تقرير قطار شباب غزة يمُر.. ولم يحصل على "شقة العمر"

شاب فلسطيني يقف على عتبة بيته في قطاع غزة
شاب فلسطيني يقف على عتبة بيته في قطاع غزة

كثيرة هي القصص والوقائع المريرة، التي تكابدها عائلات قطاع غزة في سبيل توفير شقة سكنية تُريحهم من الإيجارات، خاصة الشباب الذين سار بهم قطار العمر دون تحقيق أحلامهم بتكوين أسرة مطمئنة في "شقة العمر".

تصاعدت أزمة نقص الشقق السكنية في السنوات الأخيرة في قطاع غزة، المحاصر للعام الرابع عشر على التوالي، لتسجل أرقاماً غير مسبوقة بالقطاع.

وكان لظروف الحصار الإسرائيلي التأثير الأبرز بهذه الأزمة، إلى جانب الحروب الثلاثة التي شنها الاحتلال على القطاع، وجولات التصعيد والقصف العشوائي بين الفينة والأخرى.

ووفقاً لأحدث إحصائيات وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، فإن القطاع بحاجة لبناء 120 ألف وحدة سكنية للتخلص مع العجز الحاصل، عدا عن بناء 14 ألف وحدة أخرى بشكل سنوي لمراعاة الزيادة السكانية.

ويعيش أكثر من 2 مليون نسمة في بقعة جغرافية لا تزيد عن 365 كيلومتراً مربعاً، في حين أن 67% من السكان هم من اللاجئين، ومنهم 50% يعيشون في المخيمات.

وترتفع الكثافة السكانية في قطاع غزة بشكل كبير، وتعتبر من الأعلى عالميا، إذ بلغت (5138 نسمة/كم2) عام 2017، مقارنة مع كثافة في الضفة الغربية بلغت (500 نسمة/كم2)، أي أن الكثافة السكانية تزيد في القطاع نحو 10.3 مرة عما هو في الضفة.

وفق إحصائيات بقطاع غزة، تحتاج 25 ألف وحدة سكنية إلى إعادة بناء، وهي غير قابلة للسكن حالياً.

وأيضا، يوجد 60 ألف وحدة سكنية بحاجة للترميم لتصبح متكيفة مع المعايير الدنيا للمنازل والوحدات السكنية.

ودمرت الحروب وجولات التصعيد الإسرائيلية آلاف الوحدات السكنية في قطاع غزة، ما فاقم الأزمة على نحو غير مسبوق.

وحسب الإحصائيات، فإن أكثر من 11 ألف وحدة دُمرت كلياً في عدوان 2012، و300 وحدة دمرت بعدوان عام 2012، و3 آلاف وحدة دُمرت بعدوان عام 2008، إلى جانب 230 وحدة دُمرت في جولات التصعيد الأخيرة.

ويشير تقرير التنمية الإسكانية المستدامة في فلسطين (2007-2017)، الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في آب/أغسطس الماضي إلى أن عدد المساكن المأهولة في قطاع غزة إلى وصل إلى 334 ألف و710 مسكنا في عام 2017، مقارنة مع 214 ألفا و760 مسكنا في عام 2007.

وتشكل الشقق (256518 شقة) نسبة 76.6 بالمئة، والدور (72090 دار) نسبة 21.5 بالمئة، والغرف المستقلة (3071) نسبة 0.92 بالمئة، والفلل (1571 فيلة) نسبة 0.46 بالمئة، والكرفانات (1092 كرفان) نسبة 0.32 بالمئة، والخيم (197 خيمة) نسبة 0.05 بالمئة، من إجمالي المساكن المأهولة في عام 2017.

مساكن مأهولة في قطاع غزة

 

محاولات فاشلة وتظلمات

ويعجز الكثير من الشباب الغزيين عن امتلاك الشقق السكنية أو المشاركة في الجمعيات الإسكانية لبناء أبراج سكنية جديدة، نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

ويعد ذلك سببا في عزوف الكثير من الشباب عن الزواج، أو لاضطرار من يتزوج منهم إلى السكن في منزل العائلة، والتكدس داخل منزل واحد.

وباءت بالفشل محاولات الموظف بحكومة غزة الشاب محمد محمد الخطيب في امتلاك شقة سكنية.

ويعيل الخطيب أسرة مكونة من سبعة أفراد، ويسكن بالإيجار منذ اثني عشر عاماً.

وذكر لموقع "زوايا" جزءاً من معاناته خلال سنوات زواجه لتوفير شقة سكنية تؤويهم، في حين يطالب بصرف مستحقاته الوظيفية لتلبية "حُلم طال انتظاره"، على حد وصفه.

ويقول الخطيب: "لقد عانيت من الإيجار ومشاكله كثيراً، وراتبي لا يكفي لدفع الإيجار وتحقيق متطلبات الحياة، فسجلت بمشروع إسكان مدينة حمد جنوب قطاع غزة، ولكن لم يحالفني الحظ بالقرعة".

وبين أن راتبه لا يتعدى 1400 شيقل، وفقاً لنسبة الصرف المتاحة في الحكومة، وهي 40% من الراتب.

وتتعقد الظروف أمامه، مع تأخر استلام الراتب إلى أكثر من شهر، مما كان يوقعه في الحرج والمشاكل مع المؤجرين، إلى حد أنه تم طرده مرتين من قبلهم، بحسب ما قاله الخطيب.

اقرأ أيضا: قانون للجمعيات بفلسطين يفاقم مخاوف تغول السلطة التنفيذية

وأضاف: "سجلت في وزارة الأشغال العامة والإسكان منذ حوالي أربعة أعوام، وبعد مراجعات عديدة، جاءوا لبيتي للبحث والتأكد من احتياجي، ووعدوني بالرد حال تنفيذ مشاريع إسكانية جديدة نظراً لأحقيتي بامتلاك شقة. لكن فيما بعد أبلغوني أن نظامهم لا يسمح بتوفير شقق للموظفين".

وأردف الخطيب في سرد محاولاته الفاشلة لتوفير منزل يأويه، فقال: "اضطررت لسحب معاملة بنكية لشراء مواد بناء وبيعها لأجل شراء منزل متواضع مقام على أراض حكومية، غير أن قيمة المبلغ الذي توفر كان أقل من تكلفة المنزل المتاح".

وتابع "لم أيأس فلجأت لمشروعات إسكان ذوي الدخل المحدود لسحب شقة بالتقسيط عن طريق بنك الإنتاج، لكن هذه المحاولة فشلت، لأن ما يتبقى من الراتب لا يكفي لسداد أقساط الشقة، بسبب تراكم المعاملات البنكية التي لجأت لها لتوفير الاحتياجات الأساسية لأي منزل من غسالة وثلاجة وبوتاجاز".

وفي حالة مشابهة، طرقت الموظفة (أروى. ت.) الأبواب الحكومية، لتحصل على شقة سكنية وتستريح وعائلتها من عناء الايجارات منذ 12 عاماً، لكن دون أي جدوى.

وقالت لموقع "زوايا": "طرقت أبواب المسؤولين في الوزارات المختصة، للنظر لنا بعين الرحمة، ولكن لا حياة لمن تنادي".

وانتقدت ردود المسؤولين، وقالت: "كل مسؤول يسوق علينا النزاهة والشفافية في التوزيع ويزعم أن الاستفادة للمستحقين فقط، رغم أني أبلغتهم بأسماء أشخاص لا يستحقون استفادوا من شقق مدينة حمد، على شكل منحة دون أي مقابل، وحصلوا عليها لاعتبارات حزبية، وفي الحقيقة فإنهم يملكون عقارات".

والحسرة بادية على حديث أروى، أكملت "حتى إسكان ذوي الدخل المحدود مجحف، حيث يطلب أربعة كفلاء من بنك الإنتاج، وهذا من رابع المستحيلات إيجادهم، لأن عدد المتعاملين معه قلة، فضلاً عن أن مساحة الشقق التي يوفرها "85 متراً عظم" وبقيمة 23 ألف دولار، وهذا لا يتناسب مع احتياج أسرتي البالغ عددها عشرة أفراد".

ونوهت إلى أن المرحلة الثالثة من مدينة حمد، سلمتها وزارة الإسكان لبنكين بغزة (الإنتاج والوطني الإسلامي)، بحيث صارت تُباع الشقة فوق طاقة الموظفين بـ 32 ألف دولار.

وعبرت أروى عن يأسها من تحقيق حلمها في امتلاك شقة سكنية تناسب وضع أسرتها في الوقت الراهن، مالم يتحرك ملف صرف المستحقات المالية لموظفين حكومة غزة.

وشاركت مؤخراً في وقفة احتجاجية لهذا الغرض، غير أن تفاعل الموظفين كان ضعيفاً خشية من التبعات على مستقبلهم الوظيفي، وفق رأي أروى.

وأطلق الشباب من الموظفين الباحثين عن "شقة العمر"، حملة إعلامية على واقع التواصل الاجتماعي، للمطالبة بشقق سكنية تحت شعار "حقي العيش بكرامة".

وتحت هاشتاغ "#حقي_شقة_سكنية"، طالب الموظفون حكومة غزة بتمكينهم من الحصول على شقة من مستحقاتهم المالية المتراكمة، والتي لم يتم صرفها لهم منذ أعوام.

حملة حقي شقة سكنية
اطلاق حملة للمطالبة بشقق سكنية للموظفين

كذلك، هدد الموظفون المشاركون بالحملة، خاصة المستأجرين منهم، بتصعيد احتجاجاهم في حال عدم الاستجابة لهم.

إلى جانب أنهم طالبوا بصرف جزء من مستحقاتهم، حتى يتسنى لهم دفع بدل إيجار البيوت التي يسكنونها في الوقت الحالي لحين توفير شقق سكنية لهم.

صندوق الإسكان

وفي معرض رده على أسئلة موقع "زوايا" حول دورهم في الإسكان الشبابي، أفصح وكيل وزارة الإسكان ناجي سرحان خلال مؤتمر صحفي عقده مؤخراً في غزة بتاريخ الرابع من مارس الجاري، عن خطة وزارته للعام 2021، والتي تتضمن إطلاق "صندوق الإسكان"، كأحد أهم المتطلبات لتجاوز العقبات والعجز في قطاع الإسكان.

ويهدف الصندوق إلى تمكين المواطن الفلسطيني من الحصول على وحدة سكنية ملائمة من خلال منح قروض عقارية دوارة، للاستثمار العقاري، وتمويل دراسات وأبحاث في مجالات ذات علاقة مثل سياسات الإسكان ومواد البناء وتشجيع المبادرات والمشاريع الإبداعية، والمساهمة في مشاريع تحسين ظروف السكن للفقراء من خلال تخصيص جزء من الأرباح إن وجدت لهذه الشريحة.

وبين أن الخطة تتضمن أيضاً استكمال جهود الوزارة في مبادرة "سكن كريم لعيش كريم" بالتنسيق مع وزارة التنمية الاجتماعية، عبر السعي لدى الجهات الداعمة والممولة لتوفير التمويل للبرنامج.

وتهدف المبادرة إلى تحسين ظروف السكن في قطاع غزة، وقامت بإنشاء قاعدة بيانات للمواطنين المتقدمين بطلبات من أجل السكن، وتضم المنظومة ما يزيد عن 50 ألف أسرة تم عمل مسح اجتماعي هندسي وتصنيف التدخلات المطلوبة لكل أسرة وأولوياتها.

وقامت الوزارة من خلال هذه المبادرة بترميم وإعادة تأهيل وبناء ما يقارب 9000 منزل من منازل الفقراء والحالات الاجتماعية بالتنسيق مع العشرات من المؤسسات الممولة المحلية والدولية، بتكلفة تصل إلى 65 مليون دولار، واستفاد منها ما يزيد عن 55 ألف، كما قال سرحان.

وكان ضمن ما استعرضه سرحان -خلال المؤتمر الصحفي- من إنجازات متعلقة بالإسكان، أن وزارته أشرفت على تصميم وتنفيذ وبناء ما يزيد عن 7000 وحدة سكنية ضمن المشاريع الإسكانية في قطاع غزة سواء مباشرة عبر الوزارة أو بالتنسيق مع الشركاء، وقد بلغ عدد المستفيدين من مجمل تلك المشاريع حوالي 40 ألف مواطن.

وذكر أن من أبرز تلك المشاريع: مدينة سمو الشيخ حمد السكنية، ومجموعة من العمارات المتفرقة في عدة محافظات، ومدينة الأمل السكنية، والمشروع الياباني، والمشروع السعودي (1،2)، والمشروع الإماراتي، وغيرها، وذلك بتكلفة إجمالية تتجاوز 300 مليون دولار أمريكي.

وبين سرحان أن الوزارة قامت بتخطيط 13 مشروعاً إسكانياً وفقاً لمعايير عمرانية وتخطيطية تلائم واقع السكن في قطاع غزة، تضم مجمعات سكنية ومرافق عامة ومساحات خضراء وخدمات على مساحة إجمالية تقدر بقرابة 3700 دونم، ستساهم في زيادة الرصيد الوطني بقرابة 35 ألف وحدة سكنية، وستخدم حوالي 190 ألف شخص.

كما قامت الوزارة بتخطيط مجموعة من مشاريع الإسكان التي تستهدف ذوي الدخل المحدود لتمكينهم من البناء على قطع أرض بنظام جمعيات الإسكان مثل: حي البراق والإسراء وبيسان والفرقان وطيبة وغيرها.

واستعرض سرحان ما تم إقامته فعلياً من مشاريع الإسكان، كمشروع مدينة حمد السكنية التي ضمت 2500 وحدة سكنية بقيمة 135 مليون دولار، ومشروع مدينة الأمل السكنية التي تتكون من 288 وحدة سكنية بقيمة 25 مليون دولار.

كما تم إقامة مجمعات سكنية متفرقة ضمن مشروع إسكان الهدى والقسطل وبيسان بإجمالي 300 وحدة سكنية بقيمة 13 مليون دولار، إضافة لتنفيذ (3) مجمعات سكنية تضم 564 وحدة سكنية.

الجمعيات الإسكانية

ولا يختلف حال، رولا أبو مصطفى، الموظفة في القطاع الخاص عن سابقيها في معاناة الحصول مسكن كريم.

لكنها فضلت أن تختصر على نفسها وزوجها معاناة غيرها من اللاهثين وراء "شقة العمر"، بالتسجيل في جمعية إسكانية تضم عشرين مشتركاً، يتم من خلالها تخصيص قطعة أرض لهم من سلطة الأراضي "مدفوعة الثمن"، لبناء شقق سكنية فوقها بشكل رأسي.

وبعد عشرة أعوام على التجربة، عبرت أبو مصطفى لموقع "زوايا" عن ندمها قائلة "ليتني لم أسجل في الجمعية وضيعت تحويشتي والعمر في الانتظار".

وفسرت ندمها بأن محاولاتها للحصول على شقة جاهزة سواء لدى الجهات حكومية أو غيرها تبوء بالفشل، بسبب أنها مصنفة لدى كل الجهات بأنها "مستفيدة".

وأرجعت أبو مصطفى عوامل عدم نجاحها في تجربة المشاركة في الجمعية الإسكانية، إلى أن معظم المشتركين معها في الجمعية موظفين، ولم يقدروا على البناء، بسبب تقلص رواتبهم وغلاء أسعار مواد البناء خلال الأعوام الماضية.

اقرأ أيضا: غزة المُهملة.. الشتاء يكشف عورة الطرقات وهشاشة المنازل

إلى جانب ذلك، واجهت الجمعية عزوف شركات المقاولات والمستثمرين عن البناء بالتقسيط المريح، وخوفهم من المجازفة في ظل الوضع المالي والمأساوي المتراكم في قطاع غزة.

ومما يثير مخاوف أبو مصطفى وغيرها من المشتركين في الجمعيات الإسكانية، أن سلطة الأراضي ووزارة العمل والتنمية في غزة، أبلغتا الجمعيات الإسكانية، أنه سيصدر قرار قريب باستعادة الأراضي المخصصة للجمعيات التي لم تنفذ بعد مشاريعها الاسكانية.

كذلك اشترطت عليهم استكمال ثمن سعر الأرض، حتى تبقى بحوزتهم ويتسنى لهم الاستفادة والتصرف في بيعها، طالما أنهم غير قادرين على الاستفادة من الغرض الذي خصصت لأجله.

وفي رده على ما سبق، أوضح أ. نبيل المبحوح، مدير عام هيئة العمل التعاوني بوزارة العمل بغزة، أن هناك مقترحاً قيد الدراسة للجمعيات التعاونية الاسكانية التي استلمت أراضي حكومية ولم تباشر البناء.

ووفق المقترح، تدفع الجمعيات ما قيمته 20% من قيمة الأرض، بالإضافة الي المبلغ المستحق عليهم 60% حتى يتم تحويلها "ملكية"، وبالتالي يصبح لهم الحق التصرف بها في البيع.

ويشترط أيضا، أن تأخذ الجمعيات التعاونية مهلة لمدة محددة للبدء في عملية البناء لا تزيد عن ثلاثة أشهر.

وأوضح المبحوح في تصريحه المقتضب لموقع "زوايا" أن عدد الجمعيات التعاونية الإسكانية المُدرجة لديهم منذ إنشاء السلطة الفلسطينية ١٣٦ جمعية تعاونية.

ومنذ تبني فكرة الإسكان التعاوني، حصلت 64 جمعية على أراضي حكومية، منها 33 جمعية انتهت من عملية البناء، و11 جمعية قيد الانشاء، في حين أن 20 جمعية لم تباشر البناء مطلقاً.

 وأشار إلى وجود 72 جمعية إسكانية تعاونية لم تستلم بعد قطعة أرض، منها 33 جمعية في طريقها إلى التصفية، لعدم استكمال إجراءات التسجيل، ولم تقدم تقاريرها الخاصة بتجديد مجالسها الإدارية.

 مبادرات تشق طريقها

وأمام انسداد الأفق الحكومي في إيجاد حلول جذرية للإسكان الشبابي، فقد اتجه الشباب حديثاً إلى مبادرات إسكانية متواضعة، وهو ما تحدث عنه كايد جربوع رئيس المبادرة الهندسية للإسكان ورئيس الاتحاد العام للهيئات الشبابية سابقاً.

 واستعرض جربوع البدايات لفكرة المبادرة الأولى، والتي كانت من أحد رجال الأعمال العاملين في شركات المقاولات، والذي طرح عليهم إنشاء مدينة إسكانية على أراضي حكومية تحقق أقل التكلفة واليُسر في التقسيط، لفئة الشباب الراغبين في الحصول على شقق سكنية.

وأوضح أن الفكرة لاقت استحساناً في مجلس إدارة الاتحاد العام الذي كان يرأسه، حيث تم طرحها على الجهات المعنية في حكومة غزة، ممثلة بوزارة الإسكان وسلطة الأراضي والحكم المحلي، والذين بدورهم سجلوا الكثير من الملاحظات عليها.

ولفت إلى أنه بعد تحشيد الفكرة وافقت هذه الجهات على تخصيص أرض للمشروع في منطقة شمال قطاع غزة على مساحة أربع دونمات، من أجل إنشاء أربع عمارات سكنية بمعدل ثمانية طوابق يحوي كل واحد منها 6-8 شقق بمجموع 50 شقة، وكان هذا هو المشروع الأول الذي جرى تنفيذه وتسليمه من قبل "الاتحاد الشبابي".

وكان الاتحاد العام للهيئات الشبابية واللجنة الشبابية للإسكان، قد أعلن أواخر العام الماضي عن البدء في توزيع شقق البرج الأول من مشروع الإسكان الشبابي في قطاع غزة، على الشباب الذين وافقوا المعايير التي خضع لها المتقدمون وأهمها: الحاجة للسكن، العمر من 23 إلى 40، متزوج، وحسن السير والسلوك.

واستعرض جربوع في حديثه لموقع "زوايا" ما يتوفر لديه من أرقام حول العجز والطلب في قطاع غزة لأكثر من 100 ألف وحدة سكنية، بسبب النمو السكاني، وتأخر الإعمار، والحصار على غزة.

وأشار إلى أنه تقدم لديهم في أول مشروع 40 ألف مواطن بطلبات لامتلاك شقة سكنية، لكنهم لم يستطيعوا تلبية سوى 200 طلب من عدد المتقدمين، وذلك وفقاً لآليات التسجيل والأعداد البسيطة المتوفرة لديهم.

وفي التفاصيل، ذكر جربوع أنه بدأ فعلياً عام 2019 العمل بالمشروع الأول، فكان الاقبال عليه كبيراً من فئة الشباب، حيث تم طرح سعر الشقة بسعر 11 ألف دولار، ليتم دفع ستة آلاف دولار دفعة أولى والباقي على أقساط، إضافة إلى دفع كل مستفيد 2000 دولار أخرى لسعر الأرض المخصصة، ويتم تقسيطها خلال خمسة أعوام لصالح لسلطة الأراضي.

أما المبادرة والمشروع الثاني، والتي سميت "المبادرة الهندسية لإسكان ذوي الدخل المحدود والأسر الشابة"، فقد طُرحت وفق حديث جربوع على الحكومة بغزة بتخصيص أرض جديدة، ولكن لم تستجب سلطة الأراضي لهذا الطلب.

ونتيجة لذلك، توجهوا إلى التفكير في استثمار أراضي الموظفين والجمعيات الاسكانية التي مضى على إنشائها أعوام وهي متوقفة ولا يوجد بها أي تطور، نظراً لعدم استطاعة أصحابها البناء عليها بسبب الأزمة في رواتبهم.

وحسب جربوع، هناك شقق في غزة تزيد عن 30 ألف وحدة سكنية غير مأهولة، قد يكون أصحابها عجزوا عن استكمال تشطيبها، فضلاً عن الإحجام عن الشراء نتيجة لارتفاع أسعارها وانخفاض القدرة الشرائية بسبب قلة السيولة المالية وضعف الرواتب.

وقال: "بالفعل استطعنا عام 2020 بالتعاقد مع جمعية إسكانية لبناء عمارة سكنية في بيت لاهيا شمال القطاع، وهي مؤلفة من تسعة طوابق كل طابق يضم ثمانية شقق بمعدل إجمالي 72 شقة، حيث تبلغ قيمة الشقة عظم 15 ألف دولار نصفها دفعة واحدة والباقي أقساط".

ونوه إلى أنه خلال العام الحالي 2021 سيخطون أيضا نحو مشروع ثالث، للبناء على قطعة أرض يمتلكها مجموعة من الموظفين كانوا قد حصلوا عليها من مستحقاتهم الوظيفية.

ولم تخلُ هذه المبادرات والمشاريع الإسكانية من مواجهة العراقيل، التي زعم جربوع أنهم تغلبوا عليها في المشروعين المنفذين حتى اللحظة، ومنها ما لم يستطيعوا التغلب عليها.

وتمثلت هذه الصعوبات في إعاقة تخصيص قطع أراضي بأسعار مناسبة وميسورة التقسيط من قبل سلطة الأراضي، وغلاء سعر أراضي الموظفين، إضافة إلى ارتفاع أسعار التراخيص من قبل البلديات.

واعتبر أن الأصل من تلك الجهات مراعاة ظروف حاجة الشباب للسكن بتخفيف الإجراءات وتخفيض الأسعار، وحتى إعفاء شركات المقاولات من بعض الرسوم والضرائب أو تخفيضها، حتى يكون هناك تنافس وإقبال أكبر في تقديم عروض أفضل لصالح الشباب في تنفيذ مثل هذا النوع من المشاريع الاسكانية.

وقال: "هناك مساحة كبيرة من القانون تسمح بدعم هذه المشاريع التعاونية وفق النظام الموجود في وزارة العمل".

وانتقد جربوع ما قال عنها "الأدوار المتأخرة والضعيفة"، التي يجب أن تقوم بها هيئة الشباب والثقافة والمجلس الأعلى للشباب والرياضة في مناصرة الشباب بهذا الاتجاه.

 وطالبهم بالقيام بدور أكبر لتسهيل وتقديم خدمات أفضل ودعم المبادرات والمشاريع الإسكانية وتذليل كل العقبات أمام تحقيقها.

ونبه إلى الدور المنوط بوزارة العمل التي تقوم بالإشراف على جمعيات الاسكان التعاوني، في إزالة العقبات التي تقف حائلاً دون تنفيذ أصحاب هذه الجمعيات التعاونية لمشاريعهم الاسكانية.

ودعا جربوع السلطات التشريعية إلى دعم مبادرات ومشاريع الاسكان الشبابي وذوي الدخل المحدود، من خلال المراقبة على عمل وأداء الحكومة وحثها على إنجاح المبادرات المتعلقة بها.

وطالب المؤسسات الدولية المانحة أن تدعم وتقدم المنح لهذه المشاريع، حيث أن النظام والقانون يسمح بتقديم المنح والمساعدات للمشاريع الخدماتية، وعلى الأقل أن يكون هناك فرص لإقراض للشباب الراغبين في الحصول على شقق سكنية.

ويرى جربوع بأن أكبر عقبة تواجه المتقدمين للحصول على "شقة العمر" هي الدفعات الأولى التي تلزم المستثمرين أو شركات المقاولات للبدء بهذه المشاريع.

واقترح أن يتم دفع هذه الدفعات الأولى وفق نظام القروض الحسنة والميسرة للشباب من خلال مؤسسات الإقراض العاملة في هذا المجال، مثل: صندوق الاستثمار أو صندوق دعم الشباب أو صندوق الإسكان،

خطة حكومية مع القطاع الخاص

وحول الدوافع والأسباب التي استدعت القيام بمبادرات الإسكان الشبابي، فقد ذكر المحلل الاقتصادي محمد أبو جياب لموقع "زوايا"، عوامل أدت إلى إحداث حالة من الفراغ في عمليات الإسكان.

 ومن أهم هذه العوامل، الحصار الإسرائيلي، وحالة التوقف شبه التام في عمليات التطور السكاني على مستوى الإنشاءات والإعمار، والحروب الإسرائيلية على غزة التي دمرت عشرات آلاف الوحدات السكنية، في مقابل تراجع القدرة الاقتصادية للمواطن الفلسطيني، وبالتالي الحد من قدرة هؤلاء على البناء والتوسع.

ويضاف لذلك، حالة الاكتظاظ السكاني في المنازل الفلسطينية وشيوع ما يعرف الاسكان العائلي بمعنى الأسر الممتدة في المنزل الواحد.

واعتبر أبو جياب كل العوامل السابقة أدت إلى ظهور مبادرات الإسكان الشبابي في محاولة للحد من انعكاسات هذه الحالة والتخفيف من حدتها.

وبخصوص نجاح هذه المبادرات من عدمها، فقد أكد أبو جياب لـ"زوايا" أن أي مبادرة لا تكتمل ولا تتماهى مع المخطط الحكومي الرسمي في معالجة أزمات الاسكان بشكل عام في غزة، ستكون إما تجربة فاشلة أو تجربة منقوصة بابتعادها عن شبكات الخدمات الأساسية سواء طرق، مياه، كهرباء، صرف صحي أو غير ذلك.

وقال: "يمكن أن تكون تواجه هذه المبادرات إشكاليات كبيرة على مستوى التراخيص والبناء وحتى الضمانات للمشاركين في مثل هذه المشاريع".

وأوضح أنه لا يمكن تقييم هذه المشاريع بشكل مطلق، بل تجي عملية التقييم لكل مشروع على حدا.

وأكمل أبو جياب: "العجز الحالي في المساكن يصل إلى 100 ألف وحدة سكنية، ونحتاج إلى زيادة تفوق 15- 20 ألف وحدة سنويا وفق التمدد الطبيعي للسكان في غزة".

وعن المعوقات التي تحول دون إنجاز المشاريع السكانية للشباب، ذكر أبو جياب: "هذه المشاريع لا تحتاج إلا لرؤية حكومية منظمة وواضحة تشترك مع القطاع الخاص، فمن غير المنطقي أن تعول دائماً الحكومة على توفير ممولين أو مانحين من الخارج لبناء شقق سكنية، كما حدث في التجربة القطرية".

وأكد على ضرورة أن تخصص الحكومة والجهات المختصة، الأراضي اللازمة وفقاً لمخطط عمراني حديث ومطور يتناسب مع الخطط والتطور العمراني للبلد.

ويرى أن تُطرح المشاريع الإسكانية للتشارك والاستثمار الحقيقي مع القطاع الخاص ضمن مجموعة من الضوابط والمعايير، من أجل أن يكون لدينا مجموعة مشاريع إسكانية تتوافق مع ما هو موجود بدول الجوار، بحيث تسد العجز الحالي وتلبي الطلب السنوي على الشقق.

وهذا المخطط يجب أن يكون وفق سياسة حكومية موحدة، ولا يكون ضمن مبادرات من بعض المؤسسات أو المانحين، كما تحدث أبو جياب.

وأضاف أبو جياب "إذا لم نصل لهذه الاستراتيجية الموحدة والتشاركية ما بين العمل الحكومي كناظم وضابط وحامي ومشرع لهذه المشاريع، والقطاع الخاص كمستثمر ومستفيد على المستوى الاستثماري، فلن يكون لدينا للأسف رؤية لحل هذه الأزمة قريبا، وكل يوم يمر دون معالجة هذه الأزمة يزيدها تعقيدا".

المصدر : غزة- خاص زوايا
atyaf logo