تقرير مختصون: بناء مصر مدينة سكنية بغزة "شو إعلامي"

السنوار برفقة رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية في قطاع غزة
السنوار برفقة رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية في قطاع غزة

أجمع ساسة ومختصون على أن بناء "مدينة مصر السكنية" في قطاع غزة، غير واقعي على الأرض حتى اللحظة، في حين وصفها البعض منهم بأنها مجرد "فنكوش" الغرض منها "البروباغاندا" الإعلامية ليس أكثر.

ووضع مدير جهاز المخابرات المصرية، عباس كامل، ورئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، الاثنين 1يونيو الجاري، حجر الأساس لبناء حي سكني في القطاع، بإشراف وتمويل مصري.

جاء ذلك، خلال الزيارة التي أجراها مدير المخابرات للقطاع، لبحث تثبيت التهدئة مع "إسرائيل"، وإعادة الاعمار بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، وملف تبادل الأسرى.

وأجرى كامل، برفقة السنوار وعدد من قيادات حركة حماس، زيارة تفقدية للموقع المقرر لإنشاء الحي السكني، والواقع في منطقة الزهراء جنوبي مدينة غزة.

ولم يُدلِ كامل بأية تصريحات خلال زيارته لغزة، كما لم تتضح التفاصيل الخاصة بالحي المزمع إنشاؤه.

لكن السنوار، قال في تصريحات صحفية عقب الزيارة، إن هذا الموقع لا يزال مكاناً مقترحاً لإنشاء الحي السكني، ويجري دراسته من قبل جهات الاختصاص.

وأضاف أنه سيتم إنشاء العديد من الأحياء السكنية في أنحاء متفرقة من قطاع غزة مستقبلاً، "من أجل التوسيع للأجيال الشابة التي حُرمت من حقها في الحياة نتيجة الحصار الإسرائيلي، وبدأت تفقد الأمل في الحياة".

اقرأ أيضاً: قطار شباب غزة يمُر.. ولم يحصل على “شقة العمر”

جهات العلاقة.. لا تعلم!

بدوره، نفى ناجي سرحان وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في حديث مقتضب لـ"زوايا" أن يكون لدى وزارته أو أيٍ من الوزارات المعنية والمختصة في القطاع، أي معلومات متعلقة بالمدينة السكينة التي جرى الحديث عنها في الإعلام.

وقال سرحان: "ليس لدينا أية تفاصيل، لا من حيث المنطقة ولا المساحة ولا عدد الوحدات ولا حتى عدد المستفيدين، حيث لم نُستشر بالمطلق من أي أحد أو جهة في هذا الجانب، حتى ذلك الحين".

وعبر سرحان عن اعتقاده "أن الحديث في هذا الموضوع، قد يكون تم ما بين الإخوة المصريين والقيادة السياسية في غزة أو مع جهات أخرى"، مضيفاً "لا أعرف، ولكن نحن كوزارة لم يتم التواصل أو التشاور معنا حول المكان ولا نعرف أي تفاصيل عن المشروع".

وحول دورهم في الإشراف على إعادة إعمار غزة بعد الحرب، اكتفى سرحان بالقول "نحن نسعى أن تكون كل عملية الإعمار من خلالنا، ولكن الواقع يناقض ذلك".

ونوه في السياق، إلى أن معظم المشاريع الإسكانية التي جرى تنفيذها في قطاع غزة من قبل جهات عربية ودولية ومحلية، جرت بإشراف ومتابعة من قبل وزارة الأشغال العامة والإسكان والجهات ذات العلاقة في القطاع.

ومن خلال الرصد والمتابعة، لم يأتِ الإعلام المصري سواء الرسمي أو الخاص، على ذكر أية تفاصيل خاصة بوضع حجر الأساس لـ"مدينة مصر السكينة"، مكتفياً بالتركيز على الجهود المصرية في تثبيت وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتقديم المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار غزة.

وكشف الإعلامي عمرو أديب خلال برنامجه "الحكاية"، عن لقاء اللواء عباس كامل رئيس المخابرات والوفد المرافق له، بوزراء الحكومة الفلسطينية القادمين من رام الله إلى غزة، لبحث إعادة البناء في المرحلة المقبلة واحتياجات غزة والسلطة الفلسطينية من الاعمار.

في حين ذكر دياب اللوح السفير الفلسطيني في القاهرة، خلال مداخلة هاتفية على قناة صدى البلد "أن مصر تنشئ مدينة جديدة على الطرف الجنوبي لمحافظة غزة".

للإعلام فقط..

ومن جهة أخرى، فقد قلل مصدر فلسطيني مطلع في حديث لـ"زوايا"، من فرصة نجاح إقامة المدينة السكينة المصرية في منطقة الزهراء جنوب مدينة غزة، مشككاً في احتمالية السير في المشروع في الوقت القريب.

واستند المصدر إلى معلومات رسمية، بأن الأرض التي تم وضع فيها حجر الأساس "ليست حكومية، وإنما ملكية خاصة لإحدى العائلات في غزة".

واعتبر أن حفل وضع حجر الأساس للمدينة السكينة المذكورة، إنما جاء فقط "شو إعلامي" للإعلان عن المشروع في ظل زيارة رئيس المخابرات المصرية لغزة، وذلك بناءً على الرغبة المصرية.

وعبر المصدر عن اعتقاده، بأن المبررات التي ساقها الوفد المصري للقيادة السياسية في غزة، لوضع حجر الأساس في منطقة الزهراء بغزة، تتمثل في اتمام البروتوكول الخاص بوضع حجر الأساس مؤقتاً، إلى حين إقرار المكان المناسب في وقت لاحق.

اقرأ أيضاً: د. سمير غطاس لـ “زوايا”: مصر تحولت من دور وسيط إلى شريك بين الفلسطينيين والاحتلال

وأشار المصدر إلى أن الطرح الفلسطيني المقدم للمصريين بالخصوص، كان باتجاه تخصيص أراض حكومية بين محافظتي خان يونس ورفح جنوب القطاع، لإقامة مدينة سكنية يستفيد منها ذوي الدخل المحدود.

ولكن الشئ المفاجئ -حسب المصدر- أن المشروع السكني يستهدف أصحاب المنازل المتضررة بشكل أساسي، وهو الأمر الذي من المؤكد لن يوافق عليه المتضررون ولن يقبلوا بغير مكان سكنهم بديلا، مما سيستدعي تحويل الاستفادة من هذه الشقق السكنية لأصحاب الدخل المحدود.

وحول تكلفة مشروع المدينة السكنية، توقع المصدر أن تندرج ضمن صندوق "تحيا مصر" والبالغ 500 مليون دولار، والذي أعلنت القيادة المصرية عنه سابقاً، لإعادة إعمار غزة، علماً أنه لم يتم جمع أي مبلغ فعلي لهذا الصندوق حتى الآن، على حد تعبيره.

ولفت إلى أن عدد الوحدات السكنية التي سيتضمنها المشروع (10.000) وحدة.

وذكر المصدر، أنه المفترض خلال الفترة القادمة، قدوم المشرفين المصريين لمعاينة ومتابعة المشروع عن قرب، مؤكداً أن الشركات المنفذة لمشروع المدينة السكنية ستكون "شركات فلسطينية" تتبع القطاع الخاص.

وأضاف "ممكن أن يكون المهندسين والمشرفين مصريين، لكن الجهات التي ستنفذ هي شركات فلسطينية، ويكون لديها القدرة على العمل بالمواصفات المصرية"، حسب المصدر الفلسطيني المطلع.

 اعتبارات عديدة

وعلى الصعيد الفني، فقد عبر د. جواد الأغا لـ"زوايا" عن رأيه الشخصي المرتكز على المعرفة الفنية في مجال التخطيط العمراني والمشاريع، بأن غزة لا تحتاج لبناء مدينة كبيرة في هذا المكان -منطقة الزهراء جنوب غزة- وبهذه الطريقة لعدة اعتبارات.

وبدأ الأغا حديثه بما أسماها الاعتبارات المرتبطة بالأولويات الوطنية، حيث أن قطاع غزة بعد حلقات وموجات العدوان المستمرة والمتراكمة منذ عام 2000 تعرض لهزات كبيرة خاصة في القطاعات الإنتاجية التي تم تهميشها في عمليات الاعمار.

وعلى الرغم من أهمية قطاع الإسكان، إلا أنه يرى السعي الحثيث لتحقيق التعافي في القطاعات الإنتاجية قد يكون أكثر أولوية، كون الأمر مرتبط بتنشيط الدورة الاقتصادية وتأثيرها على معدلات الفقر والبطالة.

وقال الأغا: "هناك مشاريع استراتيجية ذات أولوية في مجالات البيئة والمياه والصرف الصحي والطاقة وغيرها، وبكل تأكيد فإن لدى الجهات الرسمية خارطة أولويات واضحة للتدخلات وفقاً لدراسة الواقع.

وحول الاعتبارات المرتبطة بالتخطيط الحضري، فقد أكد الأغا أن المنطقة المحددة لإقامة المشروع "ليست ضمن مناطق التوسع العمراني حسب المخططات الهيكلية والتفصيلية وليست ضمن الأراضي المخططة كمشاريع إسكان".

وأوضح أنها بالأساس أراض خاصة مخصصة للاستخدام الزراعي السياحي، وبالتالي فإن التوسع العمراني في هذه المناطق سيكون على حساب المساحات الزراعية والسياحية.

وبما يخص الاعتبارات المرتبطة بسياسات الإسكان، فقد عبر عن تقديره الشخصي بأن إنشاء مدن كبيرة بهذه الطريقة ليس المسار الأمثل للتغلب على العجز في الوحدات السكنية بالقطاع، والذي تجاوز 100 ألف وحدة سكنية.

وقال: "المدينة التي ستكلف مئات الملايين من الدولارات ستغطي جزءاً ضئيلاً من إجمالي العجز السكني"، منبهاً إلى أن هناك تجارب عالمية واستراتيجيات متعددة، يعتقد أنها أكثر جدوى ونجاعة واستدامة في تخطيط مدن ومجاورات سكنية أو توفير تمويل لتمكين المواطنين من الحصول على مسكن ملائم.

ويرى الأغا، أن الاعتبارات الاقتصادية لقيمة الأرض في المكان المخصص لإقامة المشروع عليه عالية نسبياً كونها ساحلية وذات أبعاد استثمارية وقد يستفاد منها في الاستثمار السياحي.

وعليه، فإن الأغا يعتبر إقامة مشروع سكني كبير يستهدف ذوي الدخل المحدود أو المتوسط في هذا المكان سينعكس سلباً على جدوى المشروع، حيث أن قيمة الأرض تعتبر من مدخلات المشروع.

أما الاعتبارات المرتبطة بالتنفيذ، فقد شدد الأغا على أن تنفيذ المشروع من قبل شركات غير محلية، يعتبر إمعاناً في تسديد الطعنات للقطاع الخاص بغزة خاصة قطاع الإنشاءات المدمر نتيجة سنوات الحصار والتضييق.

وفي النهاية، عبر الأغا بكل وضوح، عن أمله في "أن لا تبصر المدينة المذكورة النور، وأن يتم بدلاً منها استثمار التمويل المتوفر لتغطية الأولويات الوطنية المتفق عليها، وتخصيصه لتلبية الاحتياج الحقيقي وفقاً للسياسات العامة تعزيزاً لصمود أهل غزة"، كما قال.

المصدر : زوايا - خاص

مواضيع ذات صلة

atyaf logo