نقاط الغاز العشوائية.. خطر يتهدد أحياء غزة المأهولة

نقاط بيع الغاز في قطاع غزة
نقاط بيع الغاز في قطاع غزة

لم ترتقِ الجهود الحكومية ولا حملات البلديات، إلى الحد الذي يُمكنها من إنهاء مشكلة إنتشار نقاط الغاز العشوائية في قطاع غزة، والتي باتت تُشكل خطراً كبيراً يتهدد حياة وأمن وسلامة المواطنين في الأحياء المأهولة.

فرغم كل الأسباب والمبررات التي تُساق لوجود هذه النقاط للبيع، إلا أن ذلك لا يرفع عنها وعن التخزين العشوائي للغاز صفة "القنابل الموقوتة" التي تودي بحياة الأفراد والممتلكات، حيث أن الأمثلة والتجارب السابقة حاضرة وكثيرة.

ومن جملة الحوادث السابقة، على سبيل المثال لا الحصر، فقد تسبب حريق اندلع  بسبب تسرب غاز في أحد المخابز -قبل نحو عامين- في مخيم النصيرات وسط القطاع، إلى قتل ما يزيد عن 15 مواطناً، وإصابة العشرات، وتدمير عدد من المحلات التجارية ومركبات المواطنين.

ويُعد وجود نقاط بيع الغاز ومحطات الوقود العشوائية بين السكان، مخالفة لشروط السلامة والصحة المهنية استناداً للمادة رقم 90 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000 والتي تتعلق بشروط السلامة والصحة المهنية.

وتُلزم المادة 133 من نفس القانون بالإغلاق الكلي والفوري لكافة نقاط بيع الغاز والوقود العشوائية والمخالفة لشروط السلامة والصحة المهنية، والتي تشكل خطراً كبيراً على حياة العاملين بها والمواطنين القاطنين بجوارها.

شكاوي مقابل تهاون

وفي الوقت الذي يشتكي ويتخوف فيه الكثير من المواطنين من وجود نقاط بيع الغاز العشوائية المنتشرة بين بيوتهم، بالمقابل يوجد كثيرون آخرون يستهينون بهذا الخطر الذي يداهم أرواحهم وممتلكاتهم ويستسهلون شراء الغاز من هذه النقاط لبيوتهم ومركباتهم.

ويقيس المواطن (رمزي. د) المشكلة على نفسه حول التصنيف السابق ذكره للمواطنين فيقول "رغم الهواجس التي تنتابني من وجود نقطة تعبئة غاز ملاصقة لبيتي، إلا أنني أجد نفسي وإخوتي مضطرين لتعبئة أسطوانة الغاز منها"، مضيفاً "صاحبها جارنا ويعتاش من وراء الغاز، ولكن ما باليد حيلة ولن نفكر يوماً في الإبلاغ عنه بالمطلق".

في حين أن السائق (علاء. ك) يرى أنه من السهل عليه تعبئة الغاز من نقاط البيع المختلفة سواء عشوائية أو غيرها، عاداً أنه "كله ماشي"، مضيفاً "إحنا بنمشي بسياراتنا على الغاز، وبدنا نغلب حالنا من وين انعبي وبكم وبقديش".

وعلى وجه السرعة وباختصار، رد أحد موزعي الغاز على اتصالنا قائلاً: "البلد كلها مش لاقية حد تتشغل فيه هالأيام إلا موزعين الغاز"، في إشارة إلى الحملات التي تنفذها الجهات الحكومية والبلديات في الوقت الحالي للحد من نقاط بيع الغاز.

أما موزع غاز آخر رفض حتى مجرد ذكر لقبه أو كنيته في التقرير، فقد ذكر لـ"زوايا" أن كثيراً ما جاءته حملات البلدية والدفاع المدني تطلب منه تسوية أوضاعه، عاداً أن مشكلته التي يتم إخطاره بها دائماً، تكمن في المكان الذي يعمل به من داخل بيته، حيث لا يقوى على استئجار مكان آخر.

وأفصح ذلك الموزع، أن رسوم تجديد رخصة الموزع من الإدارة العامة للبترول قيمتها السنوية 200 شيقل، إضافة إلى رسوم ترخيص سيارة نقل الغاز من وزارة المواصلات، في حين أن رسوم تصريح الأمن والسلامة من الدفاع المدني يكلف 80 شيقل، أما البلدية فلا تأخذ من الموزع أي رسوم، حسب إفادته.

مبررات وإحصاءات

وأرجع محمد المغير مدير إدارة الأمن والسلامة في المديرية العامة لدفاع المدني، أسباب ومبررات الانتشار الكبير لنقاط الغاز العشوائية في القطاع، إلى الحالة الاقتصادية المتردية التي يحياها المواطنون، وخاصة من البطالة التي يعاني منها الشباب، حيث اتجه مجموعة منهم إلى البحث عن فرص عمل من خلال فتح نقاط لبيع الغاز.

وأشار المغير في حديث خاص لـ "زوايا" إلى إحصائيات رسمية، حول عدد نقاط البيع للغاز في القطاع، حيث يصل عدد موزعي الغاز إلى 1200 موزع، وحوالي 300 نقطة غاز عشوائية.

وأوضح أنه تم إغلاق 33 نقطة غاز عشوائية في محافظة شمال القطاع، وفي محافظة غزة 70 نقطة من أصل 111 نقطة عشوائية، أما في محافظة رفح فقد تم إغلاق كافة النقاط العشوائية والبالغ عددها أربعة، في حين تم إصدار أمر إداري بإغلاق 15 نقطة بيع غاز عشوائي من أصل 32 نقطة في خان يونس، وأيضاً إغلاق 32 نقطة في محافظة الوسطى من أصل 62 نقطة عشوائية.

وتطرق المغير إلى إجراءاتهم للحد من نقاط بيع الغاز العشوائية وتفادي خطرها، حيث أكد قبلها على الالتزام بالقوانين السارية في أراضي السلطة الفلسطينية، وهي أن تكون عملية التفريغ والتعبئة في محطات الغاز الرسمية باعتبارها الأكثر أماناً لممارسة مهنة تعبئة الغاز.

ولفت إلى أن نقاط بيع الغاز العشوائية، تشكل خطورة عالية على السكان، حيث سُجلت العديد من الحوادث لدى المديرية العامة للدفاع المدني، تمثلت في انفجار اسطوانات غاز في نقاط التعبئة المذكورة، نتيجة لعدم اتباع إجراءات السلامة، وخاصة أنها في مناطق مغلقة وسهل انتشار الغاز فيها.

وعاد المغير للحديث عن مجموعة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في قطاع غزة، فقد تضمنت إصدار "نظام خاص" بتوزيع الغاز، وتم العمل به بالتوافق مع ممثلي شركات الغاز، حيث تم عقد ورشة عمل بالخصوص في ديسمبر 2020 ضمت الهيئات الحكومية ذات العلاقة والبلديات والشركات، لافتاً أنه تلى ذلك عقد لقاءات توعوية جمعت أصحاب المحطات والموزعين ونقاط بيع الغاز، لتعزيز السلامة في المجتمع الفلسطيني، وإزالة ظاهرة نقاط البيع العشوائية.

ونوه المغير إلى أن إدارته نفذت في مارس من العام المنصرم2021، حملة امتدت لمدة شهرين تم خلالها مصادرة ما يقارب 112 جهازاً لتعبئة الغاز، الأمر الذي أدى إلى الحد من الظاهرة بشكل نسبي، كما تلى ذلك حملة موسعة في أكتوبر الماضي شملت كافة محافظات القطاع، حيث تم إقرار مجموعة من الإجراءات العقابية على موزعي الغاز في النقاط العشوائية، وذلك لأنها تعتبر جرائم خطر تهدد السكان والمجتمع.

وأسند المغير العقوبات سالفة الذكر إلى الجرائم التي يعاقب عليها المخالفون وفق القانون رقم 3 لعام 1998 حسب المادة 28 من مادة العقوبات والقاضي "يتم حبس المواطن الذي يخالف إجراءات السلامة ستة أشهر أو غرامة مالية قدرها 500 دينار أردني أو الحبس والغرامة معاً"، وبما أن نقاط بيع الغاز العشوائية تشكل خطورة، فقد تم التوافق على عقوبة الحبس والغرامة معاً، حسب تأكيده.

وأوضح المغير إلى أنه في حال ضُبط المخالف أول مرة، فإنه يتم بحقه إصدار أمر إداري من البلدية بإغلاق نقطة بيعه العشوائية، وفي حال لم يلتزم يتم إصدار مخالفة أوامر مشروعة وتسليمه للنيابة للعامة، ويتم التحفظ على أجهزة التعبئة لديه، وفق الضوابط والإجراءات المتوفرة لدى المديرية العامة للدفاع المدني، ومن ثم العمل على إتلاف تلك الأجهزة.

وبشكل تفصيلي أكثر، حدد المغير العقوبات قائلاً "في المرة الأولى يتم التحفظ على جهاز التعبئة والميزان، وفي حال العودة لممارسة المهنة في المرة الثانية يتم سحب جميع الأجهزة المتوفرة في المكان بما فيها اسطوانات الغاز وتوجيه تهمة له في النيابة العامة، على أن يتم اعتقاله في المرة الأولى 48 ساعة وفي المرة الثانية لمدة 15 يوماً وغرامة مالية، أما في المرة الثالثة فيتم اعتقاله 45 يوماً وغرامة مالية، إضافة إلى مصادرة كافة الأجهزة المضبوطة بما فيها اسطوانات الغاز".

ويرى المغير أن الحملة نجحت في العديد من المحافظات وهذا يستدعي الاستمرار بها، عاداً أنه في حال التراخي يمكن العودة إلى المخالفات في ممارسة هذه المهنة الخطيرة.

ولتفادي خطر نقاط البيع العشوائية، فقد ذكر المغير أنه جرى الاتفاق مع أصحاب المحطات المرخصة، على التعبئة للمواطنين حسب قدرتهم الشرائية من كيلو حتى 12 كيلو، فضلاً عن توقف أصحاب هذه المحطات عن تزويد نقاط البيع العشوائية بالغاز، وفي حال المخالفة يتم اتخاذ إجراءات عقابية بوقف تمديد المحطة من قبل الهيئة العامة للبترول لمدة 10 أيام في المرة الأولى، والثانية 20 يوماً، وهكذا حسب التسلسل في الإجراءات العقابية، وتحرير محضر مخالفة أوامر مشروعة لدى النيابة العامة.

ووجه المغير نصائح لأصحاب نقاط البيع العشوائية، بأهمية الالتزام بالأنظمة والقوانين الصادرة في الأراضي الفلسطينية، وأهمها: تسوية أوضاعهم لدى الهيئة العامة للبترول ليتحولوا إلى موزعين رسميين بحيث يقوموا بنقل اسطوانات الغاز من المستهلك إلى المحطة ثم إعادتها للمواطن، وعدم تجميع الغاز في البيوت وبين الحارات حتى لا تحدث كوارث لا يحمد عقباها.

واستند المغير في تحذيره، إلى الحوادث التي وقعت سابقاً في مناطق عديدة في القطاع، وأودت بحياة مواطنين وأحدثت أضراراً بليغة في الممتلكات، مهيباً بأصحاب نقاط البيع العشوائية بترك هذه المهنة لأنها تشكل خطراً على حياة المواطنين المحيطين بهم وعلى حياتهم وحياة أبنائهم أيضاً.

كما نصحهم بضرورة التوافق مع أصحاب المحطات الرسمية على نقل وتوزيع اسطوانات الغاز من خلال السيارة الآمنة التي يتم ترخيصها من قبل وزارة النقل والمواصلات والإدارة العامة للبترول والمديرية العامة للدفاع المدني، وفقاً لنظام موزعي الغاز الذي أُقر في العام 2020.

وحول نسبة الالتزام في كل ما سبق، فقد أكد المغير أن هناك عددا كبيرا من الموزعين التزموا بهذه الإجراءات، والبعض الآخر لم يلتزموا نتيجة مستوى الربح الذي يحققوه من وراء التلاعب في أوزان الكميات المعبئة، التي تزيد هامش الربح لديهم في النقاط العشوائية.

وفي نهاية حديثه كرر المغير مناشدته: "نهيب بالمواطنين بعدم التعاون مع نقاط بيع الغاز العشوائية، والاتجاه إلى محطات التعبئة الرسمية المنتشرة والموزعة في كافة محافظات قطاع غزة، والتي يمكن الوصول إليها بسهولة وتعتبر الأكثر أمناً".

تصويب الأوضاع

وكمن سبقه، فقد ذكر حسني مهنا، مسؤول الإعلام في بلدية غزة، أن أسباب انتشار نقاط بيع الغاز العشوائية تعود إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها شعبنا، حيث يحاول المواطنون إيجاد أية مشاريع بسيطة، يحاولون بها توفير دخل مالي يعينهم على حياتهم الصعبة.

وأشار مهنا في حديث لـ "زوايا" إلى أن ما سهل عملية انتشار وتعبئة الغاز من هذه النقاط، هو قربها من منازل المواطنين وإمكانية التعبئة منها على قدر الحاجة وبما يتوفر لديهم من سيولة مادية، بحيث يتمكن المواطن من تعبئة الغاز بأقل من الكمية المعروفة للأسطوانة، وذلك ربما بعشرة أو عشرون شيقل، بالإضافة إلى الاستخدام الكبير للمركبات لغاز الطهي، بما يسهل على أصحاب هذه المركبات الوصول لتعبئة الغاز من أي نقطة، وأيضاً بالكمية والقدرة المادية المتاحة لديهم.

أما بخصوص الإحصاءات والأرقام لعدد نقاط بيع الغاز العشوائية، فقد أكد مهنا أنه لا يتوفر لدى البلدية إحصاءات نهائية وأرقام دقيقة، وذلك بسبب أن أصحاب هذه النقاط العشوائية لا يعملون بعلم البلدية، علماً أن عمليات الكشف الميداني هي التي توصل البلدية إلى هكذا نقاط، ويتم التعامل معها بحزم كما باقي الحرف الأخرى التي يجب أن تستوفي شروط الأمن والسلامة حفاظاً على أرواح العاملين فيها والمحيطين بها.

ولكن مهنا ذكر أن بلدية غزة خلال العام الماضي 2021، استطاعت أن تغلق 112 نقطة بيع غاز عشوائية في المدينة، عاداً ذلك إنجازاً مكنهم من الحد من هذه الظاهرة، حيث تم الطلب من الكثير منهم بتسوية أوضاعهم القانونية، ليتمكنوا من ممارسة عملهم بشكل كامل.

وأشار مهنا إلى أن بلديته بالتعاون مع اللجنة المشكلة الدفاع المدني وعدة جهات حكومية منها وزارة الاقتصاد الوطني، يقومون بعملية متابعة وكشف ميداني مستمر لنقاط بيع الغاز، حيث تجري عملية تقييم لأوضاعهم ومدى تطبيقهم لشروط الأمن والسلامة، وعليه يتم السماح من عدمه في ممارسة العمل، وذلك مرتبط باستيفاء كافة الشروط والإجراءات السلامة سواء في البلدية أو الدفاع المدني وغيرها من المرافق الحكومية ذات العلاقة. 

ووجه مهنا نصيحة للمواطنين بالتعامل فقط مع نقاط الغاز المرخصة والموزعين المعتمدين في المدينة، حيث أن ذلك يضمن سلامتهم وسلامة أبنائهم، عاداً أن التعامل مع نقاط البيع العشوائية تساعد على استمراراها، علماً أنها تشكل "قنابل موقوتة" بين السكان وفي أي لحظة يمكن أن تهدد حياة المواطنين أو تسبب مخاطر كبيرة سواء بنشوب انفجارات وحرائق أو تسرب للغاز، فضلاً عن أنها تشكل خطراً على العاملين داخل هذه المنشآت العشوائية قبل غيرهم، حسب تعبيره.

الحسم بالعقوبات

من جهته، يرى سمير زقوت نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، أن السبب الرئيسي لانتشار نقاط بيع الغاز العشوائية في قطاع غزة، هو تفشي البطالة، منوهاً إلى أن نقطة تعبئة الغاز هي مشروع لا يحتاج لرأسمال كبير، كما أنه لا ينطوي على خسائر مستقبلية، فمواد المشروع كلها قابلة للبيع.

وعبر زقوت لـ "زوايا" عن اعتقاده، بأن حملة التوعية مهمة، ولكنها لا تكون حاسمة في العادة ما لم تكن مقرونة بعقوبات للمخالفين، سيما وأن التجربة خلال السنوات المنصرمة أشارت إلى الكلفة البشرية والمادية الكبيرة التي يتكبدها المجتمع فيما لو حدث خلل أدى إلى تسرب كميات من الغاز وهذا تكرر أكثر من مرة . 

وذكر أن حملات التوعية تسهم في إشراك المواطن في حماية نفسه وعائلته ومحيطه، ولكنها لن تكون كافية ما لم تكن هناك ضمانات من نوع ضمان احترام القانون ومعاقبة مخالفيه.

وشدد زقوت على ضمان احترام الشروط التنظيمية لنقاط تعبئة الغاز، ولا سيما البعد عن مناطق الكثافة السكانية واستخدام المواد، سواء اسطوانات أو خزانات تراعي معايير الجودة، عاداً أن تدابير الأمن والسلامة هي أمور كفيلة بالحد من مخاطرها.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo