بشكل تدريجي عاماً بعد عام، تتراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين في قطاع غزة لامتلاك ثمن الأضحية في عيد الأضحى، وذلك لسوء الأوضاع الاقتصادية التي يعانيها القطاع نتيجة لقلة فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة والفقر، فضلاً عن الرواتب المقطوعة التي يتلقاها أغلب الموظفين.
كما يعاني القطاع من نقص كبير في الوظائف وفرص العمل، حيث أظهرت نفس البيانات السابقة بأن معدل البطالة وصل إلى 45% بين أفراد القوى العاملة، وقد وصلت نسبة البطالة بين الشباب إلى 62%، وبين النساء 79%.
معطيات.. الوفرة والاحتياج
وثمة وفرة بالأضاحي في قطاع غزة نتيجة لإدخال كميات إضافية من مصر، ولكن الطلب عليها قليل بسبب الأسباب سالفة الذكر، فضلاً عن عدم تمكن المؤسسات والجمعيات العاملة في هذا المجال من استجلاب الدعم الكافِ لتوفير كميات كافية من الأضاحي لتوزيعها على الفقراء خلال العيد، وذلك وفقاً للمعطيات المتوفرة من وزارة الزراعة في غزة.
فحسب الإحصاءات الرسمية التي حصل عليها "زوايا" من الزراعة بغزة لموسم الأضاحي 2022، فإن الكميات المتوفرة في القطاع من الحيوانات الحية حتى تاريخ 20-6-2022 من العجول( 23329) حيث تم الاستهلاك منها 5250 والمتبقي للعيد 18079 رأس، في حين أن من الأبقار 2934، حيث تم الاستهلاك 750 والمتبقي للعيد 2184 رأس، أما الأغنام والماعز 24470، حيث تم الاستهلاك 1500 و المتبقي للعيد 22970 رأس.
وتتوقع وزارة الزراعة أن يتم الاستهلاك في موسم عيد الأضحى لهذا العام 2022 من العجول حوالي 17.000 رأس، ومن الأغنام 22.000 رأس، مشيرة إلى المتوقع أن تنتج الأضاحي هذه ما كميته 4000-5000 طن من اللحوم، ما يوفر 2-2.5 كجم للفرد الواحد تقريباً.
وحسب الزراعة، فإن عدد حظائر المواشي في محافظات القطاع بلغ نحو 150 منشأة، مشيرة إلى أن أسعار العجول تتراوح 17-20 شيكل للكيلو جرام وهي تقديرية يمكن أن تتغير بزيادة أو نقص الطلب، وأنواعها "هولندي، فريزيان، براهما، سمنتال، شراري، استرالي، ليموزين، بلجيكي، أوروبي، معراف، وبرتغالي". أما أسعار الأغنام تتراوح ما بين 5-6 دينار أردني للكيلو جرام وقد تختلف حسب الوزن والنوع، وأنواعها " عساف، مخلاع ، ليبي، استرالي، سوداني و بلدي".
ويؤكد د. حسن عزام مدير عام الخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، أن مما سهل على التجار استيراد الأضاحي من العجول والأغنام لغزة، هو إدخالها من الجانب المصري بأقل سعراً وكلفة من إدخالها من معبر كرم أبو سالم التجاري.
اقرأ أيضاً: "النحاس الأصفر".. خردة مُكدسة بغزة ممنوعة من التصدير
وحول مدى الإقبال على شراء الأضاحي، ذكر عزام أنه بالرغم من تدني القدرات الاقتصادية للمواطنين بشكل عام، فإن هناك تحسن في الوضع الاقتصادي لدى بعض المواطنين الذين حصلوا على تصاريح عمل في أراضي 1948، فضلاً عن الكثير من المغتربين الذين يقومون بتحويل مبالغ أضاحيهم إلى ذويهم في القطاع .
ولفت إلى أن العام الماضي 2021 كان العيد بعد الحرب على غزة، حيث كانت نسبة التعاطف كبيرة مع غزة وكان هناك سهولة على الجمعيات الخيرية أن تقوم بتسويق مشاريع الأضاحي، أما هذا العام فغالباً هناك نقصاً في التمويل لدى بعض الجمعيات.
يذكر أن الكثير من المؤسسات والجمعيات الخيرية ولجان الزكاة، تعلن عبر منصاتها الإعلامية استعدادها لاستقبال التبرعات من أجل شراء الأضاحي وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين المسجيلن لديها أو غيرهم.
إجراءات السلامة
وبما يخص المتابعة الميدانية للمزارع والمذابح للتأكد من سلامة الإجراءات، فقد أوضح عزام أنه يجرى تنفيذ زيارات ميدانية للحظائر المعدة لاستقبال الأضاحي من دوائر الخدمات البيطرية، والتأكد من ظروف احتجازها، حيث بلغت أكثر من 150 مكان لتجمع الأضاحي، مشيراً إلى أنه يتم التأكد من الاستعدادات المتعلقة بأماكن ذبح الأضاحي(المسالخ المؤقتة) والتزامها بالشروط الصحية .
وأشار إلى أن وزراته تقوم بالتواصل مع بعض البلديات والتعاون معها في ضبط عمليات الذبح في الأماكن المحددة وضرورة توفير طبيب بيطري للإشراف على الأضاحي، فضلاً عن متابعة الجمعيات وتعميم شروط الوزارة فيما يتعلق بالأضاحي باختيار الحظائر ومسالخ العيد المؤقتة والمتوافقة مع الشروط الصحية الصادرة عن الوزارة .
حديث عزام السابق، أحال "زوايا" للتعرف على مساعي وآليات عمل البلديات الجمعيات في عيد الأضحى، حيث أوضح رشاد عيد رئيس قسم الرقابة الصحية في بلدية غزة، أن الأخيرة تقوم باستقبال طلبات ترخيص المسالخ المؤقتة ونقاط الذبح للأضاحي، وذلك بهدف ترخيصها من أجل ضبط عملية الذبح العشوائي والحفاظ على صحة وسلامة المواطنين، ومنع حدوث مكاره صحية بسبب مخلفات الذبح والتخلص الخاطئ منها.
وأوضح عيد أنه يتم منح تراخيص للتجار والجزارين بعد استيفاء الإجراءات والتي تشمل عقود الملكية أو الإيجار للمكان، وعقد اتفاق مع طبيب بيطري للإشراف على صحة وسلامة المكان، مؤكداً أن طواقم القسم ستكثف جهودها لضمان ضبط عمليات الذبح وفقاً للنظام وسيتم مخالفة غير الملتزمين حفاظاً على صحة وسلامة المواطنين.
ولفت عيد إلى أن بلديته ستطلق حملة إعلامية خلال الأيام القادمة لزيادة التوعية لدى المواطنين بالطرق السليمة للتخلص من مخلفات الذبح وطريقة حفظ اللحوم ونقاط الذبح المعتمدة والحاصلة على التراخيص الصحية، حيث تقوم معظم بلديات القطاع بتعميم الإراشادت على المواطنين لاتباع طرق السلامة وتفادي تشكل المكاره الصحية.
مبادرات من "العيد للعيد"
وتنشط الجمعيات والمؤسسات الخيرية ولجان الزكاة، إضافة إلى النشطاء المبادرين في أفعال الخير، في السعي لجلب التمويل من أجل شراء الأضاحي وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين خلال أيام عيد الأضحى.
فهذا فهمي شراب المبادر المعروف في قطاع غزة، فقد نشر على صفحته الشحصية على "فيس بوك" أنه ضمن مبادرة الأضاحي، تم شراء -حتى الآن- 20 عجلاً و 45 خاروفاً بفضل الله ثم اسهامات أهل الضفة والقدس.
اقرأ أيضاً: سوق العمل بغزة يضيق على خريجي التعليم المهني..ما الحلول؟
وذكر شراب لـ"زوايا" أن مبادرته مستمرة لاستقبال المزيد من التبرعات حتى آخر يوم في عيد الأضحى، متوقعاً أن يتضاعف العدد بسبب الرغبة من المساهمين والخيرين في القدس والضفة الغربية والداخل المحتل وحتى من خارج فلسطين، في دعم أهالي قطاع غزة وإدخال الفرحة والسرور على الفقراء والمحتاجين.
وأكد شراب أن هذه المساهمات من أبناء شعبنا الخيرين في المناطق المذكورة سالفاً، لم تتوقف منذ انطلاق حملاته للتبرع والمؤازة لغزة المحاصرة، ولكنها قبيل عيد الأضحى تركزت على شراء الأضاحي، منوهاً إلى أنه حتى قبل العيد هناك من يخصصون صدقاتهم لشراء المواشي وذبحها وتوزيعها على الفقراء والمعوزين.
أما الصحفي فادي شناعة صاحب مبادرة "الصحفي الإنسان" فهو الآخر ينشط في جمع التبرعات لشراء الأضاحي وتوزيعها خلال العيد، فقد أطلق مؤخراً على صفحته الشخصية "فيس بوك" مبادرة "لتفريح قلوب الأطفال بأضحية العيد وذبحها فى بيوتهم الفقيرة لتكون بهجة العيد ملموسة"، حيث يأمل أن يجمع أكبر قدر الأسهم لشراء الأضاحي من أجل إسعاد الفقراء الذين ينتظرون أكل اللحمة من العيد إلى العيد، وفق حديثه لـ"زوايا".
من ناحيته، يرى محمد الجمل الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي، إن الإقبال على الأضاحي هذا العام تراجع بنسبة ملحوظة مفارنة عن العام الماضي، مرجعاً السبب إلى تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية لسكان القطاع عاماً بعد عام.
وذكر الجمل لـ"زوايا" أن الكثير من المواطنين الذين كنا نعتبرهم "مقتدرين" وخاصة الموظفين منهم، باتوا يتقاضون رواتب منقوصة في ظل أنهم مرهونين بالتزامات مادية بشكل دوري ومنها الأقساط الناتجة عن الاقتراض من البنوك، مشيراً إلى أن الأسعار لم تنخفض رغم إعلان وزارة الزراعة عن وفرة الأضاحي وإدخال كميات إضافية من مصر للقطاع.
ولم يتجاهل الجمل دور الجمعيات الخيرية ولجان الزكاة في توفير كميات من اللحوم في العيد، حيث تراجع تمويلها الخارجي لمشاريع الأضاحي ربما بسبب صعوبة تحويل الأموال والمضايقات الخارجية على المتبرعين، لافتاً أيضاً إلى أن أزمة الغلاء العالمية ألقت بظلالها على جميع الأصعدة، بما فيها غلاء أسعار الأعلاف وبالتالي غلاء أسعار المواشي الواردة إلى قطاع غزة.
