عقد المجلس المركزي الفلسطيني ..خطوة في الاتجاه الخاطئ

اجتماع الجنة المركزية لحركة فتح
اجتماع الجنة المركزية لحركة فتح

(1) الانتظار على رصيف المجهول

في ظل الظروف والمخاطر السياسية المعقدة التي تحيط بالقضية الفلسطينية من كل جانب, تبحث القيادة الفلسطينية برئاسة ابو مازن-بدون جدوى- عن مخرج للازمة السياسية والطريق المسدود الذي وصلت اليه, طوعا أو كرها, وتحاول اقناع نفسها وغيرها ان لديها خيارات يمكن ان تمنحها شيئا من الامل بحدوث انفراج مهما كان شكله ومضمونه.

كان الرئيس ابو مازن يتوقع بعد انصراف ترامب من البيت الابيض وقدوم بايدن , وكذلك بعد زوال نتنياهو عن سدة الحكم في دولة الاحتلال ان تتغير الاجواء السياسية وتفتح له "طاقة" في جدار الجمود السياسي, ومن ثم بدأ في مغازلة الادارة الامريكية وفتح الخطوط مع مسئولي حكومة بينت المتطرفة على امل تحريك ملف المفاوضات السياسية , غير أنه فوجئ ان ادارة بايدن معطية اياه ظهرها وغير مهتمة بالانخراط في أي مسار سياسي او دعمه واكتفت بتصريحات باهتة حول دعم حل الدولتين, اما نفتالي بينت فقد قطع الطريق احلام ابو مازن بتصريحه الشهير انه ليس مستعدا لأي مفاوضات سياسية مع السلطة, مؤكدا ان خياره الوحيد هو تحسين الظروف الاقتصادية للفلسطينيين!!

لم يعد أمام ابو مازن سوى الجلوس على رصيف المجهول وانتظار ان تتمخض الظروف عن معجزة تجعله في صدارة المشهد السياسي, وتعيد له ولسلطته شيئا من الاعتبار والحضور في المعادلة السياسية القائمة.. غير ان شيئا لم يحدث !!

(2) مجلس محنط !

ويبدو أن ابو مازن اقتنع انه لا أمل في كسر الجمود السياسي, ومن ثم أخذ يناور في تعزيز حضوره وتمثيله السياسي أمام الفلسطينيين وأمام المجتمع الدولي من خلال اقناع اللجنة المركزية لحركة فتح بتمديد ولايته والعمل على عقد المجلس المركزي, واسترجاع شيئا من ثقة الفصائل السياسية به.

المجلس المركزي "المحنط" منذ سنوات والمحفوظ في درج ابو مازن, لحين استخدامه, لم يعد يشكل تلك الورقة الرابحة للخروج من الدوامة الوطنية ,ولم يعد محل ثقة لدى القوى السياسية والفصائل ,وحتى عموم الشعب, بانه قادر على تقديم حلول عملية وواقعية.

هذه من المحاولات اليائسة –والبائسة- لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتصحيح مسار القضية الفلسطينية, والتي تثبت أن السلطة والمنظمة تعانيان من حالة تيه سياسي وتخبط في العمل الوطني وغياب عن الحالة الوطنية.

ان المجلس المركزي الذي استهلك في جلسات كثيرة واصدر الكثير من القرارات فقد مصداقيته كما فقدر قدرته على تمثيل القوى السياسية بكل طموحاتها وتوجهاتها الوطنية.

(3) غياب المشاركة الوطنية

أن اول خطوات تعثر هذا المجلس هو رفض الغالبية من القوى السياسية المشاركة وتردد بعضها , وبالأخص الفصائل الرئيسة , مثل حماس والجهاد والشعبية , وهي التي تمثل المفاصل الرئيسة في العمل الوطني, كما ان فصيلا مهما في منظمة التحرير وهو الجبهة الديمقراطية لم تبادر هذه المرة الى الموافقة بل قدمت مبادرة شاملة من أجل ان يمثل المجلس المركزي خطوة صحيحة في معالجة المعضلة الوطنية, غير ان حركة فتح لم تستجب للان لاي من شروط القوى السياسية ,وصممت ان تعقد المجلس بأي عدد كان اذا توفر له النصاب القانوني بغض النظر عن اهمية النصاب السياسي.

اقرأ أيضاً: ترشيح الشيخ وفتّوح لمواقع بالمنظمة: مآخذ شخصية أم جوهرية؟

 هذا الامر أشعر حركة فتح بالقلق الشديد من فقدان هيمنتها وتأثيرها على فصائل منظمة التحرير ودفعها الى التحرك بسرعة لعقد لقاءات مع هذه الفصائل, لكنها سرعان ما اكتشفت - فتح- انها لم تعد تتمتع بهذه الثقة الكبيرة مع حلفائها الرئيسيين والتاريخيين, وان امكانية عقد المجلس بحضور جميع فصائل منظمة التحرير أصبح في مهب الريح, مما دفعها لحزم أمتعتها والسفر الى دمشق وبيروت لمحاولة الضغط على قادة الفصائل هناك وتغيير مواقفها السلبية من عقد المجلس. 

حركة فتح فوجئت بان القوى السياسية تصر على اشراك حركتي حماس والجهاد في اطار منظمة التحرير كما تصر على ضرورة التوافق على برنامج وطني ووضع خطة لإصلاح منظمة التحرير. لقد قالت الفصائل لحركة فتح بشكل واضح  نحن لم نعد ميدالية معلقة في بنطال فتح وانه ان الاوان للانعتاق من المسيرة الطويلة والفاشلة التي قادتها حركة فتح , سواء على صعيد ادارة الملف السياسي والوطني او على صعيد ادارة السلطة الفلسطينية.

(4) المعالجة بطرق مختلفة

ان المعادلة الوطنية تغيرت بشكل كبير بعد هذه السلسلة الطويلة من التجارب المرة, وبان ان كثير من المسميات والشعارات الكبيرة لم يعد لها رصيد في الوعي الفلسطيني, وان هناك حاجة كبيرة لفرض وقائع جديدة بدلا من "البضاعة" المستهلكة التي تعرض في سوق العمل الفلسطيني.

ان المشكلة الحقيقية لا تكمن في عقد المجلس المركزي من عدمه, بل هي في النظرة القاصرة التي تريد ان تصور وكأن عقد المجلس علامة فارقة في مسار العمل الوطني , وأن مخرجات هذه الجلسة ستكون العصا السحرية التي تقلب الامور رأسا على عقب .

ان الرئيس ابو مازن يعقد المجلس المركزي لسببين, اولهما انه يريد تثبيت شرعية وجوده كرئيس للسلطة ورئيس للمنظمة ورئيس لحركة فتح , وثانيها انه يريد عزل حركة حماس وابراز انها لا تتمتع بشعبية او قاعدة واسعة في الساحة الفلسطينية, خاصة بعد ان ارتفعت أسهم حماس بعد معركة سيف القدس وتضامن الشعب الفلسطيني مع هذه المعركة في غزة والضفة والاراضي المحتلة 48 ومناطق الشتات.

ان الكل الوطني على قناعة بان المجلس المركزي انما يستخدم شماعة من اجل التقاط الصور وابراز المشهد الوطني بشكل مضلل ومخادع , وعلى قناعة ان المجلس لن يتخذ أي قرارات ذات بال , حتى وان اتخذها فانه لا يملك من ادوات القوة والتأثير لتنفيذها.

إن اللجوء إلى المجلس المركزي كمكان لتقديم معالجات واضحة ومحددة  كالمستجير من الرمضاء بالنار وكمن يبسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه،اذ ان ذلك ليس الطريق الصحيح الذي يمكن ان يشكل انطلاقة حقيقية للخروج من عنق الزجاجة المطبق على القضية الفلسطينية,

 كما انه تحول الى مؤشر سلبي على الحالة الفلسطينية، ذلك أنه سيظهر للعالم مدى انقسام الفلسطينيين وعدم قدرتهم على جمع أنفسهم تحت قبة واحدة, مما سيغري الاخرين ان يبتعدوا أكثر من مسار القضية الفلسطينية ويدعوا الفلسطينيين.

هذه بلا شك رسالة خطيرة وموجعة وتزيد الهم الفلسطيني وتعمق من جراحاته.

اذا كانت حركة فتح – وعلى امتداد ربع قرن- فشلت في اصلاح منظمة التحرير وضم القوى الرئيسة اليها , فكيف تعول على ان عقد المجلس المركزي سيكون له اثر ايجابي؟؟

هكذا يكون المجلس حلقة من حلقات التيه السياسي والتخبط الوطني , وعاملا من عوامل تشتيت القوة الفلسطينية وصرفها في مسارات باهتة.

امام التحديات الكبيرة التي تواجه الفلسطينيين عموما, خاصة بعد سكوت المجتمع الدولي عن اجراءات دولة الاحتلال في الاراضي الفلسطينية ومنح الضوء الاخضر لحكومة بينت ان تواصل بناء المستوطنات ومصادرة الاراضي واحكام الحصار على قطاع غزة, وبعد هرولة الدول العربية الى فتح العلاقات مع الاحتلال وتوقيع الاتفاقيات معه , يجب ان يكون الحراك الوطني الفلسطيني على درجة من الجدية كي يواجه هذه التحديات التي تهدف الى محو القضية الفلسطينية من المشهد الاقليمي والدولي.

ان أول خطوة يحتاجها الفلسطينيين كي يستعيدوا وجودهم وحضورهم السياسي واسترجاع الهيبة الوطنية هو تعزيز صفهم الداخلي وترتيب اوراقهم بناء على برنامج وطني متفق عليه يتجاوز اشكالات اتفاقات اوسلو ويضعها خلف ظهره, وهذا لا يمكن ان يكون فاعلا أو مؤثرا ما لم يتوج بتشكل قيادة وطنية أمينة وشجاعة وقادرة على اتخاذ قرارات صعبة.

أما ان تتبعثر جهود الفلسطينيين , ما بين عقد جلسات وحوارات وما بين مصالحة هشة غير قابلة للصمود , وما بين اجراء انتخابات لا تشكل ضمانة للخروج من الازمة الراهنة , فهذا يشكل خطرا كبيرا على صورة الفلسطينيين ويفتح شهية الاحتلال ليزيد من جرعة اجراءات العدوانية ضد الشعب الفلسطيني, كما يدفع بالمجتمع الدولي الى الذهاب بعيدا عن المسار الحقيقي للقضية الفلسطينية والانشغال بقضايا اخرى اقل أهمية

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo