبنائهم نفسيًا وتخفيف آثار الضرباتِ النفسية التي تعرّضوا لها في السابقِ جراء الحروب والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.

وأثرت الحروبُ الإسرائيلية والاعتداءات المتكررة على مستوياتِ الطلبةِ ودراستهِم، ولا سيما في المرحلةِ المفصلية "الثانوية العامة"، وذلك بتخفيف التركيز لديهم وتقليل عدد ساعات الدراسة اليومية، يؤكد "سمارة".

ومن خلالِ اطلاعه على الامتحانات السّابقةِ، يقولُ المختص التربوي إن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أخذت في عين الاعتبار الظروف المأساوية التي يعيشها الطلبة الفلسطينيين، وجاءت الأسئلة مباشرة ومعظمها من الكتاب الوزاري، مؤكدًا أن الوزارة راعت الظروف سواء في الحروب وفي أزمة كورونا وغيرها.

ويجب على طلبة الثانوية العامة أن يكونوا إيجابيين، ويتخلصوا من الآثار النفسية أو التخفيف منها، ناصحًا الطلبة بالنوم الكافي واستغلال أوقات الصباح والعصر في الدراسة والالتزام ببرنامج غذائي صحي متزن ومليء بالطاقةِ.

وحول الامتحانات، طالب "سمارة" طلبة الثانوية العامة بالابتعاد عن المُحبطين، وعدم مراجعةِ المادة التي قُدمت سابقًا، والاهتمام بامتحان المادة القادمة.

ووجه رسالةً إلى أهالي طلبة الثانوية العامة، بضرورة مراعاة الظروف النفسية لأبنائهم، وعدم ضغطهم نفسيًا وتهويل الامتحانات، وعدم مقارنة ابنهم بطالبٍ آخر، وتفقدهم وتفقد احتياجاتهم ورفع معنوياتهم وتحفيزهم، في ظل الظروف التي عاشوها من قتلٍ ودمارٍ وحروب واجتياحاتٍ متكررةٍ.

التكيّف مع الواقع الفلسطيني

من جانبه، قال بروفيسور الصحة النفسية في الجامعة الإسلامية عبد الفتاح الهمص، إن الشعب الفلسطيني يعيشُ ظروفًا صعبةً للغايةٍ من حروبٍ ودمارٍ وفقر مدقعٍ خلفّت آثارًا نفسيةً سلبيةً مريرةً على الطلبةِ، ولا سيما طلبة الثانوية العامة.

ورفض "الهمص" خلال حديثـه لـ "زوايا" جعل الحروب والاعتداءات الإسرائيلية شمّاعة للفشل الدراسي وعدم التفوقِ، داعيًا للتكيفِ وامتلاكِ التوافق النفسي والاجتماعي مع الواقع الفلسطيني الصعبِ.

اقرأ أيضاً: السلطة والفصائل في القاهرة.. ماذا يدور في الكواليس؟

وينبغي على أولياء الأمور لطلبة الثانوية العامة شحذ هممهم، وتعزيز نفسيتهم، وأن يكونوا حجرًا رصينًا لهم، وعدم تحويل الامتحانات لـ "بعبع" كما يقول "الهمص".

"حياة أو موت" هكذا يتعاملُ بعض الأهالي مع أبنائهم من طلبة الثانوية العامة، رافضًا "الهمص" تصرف بعض الأهالي، مشيرًا إلى أن العديد من الطلبة أعادوا مساقاتٍ بعد رسوبهم ودخلوا كلياتِ "الطب" و"الهندسة".

وناشد "الهمص" الأهالي وكل من يلتف حول طلبة الثانوية العامة إلى تعزيز الصلابة النفسية لديهم، في الوقت ذاته دعا الطلبة للجدِّ والاجتهاد وعدم السماح للظروف بأن تكون عائقًا لديهم أثناء الدراسة.

ويجب على الطلبةِ أن يمارسوا تمارين الاسترخاء، وأن يجعلُوا بين كل ساعةٍ وساعةٍ دقائق من الرّاحة، لتجديد نفسيّهم ومواصلة دراستهم على أكمل وجه، والابتعاد عن الشدّ العصبي والغضب.

وباتت الأحداث اليوميةُ التي يعيشها الطلبة الفلسطينيون بفعلِ الاحتلالِ واعتداءاته، جزءًا من كيانِهم في ظل استمرارِها، وسط دعواتٍ للتحدّي وعدم التبرير والتكيّف مع الأحداثِ، وتخطّي هذه المرحلة المهمةِ في حياةِ الطلبةِ الفلسطينيين بكل تفوقٍ واقتدارٍ.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo