قرر مجلس الوزراء الفلسطيني برئاسة د. محمد اشتيه، نهاية الشهر الماضي، رفع الحد الأدنى للأجور بجميع القطاعات إلى 1880 شيكلا بزيادة تقارب 30 بالمئة عن الحد 1450 شيكلا، المعمول به منذ عام 2012.
وبالرغم من أن تطبيق القرار في الأراضي الفلسطينية سيبدأ مطلع عام 2022، إلا أن بوادر تطبيقه في قطاع غزة لا تبدو واردة البتة، بحكم عوامل كثيرة جعلت من القطاع بقعة جغرافية منهكة بالفقر والبطالة والعمل الطويل بمقابل زهيد.
ولا أدل على هذا الواقع الكارثي لقطاع غزة من نتائج مسح القوى العاملة في فلسطين للربع الثاني 2021، والتي تشير إلى أن الحد الأدنى للأجور المطبق في قطاع غزة هو 655 شيكل، وفي الضفة 1142 شيكل.
وفيما تنعقد آمال الكثيرين من الموظفين والعمال في قطاع غزة على أن يشملها القرار الجديد، إلا أن عوامل عدة تحول دون ذلك، كما رصد تقرير "زوايا".
ويناقش التقرير ما يدور في أروقة حكومة غزة حول إمكانية تطبيق الحد الأدنى الجديد للأجور، إذ تكثر شكاوى العمال من العمل لساعات طويلة بمقابل زهيد، وماهية الاعتبارات التي تعرقل مثل هذه الخطوة.
دراسة بغزة لتحديد الحد الأدنى للأجور
حسين حبوش مدير دائرة شروط العمل في وزارة العمل بغزة، يقول إن قانون الحد الأدنى للأجور صدر عن حكومة رام الله، وحتى هذه اللحظة لم تُصدر حكومة غزة قراراً بالخصوص.
وأضاف في تصريحات لموقع "زوايا": "بأن الحد الأدنى للأجور القديم والجديد تم إقراره وفق معطيات تناسب واقع الضفة الغربية، في حين أن مستوى المعيشة في غزة يختلف كثيرا عنه في الضفة، لذلك حتى الآن لم يتم إقرار حد أدنى للأجور في القطاع من قبل لجنة متابعة العمل الحكومي".
وأضاف حبوش: "إن عدم وجود حد أدنى للأجور في قطاع غزة، يفتح المجال لصاحب العمل في تحديد أجرة العامل كيفما شاء"، مشيراً إلى أن هناك لجنة داخلية في وزارة العمل تعمل الآن على إقرار حد أدنى للأجور، يتناسب مع الوضع في قطاع غزة والحصار المفروض ومشكلة الكهرباء وغيرها من الاعتبارات.
اقرأ أيضاً: هرولة عمال غزة لطلب العمل بـ"إسرائيل".. واقع مرير ومحاذير
وأوضح مدير دائرة شروط العمل في وزارة العمل بغزة: "نقوم بدراسة داخلية بناءً على المعطيات لدينا لتحديد الحد الأدنى للأجور وسيتم رفع هذه الدراسة للجهات المسؤولة في غزة، وهذه الجهات هي التي تأخذ القرار بشأنها".
وحول ما إذا كانت هناك رقابة من وزارة العمل، على ظروف وبيئة العمل في المنشآت والمصانع، أوضح حبوش أن الإدارة العامة للتفتيش التابعة للوزارة مهمتها عمل زيارات ميدانية للمنشآت للتحقق من ظروف العمل، خاصة فيما يتعلق بالساعات والإجازات وحقوق العامل وأن تكون بيئة العمل مناسبة.
الحد الأدنى لا يلبي احتياجات الأسرة في القطاع
بدوره اعتبر د.سلامة أبو زعيتر، عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، بأن قطاع غزة جزء من الوطن، وبالتالي القضايا الاجتماعية والاقتصادية من المفترض أن تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية.
وتابع في تصريح خاص لـ "زوايا": "إن كان هناك خلاف سياسي بين المسؤولين في الضفة الغربية وغزة، فإن قطاع العمال قطاع واحد، وقانون الحد الأدنى للأجور يجب أن يشمل جميع المناطق".
وتساءل أبو زعيتر: "إلى متى سيستمر دفع أجور دون مستوى الحد الأدنى للحياة الكريمة في القطاع؟"، مشيراً إلى أنه "لا يجوز أن نتجاهل تحديد الحد الأدنى للأجور في قطاع غزة".
وقال: "إن كنا نفكر بتنمية صحيحة يجب علينا أن نطور الأجور، لأن الدول التي تريد تنمية اقتصادها يجب عليها أن تنمي دورة المال والتي تعتمد بالأساس على الأجور"، مشدداً على أن الأقاويل التي تتحدث بأن غزة تختلف عن الضفة، "هذا كلام غير صحيح".
وأوضح أن معظم السلع الأساسية لها نفس الأسعار، وهناك أسعار خضروات في قطاع غزة أعلى من الضفة الغربية، مضيفاً: "نعم مستويات المعيشة في الضفة أفضل قليلا نظراً لوجود العمال الذي يتوجهون للعمل في إسرائيل، إلا أنه حتى لو تم تطبيق القانون الحد الأدنى للأجور وهو 1880 شيكلاً في قطاع غزة، فهو لا يلبي متطلبات أدنى مستويات المعيشة للإنسان هنا".
وشدد عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، على أن تحديد الحد الأدنى للأجور في قطاع غزة له أهمية كبيرة وهو أقل شيء يمكن تقديمه للعامل الفقير المغلوب على أمره، معرباً عن أسفه حيال الظلم الكبير الذي يقع على العمال في القطاعات الأهلية والتعليمية والصحية والإعلامية.
وأردف أبو زعيتر: "حتى في المؤسسات الصحية هناك مستشفيات وضعها مستقر، وللأسف تصرف رواتب موظفيها 50%، لذلك وجود القانون مهم جداً بحيث يحقق نوعاً من العدالة".
ظلم شديد لكن البديل صفر
ويختلف أستاذ الاقتصاد، د. معين رجب مع أبو زعيتر فيما يتعلق بوضع قطاع غزة، مشيراً إلى أن وضع القطاع لا يسمح أن يكون هناك قانونا للحد الأدنى للأجور.
وأكد في حديث لموقع "زوايا"، بأن واقع قطاع غزة يختلف تماماً عن الضفة الغربية، بحكم مستويات الأجور التي تعتبر متفاوتة، ولأن عدداً كبيراً من عمال الضفة يعملون داخل الخط الأخضر ويحصلون على أجور عالية، وعمال القطاع محرومون من ذلك، وهذا يسبب فروقات.
وتابع رجب: "الأجور في قطاع غزة لا تصل في المتوسط إلى ربع مستوى الضفة، وهناك موظفون مدنيون يعملون في الحكومة بغزة، يحصلون على جزء من الراتب، وليس بشكل كامل، وهذا أيضاً ينطبق على بعض المؤسسات الخاصة، فـكيف يمكن أن يطبق قانون الحد الأدنى للأجور في قطاع غزة؟".
وشدد على أنه لا يمكن تطبيق هذا القرار، موضحاً: "إذا كانت الحكومة والقطاع العام لا يصرفون رواتب كاملة لموظفيهم، فكيف يمكن تطبيق فرض قرار بالحد الأدنى للأجور".
وأوضح أستاذ الاقتصاد "أن البطالة عالية جداً في قطاع غزة، والمتعطل مستعد للقبول بأي أجر، وهذا ظلم شديد بالفعل ولكن البديل صفر".
وتابع: "الظلم قائم والواقع مرير حين نرى الخريجين يقبلون أجوراً متدنية، ويقبلون العمل التطوعي المجاني، في مقابل ألا يبقوا رهن الجلوس في البيت".
وقال رجب: "من غير الوارد تطبيق الحد الأدنى للأجور في قطاع غزة، ومن المفترض من الأساس حل مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل وتوفير الظروف لتهيئة الطلب على العمل للخريجين".
ومن الجدير ذكره أن الارتفاع المرتقب للحد الأدنى للأجور في فلسطين (1880) شيكلا، سيبقى أدنى من خط الفقر في فلسطين، فحسب آخر إحصائية حكومية يبلغ خط الفقر والفقر المدقع لأسرة تتكون من خمسة أفرد (2 بالغين و3 أطفال)، نحو 2470 شيكلا.
وتشير آخر إحصائية صدرت عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حول الفقر متعدد الأبعاد في فلسطين إلى أن نسبة الفقر في قطاع غزة 53 بالمئة مقارنة مع 13.9 بالمئة في الضفة الغربية، أي يفوقه بحوالي أربعة أضعاف.