تحدي أمني وسياسي

جيش الاحتلال يقر بعجزه عن وقف هجمات "عرين الأسود"

العمليات في الضفة الغربية
العمليات في الضفة الغربية

تبنت مجموعة "عرين الأسود" العديد من العمليات والهجمات الفلسطينية التي وقعت مؤخراً في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، والتي أوقعت عددا من القتلى والجرحى في صفوف جنود الاحتلال والمستوطنين، والتي كان آخرها مقتل جندي قرب نابلس في عملية تبنتها تلك المجموعة.

تصاعد هذه العمليات دفع بالمحللين الإسرائيليين العسكريين إلى التركيز في مقالاتهم على هذه المجموعة وطبيعة الأشخاص المنخرطين فيها، وطرح الحلول والمقترحات للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية لمجابهتها والحد من عملياتها المسلحة في الضفة.

وطالبت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية جيش الاحتلال بمهاجمة مجموعة "عرين الأسود" بنفسه، وعدم الاعتماد على السلطة الفلسطينية التي فشلت في ترويض تلك المجموعة بعدما استجاب الجيش لطلبها بذلك.

وأوضحت الصحيفة في تقرير لمحللها العسكري "يوسي يهوشع"، إلى أن تلك المجموعة التي نشطت في نابلس في الأشهر الماضية، هي المسؤولة عن سلسلة الهجمات الأخيرة، مشيرةً إلى أن عدد عناصرها قد يتراوح ما بين 30 إلى 50، وهم لا يرتبطون بأي تنظيم سواء حماس أو الجهاد أو غيرهم.

اقرأ أيضاً: رغم اتفاق الجزائر.. المصالحة رهينة "إسرائيل" وتحتاج ضغط شعبي

وتبعًا للصحيفة، فإن المجموعة ليس لديها جهة تنظيمية أو تسلسل قيادي هرمي، أو سلوك تنظيمي واضح يمكن أن ينتج عنه توقع استخباراتي عالي، وهي تشكل تحديًا لحكم السلطة، لكن الجيش الإسرائيلي يرى أن نشطائها "إرهابيون"، ويجب مهاجمتهم بأفضل الوحدات وباستخدام قدرات الشاباك، وعدم انتظار تحركات أجهزة أمن السلطة، لأن الإسرائيليين هم من يدفعون ثمن هجمات تلك المجموعة.

مشكلة رئيسية للأمن

من جهتها صحيفة "هآرتس" العبرية، قالت إن مجموعة "عرين الأسود" التي أعلن عن اسمها بشكل علني بعد شهر من اغتيال المطارد "إبراهيم النابلسي"، أصبحت واحدة من المشاكل الرئيسية للأجهزة الأمنية في إسرائيل، وكذلك للسلطة الفلسطينية.

وقال "ينيف كوفوفيتش" و"جاكي خوري" المحللان في الصحيفة إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، تعتقد أن أفراد المجموعة هم من نشطاء كانوا أعضاء سابقين في منظمات مختلفة، ودفعتهم سلسلة من الأحداث إلى إطلاق اسم "عرين الأسود" على أنفسهم، ويتركزون في البلدة القديمة ومخيم بلاطة، وهدفهم المعلن هو مواجهة الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.

وزعمت الصحيفة "أن أعضاء المجموعة هم شباب لا يزورون المساجد أو يتأثرون بشخصيات دينية، وهم أفراد من عائلات معروفة بعضهم ينشطون في أجهزة أمن السلطة، وشكلت المجموعات المسلحة في جنين التي كانت تخوض الاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي في كل اقتحام بمثابة إلهام لهم". وفق زعمها.

ونقلت الصحيفة عن ناشط في "فتح" من البلدة القديمة في نابلس، يعرف شخصيًا العديد من نشطاء "عرين الأسود"، قوله:" إن هذه المنظمة بعيدة كل البعد عن كونها منظمة هرمية تتلقى تعليمات من جهات عليا، وإذا قارناهم بكتائب شهداء الأقصى في الانتفاضة الثانية والتي كان لها تسلسل هرمي وصل إلى الرئيس الراحل ياسر عرفات ومسؤولين آخرين مثل مروان البرغوثي، فالأمر مختلف تمامًا الآن.. هذه منظمة محلية من الشباب والغالبية العظمى منهم لا ينتمون لأحد، ومنهم ينتمون لتنظيمات مثل "فتح" و "حماس" و "الشعبية". كما نقلت عنه "هآرتس".

التمرد على السلطة

وكشفت "هآرتس" أن إسرائيل طلبت من السلطة الفلسطينية التحرك ضد "عرين الأسود"، لكن المشكلة بالنسبة للسلطة هي أنه على عكس جنين التي يتلقى فيها المسلحون دعمًا من الجهاد الإسلامي، فإن في نابلس تلك المجموعة قررت التمرد على السلطة، ولذلك تواجه الأخيرة صعوبات في التصرف معها دون المساس بشرعيتها في الضفة الغربية.

وترى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أنه بعد خطاب رئيس الوزراء يائير لابيد في الأمم المتحدة حدث تغيير كبير في مواقف الرئيس عباس الذي يرى أن تصريحات لابيد حول حل الدولتين، فرصة للتغيير داخل السلطة الفلسطينية، وأنه على استعداد للعمل من أجل الحفاظ على الحوار مع إسرائيل.

وبحسب مصادر في الأمن الإسرائيلي، فإن إنقاذ الأسرة الإسرائيلية التي دخلت نابلس الأسبوع الماضي كان مثالاً على ذلك، وسارع أفراد الأمن الفلسطيني للوصول إلى العائلة لحمايتهم وإعادتهم إلى إسرائيل بشكل علني، وهو الأمر الذي تم في الماضي بأكبر قدر ممكن من السرية.

فترة متوترة حتى الانتخابات

"يوآف ليمور" المحلل العسكري في صحيفة "إسرائيل اليوم"، بدوره أكد أن "هجوم شعفاط كشف في الآونة الأخيرة في الضفة عن توجهين متوازيين: الأول، نشاط معزز للسلطة الفلسطينية، وخصوصا في نابلس، والثاني ارتفاع في حجم الإخطارات، بعضها بتشجيع من ""حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وبعضها بمبادرات شبكات محلية أو أفراد.

وأضافت صحيفة "إسرائيل اليوم" ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان منفذ العملية كان يقصد بالذات استهداف الجنود بشكل خاص، أم إنه أصاب الهدف الأول المتاح الذي قابله، لكن الخطورة أنه من المحتمل أن تكون هناك الآن محاولات فلسطينية لتقليده، ما سيجعلنا أمام فترة إجازات يهودية متوترة، بل إن كل الأسابيع المقبلة حتى الانتخابات أوائل نوفمبر ستكون متوترة للغاية".

كما كشفت المحلل العسكري عن سلسلة معضلات تواجه المستويين السياسي والأمني، التي حاولت منع خروج الوضع عن السيطرة، لكن نجاح الهجوم قد يغير الصورة، وبسبب نجاحه، فإنه يتوقع حدوث محاولات تقليد، وكالعادة كانت القدس في مركز التأهب، لأنها تعتبر دائما نقطة تفجير للأحداث".

نظرية أمنية خاطئة

من جهته اتهم "يوسي مليمان" الكاتب في صحيفة "هآرتس" حكومات الاحتلال بتنمية نظرية خاطئة تنبتها القيادة العسكرية منذ سنوات تخص الفلسطينيين، مشيرا إلى أن هذه النظرية هي نتاج تفكير مغلق، وعمى سياسي وعسكري، بالإضافة إلى استعلاء وعنجهية في التفكير.

وبحسب الكاتب الإسرائيلي فإن النظرية التي تنمّيها إسرائيل منذ عدة أعوام تقوم على أن السلطة الفلسطينية ليست شريكة لأنها ضعيفة، فاسدة، وتمر في عملية انتقالية بين جيل المؤسسين ياسر عرفات ومحمود عباس.

اقرأ أيضاً: الضفة تشتعل وهدوء حذر بغزة.. هل تندلع الانتفاضة الثالثة؟

وتقوم النظرية على توجهين إسرائيليين: الأول أن مصلحة الشعب الفلسطيني، هي اقتصادية، فلا حاجة إلى تحريك المسار السياسي، أما الثانية، فتعتمد على مصلحة السلطة في الاستمرار في الحكم، لذلك فإن أجهزتها ستواصل العمل كمقاول ثانوي مع الجيش ضد تقوية "حماس" و "الجهاد الإسلامي" في الضفة الغربية.

ووصف "مليمان" هذه النظرية بالخاطئة، معللاً ذلك بأن كل عملية داخل الأراضي المحتلة عام 48، أو في الضفة، ومع كل دخول لقوات الاحتلال إلى البلدات الفلسطينية واستعمال قوة مبالَغ فيها يتزعزع "الوضع القائم" ويتبدد الهدوء.

وأضاف: "باتت إسرائيل تغوص عميقاً في موجة "إرهاب" وعنف من نوع جديد، في ظل تفكك السلطة الفلسطينية، ومعها تضعف أجهزة الأمن التابعة لها، بينما في الخلفية، يزداد تأثير "الجهاد الإسلامي" و"حماس"، والأهم من هذا أنه نشأت مجموعات مسلحة - السلاح موجود بوفرة، ومن السهل الحصول عليه - لشباب لا يخضعون لأي من التنظيمات أو القيادات".

ودعا الكاتب الإسرائيلي حكومة الاحتلال بإعادة طرح حل الدولتين على النقاش العام، كما أعلن مؤخراً رئيس الحكومة يائير لابيد، وأن تتخذ خطوات حقيقية لتحريك المسار السياسي، بهدف تقوية السلطة الفلسطينية، مشيرا إلى أن خطوات كهذه، إلى جانب تقليص العمليات الليلية التي يقوم بها الجيش و"الشاباك" هي التي ستساعد إسرائيل على التحرر من نظريتها القديمة.

المصدر : متابعة -زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo