عض الأصابع بين إسرائيل وإيران في الملف النووي

المصانع النووية الايرانية
المصانع النووية الايرانية

(1) إسرائيل والرعب من القدرات النووية الإيرانية

تصنف اسرائيل التهديد النووي الايراني كتهديد استراتيجي لا يمكن السكوت عليه, وبالتالي تجند كل المصادر المادية والنفسية, فضلا عن تحشيد الدعم الدولي لإزالة هذا التهديد.

ومن خلال متابعة الاعلام العبري وتصريحات القادة الإسرائيليين, يتضح ان اسرائيل مهووسة بالخطر النووي, وتعتبره الشغل الشاغل لها, كما تعتبره التحدي الاكبر لها على المستوى السياسي والامني , بل انه يشكل محور التنافس الانتخابي بين الاحزاب الاسرائيلية , ومحطة خلاف كبيرة في تحديد ميزانية الجيش.

وقد خصصت الحكومة الإسرائيلية نحو1.5 مليار دولار لإعداد القوات المسلحة لتنفيذ ضربة محتملة ضد مواقع نووية إيرانية. وتعتبر إسرائيل القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط وتشير التقديرات إلى امتلاكها ما يصل إلى 300 رأس نووي.

اسرائيل لديها ثلاث لاءات في التعامل مع الملف النووي الايراني, وهي: لا لحصول إيران على قنبلة نووية، ولا لإمكانيات نووية إيرانية، ولا لقدرات عسكرية واقتصادية إيرانية".

 وتقاتل اسرائيل-بشراسة- على كل الجبهات لتحقيق هدفها الاكبر بوقف قدرة ايران على صناعة القنبلة النووية , بل تأخذها الحمية في اطلاق التصريحات النارية بأنها جاهزة في كل وقت لضرب المنشآت النووية الايرانية وتظهر من وقت لاخر أن قوتها العسكرية على أهبة الاستعداد, وقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد: "سندير هذه المهمة سويا مع رئيس الوزراء بينيت، ولكن هناك مبدأ توجيهي واحد؛ إسرائيل ستقوم بعمل كل شيء ممكن لمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية". أما رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي فقال "إن الجيش يكثف استعداداته لهجوم محتمل على المنشآت النووية الايرانية وأن تل أبيب ستسرع الخطط المعدّة للتعامل مع إيران وتهديدها النووي العسكري".

(2) تطور السياسة الإسرائيلية تجاه ايران

في السنوات الماضية كانت اسرائيل تعتمد بقوة على انهاء المشروع النووي الاسرائيلي , سواء بالقدرات العسكرية الإسرائيلية وحدها أو بمحاولة إقناع دول الغرب , وبالأخص الولايات  المتحدة بمساعدتها سياسيا ودبلوماسيا لمنع أي تطور في المشروع النووي الايراني.، ثم طورت اسرائيل من طبيعة عملها من خلال الضغط على الدول الاوروبية لفرض عقوبات اقتصادية على ايران وتضييق الخناق عليها, ثم تطور الامر الى استعراض اسرائيل قدراتها العسكرية امام ايران من خلال توجيه الضربات الجوية الى مراكز تجمع القوات الايرانية او الحلفاء لها في سوريا ولبنان والعراق , ثم ما لبثت ان استعرضت قوتها وخبراتها التكنلوجية والسيبرانية في مهاجمة المواقع الالكترونية الإيرانية , خاصة المتعلقة بالمنشآت النووية . وتبجحت اسرائيل بأنها استطاعت الحصول على الارشيف النووي الايراني من خلال عمليات أمنية معقدة. وقد اعترف الرئيس الإيراني المنتهية حسن روحاني، في خطابه الأخير قبل تسليمه السلطة، بإن الإسرائيليين "سرقوا الأرشيف النووي" لبلاده.

غير ان كل هذه المحاولات المحمومة من اسرائيل لوقف المشروع النووي الايراني لم يكتب لها النجاح, مما دفع اسرائيل الى تكثيف نشاطاتها السياسية والدبلوماسية مع الدول الغربية ومحاولة الضغط عليها بعدم توقيع أي اتفاق مع ايران , وبدأت تنشر دعايتها بأن ايران تشكل خطرا على الشرق الاوسط بكامله وعلى السلام العالمي وانها راعية الارهاب والتطرف وان كارثة العالم ستبدأ من طهران !!

وبدأت اسرائيل في تسويق نفسها أمام الرأي العام العالمي بأنها حاملة لواء اجهاض المشروع النووي الايراني , ووضعت هذا الملف على أجندة زيارات كل مسئوليها الى واشنطن وموسكو ودول الاتحاد الاوروبي, ثم سوقت  نفسها على أنها البطل الحامي لمنطقة الشرق الاوسط من الرعب النووي الايراني ,؟ وقد نجحت في اقناع عدد من الدول الخليجية بانها الوحيدة القادرة على ردع ايران من تطوير اسلحتها النووية, مما سهل على اسرائيل تطبيع علاقاتها مع هذه الدول.

اقرأ أيضاً: منسق حركة المقاطعة: نرفض الارتباط بأي نظام عربي رسمي

ويبقى السلاح الاهم الذي تحاول اسرائيل تسويقه وهو قدرتها على مهاجمة ايران عسكريا,  أمر دأب كثير من القادة الاسرائيليين على التبجح به أمام الراي العام العالمي, دون أن يفعلوا شيئا. وتدرك اسرائيل ان أي مغامرة عسكرية من هذا النوع تكلفها كثيرا, وربما تدخلها في دوامة صراع قد لا تنتهي الا بخسارة كبيرة, ما لم تضمن وقوف الولايات المتحدة الى جانبها او الدخول معها بشكل مباشر. ويقول رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك أنه في حال مهاجمة أهداف إيرانية ليست نووية، "فسنواجه خطرا حقيقيا بتوسيع الصدام مع إيران والتدهور إلى مواجهة مع ’حزب الله’ أيضا. ويوجد لدى إسرائيل أكثر من سبب واحد لتفضيل إرجاء مواجهة كهذه، طالما كان ذلك تحت سيطرتنا".

حتى أن الولايات المتحدة لا تبدو متشجعة لاي خيار عسكري وترى فيه مخاطرة كبيرة قد تجر الى فتح جبهات عديدة, وقد نقل عن مسؤولين في واشنطن أنهم حذروا اسرائيل من أن "الهجمات المتكررة على المنشآت النووية الإيرانية قد تكون مرضية من الناحية التكتيكية، لكنها في النهاية تأتي بنتائج عكسية وأنها تلحق ضررا بالهدف الأكبر، وهو وقف البرنامج النووي الإيراني.

ومما يشكك في قدرة اسرائيل على مهاجمة ايران, قول الناطق سابق باسم الجيش الإسرائيلي إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة جهّزت في الأدراج خططا عسكرية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، ولكن منذ اتفاق عام 2015 لم يتم تحديثها، وما يجري اليوم من صفقات تسّلح متطورة يأتي في سياق تحديث التجهيزات والاستعداد لذلك.

(3) الخلاف بين الادارة الامريكية وتل ابيب

من الواضح أن الخلاف قائم وعميق بين اسرائيل والولايات المتحدة في التعاطي مع الملف النووي الايراني , وهذا الخلاف ليس وليد اللحظة بقدر ما هو خلاف عميق تراكم خلال السنوات العشر الاخيرة.

 الولايات المتحدة تعتبر الدبلوماسية خيارها الاول في التعامل مع الملف النووي الايراني وترى ان هنالك فرصة للتوصل الى اتفاق مع طهران، فيما تعاند اسرائيل هذا الخط وترى أن التفاوض مع ايران هو مضيعة للوقت وأنه لا خيار سوى العقوبات الاقتصادية او الضربات العسكرية, غير انه لا يستبعد ان واشنطن تتبادل الدور مع تل ابيب خاصة انه هناك لقاءات دورية بين الطرفين وتبادل للمعلومات الامنية, ونوقشت العديد من الخيارات بين المستويات الامنية والسياسية. ويقول وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس "إننا نجري تقييما للموضوع الإيراني، ولدينا اتصال دائم مع الأميركيين في هذا الموضوع، ونحن سنجد الطريق الملائم من أجل تبادل الآراء، وإدارة تباين وجهات النظر كلما وجدت".

وقد كان الخلاف بين اسرائيل وامريكا واضحا في عهد الرئيس اوباما, وهو نفس الخلاف في عهد الرئيس بايدن ، وذلك يعني أن اسرائيل تواجه صعوبة كبيرة في اقناع البيت الابيض بخياراتها, كما تفهم اسرائيل أن واشنطن سوف تتخذ قرارها استنادا إلى تقييم الحكومة الأميركية لمصالحها، حتى لو كان ذلك يعني اتخاذ واشنطن موقفا يتعارض مع موقف إسرائيل، لذلك لن  يكون أمام اسرائيل خيار سوى التسليم بقرارات واشنطن".

لكن من الواضح ايضا أن إدارة الرئيس بايدن، تبدو مرتاحة الى حد ما  أكثر لسياسة رئيس الوزراء نفتالي بينيت، وترى انه أكثر تعاونا وايجابية من سلفه السابق نتنياهو في ظل مفاوضات فيينا التي تراقبها إسرائيل عن كثب، خشية أن تُفضي إلى إبرام اتفاق إيراني-أمريكي لا ترضى عنه.

يؤمن الرئيس بايدن بقوة ان التوصل لاتفاق مع ايران افضل من أي خيار اخر وانه لا توجد حاجة لاستخدام الخيار العسكري, خاصة في ظل السياسة الامريكية الحالية التي تعمل على تخفيف وجودها في مناطق النزاع والتوتر وتركيز جهودها من اجل معالجة الصراع التجاري والاقتصادي مع الصين. وتبدو اسرائيل غير مرتاحة للسياسة الامريكية تجاه المشروع النووي الايراني, وأعرب مسئولون أمنيون اسرائيليون عن قلقهم من أن "السياسة السلبية" لواشنطن تستغلها إيران حتى النهاية لتحقيق تقدم كبير في مشروعها النووي, لذا فان اسرائيل تسارع من وقت لاخر في اطلاق ما يفهم منه انها على جهوزية عالية لاتخاذ خطوات قوية ضد ايران , ومنها الحديث عن امتلاكها اسلحة متطورة أو المصادقة على الميزانية العسكرية او التبجح بأن لديها الخطط الجاهزة في الادراج والتي تنتظر لحظة البدء!!

ويعتبر المؤرخ إلاسرائيلي،بني موريس, ان اسرائيل تعيش حالة من الرعب من المشروع النووي وانها أمام خيارين سيئين، قصف المنشآت النووية الإيرانية، ويرجح أن يشعل هذا حربا شاملة، لكنه أقل من "سيناريو الرعب" المتمثل بالعيش مع نووي إيران.

وتوصل  موريس الى استنتاج حاسم في مقال له في صحيفة "هآرتس"، أن السطر الأخير في هذا المقال بسيط، "إما أن تدمر إسرائيل بقدر الإمكان المنشآت النووية في إيران، أو أن تضطر إلى العيش بجانب إيران نووية".

(4) محتارة ومترددة

لا تزال اسرائيل تتردد بين خيارات صعبة ومعقدة, ولا يبدو في الافق ما يشير الى قدرتها على حسم خياراتها في ظل استمرار المفاوضات الدبلوماسية بين دول الغرب وايران. اسرائيل أجبن من أن تتخذ قرارا بمهاجمة ايران دون ضوء اخضر من البيت الابيض ودون دعم عسكري وسياسي واسع, وفي نفس الوقت فان ايران لن تقف مكتوفة الايدي امام هذا الخطر الذي يهدد مستقبلها ووجودها وقد تلجأ هي الاخرى الى خيارات صعبة قد لا تحتملها تل ابيب.

من هنا تبدو الصورة مشوشة الى حد كبيرة ما لم يطرأ على السياسة الدولية ما يقلب الامور رأسا على عقب , لكنه احتمال ضعيف في ظل الميل العام للقوى الدولية والاقليمية الى تجنب الصراع وتغليب المصالح , فضلا عن تغليب السلاح الدبلوماسي.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo