في خضم الحرب المدمرة على غزة والتوترات الإقليمية المتصاعدة، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو النقاب عن وجه المشروع الصهيوني الحقيقي، معلناً بصراحة لافتة التصاقه بحلم "إسرائيل الكبرى" وتطلعه لتحقيق ما وصفه بـ"مهمة تاريخية وروحية". هذا التصريح، الذي جاء في لحظة حساسة من تاريخ المنطقة، يستدعي قراءة معمقة لفهم أبعاده الأيديولوجية والجيوسياسية وتداعياته على مستقبل الشرق الأوسط.
الكشف عن المشروع الحقيقي
يرى الكاتب عريب الرنتاوي أن نتنياهو، المدفوع بـ"جنون القوة والعظمة"، لم يعد يكتفي بلقب "ملك إسرائيل" بل بدأ يتطلع للقب "رسالي" يضعه على مقربة من "أنبياء إسرائيل وملوكها". ويؤكد الرنتاوي أن هذا التصريح ليس زلة لسان، بل كشف متعمد عن مشروع أيديولوجي يهدف إلى تصحيح ما يعتبره نتنياهو "أخطاء" الآباء المؤسسين، بما في ذلك إبقاء بن غوريون على "فلسطينيي 48" وقبول رابين لأوسلو وانسحاب شارون من غزة.
في السياق ذاته، يتفق إسماعيل جمعه الريماوي مع هذا التحليل، مشيراً إلى أن التصريح يعري "جوهر المشروع الصهيوني بلا مواربة"، ويؤكد أن هذا الإعلان "إفصاح متعمد عن مشروع أيديولوجي راسخ ظل حاضراً في الفكر والسياسة الإسرائيلية منذ بدايات الصهيونية التصحيحية". ويلفت الريماوي إلى أن توقيت هذا التصريح "ليس بريئاً"، إذ يأتي وسط تصعيد دموي في غزة وتوترات إقليمية واسعة.
الأبعاد التاريخية والأيديولوجية
تشير د. آمال موسى إلى أن مفهوم "إسرائيل الكبرى" ليس جديداً، بل هو "أرض الميعاد" بثوب سياسي جديد، مؤكدة أن "الاثنان واحد في الحلم والأكذوبة والحدود والخريطة والجغرافيا والوهم". وتلاحظ موسى أن استحضار هذا الحلم في هذه اللحظة يهدف إلى "تشتيت اهتمام الرأي العام" عن المأساة الإنسانية في غزة، بينما يعبر في الوقت ذاته عن "الشعور الإسرائيلي بالتقدم في تحقيق الحلم".
يدعم الرنتاوي هذا التحليل بالإشارة إلى أن نتنياهو ينتمي لمدرسة جابوتنسكي التصحيحية ويعتقد أن مكانته تفوق مكانة الآباء المؤسسين، وأن كل ما فعله خلال حكوماته المتعاقبة "يندرج في إطار هذه الورشة التصحيحية" التي يقودها بدوافع "ثيولوجية" ويديرها ببراغماتية ومراوغة.
المراحل العملية للتنفيذ
المرحلة الأولى: من النهر إلى البحر
يحلل الرنتاوي أن هدف "دولة اليهود من النهر إلى البحر" يحظى بإجماع الطيف السياسي الإسرائيلي، وقد أقره الكنيست مرتين من خلال "قانون القومية 2018" وتوصية منع قيام دولة فلسطينية. ويشير إلى أن "حرب الإبادة والتطهير العرقي في غزة، ومساعي التهجير القسري" تجري على قدم وساق، بينما في الضفة الغربية تستمر عمليات "تهويد القدس" و"تصفية المخيمات بتدرج منهجي منظم".
المرحلة الثانية: التوسع شمالاً
يوضح الرنتاوي أن الشق الثاني من المشروع "يمتد إلى سوريا ولبنان"، ابتداءً من "بسط السيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، والتوسع في احتلال مساحات جديدة من الأرض السورية"، وصولاً إلى الترويج لـ"حلف الأقليات" و"ممر داود" الذي يصل إلى شرق الفرات. كما يشمل ذلك "احتلال مناطق جديدة" في لبنان و"توسيع المنطقة الأمنية إلى شمالي الليطاني".
ازدواجية المعايير الدولية
يسلط الريماوي الضوء على "ازدواجية المعايير التي تهيمن على الساحة الدولية"، حيث "تُدان الفصائل الفلسطينية بشدة لمجرد إعلانها السعي لإقامة دولة فلسطينية من النهر إلى البحر"، بينما "تمر التصريحات الإسرائيلية الرسمية الداعية علنًا للتوسع والضم مرور الكرام". ويؤكد أن هذا المعيار المزدوج "ينسف منظومة القانون الدولي التي قامت على مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة".
تدعم د. موسى هذا التحليل بملاحظة أن "خطاب إسرائيل رغم كل الضغوط من دول عدة في العالم، فإنها تبدو في وضع سياسي مرتاح، أي أنها تصرح وتتصرف بوصفها دولة رابحة ومنتصرة".
التساؤلات الاستراتيجية
يطرح الريماوي تساؤلات جوهرية حول مستقبل المنطقة: "هل كان السلام بين مصر وإسرائيل مجرد هدنة مؤقتة وخديعة استراتيجية؟ وهل كانت اتفاقيات أوسلو ووادي عربة إلا محطات في خطة أشمل لإعادة تشكيل الخريطة السياسية بما يخدم التوسع الإسرائيلي؟"
تتقاطع د. موسى مع هذه التساؤلات بطرحها: "هل الدول العربية التي آمنت بالتفاوض وبالقبول الاضطراري بإسرائيل قد أخطأت؟" وتشير إلى أن الوضع "إشكالي وكأنه يجر أخطاء بدايات الصراع العربي - الإسرائيلي".
الاستراتيجية الإسرائيلية متعددة الأبعاد
يحلل الرنتاوي أن إسرائيل تعتمد على استراتيجية مرنة تتضمن "السيطرة المباشرة على أراضٍ جديدة، وتهجير سكانها" من جهة، و"توسيع نطاق السيطرة الأمنية الإستراتيجية، دون نشر قوات على الأرض" من جهة أخرى، معتمدة على "تفوقها الجوي الكاسح، وخلق أحزمة أمنية في عمق هذه البلدان".
الرسائل والتحذيرات
يؤكد الريماوي أن "ما يحدث اليوم ليس مجرد تصريح مثير للجدل، بل هو إنذار واضح بأن إسرائيل لا ترى في نفسها طرفاً في صراع يمكن تسويته، بل قوة استعمارية في مشروع مفتوح". ويحذر من أن "غزة التي تقاوم اليوم ليست إلا الحلقة الأولى في سلسلة حلقات، وأن الدور قادم على كل من يظن أن عاصمته محصنة".
في السياق ذاته، تشير د. موسى إلى أن إعلان "إسرائيل الكبرى" يهدف إلى "بلبلة الأوضاع وإضعاف كل الأطراف التي تعمل من أجل معالجة التوتر في المنطقة"، وتحذر من أن هذا "نوع من تأجيج الأوضاع والاستفزاز حتى يتم استدراج هذه الأطراف لمعارك تخص مشروع إسرائيل الكبرى".
خلاصة وتوقعات
يتفق الكتاب الثلاثة على أن تصريحات نتنياهو حول "إسرائيل الكبرى" تمثل نقطة تحول في الخطاب الإسرائيلي الرسمي، من التلميح إلى التصريح، ومن المناورة إلى الكشف الصريح عن المشروع التوسعي. هذا التحول يعكس شعوراً إسرائيلياً بالقوة والثقة في القدرة على تحقيق هذه الأهداف، خاصة في ظل الانشغال العربي والدولي بأزمات أخرى.
كما يتفقون على أن هذا المشروع لا يستهدف فلسطين فحسب، بل يشمل أجزاء من مصر ولبنان وسوريا والأردن، مما يضع المنطقة بأسرها أمام تحدٍ وجودي يتطلب إعادة النظر في الاستراتيجيات والسياسات المتبعة.
الرسالة واضحة: المشروع الصهيوني لا يتوقف عند حدود معينة، وما يحدث في غزة اليوم قد يكون مقدمة لما قد يحدث في أماكن أخرى غداً، إذا لم تتحرك المنطقة والعالم لوضع حد لهذه الطموحات التوسعية.