شبح التهجير الصامت يخيم على الفلسطينيين في مسافر يطا

التهجير في مسافر يطا
التهجير في مسافر يطا

يوم الأحد 4 أيلول/ سبتمبر الماضي، اعترض جيش الاحتلال الإسرائيلي عددا من الفلسطينيين، بينهم طلبة مدارس على حاجز عسكري في مسافر يطا جنوبي الخليل، ومنعهم من مواصلة رحلتهم من تجمع الفخيت إلى تجمع جنبة.

كان الطفل سينمار العمور (7 سنوات) من بين المحتجزين لمدة ساعتين تحت أشعة الشمس الحارقة، ما تسبب بإصابته بضربة شمس فقد الوعي على إثرها، ونقل بعد معاناة طويلة لتلقي العلاج في المستشفى.

يقول جلال العمور والد الطفل "سينمار" إنهم يعيشون في تجمع "الفخيت"، ونجله في الصف الثاني يذهب يومياً مشياً على الأقدام لمسافة 5 كيلومتر إلى مدرسته في تجمع جنبة.

ويروي العمور في حوار مع موقع "زوايا"، أن جيش الاحتلال كان قد نصب حاجزا عسكريا، لاعتراض وفد متضامن مع السكان وصل إلى المنطقة، ومنع مرور الجميع بما فيهم طلبة المدرسة، واحتجزهم تحت أشعة الشمس.

وأضاف، أن حرارة ابنه بدأت بالارتفاع، وبدا عليه الإعياء الشديد، ومن ثم أغمي عليه، لكن الجيش بدلاً من تقديم الإسعاف له، اتهم الطفل بالكذب وبأنه يمارس التمثيل، حتى يسمحوا لهم بالمرور.

وتابع: "طلبت منهم إحضار سيارة إسعاف إسرائيلية للتأكد من أن الولد لا يكذب، وبعد فترة طويلة قمنا بنقله مسافة 18 كيلومتر من مسافر يطا عبر طرق وعرة وترابية إلى مدينة يطا، وهناك وصل إلى المستشفى الحكومي وجرى إسعافه وتبين أنه مصاب بضربة شمس والتهاب بالدم".

ويقول بحسرة "الحواجز لا زالت مستمرة والوضع محزن في مسافر يطا، لا نستطيع التنقل بالسيارات ويجري احتجازنا يومياً لساعات طويلة".

بعد حادثة الطفل "العمور" بأسبوع، هاجم عدد من المستوطنين المزارع حافظ الهريني (51 عاماً) بينما كان يعمل في أرضه، ما تسبب بكسور في كلتا يديه، واعتقال دام 11 يوماً في سجن "عوفر".

اقرأ أيضاً: قلق إسرائيلي بعد انتشار ظاهرة "كراهية" إسرائيل في الجامعات الأمريكية

يروي الهريني تفاصيل ما حدث معه لموقع "زوايا"، أنه في يوم 12 أيلول/ سبتمبر الماضي، خرج مجموعة من المستوطنين الملثمين من مستوطنة "ماعون" ومعهم عصي وقضبان حديد، وكان يعمل في أرضه المهددة بالمصادرة في تجمع التوانة المحاذي لعدد من المستوطنات الإسرائيلية.

قام المستوطنون بالاعتداء على "الهريني" وتكسير يديه، وعندما هم بالدفاع عن نفسه أصيب مستوطن إسرائيلي.

وتابع الهريني: "حضر الإسعاف الفلسطيني لمحاولة نقلي، إلا أن المستوطنين هاجموا الإسعاف، وأعطبوا إطارات المركبة، ومنعوا نقلي لتلقي العلاج، وبعد ذلك قام الجيش بنقلي إلى مستشفى سوروكا الإسرائيلي وهناك تعرضت لإذلال شديد، وبعد تقديم العلاج لي، جرى نقلي إلى مركز الشرطة في مستوطنة كريات أربع قرب الخليل، ومنها نقلت إلى سجن عوفر، وهناك مكثت في السجن 11 يوماً، عرضت فيها على المحكمة 4 مرات، حتى صدر قرار بالإفراج عني في الجلسة الأخيرة، وبشرط دفع كفالة 10 آلاف شيقل، وحرماني من الوصول إلى أرضي لمدة 30 يوم".

وعند سؤاله هل ستعود للأرض بعد انتهاء أمر الإبعاد؟، يرد الهريني بأنه اعتاد على اعتداءات المستوطنين وهذا الاعتداء ليس الأول ولن يكون الأخير، ولكن في هذه المرة تعرض لمحاولة قتل صريحة.

وخلال ساعات المساء، تواصل موقع "زوايا" مع محمد ربعي رئيس مجلس قروي التوانة، وبدلاً من وجوده مع عائلته في المنزل، كان يعمل مع عدد من الشبان على فتح طريق ترابي، هرباً من أعين جيش الاحتلال.

يقول ربعي لموقع "زوايا"، إنهم اضطروا لفتح الطريق عند الساعة 9 ليلاً، وضمن وجود حراسة مشددة وانتشار للشبان في عدة مناطق، لمراقبة عدم إحساس الجيش بهم، وبالتزامن مع عشية أعياد اليهود، وبعد اقناع صاحب الجرافة ودفع مبالغ مضاعفة عدة مرات له كي يوافق على هذه المخاطرة.

وتابع ربعي "نعمل في ظروف صعبة، والطريق الذي نقوم بفتحه فيه مخاطرة وهو للعلم طريق ترابي وعر لاستخدام الجرارات الزراعية، وليس كما تعتقد طريق معبد".

هذه مجرد ثلاث قصص من بين العشرات التي تعبر عن الواقع المرير في مسافر يطا جنوبي الخليل، بعد إصدار محكمة الاحتلال العليا قرارا نهائيا برفض الاستئناف على قرار تصنيف المنطقة (918) منطقة إطلاق نار.

فمنذ العام 2000، تقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي بقضية لإجلاء الفلسطينيين من 8 تجمعات سكانية، بدعوى أنها مناطق "تدريب وإطلاق نار"، مدعيا أن المنطقة كانت غير مأهولة قبل 1980، ويُطالب بترحيل السكان، وهو ما ينفيه الفلسطينيون.

وبعد سنوات طويلة في أروقة المحاكم، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية في 4 أيار/ مايو 2022، بأنه "ليس ثمّة عقبات قانونية تحول دون تنفيذ الخطط الرامية إلى طرد السكان الفلسطينيين من مسافر يطا، لإتاحة المجال أمام إجراء التدريبات العسكرية"، مما يعرّض الفلسطينيين فعليا لخطر الإخلاء القسري والتهجير التعسفي.

يقول ربعي إن حجم الانتهاكات في مسافر يطا هذه الأيام كبير جداً، حيث أن المواطنين قبل قرار المحكمة الأخير كانوا يعيشون على نمط الحرية في الحركة، بالرغم من التحديات المعهودة، مثل تعرضهم باستمرار لهدم المنازل والاخطارات ومصادرة المعدات ومنع الترميم، وذلك مرة في الشهر أو مرتين، أما اليوم فالأمر مختلف.

ما يجري اليوم، وفق ربعي وهو من المسؤولين المحليين في مسافر يطا، هو وجود آليات عسكرية ثقيلة تنتشر في المنطقة لم يشاهدها السكان في السابق، وشل كامل للحركة بين التجمعات السكنية، وتقطيع المسافر لعدة أجزاء وعزلها عن بعضها، وانتشار للجنود والخيم في كافة المناطق، ولا تستطيع الخروج من منزلك إلا بعد معاناة لساعات طويلة وتعرضك للتحقيق.

وتابع أن من بين الانتهاكات هو إعلان الجيش عن برامج تدريب عسكري تستمر لأيام ويمنع فيها أي نشاط وحركة للفلسطينيين، مضيفا "هنا نحن نتحدث عن مزارعين يعيشون في المنطقة لديهم ثروة حيوانية بحاجة إلى أعلاف وأدوية يومية من مدينة يطا، ولا يستطيع شراء أغراض للمنزل، ولا نقل مريض لتلقي العلاج، هذا سجن في البيت".

وأوضح، أن الجيش يتعمد ترك مخلفات عسكرية وعبوات قابلة للانفجار في أراضي السكان، وتم العثور بالفعل على كمية صواريخ وعبوات ثقيلة في كهف قريب من تجمع سكني.

إذاً ما يجري، وفق ربعي، هو تهجير صامت ونكبة جديدة ولكن بأسلوب مختلف.

بحسرة يقول ربعي: "مضى على هذه الإجراءات 5 شهور، ولا نعرف كم سيصمد الناس هنا، في ظل هذه الإجراءات الصعبة، وإذا لم يكن هناك مساعدة وتعزيز لصمود سكان المسافر، فإن هذا الأمر سوف يدفعهم للرحيل".

اقرأ أيضاً: جنرالان إسرائيليان: الضفة جبهة معقدة وجيشنا لم ينجح هناك

من جانبه، يقول فؤاد العمور، منسق لجان الحماية والصمود في مسافر يطا، إن ادعاء الاحتلال عند أخذ قرار "918" وتصنيف المناطق أنها مناطق تدريب وإطلاق النار، بحجة أن هذه الأراضي يعيش فيها الفلسطينيين موسمياً في فترات الحصاد فقط هو ادعاء كاذب، فالقرى الرئيسية في المسافر مثل جنبة والفخيث والمجاز هي قائمة منذ القدم ومسكونة من أيام العثمانيين.

ويشير العمور في حوار مع موقع "زوايا"، أن هناك 8 قرى يعيش فيها أكثر من 2000 فلسطيني مهددة بالتهجير، فهي توجد ضمن دائرة إطلاق النار.

الغريب في الأمر وفق العمور، أنه بداخل نفس الدائرة المصنفة إطلاق نار يوجد أربع مستوطنات تتوسع باستمرار ولا يهدد وجودها شيء، ولكن الاحتلال مؤخراً قام بإخراج هذه المستوطنات من الدائرة، ومنذ ذلك الحين تنفس المستوطنين الصعداء، وشرعوا بالانتهاكات اليومية ضد الفلسطينيين.

ويتوقع العمور أن ما يجري الآن من انتهاكات هو هدوء ما قبل العاصفة، حيث يتوقع أن يتم تهجير تجمع "خلة الضبع"، بسبب موقعها الاستراتيجي بشكل علني في أي لحظة، أما باقي التجمعات يجري تهجيرها بشكل صامت من تقطيع الأوصال وتنفيذ أوامر هدم بحجة البناء في منطقة "ج" بدون ترخيص.

وبالتالي كيف سيتم تعزيز الصمود والبقاء في المسافر لحماية عشرات آلاف الدونمات؟، يرد العمور بأنه يجب العمل على مسارين، الأول هو النشاط على الصعيد الدولي لفضح ممارسات الاحتلال في مسافر يطا، وبذل جهود دبلوماسية وإعلامية كما كان يجري في الخان الأحمر عندما أفشل مخطط التهجير.

والثاني هو تجهيز منازل متنقلة أو كرفانات عبر مؤسسات دولية وتقديمها للمواطن الذي يجري هدم منزله، لأنه من الصعب نقل مواد البناء، وبالتالي منع الاحتلال من فرض واقع جديد يقضي بتطهير الفلسطينيين العرقي من المنطقة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo