تقدير موقف: السلاح مقابل الإنسحاب

اختبار المرحلة الثانية: أربعة سيناريوهات لمستقبل غزة بعد اتفاق ترمب

وقف إطلاق النار في غزة
وقف إطلاق النار في غزة

أولاً: الوضع الراهن

يأتي هذا التقدير في ضوء بدء تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف الحرب على غزة في أكتوبر 2025، وفق خطة ترمب للسلام، التي تعيد رسم خريطة النفوذ في القطاع وتضع الأطراف أمام اختبار معقد في المرحلة الثانية، حيث يتقاطع السياسي بالعسكري، والإنساني بالأمني.

 

1- المعطيات الأساسية

  • تاريخ بدء التنفيذ: 13 أكتوبر 2025
  • الإطار المرجعي: خطة ترمب للسلام (20 بنداً، معلنة في 29 سبتمبر 2025)
  • الأطراف الرئيسية: إسرائيل، حماس، الولايات المتحدة، مصر، قطر، تركيا
  • التقسيم الجغرافي: سيطرة إسرائيلية على 53% من القطاع (الخط الأصفر)، وسيطرة حماس على النصف الآخر

2- نتائج المرحلة الأولى

الإنجازات المحققة:

  • إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء (20 شخصاً)
  • الإفراج عن 1,968 أسيراً فلسطينياً
  • تبادل جزئي للجثامين (15 إسرائيلياً مقابل 135 فلسطينياً من أصل 28 و135 على التوالي)
  • وقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية

الإشكاليات المتبقية:

  • عدم استكمال تبادل جميع الجثامين الإسرائيلية
  • غموض حول المراحل اللاحقة

 

ثانياً: تحليل موازين القوى

    1. المكاسب الإسرائيلية
  • تحقيق هدف استراتيجي (إطلاق المحتجزين)
  • الحفاظ على السيطرة الأمنية على نصف القطاع
  • السيطرة على محور فيلادلفي/صلاح الدين وجميع المعابر
  • ورقة ضغط قوية لتحقيق الأهداف المتبقية دون قتال
  • تحسن صورتها الدولية وتقليل العزلة
  • استقرار الحكومة الإسرائيلية (ارتفاع شعبية الليكود)

2- المكاسب الفلسطينية (حماس)

  • تحقيق وقف إطلاق النار
  • الحفاظ على السيطرة الأمنية والسياسية على نصف القطاع
  • الإفراج عن عدد كبير من الأسرى
  • الإبقاء على السلاح (حتى الآن)
  • دور إقليمي لداعمين رئيسيين (قطر، تركيا)

3- الدور الأمريكي

  • اعتبار الاتفاق إنجازاً شخصياً لترمب
  • إنشاء مركز تنسيق عسكري-مدني بقيادة أمريكية (200 جندي)
  • ضمانات أمريكية لإسرائيل مقابل ضمانات عربية لحماس
  • ربط الاتفاق بالرؤية الأمريكية للسلام الإقليمي

 

ثالثاً: العوامل المثبتة للاتفاق

عوامل موضوعية

  1. فقدان الشرعية: إطلاق المحتجزين أفقد إسرائيل مبرر استئناف الحرب
  2. الإطار الدولي: الاتفاق أصبح شبه دولي (قمة شرم الشيخ - 30 دولة)
  3. الرقابة الدولية: مركز التنسيق العسكري الأمريكي يوفر آلية مراقبة
  4. البديل الاستراتيجي: بقاء القوات الإسرائيلية يعوض عن استئناف الحرب
  5. الاستثمار السياسي: ارتباط الاتفاق بسمعة ترمب الشخصية

عوامل داخلية إسرائيلية

  1. تأييد شعبي واسع للاتفاق
  2. استقرار الحكومة الائتلافية (حتى الآن)
  3. تعزيز موقف حزب الليكود الانتخابي

 

رابعاً: التحديات الجوهرية للمرحلة الثانية

1- المسائل العالقة

الأهداف الإسرائيلية غير المحققة (من أصل 5 شروط لإنهاء الحرب):

  • نزع سلاح حماس
  • نزع سلاح قطاع غزة بالكامل
  • فرض سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة
  • إقامة حكم محلي دون حماس أو السلطة الفلسطينية

2- التناقضات الأساسية

المسألة

الموقف الإسرائيلي

موقف حماس

نزع السلاح

شرط جوهري لا تفاوض عليه

رفض قاطع

طبيعة الحكم

إدارة تكنوقراطية دون حماس أو السلطة

حكومة فصائلية تحت تأثيرهم

الانسحاب

مرتبط بنزع السلاح

غير مشروط

3- صراع الأجندات

  • حماس: تعزيز السيطرة الأمنية وإعادة بناء القوة العسكرية
  • إسرائيل: منع تعزيز حماس والضغط لنزع السلاح
  • المجتمع الدولي: إنشاء إدارة تكنوقراطية وبدء الإعمار
  • السلطة الفلسطينية: دور في الحكم المستقبلي

 

خامساً: السيناريوهات المحتملة

السيناريو الأول: انهيار الاتفاق وعودة الحرب

الاحتمالية: منخفضة

المحفزات:

  • فشل كامل لمفاوضات المرحلة الثانية
  • ضغوط اليمين الإسرائيلي المتطرف
  • اقتراب الانتخابات الإسرائيلية (أكتوبر 2026)

الموانع القوية:

  • معارضة ترمب الشديدة
  • فقدان الشرعية الدولية
  • عودة النازحين وبدء الإغاثة
  • معارضة داخلية إسرائيلية
  • توفر بدائل أقل تكلفة (هجمات جوية)

 

السيناريو الثاني: تكريس الوضع الراهن

الاحتمالية: متوسطة

الخصائص:

  • استمرار التفاوض دون حسم
  • تقسيم فعلي للقطاع
  • تعزيز حماس لسيطرتها على نصف القطاع
  • استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي

التحديات:

  • ضغط داخلي إسرائيلي (عودة لعقيدة الاحتواء المرفوضة)
  • تعريض القوات الإسرائيلية للخطر
  • استحالة إعادة الإعمار
  • غياب أفق التوحيد مع الضفة الغربية

 

السيناريو الثالث: تنفيذ كامل للاتفاق

الاحتمالية: منخفضة جداً

المتطلبات:

  • إدارة تكنوقراطية
  • نزع كامل لسلاح حماس
  • انسحاب إسرائيلي كامل

العوائق الحاسمة:

  • تعارض مع مبادئ حماس الأساسية
  • خطر الانشقاق الداخلي في حماس
  • تناقض مع تصريحات حماس المتكررة
  • غياب الثقة المتبادلة

 

السيناريو الرابع: إدارة تكنوقراطية دون نزع السلاح (الأرجح)

الاحتمالية: عالية

المنطق الاستراتيجي:

  • تحقيق ما يمكن تحقيقه تدريجياً
  • فصل المسار السياسي عن العسكري
  • نموذج شبيه بحزب الله (سلاح تحت الأرض، حكم فوق الأرض)

المحفزات:

  • إعلان حماس قبولها لحكومة غير سياسية
  • إمكانية بدء الإعمار
  • ضغط دولي على إسرائيل للانسحاب
  • دخول قوات دولية-عربية

التحديات:

  • رفض إسرائيلي محتمل للانسحاب دون نزع السلاح
  • ربط إسرائيل بين الانسحاب ونزع السلاح
  • صعوبة عمل الحكومة الجديدة في ظل الوجود العسكري الإسرائيلي

عوامل النجاح المحتملة:

  • التوافق الدولي على الحكومة
  • وجود قوات دولية كعامل ضاغط
  • الإشراف الدولي على الإعمار يمنع تطوير القدرات العسكرية
  • الاستقرار السياسي يحجم نفوذ حماس
  • غياب التهديد الأمني المباشر

 

سادساً: التقدير الختامي

1-المسار الأرجح

السيناريو الرابع هو الأكثر احتمالاً لأسباب عملية وسياسية:

  • يحقق توازناً بين المطالب المتناقضة
  • يسمح بتقدم تدريجي دون صدام
  • يؤجل القضايا الأكثر تعقيداً
  • يتيح بدء عملية الإعمار
  • يحفظ ماء وجه جميع الأطراف

2- المخاطر الرئيسية

  • قصيرة المدى: أزمة الجثامين، حوادث أمنية، ضغوط اليمين الإسرائيلي
  • متوسطة المدى: إطالة أمد المفاوضات، تعزيز حماس لقوتها، تعثر الإعمار
  • طويلة المدى: غياب حل جذري لمسألة السلاح، تكرار دورة العنف

3- العوامل الحاسمة

  1. الإرادة الأمريكية: مدى التزام ترمب بفرض الاتفاق على جميع الأطراف
  2. الضغط الدولي: فعالية الآليات الرقابية والضمانات
  3. الواقعية السياسية: قبول الحلول التدريجية بدلاً من الحلول الشاملة
  4. الوضع الإقليمي: استقرار المنطقة وعدم حدوث تطورات مزعزعة
  5. الديناميكيات الداخلية: استقرار الحكومة الإسرائيلية ووحدة حماس

4-التوصيات

  • للمجتمع الدولي: الضغط لتشكيل إدارة تكنوقراطية فوراً وعدم ربطها بنزع السلاح
  • للأطراف الإقليمية: توفير ضمانات أمنية لإسرائيل مقابل الانسحاب التدريجي
  • لحماس: إظهار مرونة في الحكم مقابل الحفاظ على دور سياسي مستقبلي
  • لإسرائيل: القبول بحلول مرحلية تحقق أهدافها الأمنية دون حرب

سابعاً: الخلاصة

الاتفاق الحالي يمثل نقطة تحول محتملة لكنه ليس نهاية المطاف. المرحلة الثانية ستكون اختباراً حقيقياً لجدية جميع الأطراف. النجاح يتطلب واقعية سياسية وقبول حلول تدريجية بدلاً من انتظار حل شامل قد لا يتحقق. العامل الأمريكي سيكون حاسماً في تحديد مسار الأحداث، خاصة مع ارتباط الاتفاق بالمصداقية الشخصية للرئيس ترمب.

قطاع غزة يقف على مفترق طرق:
إما نموذج “التهدئة الدائمة تحت رقابة دولية”، أو عودة تدريجية إلى دوامة الحرب.
والسيناريو الأرجح هو بقاء الوضع “شبه مستقر” – حكومة مدنية محدودة النفوذ تحت رقابة دولية، وسلاح حماس كقوة ردع كامنة.

في المحصلة، اتفاق ترمب للسلام في غزة يمثل لحظة تجميد للصراع لا تسويته، لكن نجاحه الجزئي في تثبيت وقف النار قد يشكل – إن أحسن استثماره – مدخلاً لإعادة صياغة العلاقة الفلسطينية–الإسرائيلية على أسس جديدة، بشرط أن يُستبدل منطق القوة بمنطق السياسة، ومنطق الاحتلال بمنطق الشراكة.

التحدي الأكبر: إدارة التناقض بين الحاجة للاستقرار الفوري (يتطلب مرونة) والأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى (تتطلب حسماً). نجاح الاتفاق يعتمد على قدرة الأطراف على فصل الممكن عن المرغوب والتقدم خطوة خطوة.

إن مستقبل غزة لن يُحسم بالسلاح أو التنازلات، بل بقدرة الأطراف على بناء معادلة جديدة توازن بين الأمن والكرامة، وبين المصالح الآنية والاستقرار الدائم.

 

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo