زاوية حادة المقال الأسبوعي

لا مفاوضات لغزة بل عليها

لا مفاوضات لغزة بل عليها
لا مفاوضات لغزة بل عليها

في القاهرة اجتمعت الفصائل الفلسطينية اكتوبر 2025 من جديد تحت عناوين الوحدة والمصالحة و مناقشة خطة ترمب مايسمى للسلام ، لكن خلف تلك الطاولة الثقيلة جلس فشلٌ قديم بثياب جديدة.

منذ عامين من الحرب والدمار، لم يخرج الفلسطينيون من المربع الأول، بل عادوا إليه أكثر انقسامًا وأقل ثقة. كان يُفترض أن يكون اجتماع القاهرة مراجعة وطنية صادقة، لكنه تحوّل إلى مشهدٍ شكليٍ آخر تُرفع فيه الشعارات وتنتهي عند حدود الميكروفونات.

الآن تُدار أزمة غزة وكأنها ملف إنساني بحت، لا قضية وطنية.

العالم كلّه يحاول تحويل مأساة غزة إلى كيس طحين وعلبة حليب، في مشهدٍ يُخفي وراءه نزع الطابع السياسي عن الصراع.

لم تعد المسألة تتعلق بالتحرير أو بالحقوق الوطنية، بل بإدخال شاحنة ديزل إضافية أو السماح بمرور قافلة مساعدات.

وهكذا يُعاد تعريف القضية الفلسطينية لتصبح أزمة معيشية لا مشروعًا وطنيًا للتحرر.

هذا التحويل المتعمّد من السياسي إلى الإنساني ليس بريئًا، بل هو جزء من عمليةٍ أوسع لتفريغ الوعي الوطني الفلسطيني.

يترافق ذلك مع إعادة تسويق حلّ الدولتين بغطاءٍ أمريكي وإسرائيلي يضمن أمن الاحتلال لا حقوق الشعب الفلسطيني.

وما يثير القلق أكثر أن بعض الفصائل، وعلى رأسها حركة حماس، سايرت هذا المنزلق وهي تلهث وراء التخفيف بدل التحرير، مختزلةً كل تضحياتها في كيفية تمرير شاحنة وقود عبر المعبر.

أما منظمة التحرير الفلسطينية فقد غابت عن المشهد كفاعلٍ مؤسسي.

تلك التي كانت يومًا الخيمة الجامعة باتت اليوم هيكلًا إداريًا بلا روح.

حوّلتها السلطة الفلسطينية إلى ذراع سياسية تابعة، وصادرت منها قرارها التاريخي كممثلٍ شرعيٍ ووحيدٍ للشعب الفلسطيني.

وبهذا التفريغ المتواصل، تفكّكت العلاقة بين المنظمة والشعب، كما تفككت الروابط بين الفصائل ذاتها.

وفي الجهة المقابلة، ما زالت حماس متمسكة بشرعية موازية خارج إطار المنظمة، تتصرّف ككيانٍ بديل لا كمكوّن وطني.

هذا الإصرار عمّق الانقسام البنيوي والهيكلي، وجعل غزة والضفة كيانين منفصلين لا يربطهما سوى علمٍ مكسور اللون.

فالانقسام لم يعد سياسيًا فحسب، بل صار بنية قائمة بذاتها تعيش على الفشل وتُغذّي استمراره.

ويُضاف إلى ذلك ما يُطرح في الغرف المغلقة عن إدارة دولية لقطاع غزة عبر شخصياتٍ تدور في فلك إدارة ترامب، وكأن القطاع أرضٌ بلا أهل.

هذه الطروحات، وإن تزيّنت بشعار الاستقرار، لا تعدو كونها وصايةً جديدة تُعيدنا إلى تجربة بول بريمر في العراق حين أدار بلدًا من خارجه فحوّله إلى رماد.

فالتاريخ يعلّمنا أن لا أحد يمكنه حكم غزة إلا أهلها، وأن أيّ مشروعٍ سياسي لا ينبع من داخل النسيج الفلسطيني محكومٌ عليه بالسقوط.

ترامب قد يعطي اليوم إشاراتٍ خضراء عابرة لحماس، لكنه قادرٌ في لحظةٍ واحدة على قلب الطاولة.

غير أن الخطر الحقيقي ليس في تقلّب ترامب، بل في غياب المشروع الوطني الفلسطيني الذي يصمد أمام تقلّبات الخارج.

وفي خضمّ هذا المشهد المترهّل، برز سؤالٌ جديد في القاهرة:

أين حركة فتح؟

لقد غابت الحركة الأم، بينما حضر ما يُسمّى تيار الإصلاح الديمقراطي بقيادة دحلان.غياب فتح الرسمي أثار علامات استفهامٍ كبيرة:

هل هو قرار تكتيكي لتجنّب منح حماس شرعية سياسية مجانية؟

أم هو انسحاب غير محسوب من ساحةٍ يُعاد فيها ترتيب المشهد الفلسطيني؟

تيار دحلان لم يترك الفرصة تمرّ.

حضر، وتحدث، وملأ فراغ التمثيل الفتحاوي أمام الإعلام والوسطاء.

بينما بدت القيادة الرسمية لفتح وكأنها تسلّمت دور المتفرّج في معركةٍ كانت يومًا معركتها.

زاوية حادة تسئل

الاجتماع الفصائلي في القاهرة ناقش المرحلة الثانية وخيارات إدارة غزة لكن فتح الرسمية غابت أو خفّضت تمثيلها بينما حضر تيار الإصلاح الديمقراطي بقيادة دحلان.

غياب فتح يعود إلى حسابات سياسية وتنظيمية معقدة: رغبة في تفادي الاعتراف الضمني بحماس كشريك متكافئ وحرص على تجنّب الظهور في مشهد لا تسيطر عليه المنظمة، إضافة إلى انقسامات داخلية حول القيادة والخلافة وتوجّس من تقلب الموقف الأمريكي في حال تغيّر الإدارة. كما خشيت الحركة من دفع كلفة إعلامية داخلية دون مكسب سياسي حقيقي.

في المقابل استغلّ تيار دحلان الفراغ ليقدّم نفسه كـ واجهة فتحاوية بديلة منفتحة على الوسطاء المصريين مستعدّة للمشاركة في ترتيبات ما بعد الحرب ضمن تصور “لجنة تكنوقراط”. حضوره حمل رسالة ضغط داخلية على القيادة الرسمية، وإشارة إلى أن تمثيل فتح لم يعد حكرًا على مركز رام الله ومن يترك مقعده طويلًا، سيجد غيره يجلس مكانه... ويتحدث باسمه

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo