الضفة تشتعل وهدوء حذر بغزة.. هل تندلع الانتفاضة الثالثة؟

المواجهات في الضفة الغربية
المواجهات في الضفة الغربية

تتصاعدُ المقاومةُ الفلسطينية الشعبيةُ والمسلحةُ على حدٍ سواءٍ في أنحاءَ عديدةٍ في الضفة الغربية، تزامنًا مع تصعيدٍ خطيرٍ لاعتداءات الاحتلال ومستوطنيه من إعداماتٍ واعتقالاتٍ ومداهماتٍ مستمرة، جعلت الضفة على صفيح ساخن.

وفي ظل الأوضاع المشتعلة واحتمالية فقدان السلطة والاحتلال السيطرة على حالة الغضب المتصاعدة بالضفة، يسود هدوء حذرٌ قطاع غزة، الأمر الذي يحمل عدة سيناريوهات حول ما ستؤول إليه الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية.

وتعقيباً على هذه الأحداث المتصاعدة، أصدرت "الغرفة المشتركة"، التي تعبر عن فصائل المقاومة بقطاع غزة، بيانا أكدت فيه على أنها "ستظل عند حسن ظن شعبها بها، حصناً حصيناً، وسنداً قوياً فاعلاً ومؤثراً، وسيفاً ودرعاً للقدس والأقصى والمقدسات، وعلى عهد الشهداء والأسرى".

وشددت على أنها "تتابع عن كثب ما يقترفه الاحتلال الاسرائيلي من جرائم بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته من تدنيسٍ للأقصى واعتداءٍ على مرابطيه واستخفافٍ بكل الأعراف والقوانين والقيم.."، داعية إلى "تصعيد الغضب والاستمرار في الرد على العدوان الاسرائيلي الهمجي على المقدسات..".

اقرأ أيضاً: شبح التهجير الصامت يخيم على الفلسطينيين في مسافر يطا

وفي هذا التقرير الذي أعدته "زوايا" تطرحُ عدةَ تساؤلاتٍ على عددٍ من المختصين والمحللين السياسيين، ما السيناريوهات المطروحة لهذا التصعيد سواءً على صعيد جرائم الاحتلال أو المقاومة؟، وهل سترتقي أعمال المقاومة إلى انتفاضة ثالثة؟ وما دور غزة في تأجيج هذا التصعيد؟ وما إمكانية أن يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانا على غزة تزامنًا مع عدوانه على الضفة الغربية؟

حالة تمردٍ على الوضع القائم

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، إن ما يجري حاليًا هو تفاعل فلسطينيٌ مع المعطياتِ الجديدة التي تشهدها مدنُ الضفة، وسط اعتداءاتِ قواتِ الاحتلال المتصاعدة والمبالغ فيها تجاه الشعب الفلسطيني.

الأحداثُ والاعتداءاتُ المتأججة في الضفةِ ليست سلوكًا اعتياديًا لقوات الاحتلال، بقدرِ ما هي استرضاءٌ لليمين المتطرف، وهي جزءٌ من العملية الانتخابية الإسرائيلية القائمة على دماء الفلسطينيين التي أضحت وقودًا لها، كما بين الشوبكي في حديثـه لـ "زوايا".

وأكمل "إنّ حالةَ التمرد على الوضع القائم في الضفة من بعض الأفراد المنتمين لفصائل فلسطينية بشكلٍ فرديِ، هي من أثارت خشية قواتُ الاحتلال من اشتعالِ الأوضاعِ برمتها في الضفة".

تهديد الاحتلال لغزة

وحول تهديدات الاحتلال لغزة بأنها المسؤولة والمحرضة على تصعيد الأوضاع في الضفة، قال "الشوبكي": "إنها جزء من الهروب الإسرائيلي من الرد العسكري الشامل في الضفة، حيث أن الأسهل ضرب غزة لتفادي تطوير الأوضاع".

وحقق الاحتلال مكتسباتٍ بتكريس معادلة أمنية في الضفة منعت تحويل أي عملٍ نضاليٍ إلى عملٍ جماهيري، مؤكدًا "الشوبكي" أنّ تكثيف الاعتداءات الإسرائيلية وتماديها ربما تُجبر ردة الفعل الفلسطينية المقاومة لتتحوّل إلى عمل جماهيري شامل.

الاحتلال والعدوان على غزة

ولا تعني التهديدات الإسرائيلية تجاه غزة للتهرب من ضربةٍ واسعةٍ في الضفة، أن الاحتلال مستعد في الوقت الحالي لضرب غزة، وفق الشوبكي، الذى أشار إلى أنه لم تمضِ فترةٌ طويلة على العدوان الأخير على غزة، إضافةً إلى أن النخبة السياسية الإسرائيلية غير مستعدة في هذه الأثناء لتحمل تبعات ما يجري في غزة، ولا سيما أنه لا يوجد أي ضماناتٍ لتدخل واسع في المعركة القادمة بما فيها حماس.

وعن السيناريو المقبل لما سيحدث في الضفة، فمن وجهة نظر الشوبكي "لا يوجد أي مؤشرات بأن تتحول هبة الضفة المقاومِة إلى عمل جماهيري شامل"، مرجعاً ذلك إلى أن "التنظيمات المقاومة في الضفة مثل حماس مغيبة بحكم الأمر الواقع، وحركة فتح نهجُها وتوجهاتها تختلف عن توجهات المقاومين العاملين في الضفة".

ورأى أن الاحتلال سيعمل على عودةِ الأوضاع ما بعد الانتخابات الإسرائيلية إلى سابق عهدها في الضفة، لتكريس ما تم تحقيقه من مكتسباتٍ أمنية في الضفة على مدار عقودٍ ماضية.

تكرار معركة "سيف القدس"

وعن إمكانية تكرار "هبّة القدس" ومعركة "سيف القدس"، أشار الشوبكي إلى أن الاحتلال يوزع ضرباته تارة في جنين وتارة في نابلس وأخرى في القدس، ويعمد إلى خلق بؤر مواجهة في فتراتٍ زمنيةٍ مختلفة، حتى يتجنب المواجهة الشاملة على غرار ما حدث في مايو 2021.

واستبعد "الشوبكي" أن تكون الأجواء مهيأة حاليًا لخوض معركة على غرار "سيف القدس"، معتبرًا أن هذه المعركة سبقها حالةٌ من التجييش الشعبي لمخاطر الاعتداءات الإسرائيلي على القدس، مشيرًا إلى حالةٍ من الإحباط عمّت الشارع الفلسطيني نتيجة عدم تدخل مقاومة غزة حال اقتحام الأقصى، كما حدث خلال مسيرة الأعلام نهاية مايو الماضي.

وحتى تتشكل هبةٌ واسعة على غرار معركة "سيف القدس"، يشدد الشوكي على ضرورة التفاعل مع القضية على مستوى وطني واحد وليس على مستوى مناطقي، ووجوب احتضان العمل المقاوم عن طريق الفصائل، حتى يصبح عملًا جماهيريًا واسعًا وفعالًا، وهذه مسؤولية النخبة السياسية التي تتربع على المستوى القيادي في الفصائل الفلسطينية.

الاحتلال سحق الحل السلمي

من ناحيته، قال المحلل السياسي محسن أبو رمضان، إن ما تشهده الضفة من حالة الاشتباك المتواصلة مع الاحتلال عنوانها "رفض التهويد والاستيطان والاعتداءات على القدسِ والتنكيل بالأسرى، ورفض الإعدامات الميدانية التي تنفذها قواتُ الاحتلال".

وانتفض الشعبُ الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفةِ لإدراكه أنه لا أفق للمفاوضات، وهو ما عززه خطاب رئيس السلطة محمود عباس بأن "إسرائيل سحقت حل الدولتين ومشروع المفاوضات المفضي إلى إقامة دولة فلسطينية". بحسب حديث "أبو رمضان" لـ "زوايا".

واتفق "أبو رمضان" مع ما ذهب إليه "الشوبكي" من أن الاحتلال بزعامة حكومة "لابيد" تريد تحقيق مكاسب انتخابية على حساب بحرٍ من الدماء الفلسطينية.

العدوان على غزة.. نعشُ الحكومة الإسرائيلية

واستبعد أن يشن الاحتلال الإسرائيلي عدواناً على قطاع غزة، لأن هذا العدوان، وفق أبو رمضان، "ستدقُ مسمارًا جديدًا في نعش الحكومة الراهنة، وأنها ستفشل في ضبط الوضع الأمني في الضفةِ، وستلقي بالتفاهمات، ولو كانت نظرية مع غزة، إلى الهاوية بشكل كامل".

وحول التهديدات الإسرائيلية لقطاع غزة، اعتبر أنها تأتي في إطار التحذير والتصعيد الإعلامي وعض الأصابع نتيجة الفشل الأمني، والعجز عن السيطرة على الأوضاع في الضفة، مؤكدًا أن العدوان على غزة ليس سهلًا وله انعكاسات خطيرة على الانتخابات.

وأضاف بأن العدوان على غزة يعني "هروب ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، وهي معادلة لا تريدها إسرائيل، فهي تريد الاستفراد بالضفة، والضغط على السلطة لمزيدٍ من التنسيق الأمني، ليصبح دورها دون دولةٍ لها سيادة".

إسرائيل تسعى للاستفراد

ورأى أن المقاومة في الضفة حتى اللحظة، تحركت بطابع فردي دون احتضانٍ من الفصائل الفلسطينية، مشيرًا إلى أن السياسة الإسرائيلية مبنية على التجزئة الجغرافية وتفتيت الحركة الوطنية والمقاومة، وأن أي عدوانٍ على غزة سيعيد "هبة الكرامة" و"سيف القدس"، حيث ستلتحمُ كافة المناطق بخلاف الرغبة الإسرائيلية بمحاولة الاستفراد بمنطقةٍ دون الأخرى.

اقرأ أيضاً: رغم اتفاق الجزائر.. المصالحة رهينة "إسرائيل" وتحتاج ضغط شعبي

وتشكل غزة حاضنة للمقاومةِ الفلسطيني على المستوى السياسي، ولكن لا يبدو أن غزة قادرة على أن تكون خزان دم مستمر، فاستراحة المحارب مطلب شعبي في غزة وفرصة لترتيب الحالة الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنه ليس من المستبعد أن يكون خيار المقاومة حاضرًا حال وجود مس صارخ من الاحتلال بالقدس أو الضفة، ولكن إذا ما استمرت الحالة الحالية، فإن غزة ستكون حاضنة دون الانخراط بمعركة مباشرة مع الاحتلال، وفق ما قاله "أبو رمضان".

سيناريو مفتوحٌ

وقال المحلل السياسي عمر عساف إن الأحدث بالضفة مفتوحة على كل الاحتمالات، وقد تصل حد الانفجار الشامل، لأن المقاومة تتسع كل يومٍ من منطقةٍ لأخرى تزامنًا مع تصعيد الاحتلال الإسرائيلي لعدوانه على الفلسطينيين.

وأكد خلال حديثـه لـ "زوايا" أن الشعب أثبت عبر سنواتٍ طوال أن الاعتداءات الإسرائيلية تزيد من ردّ الفعل الفلسطينية الغاضبة، وأن مزيدًا من الاعتداءات الإسرائيلية يعني تعاظمًا في المواجهةِ.

واعتبر أن شن الاحتلال حربًا على قطاع غزة أمر وارد، لكنّ الاحتلال له حساباته الأمنية، وهي التي تقرر متى وكيف سيواجه غزة، مؤكدًا على أن الاحتلال يمكنه إشعال الأوضاع، لكن سيكون عاجزًا عن إخمادها.

وفي حال تعرضت غزة لعدوان، يرى "عساف" أنها ستكون نسخة مكررة من سيف القدس وستكون الجبهاتُ موحدة في مواجهة الاحتلال"، مشددًا على أن مراهنة الاحتلال على ضرب غزة، لإخماد الهبة المقاومة في الضفة رهان خاسر، ومبينًا أن الأوضاع في الضفة ستكون أكثر انفجارًا وتعقيدًا.

انتفاضة ثالثة

وفي السياق ذاته لم يستبعد المحلل السياسي ناجي شراب أن تندلع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، نظرًا لتصاعد الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة.

واعتبر خلال حديثه لـ "زوايا" أن ما يحدث في الضفة عمليات فردية، وأنها بعيدة عن العمل المقاوم الشامل تحكمها أهداف سياسية واضحة.

وليس من مصلحة السلطة التصعيد في الضفة الغربية، حيث تنتهجُ نهجًا مغايرًا لما يحدث، الأمر الذي قد يؤدي لصدامٍ مع المقاومين.

وأشار إلى أن لغزة دور مهم في هذا التصعيد، لأن الذين ينفذون العمليات في الضفة يتبعون لها ولهم انتماءاتٍ واضحةٍ، بحسب رأي شراب.

وعلى الرغم من أن الوضع الاقتصادي للضفة أفضل من غزة، إلا أن هناك عوامل اقتصادية تتعلق بالسلطة وارتباطها مع الاحتلال من الممكن أن تدفع أكثر نحو التصعيد، بحسب شراب.

ورغم أن الغضبٌ الشعبي والمقاوم يتصاعد يومًا بعد يومٍ في الضفة الغربيةِ، ردًا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، إلا أن الفلسطينيين ما زالوا بحاجةٍ إلى قيادةٍ تقود معركةً شاملةً ضد الاحتلال الإسرائيلي، وسط غيابِ برنامج سياسي له أهداف واضحة، ما يضع صعوبات أمام اندلاع انتفاضة شاملة في جميع الأراضي الفلسطينية.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo