تقرير المشاريع المصرية.. مرهونة بالمقايضات السياسية لغزة!

الجرافات المصرية بغزة
الجرافات المصرية بغزة

أعلنت اللجنة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة، عن العديد من المشاريع في غزة، ولكن لم تعلن تلك اللجنة المشكلة حديثاً بموازاة اللجنة القطرية العاملة في غزة من سنوات، عن القيمة المالية لكل مشروع على حدة.

كما لم تُقدم اللجنة المصرية، أية ضمانات بعدم عرقلة إدخال المواد الخام حتى الانتهاء من المشاريع، وتحقيق الغاية من الإعمار.

فما هي انعكاسات هذه المشاريع، وهل من تطمينات لإشراك المقاولين والشركات الفلسطينية في التنفيذ وتشغيل العمالة في القطاع، وهل هناك المزيد المشاريع، وخاصة أن المنحة المصرية المعلنة قيمتها 500مليون دولار؟ 

كل هذه الأسئلة والاستفسارات تطرحها "زوايا" على الحكومة القائمة في غزة و الاتحادات ذات العلاقة والمحللين، الذين رهن بعضهم تنفيذ هذه المشاريع الاقتصادية بالمقايضات السياسية لغزة.

بلا مواعيد ولا تكلفات

وفي التفاصيل، فقد قال وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة ناجي سرحان، إن مصر ستبني 3 مدن جديدة في قطاع غزة، هي مدينة "العاشر من رمضان" السكنية في شمال قطاع غزة، تتضمن إنشاء 500 وحدة سكنية، والمدينة الثانية بالقرب من مدينة الزهراء وسط القطاع على مساحة 140 دونم، أما المدينة الثالث غرب جباليا على مساحة 50 دونم.

كما ستبني مصر "جسر الشجاعية" المنوي إقامته بطول (500) متر، وعرضه (14) متراً، ليربط شمال شارع صلاح الدين وجنوبه، على حد تعبيره.

وكانت مصر قد أعلنت، في 18 مايو/أيار الماضي، عن تقديم 500 مليون دولار، لصالح إعادة إعمار قطاع غزة، وسبق أن شاركت أطقم هندسية مصرية بمساندة آليات ومعدات ثقيلة وصلت من القاهرة، في أعمال إزالة ركام المباني، التي دمرتها (إسرائيل)، خلال عدوانها الأخير، الذي استمر 11 يوماً، في الفترة بين 10 و21 مايو/أيار الماضي.

يشار إلى أن وزارة الأشغال العامة في غزة، أعلنت عقب العدوان الأخير على غزة، أنه تم إحصاء 1200 وحدة سكنية تدمرت بشكل كامل، و1000 وحدة سكنية تدمرت بشكل جزئي بليغ وصارت غير صالحة للسكن، و20 ألف وحدة سكنية ما بين متوسط وطفيف، حيث قُدرت تكلفة إعادة إعمار تلك الوحدات السكنية بنحو 150 مليون دولار.

بدوره، ذكر محمد عبود مسئول ملف الأضرار في وزارة الأشغال والإسكان العامة، فيما يخص البنية التحتية، أن المصريين أبلغوهم بالسعي إلى تطوير بعض الشوارع الرئيسية "الهيكلية" ومنها شارع الرشيد، مشيراً إلى أنهم بدأوا من اسبوعين بمنطقة السودانية وتطوير الكورنيش في هذه المنطقة.

وأوضح عبود لـ "زوايا" أن هذا التطوير للشارع سوف يشمل البنية التحتية، معرباً عن أمله في أن تستمر هذه المشاريع وأن تطال الشوارع،  سواء الهيكلية منها أو الداخلية، والتي دُمرت من خلال ما يسمى "الحزام الناري" الذي أعلن الاحتلال عن استهدافه خلال الحرب الأخيرة، وبالتالي دمر المنازل التي في هذه الشوارع.

أما بالنسبة للمدن السكنية، فقد أكد عبود أن مصر تعهدت ببناء عدة مدن سكنية وفق الاحتياجات الطبيعية وتستهدف غير المتضررين، حيث كان هناك وعودات مصرية ببناء ثلاث مدن سكنية في مناطق "الزهراء، بيت لاهيا، وجباليا".

وأضاف: نأمل في وزارة الأشغال والاسكان، أن يتم البناء وفق الأماكن التي حددناها مع المصريين وأن تبدأ هذه المشاريع وترى النور خلال الفترة القريبة القادمة.

وعن مصير المواطنين الساكنين في منطقة المدرسة الأمريكية وغيرها التي ستقام عليها المدن السكنية؟، فقد أكد عبود أنه سوف يتم تسوية أوضاع القاطنين فوق هذه الأماكن بالشكل الذي يرضيهم ولا يتعرضون لأي ضرر، على حد تعبيره.

اقرأ أيضاً:  قطار شباب غزة يمُر.. ولم يحصل على "شقة العمر"

وحول بناء الأبراج، أشار عبود إلى أن هناك وعود مصرية ببناء هذه الأبراج والعمارات متعددة الطوابق و التي دُمرت بشكل كامل، حيث طلب المصريين من وزارة الأشغال والأسكان المخططات، وقمنا بدورنا بإرسال مخططات لأكثر من ثلاثون برجاً، ومن المتوقع أنه خلال مباحثات وفد "حكومة غزة" في مصر أن يكون حدث تقدم في هذا الملف.

وقال عبود" نحن كوزارة اشغال عامة واسكان، نثمن صبر ودور المواطنين من أيام العدوان وحتى الآن، ونعذر طلباتهم والحاحهم ونسعى من خلال كل الجهات الشريكة والمانحة إلى تعويض هؤلاء المتضررين ونسترجع جزءاً ولو يسيراً من حقوقهم.

وتوقع عبود، أنه خلال الفترة المقبلة إذا دخلت مواد البناء والأموال اللازمة بسلاسة، فإنه من المؤكد ستدور عجلة الاعمار وسيكون أثر ذلك واضحاً لدى الناس، وهذا أقل ما نقدمه لخدمة شعبنا الذي دفع من أرواحه وممتلكاته المثير فداءً للوطن، على حد تعبيره.

من جانبه، رحب علي الحايك رئيس جمعية رجال الأعمال ونائب رئيس اتحاد الصناعات الفلسطينية بطرح اللجنة المصرية لإعمار قطاع غزة عطاء تطوير كورنيش البحر شمال بيت لاهيا للشركات الفلسطينية المحلية كأول عطاءات إعادة الإعمار ضمن المنحة المصرية. 

وثمن الحايك في تصريح صحفي، جهود مصر المستمرة للسير قدماً في عملية إعادة الإعمار والتخفيف من الحصار المفروض على غزة عبر مد القطاع بجميع مواد الإعمار والسلع والبضائع والمواد الخام وتسهيل حركة الأفراد على معبر رفح البري. 

وأكد الحايك أن بدء المانحين بطرح عطاءات الإعمار الكبرى للشركات المحلية والمقاولين من شأنه التخفيف من حدة سوء الأوضاع الاقتصادية وإنعاش اقتصاد غزة وتشغيل آلاف العمال والخريجين العاطلين عن العمل. 

وشدد الحايك على ضرورة تسريع عمليات الإعمار لما لذلك من أهمية في إنعاش الأوضاع الاقتصادية بالقطاع وتعويض القطاع الخاص عن خسائره الفادحة التي تكبدها على مدار سنوات الحصار والحروب المتكررة على غزة.

أما علاء الأعرج رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين، فقد اعتبر أنه من المبكر جداً الحديث عن  قيمة كل مشروع والمدة الزمنية للتنفيذ قبل طرح المشاريع للتناقص وقبل تحديد المشاريع ومجالاتها، وذلك في رده على استفسار "زوايا" من عدم الإعلان عن المدة الزمنية التقريبية للتنفيذ والقيمة المالية المرصودة لكل مشروع.

وحول الضمانات بعدم عرقلة المواد حتى الانتهاء من المشاريع، قال الأعرج " ليس هناك  ضمانات  للعرقلة المحتملة لو كانت من الجانب الإسرائيلي مثلاً،  ولكن هناك رغبة حقيقية لدى الطرف المصري والفلسطيني بإدخال المواد عبر معبر رفح التجاري.

أما بخصوص إشراك المقاولين في عملية الإعمار، فقد رأى الأعرج "أن هذا الأمر مفروغ منه، وتم التوافق عليه بيننا وبين اللجنة المصرية للإعمار، حيث تم بالفعل الإعلان عن أول عطاء لكورنيش البحر بالصحف المحلية للشركات المحلية للمشاركة فيه".

وعبر الأعرج عن تفاؤله، بأن المشاريع المصرية سيكون لها انعكاسات إيجابية على مجمل القطاعات الاقتصادية وعلى المواطن الغزي، خاصةً عندما تدور عجلة الإعمار بوتيرة أقوى وأسرع ، مضيفاً "ربما في القريب سيتم الإعلان عن مدن سكنية وإعادة إعمار بعض الأبراج التي اُستهدفت في العدوان الأخير، ونأمل أن يستفيد الوطن والمواطن الاستفادة القصوى من المنحة المصرية وغيرها"، حسب تعبيره.

ارتهان سياسي

وفي القراءة السياسية لإعلان اللجنة المصرية عن مشاريعها في غزة، كان التعليق صادماً من مصدر فلسطيني مطلع لـ"زوايا" طلب عدم ذكر اسمه، مبرراً طلبه بأنه من الصعب عليه التعليق بشكل علني، سواء بالسلب أو الإيجاب، وذلك لحساسية الظرف السياسي والعلاقة بين قطاع غزة ومصر في الوقت الراهن بالتحديد. 

واعتبر المصدر، أن المنحة المصرية لإعمار قطاع غزة "غير واضحة بالمطلق"، متمنياً لو كان مخطئاً في ظنه بأن مشاريع المنحة المصرية ماهي "فنكوش"، مستدلاً على حديثه بأن "مصر ليس لديها أي أموال من المنحة المعلنة و البالغة 500 مليون$".

وأوضح أن دخول مصر على خط الإعمار في غزة  هدفه " أن مصر وبالتحديد رئيسها الحالي عبد الفتاح السيسي، يريد كسب رضا أمريكا التي تريد احتواء قطاع غزة وتجنيب التصعيد مع إسرائيل". 

اقرأ أيضاً: مختصون: بناء مصر مدينة سكنية بغزة "شو إعلامي"

ويرى المصدر أن وعود مصر بإعمار غزة " هي وعود عامة، وليست لها حقيقة فعلية، فضلاً عن أن التكاليف المالية غير متوفرة"، عاداً ما أسماها "المنحة الوهمية" "تأتي لرفع الضغوطات الأمريكية عن مصر من خلال ورقة حماس، بمعني أن يكون لمصر تأثير على حماس، خاصة فيما يتعلق بالتهدئة والمقاومة الخشنة والحروب المتكررة مع إسرائيل".

وأضاف " مصر عينها ليس على غزة، وإنما عينها على العلاقة مع أمريكا(..) غزة طريق مصر للوصول لهذا الهدف"، حسب  تعبيره.

وعاد المصدر إلى زمن ما قبل الحرب الأخيرة وكيف أن اندلاعها قد خدم السيسي بشكل مباشر فقال " إن بايدن كان يرفض الاتصال بالسيسي، ولكن حين أراد بايدن التهدئة، لم يجد طريقة بالضغط على حماس إلا مصر فقام بالاتصال على السيسي"، معرباً عن اعتقاده بأن اتصال بايدن بالسيسي "أذاب الجمود في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية".

ومن وجهة نظر المصدر "أن هناك رؤية مصرية، ولكنها غير مستندة إلى وقائع عملية وقدرات مالية ووجهات تمويل، حيث الحديث يبقى بالعموم عن مشاريع كبيرة كالطرق والمدن السكنية وغيرها"، جازماً أن هناك ممن حضروا اللقاء الأخير في القاهرة " غير مقتنع ويتحفظ على الطروحات المصرية للإعمار والمشاريع المعلنة، و لكن ربما ليس لديهم الجرأة في التعليق عليها سلباً، لأن مجرد التعليق سلباً من المؤكد "سيؤثر على معبر رفح بالتحديد، وعلى دخول المسافرين والبضائع من خلاله لغزة"، كما قال. 

ويتفق المحلل الاقتصادي محمد أبو جياب مع من سبقه، بأن المشاريع المصرية المعلنة يطغى عليها السياق السياسي بشكل أكبر من السياق الاقتصادي والإعمار الحقيقي لغزة، ولكنه يرى –في نفس الوقت- أنه بدأت ملامح بعض المشاريع تظهر وكأنها حقيقية من خلال اعلان اللجنة المصرية عن نفسها وطرحها أول عطاء لمشروع تطوير شارع "كورنيش البحر" بشمال بيت لاهيا.

وعبر أبو جياب عن اعتقاده لــ"زوايا" بأن طرح العطاء الأول يُعطي مؤشراً بسيطاً إلى "ملامح بدء العمل"، لكن ما طبيعة وحجم هذا العمل ومدى تأثيره واستمراريته؟ "ما زالت الإجابات على هذه الأسئلة غير واضحة، كما أن جهات الدفع للمال المصري ليست مفهومة".

كما تساءل أبو جياب "هل الدولة المصرية هي التي تشتغل بشكل مباشر عبر جهاز المخابرات الذي يتحكم في هذا الملف؟"، مضيفاً " كل ما يتم ذكره من مشاريع، يُمكن أن يرى النور وممكن أن يختفي !".

وأكد المحلل الاقتصادي، أن أية إعلانات عن مشاريع مطروحة يجب أن يتزامن معها الإعلان عن الميزانيات المرصودة لها ولو حتى تقريبية، مشيراً بالقول "يبدو أننا أمام مشاريع اقتصادية مرهونة بالمقايضات السياسية، حيث يتوقف وضوحها وتحقيقها على طبيعة العلاقة المتذبذبة ومدى تقدم المباحثات الدائرة بين حركة حماس ومصر في المرحلة الحالية حول ملفات سياسية عديدة تتمحور حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، على حد تعبيره.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo