"عنق الزجاجة".. كيف تخرج حكومة غزة بالمشروع إلى النور؟

مخيم الشاطئ
مخيم الشاطئ

أخطرت "حكومة غزة" عشرات المواطنين في منطقة مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة بضرورة إخلاء منازلهم خلال أسبوعين تمهيداً لإزالتها، وذلك إيذاناً ببدء مشروع ما يسمى "عنق الزجاجة" الخاص بتوسعة شارع الرشيد الواصل بين جنوب القطاع وشماله مطلع العام القادم 2023.

ويتظلم عديد من أصحاب المنازل المقرر إزالتها والبالغ عددهم نحو 60 عائلة، من أن المشروع المذكور "يعود عليهم بالضرر الكبير"، فمنهم من يرى أن بيوتهم أو منشآتهم لا تعيق توسعة الشارع، والبعض الآخر يَعز عليهم الرحيل عن منازلهم، التي توارثوها أباً عن جد، ويعتبرون التخلي عنها بمثابة هجرة، أما جميعهم فيشكون من ضياع حقهم في التعويض العادل.

ويعد مخيم الشاطئ حسب "الأونروا" ثالث أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، وواحد من أكثرها اكتظاظاً بالسكان، ويُعرف بهذا الاسم بسبب موقعه قبالة شاطئ البحر، كما يعد مسكناً لأكثر من 85 ألف لاجئ يسكنون جميعهم في بقعة لا تزيد مساحتها عن 0.52 كيلو متر مربع فقط.

المتضررون: "لن نرحل"

وبقدر ما يحظى المشروع من أهمية كبيرة ستساهم في حل العديد من الإشكاليات في تلك المنطقة، تبدي بعض العائلات بالمنطقة مخاوف كبيرة على مستقبلها حال بدء التنفيذ.

ومن جملة هؤلاء المتضررين، سمير العوضي، الذي يقول "نحن أكثر المتضررين من مشروع عنق الزجاجة، ومعنا عوائل أبو سلطان، أبو سيف، عايش، قاعود، ونبهان، حيث أننا أصحاب الأرض والبناء ولسنا متعدين".

ويضيف "لا يمكن أن نتهجر مرتين، الأولى في عام 1948 والثانية علي يد أشغال غزة في عام 2022، لم ولن نخرج من منازلنا ونقلع آخر حجر فيها إلا يوم عودتنا إلى بئر السبع ويافا والمجدل، علاقتنا في بيتنا هذا علاقة تاريخ وحق ورمزية للعودة".

وتابع العوضي: "المساس بأحجار مخيم الشاطئ هو مساس بتاريخ الشعب الفلسطيني المناضل، كل بيت على بحر غزة ليس مجرد أحجار وأسمنت، هذه قلعة صمود وإصرار على حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة، نأمل ألا يختبر أحد قوة حبنا لأرضنا ووطننا وبيتنا ويحاول إخراجنا بالقوة، لن نخرج من منازلنا مهما كان الثمن".

منشور

 

منشور

منشور

أما عبد القادر الشريف، صاحب صالة الهناء للأفراح، إحدى المنشآت المقرر إزالتها، يتظلم بأن صالته بعيدة عن الشارع 30 مترا، وأنه باستطاعة الحكومة عمل مشروعها بكل مكوناته التوسعية والسياحية دون الاقتراب من منشأته، عاداً أن المشروع الحكومي سيخدم فئات معينة على حساب مصلحته وبيوت جيرانه، الذين سوف يتضررون بشكل كبير.

وأضاف الشريف "نحن أصحاب ملكية رسمية، ولسنا على أراضٍ حكومية كما يدعون، وحتى يقوموا باقتلاعنا من ملكنا، مقابل تعويض لا يساوي قيمة وسعر الأرض الحقيقي".

وأوضح أن الحكومة عرضت تعويضا في سعر المتر 200 دينار في حين أن سعرها يساوي أضعاف ذلك، وقال بلغة عامية: "حيعطونا التعويض على دفعات تقسيط (..) إذا كان ولا بد يطلعونا، لازم يعطونا تعويض 100%، حتى نقدر نشتري أرض أو مكان مناسب نبني فيه مصدر رزقنا الوحيد اللي بنعيش منه"، حسب تعبيره.

وفي خضم هذه الشكاوى وغيرها، فقد أحالها موقع "زوايا" للمؤسسات الحقوقية العاملة في قطاع غزة، لبيان موقفها حول تظلمات المواطنين المُخطرة منازلهم بالإزالة في منطقة الشاطئ، لكن أهم مؤسستين "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ومركز الميزان لحقوق الإنسان"، أكدتا أنه لم تردهما أية شكاوى بالخصوص، وبالتالي فإنها لا تبادر المؤسسات للتحرك في مثل هذه الحالات إلا بعد ورود شكاوى رسمية إليها.

مبررات وتعويضات

ويبدأ مخطط "عنق الزجاجة" عند مبنى التموين التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، جنوبي غرب مخيم الشاطئ، ويسير غرباً باتجاه نادي الشاطئ وصولاً إلى الجهة المقابلة لمسمكة أبو يونس، ويطال المنازل الواقعة في الجزء الغربي فقط، وذلك وفق خارطة المشروع.

WhatsApp Image 2022-12-11 at 3.16.38 PM (1).jpeg

وحول مبررات مشروع "عنق الزجاجة"، فقد أوضح ماجد صالح رئيس اللجنة الحكومية الخاصة بالمشروع، أنه نتيجة للاختناق المروري الواضح في هذه المنطقة، تأتي المساعي لتطوير المنطقة وتوسعة الشارع لتسهيل مرور المركبات الواصلة بين شمال القطاع وجنوبه، حيث أن المشروع "وطني كبير" وتم طرحه عدة مرات، ومؤخراً تم إقراره للتنفيذ وفق رؤية حكومية شمولية اقتصادية وبكلفة مالية حوالي 3 مليون دولار.

وذكر صالح أنه في بداية الأمر قاموا بحصر كافة المباني الموجودة وهي مكونة من 40 مبنى، منها 32 منزل سكني والباقي مؤسسات، ثلاثة منها تابعة للأونروا وهي مركز توزيع الشاطئ والمركز النسائي ومقر النظافة والبيئة، بالإضافة إلى نادي الشاطئ الرياضي وصالة الهناء، منوهاً أن عرض الشارع سيكون 27 متراً، فضلاً عن أنه سيتم عمل "كورنيش" لمخيم الشاطئ يستفيد منه جميع أبناء المخيم.

ولم يُغفل صالح في حديثه لـ"زوايا" اعتراضات بعض سكان المنطقة المتضررين من المشروع، مؤكداً أنهم استقبلوا هذه الاعتراضات وسجلوها، حيث أن المقبول منها يتم قياسه ومراجعته، ولكن هناك بعض الأمور ليس باستطاعتهم حلها حتى اللحظة.

وأوضح أنه من خلال لجنة مختصة شكلتها لجنة متابعة العمل الحكومي بغزة، برئاسة وزارة الأشغال والاسكان وتضم وزارة الحكم المحلي والنقل والمواصلات وسلطة الأراضي وبلدية غزة واللجنة الشعبية للاجئين، قامت بعمل دراسة كاملة لتقديرات تعويضات المواطنين وفق ما تتبعه اللجان المختصة للإعمار التابعة وزارة الأشغال في تقديرات تعويض المواطنين الذين هدمت منازلهم بفعل الحروب.

اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة وثيقة تشير إلى مدى التزام المستوطنين للتخلص من الفلسطينيين من كل الضفة الغربية

ويرى صالح أن تقديراتهم المالية لتعويض المتضررين من المشروع "مقبولة قياساً مع النسبة السوقية الدارجة لأسعار العقارات في القطاع"، لافتاً إلى أن بعض هؤلاء المتضررين ما زالوا يعترضون، ولكن المحاولات جارية للتفاوض معهم وإقناعهم والاستماع لمظلمتهم، ولكن في أحيان أخرى نكون عاجزين عن الرد على مطالبهم باعتبارنا لجنة حكومية لنا سقف وتوصيات وقرارات نلتزم بها ونطبقها فقط، حسب تعبيره.

ولفت إلى أنه سبق للجنة أن نزلت للميدان أكثر من مرة وزارت أصحاب البيوت التي سيتم إزالتها كلٌ على حدة، كذلك تم استقبالهم في الوزارة، حيث تم شرح مبدأ التعويضات وقيمتها، بما يمكنهم من شراء منازل وشقق بديلة تناسبهم.

وأوضح صالح أنه تم وضع جدول زمني للتعويض، حيث ستتم هذه العملية خلال ستة أشهر وتعويضهم بكامل المبالغ المالية المقررة لهم، لافتاً إلى أنه بالتزامن مع إخلاء المنازل سيتم إيداع مبلغ التعويض المالي لأصحابها، ويكون الصرف وفق جدول مالي على نحو التالي" 20% من المبلغ فور الانتهاء من الإخلاء، وبعد شهرين 30%، وبعد شهرين آخرين 25% وبعدها بشهرين أيضاً يستلموا الـ 25% الأخيرة".

وفي ظل الاعتراضات السابقة، يدور التساؤل حول كيف ستتصرف الحكومة في غزة حال بقيت هذه الاعتراضات من المتضررين على المشروع، وهل ستلجأ إلى المحاكم أو سيتم التنفيذ بالقوة؟، فقد عقب صالح بالقول "سنتعامل مع الحالات التي وافقت على الإخلاء، حيث ستتم الإزالة على أساس تجزئة حل الأزمات، في حين أن الباقين المعترضين سوف يتم الجلوس معهم عدة مرات لحين الوصول للحلول".

غير أن مصدر في اللجنة الشعبية للاجئين لمخيم الشاطئ، أكد أن حكومة غزة ماضية في تنفيذ المشروع لأهميته وحيويته وستبدأ به مطلع العام القادم 2023، مُستندة في ذلك إلى أن الأرض حكومية أصلاً ولا تريد السجال في هذا الأمر كثيراً مع السكان وستعوضهم، حيث أن ذلك مثبت لديها ولا داعِ للاحتكام للقضاء، منوهاً إلى الحكومة مازالت تسلك مبدأ التفاوض مع المتضررين ومتمسكة بالحلول المرضية للجميع، ومستبعدة خيار التنفيذ بالقوة وإثارة الرأي العام، حسب المصدر لـ"زوايا".

تغليب المصلحة العامة

ويمثل استكمال شارع الرشيد في منطقة مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، أحد أهم المشاريع الحيوية التي قد يشهدها القطاع بعد إتمام أجزاء واسعة منه في الأعوام الماضية على طول الساحل، الممتد لأكثر من 40 كيلومتراً.

من ناحيته، اعتبر علاء الأعرج رئيس اتحاد المقاولين، مشروع "عنق الزجاجة" من أهم المشاريع الوطنية التي تخدم المصلحة العامة، لما سيترتب عليه من تحسين للبنية التحتية وتوسيع لأحد أهم الشوارع الرئيسية الذي يربط شمال قطاع غزة بجنوبه، حيث أن المشروع سيشمل توسيع شارع الرشيد الممتد في مخيم الشاطئ ضمن أراض حكومية.

وذكر الأعرج لـ"زوايا" أنه لا يخفى على أحد أزمة الاختناق المروري في تلك المنطقة وعشوائية البنية التحتية فيها، معتبرا أن مشروع التوسيع سيشكل حلا جذريا لهذه المشكلة، وسيحقق المصلحة العامة لجميع المواطنين في قطاع غزة، وسينعكس ذلك إيجاباً على حركة المرور، وتطوير البنية التحتية، وتحسين الظروف المعيشية في مخيم الشاطئ بشكل عام، وتنظيم المرافق العامة في المنطقة.

وحول ما إذا كان للقطاع الخاص دور في تنفيذ المشروع، فقد أوضح الأعرج أن التمويل والاعتماد حكومي 100%، ولكن التنفيذ يستدعي شراكة القطاع الخاص وتحديداً شركات الإنشاءات، مؤكداً أن مشروعاً ضخماً كهذا لا يمكن أن يتم تنفيذه دون مشاركة شركات المقاولات المرخصة والمصنفة لدى اتحاد المقاولين ووزارة الأشغال، وهذا هو الدارج في جميع المشاريع الحكومية، حيث لا غنى للقطاع الحكومي عن القطاع الخاص والعكس صحيح، فلا يمكن لأحد القطاعات العمل بمعزل عن الآخر.

وبما يتعلق بالجدل والاعتراضات، وخاصة فيما يتعلق بقيمة التعويض للمتضررين، فكان للأعرج رأي بأنه قد اختلفت الأسباب المتعلقة بذلك، ونحن كشعب اعتدنا ثقافة الاعتراض لأسباب عاطفية دون تحكيم المنطق أو تقديم المصلحة العامة على الخاصة، مكرراً أنه "حسب متابعاتهم فإن الأراضي التي سيقام عليها المشروع هي أراض حكومية، إلا أن قضية تعويض المواطنين قضية محسومة لا جدال فيها"، حسب تعبيره.

أما عن قيمة التعويض، فقال الأعرج: "من الطبيعي جداً أن القيمة المالية لن تُعوض المواطنين عن القيمة المعنوية للمنازل التي توارثوها ونشأوا فيها، إلا أن هذا الواقع نتعرض له قسراً خلال الحروب والعدوان المتكرر على قطاع غزة، ونرضخ للأمر الواقع، فالأجدر بنا أن نساهم في بناء وطننا ضمن الخطط المدروسة للتطوير، مع وضع عدالة التعويض بعين الاعتبار".

وأضاف: "من الطبيعي أن يتم تعويض المواطنين حسب قيمة الأراضي والمساكن ومساحتها، وبهذا الصدد لا بد الاستعانة بلجنة متخصصة لتقدير قيمة التعويض حسب الموقع والمساحة وغيرها من المعايير التي تؤخذ بعين الاعتبار عند تقييم الأراضي والمنشآت".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo